أساطيل الحرية في بعديها السياسي والإنساني

أسطول الحرية الثالث بالسويد


يلحظ المتابع تنامي حالة الانحياز أو التفاعل الإيجابي شعبيا ورسميا في عدد كبير من دول العالم مع الحق الفلسطيني خلال السنوات الأخيرة، نظرا لانكشاف صورة إسرائيل العنصرية.

ففضلا عن التقتيل والتشريد والاحتلال، أصدرت إسرائيل رزمة من القوانين الجائرة بحق الفلسطينيين، لكن الأخطر كان الحصار الإسرائيلي المحكم على قطاع غزة منذ صيف عام 2007، ناهيك عن الحروب الشرسة المتكررة التي شنها الجيش الإسرائيلي على القطاع في نهاية عام 2008 وبداية عام 2009، وفي عام 2012، وصيف العام الفائت 2014، حيث سقط نحو 2200 شهيد.

وتبعا لمعاناة أهالي غزة العزل بفعل الحصار المديد والعدوان الإسرائيلي المتكرر، تم ابتكار نوع جديد من أنواع التضامن مع غزة، بغية فك الحصار عنها، يتمثل في تسيير ثلاثة أساطيل حرية -حتى الآن- باتجاه ساحل غزة منذ عام 2010 وحتى نهاية شهر يونيو/حزيران الماضي.

وقد تم تسيير أسطول الحرية الأول باتجاه غزة في عام 2010، حيث هاجمت قوات كوماندوز تابعة للبحرية الإسرائيلية بالرصاص الحي والغازات المسيلة للدموع سفينة "مافي مرمرة" -أكبر سفن الأسطول المتوجه إلى القطاع- وعلى متنها أكثر من خمسمئة متضامن مع الشعب الفلسطيني، معظمهم من الأتراك، وذلك أثناء إبحارها في المياه الدولية، في عرض البحر المتوسط، ما أسفر عن استشهاد عشرة من المتضامنين الأتراك، وجرح خمسين آخرين.

قبل أسطول الحرية الحالي كان أسطول الحرية الأول (2010) ورغم أنه لم يصل إلى غزة، وكذلك أسطول الحرية الثاني عام 2011، لكن رسائلهما التضامنية وصلت إلى الشعب الفلسطيني، وأهالي قطاع غزة المحاصرين

ورغم أن أسطول الحرية الأول لم يصل إلى غزة في عام 2010، وكذلك أسطول الحرية الثاني في عام 2011، لكن رسائلهما التضامنية وصلت إلى الشعب الفلسطيني، وإلى أهالي قطاع غزة المحاصرين.

وتكشفت مجازر إسرائيل وإرهابها المنظم من جديد بعد قتلها وجرحها لعدد كبير من المتضامنين مع الشعب الفلسطيني، خاصة بعد اقتحام سفينة مرمرة قبل خمس سنوات، الأمر الذي عزز فكرة الاستمرار بأساطيل الحرية لتخفيف المعاناة عن سكان أهالي قطاع غزة البالغ عددهم (1.6) مليون فلسطيني من جهة، وفك الحصار من جهة أخرى.

كان لأسطول الحرية الثالث زخم إعلامي وسياسي واسع، حيث شارك فيه عدد من الفنانين والمثقفين والسياسيين والرياضيين من العالم، وعلى رأسهم الرئيس التونسي السابق الدكتور المنصف المرزوقي، والناشط الأسترالي روبرت مارتين، والبرلماني الأردني يحيى السعود، والراهبة الإسبانية تيريزا فوركادس، والناشط الكندي روبرت لوف لايس، إضافة للنائب العربي في الكنيست باسل غطاس.

وقد أقيمت عدة وقفات في دول أوروبية لدعم هذا الأسطول، كما وقع حوالي مئة نائب في البرلمان الأوروبي عريضة يدعمونه فيها ويدعون عبرها إلى رفع الحصار عن غزة وعدم التعرض له من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، من بينهم ديمتريوس باباديموليس نائب رئيس البرلمان.

كما عقد نواب في البرلمان الأوروبي ندوة صحفية في 26 مايو/أيار الماضي، أعلنوا فيها دعمهم لأسطول الحرية الثالث. وفي السياق ذاته، التقى وفد من الحملة الأوروبية لكسر الحصار عن غزة مع وزيرة الخارجية السويدية مارغو والستروم، وبحثوا سبل دعم الأسطول وكذلك الضغط على كل الأطراف لتخفيف الحصار عن القطاع، وأكدت الوزيرة على افتخارها باعتراف بلادها قبل أشهر بدولة فلسطين.

كان لأسطول الحرية الثالث زخم إعلامي وسياسي واسع، حيث شارك فيه عدد من الفنانين والمثقفين والسياسيين والرياضيين من العالم، وعلى رأسهم الرئيس التونسي السابق الدكتور المنصف المرزوقي، والناشط الأسترالي روبرت مارتين

مرة أخرى، ومحاولة منها لإفشال وجهة أسطول الحرية الثالث الذي كان يتألف من خمس سفن، هاجمت إسرائيل السفينة "ماريان" في المياه الدولية، واقتادتها إلى ميناء أسدود، وحالت دون وصول الصحافيين لإجراء مقابلات مع طاقم السفينة أو النشطاء الذين كانوا على متنها.

يجمع محللون سياسيون على أن استخدام إسرائيل للعنف والإرهاب في تعاملها مع سفن كسر الحصار عن غزة، كشف عن عدوانيتها وعدم إنسانيتها وتخبطها في التعامل مع هذا النوع الجديد من أنواع التضامن الأممي مع الشعب الفلسطيني ونصرة حقوقه العادلة.

وفي كل مرة يتحرك فيها أحد أساطيل كسر الحصار يزداد الخوف والهلع نتيجة ذلك، ونتيجة لما يصاحبه من ارتفاع في وتيرة مقاطعة إسرائيل والانزياح المتواتر إلى جانب الحقوق الفلسطينية في العديد من دول العالم، حتى بات الأمر يمثل الشغل الشاغل للمؤسسات ومراكز البحث والأطياف السياسية خلال السنوات الأخيرة، ولهذا كانت ردات الفعل الإسرائيلية إزاء أساطيل الحرية الهادفة إلى كسر الحصار الإسرائيلي على القطاع عنيفة جدا، حتى ضد المتضامنين الذين ينحدرون من دول لها علاقات متينة مع إسرائيل.

مهاجمة فرق من البحرية الإسرائيلية السفينة "ماريان" قبل عدة أيام خلال إبحارها في المياه الدولية والسيطرة عليها واقتيادها إلى ميناء قريب كان تنفيذا لقرار الحكومة الإسرائيلية، حيث جاء الهجوم بعد أن عملت إسرائيل على عرقلة الرحلة من خلال إحداث تخريب في اثنتين من السفن المشاركة، بعدما قامت بالتشويش على أجهزة اتصالاتها.

وللدلالة على مسؤولية الحكومة الإسرائيلية بشكل مباشر عن عملية القرصنة الجديدة ضد أسطول الحرية الثالث، نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية بيانا صادرا عن الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، جاء فيه أن "العملية تمت بموجب قرار المستوى السياسي وبعد استنفاد جميع التوجهات بواسطة القنوات الدبلوماسية من أجل منع السفينة ماريان من الوصول إلى شواطئ قطاع غزة".

وتوضح موقف حكومة نتنياهو من عملية القرصنة ضد سفينة "ماريان" بعد إشادة بنيامين نتنياهو نفسه بجنوده الذين نفذوا العملية، وقال "إنهم نفذوا المهمة بـ "حزم ونجاعة". وزعم أن الرحلة البحرية لا تنطوي على أي معنى سوى "النفاق والأكاذيب". وأضاف "إنها تساعد منظمة حماس الإرهابية وتتجاهل الأهوال التي تقع في المنطقة بأسرها".

رغم عدم وصول أساطيل الحرية إلى غزة المحاصرة، فإن الثابت هو إصرار القائمين على حملات أسطول الحرية على كسر الحصار، وقد يتعزز هذا التوجه في ظل ارتفاع وتيرة التضامن الشعبي مع الفلسطينيين في أنحاء عديدة من العالم

وقال نتنياهو في تصريحات صحفية "إنه ليس هناك حصار يفرض على القطاع وإن بلاده تسمح بدخول السلع والمعدات الإنسانية إليه". لكن تصريحات نتنياهو عارية عن الصحة، فالعالم يدرك حجم الحصار على القطاع، وقد أصدرت منظمات دولية عديدة تقارير مؤخرا تؤكد وجود آثار خطيرة على سكان قطاع غزة، نتيجة الحصار الإسرائيلي المحكم والطويل.

ونتيجة لذلك الحصار الخانق فإن أهالي غزة ينظرون بفخر واعتزاز لأساطيل الحرية، ومن بينها أسطول الحرية الثالث، وما يحمله من رسائل تضامنية لفك الحصار الإسرائيلي المرير عن القطاع.

وتعتبر الفصائل الفلسطينية أن ما حدث بحق السفينة والمتضامنين يُعد قرصنة بحرية، وطالبت المجتمع الدولي والأمم المتحدة بالتحرك بغية تجريم إسرائيل جراء انتهاكها المتواصل للقانون الدولي.

ووفاء للمتضامنين، شارك عدد كبير من أهالي قطاع غزة قبل فترة في مهرجان لإحياء ذكرى ضحايا سفينة "مافي مرمرة" التركية، الذين قتلتهم قوات من البحرية الإسرائيلية، وذلك قرب النصب التذكاري لشهداء سفينة "مرمرة" في ميناء غزة، ليظل هذا الأسطول علامة ذات دلالة ورمزية هامة في تاريخ قطاع غزة، حيث كان من أولى المحاولات الشعبية دوليا لفك الحصار الذي فرضته إسرائيل على القطاع منذ صيف عام 2007.

ويبقى القول، إنه على الرغم من عدم وصول أسطول الحرية الثالث إلى سواحل غزة المحاصرة، فإن الثابت هو إصرار القائمين على حملات أسطول الحرية على كسر الحصار عن قطاع غزة في نهاية المطاف. وقد يتعزز هذا التوجه في ظل ارتفاع وتيرة التضامن الشعبي في العالم مع الشعب الفلسطيني من جهة، ومقاطعة إسرائيل على كافة الصعد من جهة أخرى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.