الحسم الإيراني في سوريا.. وعود بلا مؤشرات

كشف تفجير خلية الأزمة في الثامن عشر من يوليو/تموز عام 2012 عن هشاشة المنظومة العسكرية السورية واعتمادها على أشخاص بعينهم (جلهم يعملون في الأجهزة الأمنية) في إدارة الأزمات، وتلك من أهم مظاهر الدولة العميقة.
فمنذ ذلك التاريخ لم يكسب الجيش السوري أية معركة حاسمة بجهوده الخالصة رغم تفوقه في معظم عناصر القوة مقارنة مع قوات المعارضة المسلحة، فلجأ إلى فتح الفضاء السوري أمام تدخلات الأطراف الخارجية ومقدمتها إيران التي قامت بتقديم المساعدات الاقتصادية والعسكرية.
تصريحات سليماني التي أكد فيها أن الأيام القادمة ستشهد تغيرات تفاجئ العالم، جاءت خلال زيارة له إلى ريف اللاذقية بدأها بزيارة بلدة جورين التي يوجد بها أكبر معسكر لقوات النظام، وجاءت أيضا بعد انتصارات ميدانية لقوات المعارضة |
سيطرت إيران على القرار العسكري السوري من خلال إرسال المستشارين والخبراء العسكريين الذين تولوا مسؤولية التخطيط والإشراف على التنفيذ لمعظم المعارك اللاحقة، كما أرسلت قوات حزب الله اللبناني الذي نجح في استعادة السيطرة على الكتلة الإستراتيجية (حمص والقلمون)، كما قامت بتجنيد وتدريب مجموعات شبابية شيعية من بلدان عدة وإرسالهم إلى سوريا حتى بلغ عددهم عشرات الآلاف بدءا بلواء أبو الفضل العباس وانتهاء بلواء الفاطميين الهزاري.
كما قدمت روسيا الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي للنظام السوري، ورغم كل ذلك فإن مسلسل الهزائم التي مني بها الجيش السوري بقي مستمرا، بل تسارعت وتيرته خلال الأشهر الماضية وتحديدا منذ الإعلان عن تشكيل جيش فتح إدلب، حيث تمكن من السيطرة على معسكري الحامدية ووادي الضيف لتتساقط بعدها المواقع العسكرية السورية كأحجار الدومينو وكان آخرها سقوط مدينتي أريحا وجسر الشغور.
توقف تقدم قوات المعارضة المسلحة أمام بلدة جورين في سهل الغاب وبلدة بسنقول على طريق أريحا جسر الشغور، ونتج ذلك التوقف عن أسباب عدة منها: ضرورة إعادة التنظيم للقوات المقاتلة، وتعويض الخسائر البشرية والمادية وفرض السيطرة الكاملة على المناطق المحررة والتأكد من تأمينها وخلوها من أية عناصر متخفية أو خلايا نائمة، وتحديد اتجاهات العمليات المستقبلية خاصة في ظل تباين الآراء حول أولوية تلك الاتجاهات، حيث يرى البعض ضرورة الإسراع في فتح جبهة الساحل فيما يرى آخرون ضرورة فتح جبهة حلب.
في خضم تلك الأحداث حدثت تطورات دراماتيكية في مسرح العمليات تمثلت في سيطرة تنظيم الدولة على مدينتي الرمادي العراقية وتدمر السورية ثم السيطرة على معبر التنف السوري آخر المعابر السورية بيد النظام، وقد حدث ذلك دون الدخول في معارك حاسمة مما ألقى بظلال من الشك حول سرعة التخلي عنهما مما جعله أقرب إلى التسليم منه إلى السقوط.
أدى سقوط مدينة تدمر والسيطرة على مستودعات الأسلحة فيها إلى تعزيز قدرات تنظيم الدولة القتالية وفتح الجغرافيا السورية أمامه حيث أصبح في مقدوره الحركة باتجاهات عدة وهي:
أولا: الاتجاه الجنوبي الغربي والذي يقود إلى السويداء والقلمون الشرقي.
ثانيا: الاتجاه الغربي والذي يقود إلى الفرقلس/ حمص والسلامية حماة.
ثالثا: الاتجاه الشمالي والذي يقود إلى حلب والجزيرة السورية.
أزمات إيران تمنعها من إرسال الأعداد اللازمة من الحرس الثوري أو قوات الباسيج للإبقاء على نظام الأسد، ولكنها لا تمنعها من استمرار تقديم المساعدات العسكرية المتمثلة في تقديم الأسلحة والذخائر الضرورية وزيادة عدد الخبراء والمستشارين والقادة الميدانيين |
تمكنت قوات تنظيم الدولة من الوصول إلى بلدة صوران (جنوب شرق إعزاز) خلال فترة زمنية قصيرة، وقد ساهم سلاح الجو السوري في تسهيل مهمة تقدمها من خلال قصف قوات المعارضة المسلحة خاصة في بلدة مارع ذات الموقع الإستراتيجي.
كما أدى تقدم قوات تنظيم الدولة إلى إجبار قوات المعارضة المسلحة على تحريك جزء من قواتها من محيط حلب وبعض المناطق الأخرى لوقف تقدم قوات تنظيم الدولة وساهم أيضا في إرباك حساباتها في محافظة إدلب.
في خضم تلك الأحداث الميدانية المتسارعة جاءت زيارة قاسم سليماني إلى ريف اللاذقية وبدأها بزيارة بلدة جورين التي يوجد بها أكبر معسكر لقوات النظام مطلقا تصريحه أن الأيام القادمة ستشهد تغيرات تفاجئ العالم، ليليه علي شمخاني بتصريح مشابه.
وكان موقع " يالثأرات" -وهو الموقع الرسمي لمليشيات أنصار حزب الله الإيراني- قد بين في دراسة حول إدارة الحرب في سوريا أنه على إيران أن ترسل خمسين ألف جندي مشاة للحيلولة دون سقوط نظام الأسد وللمحافظة على الممر الحيوي من دمشق إلى طرطوس واللاذقية وحتى الحدود اللبنانية. فهل تستطيع إيران القيام بذلك؟
تواجه إيران في الفترة الحالية العديد من المشكلات والأزمات منها:
– توقيع الاتفاق النهائي مع مجموعة 5+1 لتتمكن من رفع العقوبات الاقتصادية والتجميد المفروض على أرصدتها.
– عاصفة الحزم اليمنية وتأثيراتها السلبية على الطموحات الإيرانية الهادفة إلى تحقيق السيطرة على مجالها الحيوي المفترض والذي يوصلها إلى مياه البحرين الأبيض والأحمر.
– تمدد تنظيم الدولة في العراق وسيطرته على بلدات جنوب سامراء على مقربة من المرقدين والخشية من عودته إلى محافظة ديالى.
– تآكل قدرات الجيش السوري وعدم قدرته على الاحتفاظ بالأراضي التي تحت سيطرته.
– تزايد خسائر حزب الله اللبناني في معارك القلمون وتصاعد الدعوات المطالبة بانسحابه من سوريا.
يضاف إلى ذلك الأزمات الإيرانية الداخلية والمتمثلة بالتأثيرات السلبية للعقوبات الاقتصادية وما نتج عنها من فقر وبطالة، وتفاقم مشكلة الإقصاء الشعبي وتهميش الأقليات واضطهادها وبدء الحديث عن حراك شعبي في الأحواز ومهاباد وبلوشستان إيران، وتفاقم مشكلة المخدرات والبغاء.
تصريحات قاسم سليماني وعلي شمخاني تأتي ضمن الحرب النفسية ولرفع الروح المعنوية للنظام السوري وقواته، أكثر مما هي تصريحات يمكن ترجمتها بنجاحات على الأرض، خاصة أن ظهور سليماني السابق في مثلث الموت لم يحقق أية انتصارات ولم يحل دون مزيد من الهزائم |
كل ذلك يحول دون تمكين إيران من إرسال الأعداد اللازمة من الحرس الثوري أو قوات الباسيج الإيرانية للإبقاء على نظام الأسد، ولكنه لا يمنعها من استمرار تقديم المساعدات العسكرية المتمثلة في تقديم الأسلحة والذخائر الضرورية وزيادة عدد الخبراء والمستشارين العسكريين والقادة الميدانيين.
هذا بالإضافة إلى إرسال المزيد من مقاتلي الهزارا والمقاتلين العراقيين (ذكرت بعض الأنباء وصول سبعة آلاف مقاتل معظمهم عراقيون وأفغان إلى محيط مدينة دمشق) مما يساعد على زيادة تماسك الخطوط الدفاعية للجيش السوري وتمكينه من شن هجمات محدودة في مناطق جسر الشغور وأريحا (مما يفرض على الثوار تأخير عمليات الساحل ولو مؤقتا)، وريفي درعا والقنيطرة لمنع تطويق العاصمة دمشق، كما تستطيع إيران إعادة هيكلة الجيش السوري لوقف النزيف الداخلي، وتعزيز قوات الدفاع الوطني.
لن تتمكن إيران من الاستمرار في تقديم المساعدات الاقتصادية اللازمة لدعم الاقتصاد السوري المتهالك، حيث لجأت إيران إلى تقديم القروض المالية مقابل ضمانات تمثلت في رهن عقارات وأراض تعود للدولة السورية (طلبت إيران مؤخرا ضمانات بمبلغ 18 مليار دولار مقابل تقديم قَرص بقيمة 4.6 مليارات دولار).
لذا فإن تصريحات قاسم سليماني وعلي شمخاني تأتي في بعد الحرب النفسية المضادة لقوات المعارضة المسلحة، ولرفع الروح المعنوية للنظام السوري وقواته، أكثر مما هي تصريحات يمكن ترجمتها بنجاحات على الأرض، خاصة أن ظهور قاسم سليماني السابق في مثلث الموت (منطقة التلال الإستراتيجية في ريف القنيطرة) لم تحقق أية انتصارات ولم تحول دون مزيد من الهزائم.
كما أن ظهوره مع عشرات المستشارين العسكريين قرب تكريت لم يمكن الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي من تحريرها إلا بعد تدخل طيران التحالف لأربعة أيام متواصلة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.