تركيا والدولة الأكثر خطرا عليها

صورة سابقة للسفينة مرمرة في أحد موانيء إسطنبول - "الجنائية ومرمرة".. إدانة لإسرائيل وإحجام عن معاقبتها
الجزيرة

شروط تركية
نبرة إيجابية
عوائق

تصدرت إسرائيل قائمة الدول الأكثر خطرا على تركيا طبقا لاستبيان حول توجهات الرأي العام التركي أجرته مؤخرا جامعة قدير خاص التركية، وكانت إسرائيل قد حلت في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة طبقا لنفس الاستبيان في عام 2013.

ولعله من السهل الخروج بنتيجة عامة مفادها أن الرأي العام التركي تغلب على توجهه كراهية دولة الاحتلال الإسرائيلي بشكل كبير والتضامن مع الفلسطينيين في ما يتعرضون له من معاناة جراء ممارسات الاحتلال.

ولعله أيضا لم ينس بعد أن إسرائيل قتلت عشرة أتراك مدنيين كانوا على متن سفينة إغاثية في 2010، وقد تأثر كثيرا بحادثة إحراق الطفل الرضيع علي دوابشة مؤخرا بأيدي مستوطنين إسرائيليين في نابلس.

حاولت إسرائيل خلال الفترة الماضية إيجاد بدائل تعوضها عن تركيا التي قطعت العلاقات الدبلوماسية وجمدت عددا من الاتفاقيات العسكرية، ولكن مع الأيام كانت هناك قناعات متزايدة في تل أبيب أنه لا يوجد بديل يمكن أن يعوض تركيا تماما

لكن بعضا من المراقبين -خاصة من الغربيين الذين يرغبون بعودة العلاقات التركية الإسرائيلية- يرون أن نتائج مثل هذا الاستبيان يمكن التغيير فيها مع مرور الوقت استنادا للعلاقات الجيدة السابقة بين البلدين، خصوصا أن هناك عوامل مهمة يمكن أن تدفع باتجاه عودة السفراء في البلدين.

شروط تركية
أما الحكومة التركية فقد وضعت ثلاثة شروط أمام عودة العلاقات، ووضعت الكرة في الملعب الإسرائيلي كما جاء في تعبير وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو قبل أيام، حيث أعرب عن عدم ممانعة بلاده عودة العلاقات طالما التزمت إسرائيل بكامل الشروط التي وضعتها بلاده، والتي تم تنفيذ أحدها وهو الاعتذار، فيما تم التوافق على صيغة أولية للثاني وهو تعويض أسر الضحايا، ويقال إن الشرط الثالث -وهو فك الحصار عن قطاع غزة– يجري التفاهم عليه حاليا.

يذكر أن عملية التفاهم على صيغة الاعتذار أخذت وقتا طويلا ولقاءات سرية، وكان السبب في ذلك تعنت كل من نتنياهو وليبرمان، ولكن بعدما بدأ تنظيم الدولة سيطرته الفعلية على أول مدينة سورية وهي الرقة، وكان أصدقاء أردوغان من الإخوان المسلمين في مصر قد نجحوا في الانتخابات البرلمانية والرئاسية وجدت إسرائيل التي شعرت بالحاجة إلى التعاون مع تركيا المدخل الأقل إهانة لها هو قبول نتنياهو بالاعتذار عبر هاتف الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي بدأ الاتصال مع رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان.

وفيما حاولت إسرائيل خلال تلك الفترة أن تقوم بإيجاد بدائل تعوضها عن تركيا التي قطعت العلاقات الدبلوماسية وجمدت عددا من الاتفاقيات العسكرية ولم تقم بعقد أي اتفاقية اقتصادية توجهت إلى البلقان واليونان وقبرص وغيرها ولكن مع الأيام كانت هناك قناعات متزايدة في تل أبيب أنه لا يوجد بديل يمكن أن يعوض تركيا تماما.

وربما جلس قادة عسكريون وأمنيون في إسرائيل يتذكرون تلك الأيام الذهبية التي عاشتها العلاقة في 1997 و1998 واستمرت بذات الزخم تقريبا حتى مطلع عام 2009 مع بعض الشوائب تقريبا التي كان من أهمها اعتراض إسرائيل على استقبال قيادة حماس في أنقرة بعد فوز الأخيرة في انتخابات 2006.

وخلال السنوات الماضية عقدت عدة لقاءات بين البلدين من أجل العمل على عودة العلاقات، ولكن الاجتماع الذي أُجري في روما منتصف يونيو/حزيران الماضي بين مسؤولين رفيعين في وزارتي الخارجية في كلا البلدين، هما القائم بأعمال وزارة الخارجية الإسرائيلية دوري غولد، وفريدون سينيرلي أوغلو نائب وزير الخارجية التركي أعطى زخما جديدا حول جدية المحادثات المتعلقة بعودة العلاقات، خاصة أنها جاءت في وقت متزامن مع محادثات تركية أميركية حول مشاركة تركيا في التحالف ضد تنظيم الدولة.

التبادل التجاري بين البلدين تزايد بصورة كبيرة رغم الأزمة الدبلوماسية، وقد وصل إلى أكثر من خمسة مليارات دولار، وتأمل إسرائيل زيادته إلى ثمانية مليارات دولار مع العلم أن الزيادة حسب المصادر الرسمية التركية ترجع إلى زيادة في الأعمال التجارية في القطاع الخاص بين البلدين

نبرة إيجابية
وفي هذا السياق، وبعد حديث بولنت أرنتش نائب رئيس الوزراء التركي مع قناة تلفزيونية إسرائيلية مؤخرا فإن التصريح الأحدث لمسؤول إسرائيلي حول تركيا مع صحيفة ديلي صباح التركية -وفي إطار التعليق على المباحثات الجارية- حمل الكثير من المعاني في إطار التمهيد لعودة العلاقات، حيث أكدت القائمة بأعمال السفارة الإسرائيلية في أنقرة أميرة أورو في التاسع من أغسطس/آب الجاري على عدة نقاط مهمة:

1- إسرائيل تدعم حق تركيا في الدفاع عن نفسها في مواجهة المنظمات الإرهابية.
2- إسرائيل ترى أن الأسد قد فقد شرعيته منذ زمن، وأن الحل في سوريا لابد أن يكون بدونه.
3- على تركيا وإسرائيل أن تتعاونا معا على مواجهة الأسد.
4- إسرائيل تدرك أن تركيا لاعب مهم في شأن غزة.
5- إسرائيل تدعم التوجهات الإنسانية لتركيا في غزة.

وربما تكون هذه التصريحات الإسرائيلية جديدة من حيث نبرتها ومضمونها في الإشارة إلى العلاقات مع تركيا مقارنة بتصريحات سابقة لموشيه يعلون وأفيغدور ليبرمان.

وفي الواقع هناك عدد من العوامل التي تحث إسرائيل على العمل بجدية لاستعادة العلاقات مع تركيا في هذا الوقت تحديدا:

1- شعور إسرائيل بأن الفرصة مواتية مع عدم قدرة حزب العدالة على تشكيل الحكومة بمفرده.
2- إنجاز الاتفاق حول المشروع النووي الإيراني، والعمل على التركيز على نقطة أن إيران تعمل على عرقلة دور تركيا في المنطقة كما جاء في أحد تصريحات دوري غولد.

3- الحاجة للتعاون مع تركيا في ما يخص الملف السوري وما يتعلق بتنظيم الدولة والمنظمات الجهادية الأخرى، خاصة مع استشعار الضغط الأميركي للاستفادة من تعاون الطرفين.

4- عدم وجود خيارات جيدة لدى إسرائيل تعوض تركيا في موضوع تصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا، خاصة أن موعد التصدير المتوقع لأحد حقول الغاز المكتشفة هو في العام 2017 وهو ما يستدعي ضرورة التوصل لاتفاقيات في أقرب وقت.

5- الرغبة في استعادة بعض المزايا السابقة المتعلقة بالتعاون العسكري المشترك والصفقات العسكرية.

من أهم العوائق التي تقف أمام عودة العلاقات هو علاقات تركيا مع الحركات الإسلامية عموما والموقف التركي من القضية الفلسطينية والعلاقة مع حماس خصوصا، وقد بدا ذلك واضحا في استياء إسرائيل من زيارة خالد مشعل الأخيرة ولقاءاته بمسؤولين أتراك

هناك نقطة أخرى تجدر الإشارة إليها وهي أن التبادل التجاري بين البلدين قد تزايد بصورة كبيرة على الرغم من الأزمة الدبلوماسية، وقد وصل إلى أكثر من خمسة مليارات دولار وتأمل إسرائيل في زيادته إلى ثمانية مليارات دولار، مع العلم أن الزيادة حسب المصادر الرسمية التركية ترجع إلى زيادة في الأعمال التجارية في القطاع الخاص بين البلدين وليس لاتفاقيات تجارية بين حكومتي البلدين حيث لم يتم عقد أي اتفاقية منذ العام 2010.

عوائق
أما العوائق التي تقف أمام عودة العلاقات فمن أهمها علاقات تركيا مع الحركات الإسلامية عموما والموقف التركي من القضية الفلسطينية والعلاقات مع حركة حماس خصوصا، حيث بدا ذلك واضحا في الاستياء الإسرائيلي من زيارة خالد مشعل الأخيرة ولقائه مع الرئيس التركي ورئيس وزرائه في 12 أغسطس/آب 2015.

لكن تركيا تبرر علاقاتها مع حماس بجهود تبذلها لدفع الحركة لتبني المسار السياسي، كما تعد علاقات إسرائيل مع حزب العمال الكردستاني والحديث عن دعمها مشروع إقامة كيان كردي شمال سوريا أحد العوائق المهمة.

يمكن القول إن الأجواء الإيجابية التي تشي بها تصريحات مسؤولين في الحكومتين مقارنة بتصريحات في أوقات سابقة تدل على أن الوصول لاتفاق يقضي بعودة السفراء أمرا ليس مستبعدا، لكن إسرائيل التي تتابع تطورات المشهد التركي الداخلي تمني نفسها بالتأكيد بمزيد من التراجع لحزب العدالة في الانتخابات القادمة المتوقعة.

لكن قد تأتي الرياح بما لا تشتهي تل أبيب، لذا فهي حريصة على بذل مزيد من الجهد في هذا الوقت على الأقل لعودة العلاقات الدبلوماسية ثم البناء على هذا لاحقا وفق ما تقتضيه مصلحتها، وفي النهاية يمكننا القول إن عودة السفراء لا تعني عودة العلاقات لحالها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.