هل يتدخل العرب عسكريا في ليبيا؟
لم تعترف حكومة عبد الله الثني بمدينة البيضاء شرقي ليبيا التابعة لمجلس النواب الليبي فقط بفشلها في فرض الأمن والاستقرار بمناطق النزاع في ليبيا سواء تلك التي تشهد صراعا قبليا كالكفرة وسبها أو التي تعرف الحروب ذات الطابع العقدي كدرنة وسرت وبنغازي، بل استدعت من وصفتها بالدول الشقيقة لتوجيه ضربات جوية لمعاقل تنظيم الدولة الإسلامية في مدينة سرت وسط ليبيا تحت إشرافها، وذلك تفعيلا لاتفاقية الدفاع العربي المشترك.
فهم البعض طلب الحكومة الليبية المؤقتة التدخلَ العربي على أساس أنه إعلان لفشل عملية الكرامة التي أعلنها وشنها اللواء المتقاعد خليفة حفتر في السادس عشر من مايو/أيار 2014 على مدينة بنغازي وعدة مدن ليبية أخرى بدعوى محاربة الإرهاب والتطرف والقضاء على جماعات الإسلام السياسي.
فرغم الدعم الخارجي المعلن الذي تلقته عملية الكرامة من دولتي مصر والإمارات، وغير المعلن من السعودية والولايات المتحدة الأميركية وبعض دول الاتحاد الأوروبي وروسيا، سواء بالتغاضي عن تزويد مليشيات حفتر بالسلاح رغم خضوع ليبيا لحظر دولي على توريد الأسلحة.
فهم البعض طلب الحكومة الليبية المؤقتة التدخلَ العربي على أساس أنه إعلان لفشل عملية الكرامة التي شنها اللواء المتقاعد خليفة حفتر على مدن ليبية بدعوى محاربة الإرهاب والتطرف والقضاء على جماعات الإسلام السياسي |
ورغم التجنيد المستمر لعملية الكرامة لشباب القبائل في شرق ليبيا من المدنيين وبقايا العسكريين السابقين، واستجلاب عناصر من التبو الليبيين والتشاديين إلى مناطق القتال داخل مدينة بنغازي شرق ليبيا.
ورغم القصف الجوي على مدن درنة وبنغازي من طائرات تابعة لسلاح الجو الموالي لعملية الكرامة، فإن كل ذلك أدى إلى عدة نتائج -ليس من بينها القضاء على تنظيم الدولة وأنصار الشريعة- منها تدمير أجزاء كبيرة من أحياء بنغازي الشرقية، وإحراق عدد من مؤسسات الدولة، والقتل على الهوية، وتفسخ النسيج الاجتماعي والنزوح الجماعي لآلاف العائلات، وتدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية.
في اليوم ذاته الذي ظهر فيه بيان حكومة الثني ودعوتها لدول عربية بتوجيه ضربات جوية، وهو الخامس عشر من أغسطس/آب الجاري، خرج بيان لحزب تحالف القوى الوطنية على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك يطالب فيه كل فرقاء الأزمة السياسية الموقعين بالأحرف الأولى على مسودة الاتفاق السياسي الرابعة المعدلة بتوقيع عريضة موجهة إلى مجلس الأمن الدولي بشأن حماية المدنيين في مدينة سرت وسط ليبيا.
الحزب الذي يقوده رئيس المكتب التنفيذي السابق محمود جبريل من دولة الإمارات العربية، هدد باتخاذ إجراءات وخطوات لم يسمها في حالة عدم توقيع العريضة أو بالأحرى عدم تدخل مجلس الأمن الدولي بشكل عاجل لحماية المدنيين خاصة في الحي الثالث داخل مدينة سرت، الذي تعرض لهجوم من تنظيم الدولة بعد انتفاضة بعض أهالي المدينة من قبيلة "الفرجان" و"القذاذفة" مدعومين ببعض أنصار التيار السلفي المدخلي على خلفية مقتل إمام مسجد فرجاني وسلفي في آن.
عند تفكيك بيان حزب تحالف القوى الوطنية يمكن بطريقة أو بأخرى فهم أنه يدفع باتجاه خيار حكومة الثني، وهو توجيه ضربات جوية لمواقع تنظيم الدولة في مدينة سرت. فتطابق صيغة حماية المدنيين التي نادى بها بيان الحزب، وهي نفسها التي استعملها مجلس الأمن الدولي في قراراته السابقة كحجة للدول الخمس الكبرى لضرب أنظمة دفاع نظام العقيد الراحل معمر القذافي وشل كتائبه عن إبادة المدن الليبية التي انتفضت عليه في شرق وغرب وجنوب ليبيا إبان ثورة فبراير/شباط 2011.
عانت مدينة سرت من فراغ أمني بعد تحريرها من نظام القذافي، إذ تركتها كتائب الثوار من مدن غرب وشرق ليبيا كخاصرة رخوة قريبة ليست من مدينة مصراتة التي تقع غربها 200 كلم، بل قريبة أيضا من منابع النفط في منطقة برقة |
أيضا تركيز الحزب على عبارات من مثل "عريضة جماعية" و"توقيع جميع المتحاورين" يستشف منه أن الحزب يضغط على حزب العدالة والبناء الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين الليبية، وعلى حزب الوطن برئاسة القيادي السابق بالجماعة الإسلامية المقاتلة عبد الحكيم بلحاج لتوقيع عريضة من الممكن أن تطالب دولا عربية بتوجيه ضربات جوية.
وهي الخطوة التي رد عليها مبكرا حزب العدالة والبناء على صفحته الرسمية بفيسبوك، حيث أكد الحزب أن مكافحة الإرهاب وتنظيم الدولة لن تتأتى إلا عبر حكومة توافق وطني كثمرة للحوار الذي ترعاه بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، تحظى بدعم شعبي، في خطوة استباقية من الحزب على محاولة الزج به في طلب أي تدخل عسكري في ليبيا، حتى ولو كان محدود الأهداف.
الدول العربية الموصوفة بالشقيقة المؤهلة للتدخل العسكري الجوي هي كالعادة التحالف المصري الإماراتي الذي سبق له أن وجه ضربات مماثلة لمواقع تابعة لعملية فجر ليبيا بالعاصمة الليبية طرابلس في أغسطس/آب من العام الماضي، باعتبارهما الدولتين الأكثر دعما لحكومة عبد الله الثني ومجلس النواب في طبرق شرقب ليبيا وعملية الكرامة بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر صاحب العلاقات المتينة بهاتين الدولتين.
المملكة العربية السعودية ليس مرجحا تدخلها في الوقت الراهن على الأقل في ظل حربها على الحوثيين، ومحاولتها إعادة ترتيب المشهد اليمني، والحد من التدخل الإيراني في دول جوارها الخليجي، وبناء تحالفات جديدة خارج الصيغة الأميركية التقليدية المعروفة منذ أربعينيات القرن الماضي.
قد يفقد نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي مبررات مقنعة إذا تدخل بشكل علني في قصف مواقع داخل مدينة سرت الليبية، باعتبار أن المدينة تبعد عن أقرب نقطة حدودية مصرية أكثر من ألف كيلومتر، كما أن اتفاقية الدفاع المشترك لا تسعف في هذه الحالة كدافع قوي للتدخل العلني في ليبيا، باعتبار أن دولا أخرى كـسوريا والعراق تعاني أضعاف ما تعانيه سرت خاصة وليبيا عامة من جرائم تنظيم الدولة ولم تتدخل فيهما دول عربية استنادا لاتفاقية الدفاع.
قد يفقد السيسي مبررات مقنعة إذا ما تدخل بقصف مواقع داخل مدينة سرت، باعتبار أنها تبعد عن أقرب نقطة حدودية مصرية أكثر من ألف كيلومتر، كما أن اتفاقية الدفاع المشترك لا تسعفه، فدول أخرى كسوريا والعراق تعاني أضعاف ما تعانيه سرت |
لقد عانت مدينة سرت من فراغ أمني بعد تحريرها من نظام القذافي في أكتوبر/كانون الأول 2011، إذ تركتها كتائب الثوار من مدن غرب وشرق ليبيا كخاصرة رخوة قريبة ليست من مدينة مصراتة التي تقع غربها 200 كلم، بل قريبة أيضا من منابع النفط في منطقة برقة التاريخية، ومنفذ على الجنوب الليبي.
بسبب هذا الفراغ تجمعت في المدينة تنظيمات إسلامية متشددة كتنظيم أنصار الشريعة الذي سرعان ما تخلى عن مكانته لتنظيم الدولة، الذي استطاع أن يجند ليبيين كانوا ضمن كتائب النظام السابق، رأوا أن التنظيم سيحميهم من بطش كتائب ثوار فبراير، إضافة إلى التحاق أعداد من تونس والجزائر ومالي والسودان بالتنظيم في سرت على اعتبارها الأقل خطرا عليهم بسبب طمس معالم الدولة من المعسكرات والمحاكم ومراكز الشرطة فضلا على انكسار أهلها وقلة الأسلحة النوعية فيها.
استفاد تنظيم الدولة الإسلامية من تجربة فرعه في مدينة درنة شرق ليبيا من حيث ضرورة التعامل بقوة مع كل محاولة للاشتباك مع عناصره داخل مدينة سرت، إذ إن طرده من درنة إلى منطقة الفتايح شرق المدينة 20 كلم وهروب بعض أفراده عبر مسالك صحراوية إلى بنغازي وسرت كأول هزيمة محققة للتنظيم دون مساندة طيران حربي داخل المدينة، وعلى يد مقاتلين غير مدربين تدريبا عسكريا عصريا، أشعل لدى قيادات التنظيم بسرت وبنغازي الضوء الأحمر، خاصة وأن التجربة قابلة للتكرار.
تبقى خيارات مجلس النواب الليبي كمؤسسة تشريعية معبرة عن قطاع من الليبيين، وحكومة الثني المنبثقة عنه محصورة في التدخل العسكري الخارجي، أو مدها بأسلحة نوعية تحسم معركته في جهات ليبيا الثلاث، بينما خيارات المؤتمر الوطني العام الليبي وعملية فجر ليبيا التي يتبع جزء منها المؤتمر هي المحافظة على ما لديه من سيطرة في غرب ليبيا.
هي بالتأكيد خيارات عدمية أو قريبة من ذلك، لأنها لا تؤسس رؤاها على سلام دائم وشامل، بل تدار من شركاء إقليميين تتجاوز أهدافهم مجرد إفشال التغيير الذي وعدت به ثورة فبراير/شباط.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.