هل سينجح دي ميستورا في اجتماعات جنيف التشاورية؟

A handout picture provided by the official Syrian Arab News Agency (SANA) shows Syrian President Bashar al-Assad (C-R) meeting with UN Special Envoy on Syria Staffan de Mistura (C-L) and the respective delegations in Damascus, Syria, 10 November 2014. De Mistura is on an official visit to Syria. EPA/SANA/HANDOUT
وكالة الأنباء الأوروبية

مؤشرات النهاية
سباق السياسي والعسكري
مشاورات دي ميستورا

دفعت المتغيرات التي شهدتها الأزمة السورية مؤخرا باتجاه تكهنات حول بداية العد العكسي لنهاية النظام السوري، حيث تشير الوقائع الميدانية والعسكرية التي حصلت مؤخرا على الأرض إلى تقدم كبير للمعارضة السورية المسلحة، وتراجع قوات النظام في المناطق التي كانت تسيطر عليها.

جاء ذلك بعد أن أحرزت فصائل الجبهة الجنوبية تقدما لافتا تجسد أبرزه في السيطرة على منطقة بصرى الشام ومعبر نصيب الحدودي مع الأردن، وحدث الأمر نفسه في جبهة إدلب وريفها، حيث تم دحر قوات النظام وإخراجها من مدينة إدلب وما حولها، ثم سيطرت المعارضة على مدينة جسر الشغور، تلتها السيطرة على حاجز القرميد الإستراتيجي الذي كان يسميه سكان المنطقة "حاجز الموت"، نظرا لدوره في قصف القرى والبلدات المجاورة له، وفي قتل آلاف المدنيين من سكان تلك المناطق خلال السنوات الأربع الماضية.

مؤشرات النهاية
خسائر النظام الفادحة في محافظتي إدلب ودرعا دفعت السفير الأميركي السابق في سوريا روبرت فورد إلى تغيير موقفه من الأزمة السورية بعدما اتخذ منذ مدة مواقف مضادة للمعارضة السورية، وسار في سياق من حاولوا إعادة تأهيل النظام، بينما أجبرته المتغيرات الجديدة على الحديث عن مؤشرات نهاية نظام الأسد.

تقدم قوات المعارضة في إدلب وجسر الشغور وريف حماة، والتقدم نحو مناطق في سهل الغاب يجعلانها على تماس مباشر مع مناطق محافظة اللاذقية التي تعد الخزان البشري لقوات النظام، الأمر الذي حفز فصائل المعارضة في حلب، فأعلنت تشكيل جيش "فتح حلب" إيذانا باقتراب موعد بدء معركة تحرير حلب

وهي المؤشرات التي وجدها في "هشاشة جبهات حلب لصعوبة خطوط الإمداد، وصراعات السلطة التي تجسدت في إقالة شحادة وهروب حافظ مخلوف ومقتل منذر الأسد ورستم غزالة، والتذمر الكبير في صفوف العلويين مع مقتل عشرات الآلاف من أبنائهم، وفشل حملات النظام في التجنيد الإجباري بكل من محافظتي اللاذقية والسويداء".

واعتبر أن ما يجري هو "حرب استنزاف للنظام، لأنه يمثل حكم أقلية، والدعم الذي يتلقاه من إيران وروسيا هو فقط لإطالة أمد النزاع لا أكثر".

والواقع أن تقدم قوات المعارضة في إدلب وجسر الشغور وريف حماة، والتقدم نحو مناطق في سهل الغاب يجعلانها على تماس مباشر مع مناطق محافظة اللادقية التي تعد الخزان البشري لقوات النظام، الأمر الذي حفز فصائل المعارضة في حلب فأعلنت تشكيل جيش "فتح حلب" تحت قيادة مشتركة في "غرفة عمليات حلب" إيذانا باقتراب موعد بدء معركة تحرير حلب.

ولا شك أن الخسائر والتراجع التي شهدتها قوات النظام تضاف إلى انهيار النظام اقتصاديا بعد انهياره أخلاقيا وإنسانيا وبدء تآكل حاضنته الشعبية الذي ظهر في صورة تآكل من الداخل بعد أن بلغت الصراعات بين المسؤولين الأمنيين والعسكريين في النظام حدا دمويا وصل إلى آل الأسد أنفسهم، فاختفى آل مخلوف الذين اعتادوا على الدوام تغذية آلة القتل بالأموال التي نهبوها من الشعب السوري، ولم يبق سوى رأس النظام المثبت بقوة الاحتلال الإيراني، إضافة إلى بعض قادة الأجهزة الأمنية الذي أوغلوا في إراقة دم السوريين.

سباق السياسي والعسكري
شكلت هذه التطورات مناسبة مهمة لتفنيد الرهان على احتمال بقاء بشار الأسد في السلطة، وتأكيد احتمالات انهياره، وأطلقت سباقا بدأ بين الحل العسكري والسياسي، وهو أمر التقطته دوائر صنع القرار في العواصم الدولية الفاعلة، ودفع الأمين العام للأمم المتحدة إلى الإيعاز لمبعوثه الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا كي يبدأ فورا اتصالاته مع كافة القوى الفاعلة في الملف السوري بغية إطلاق مشاورات بين جميع الأطراف حول إمكانية عقد مؤتمر جنيف3، للبحث في ممكنات حل سياسي للأزمة السورية.

ويبدو أن رياح "عاصفة الحزم" غير بعيدة عن سوريا، لكن ذلك لا يعني أنها قد تشهد العاصفة ذاتها بل العديد من المتغيرات والوقائع -داخليا في سوريا، وعربيا وإقليميا- دفعت باتجاه تغيير موازين القوى على الأرض في غير صالح النظام السوري الذي تحول رأسه إلى مفوض غير سام للمحتل الإيراني.

وتأتي في مقدمة التغيرات العربية والإقليمية عودة التفاهم والتوافق بين الدولة التركية والمملكة العربية السعودية ودولة قطر، الأمر الذي انعكس على الإمدادات والتنسيق بين الثوار، وتشكيل غرف علميات مشتركة على مختلف الجبهات.

يبدو أن رياح "عاصفة الحزم" غير بعيدة عن سوريا، لكن ذلك لا يعني أنها قد تشهد العاصفة ذاتها، بل العديد من المتغيرات والوقائع -داخليا في سوريا، وعربيا وإقليميا- دفعت باتجاه تغيير موازين القوى على الأرض في غير صالح النظام الذي تحول رأسه إلى مفوض غير سام للمحتل الإيراني

وامتد التنسيق إلى اتفاق بين الهيئة السياسية للائتلاف الوطني السوري وممثلين عن فصائل من الجيش السوري الحر وعدد فصائل إسلامية مسلحة، وعن المجالس المحلية، وصدر بيان عن هذه القوى السياسية والثورية والعسكرية هو الأول من نوعه أكد على "خمسة بنود أساسية"، أولها أن "لا حل إلا بإسقاط نظام الإجرام والاستبداد بكل رموزه ومرتكزاته وأجهزته الأمنية، وألا يكون لرأس النظام وزمرته الحاكمة أي دور في المرحلة الانتقالية وفي مستقبل سوريا".

ولم يغلق البيان الباب أم أي حل سياسي للأزمة، بل أكد على أن يكون "الحل كاملا وشاملا لكل القضية السورية"، الأمر الذي يعطي إشارة إلى توحيد المواقف تجاه ما يطرحه المبعوث الأممي الخاص لسوريا ستيفان دي ميستورا بخصوص عزمه إطلاق لقاءات تشاورية بشكل منفصل مع ممثلين عن المعارضة والنظام وعن القوى الإقليمية ستبدأ في مقر الأمم المتحدة بمدينة جنيف السويسرية في الرابع من مايو/أيار القادم.

مشاورات دي ميستورا
الملاحظ هو أن دي ميستورا أعلن عزمه "إطلاق مشاورات بحضور جميع أطراف الأزمة السورية والمجتمع المدني" في الشهر الحالي، على أن يقدم في نهاية يونيو/حزيران تقييما للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حول نتائج جلسات التشاور"، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول مدى نجاح مسعاه الذي يأتي بعد أن فشل في خطته التي كانت ترمي إلى "تجميد القتال في حلب".

وللتخفيف من الآمال المعقودة على اللقاءات المقبلة استدرك دي ميستورا بالقول إن اللقاءات التشاورية "لن تشكل مؤتمرا في جنيف، ولن تكون جنيف3، بل هي مشاورات منفصلة سنجريها مع جميع أطراف الأزمة وبشكل منفصل".

وكان لافتا تأكيد المبعوث الأممي على دعوة إيران، مبررا ذلك بالقول "إيران دولة عضو في الأمم المتحدة، وهي أيضا لاعب مهم وأساسي في المنطقة"، لكن الأجدى له أن يطلب من وفد النظام السوري الانضمام إلى الوفد الإيراني لأن ملالي إيران هم أصحاب الكلمة الأقوى في الملف السوري.

ولعل تعويل دي ميستورا على دور إيراني وعلى مشاركة جميع الفاعلين الذين "لم يستثن أحدا" منهم لا يكتمل في سياق "تركيز الجهود على إحياء العملية السياسية، وتقليل الفجوة بين أطراف الأزمة"، ذلك أن فهمه المسألة السورية ينم عن وجود التباس كبير لديه يخص فهم التطورات الحاصلة فيها، كما أنه لم يقرأ درس لقاءات موسكو التشاورية، ولا مفاوضات جنيف التي ظهر فيها أن النظام السوري لم يرسل وفده للتفاوض، بل كي يراوغ ويماطل، وحاول تحويل قطار التفاوض عن سكة الحل السياسي إلى سكة محاربة فصائل المعارضة المسلحة، وتدمير الحاضنة الشعبية للثورة.

والأهم هو أن المبعوث الدولي إلى سوريا لا يمتلك تصورا متكاملا لحل سياسي للمسألة، لذلك لجأ إلى اجتماعات تشاورية سقفها الزمني مديد، ويصعب الحكم على نتائجها، لأن الأمر مرهون بمدى قبول إيران بحل سياسي مقبول وعادل، ومدى قدرتها على إقناع النظام، أو إجباره على التخلي عن الحل العسكري والأمني الذي سار فيه منذ بداية الثورة السورية، وأفضى إلى تدمير البلد وقتل مئات الألوف وتشريد وتشويه الملايين.

لم ينجح دي ميستورا في خطته التي طرحها حول "تجميد القتال في حلب"، فهو ليس مؤهلا لتقديم وساطة فاعلة يمكنها الإسهام في حل سياسي للأزمة السورية، كونه طوال الفترة السابقة لم يقدم ما يلامس معالجة الكارثة التي أصابت السوريين، بل تغاضى عن الحرب الشاملة التي بدأها النظام الأسدي ضد أغلبيتهم

لذلك لم يجد دي ميستورا سوى التأكيد على عدم الانتظار أكثر من ذلك في شأن الأزمة السورية، ولجأ إلى مبرر يفيد بأن "الوضع على الأرض خطير للغاية، مما يستدعي منا مضاعفة الجهود الرامية إلى التوصل لحل سلمي للأزمة"، وكأن الوضع لم يكن كذلك طوال أكثر من أربع سنوات خلت.

ويبدو أن قوى المعارضة السياسية والعسكرية تتجه نحو المشاركة في لقاءات جنيف التشاورية القادمة، كونها تُجرى بشكل منفصل، ولديها النقاط الخمس التي اتفقت عليها، وهي مستندة إلى ما تحقق على الأرض من تقدم، خاصة في ظل الحضور الواسع بعد أن وجه دي ميستورا دعوات لممثلين عن المجتمع المدني، ولآخرين عن ما تسمى المعارضة الداخلية التي يعارض بعض أفرادها من أجل بقاء النظام وليس إسقاطه، الأمر الذي قد يثير انقسامات وتناقضات.

ويكشف واقع الحال أن دي ميستورا لم ينجح في خطته التي طرحها حول "تجميد القتال في حلب"، وأنه ليس مؤهلا لتقديم وساطة فاعلة يمكنها الإسهام في حل سياسي للأزمة السورية كونه طوال الفترة السابقة لم يقدم ما يلامس معالجة الكارثة التي أصابت السوريين، ولم ينظر في مسببات المسألة السورية، بل تغاضى عن الحرب الشاملة التي بدأها النظام الأسدي ضد أغلبيتهم منذ اندلاع الثورة السورية.

بل وحاول اختصار الكارثة السورية بمسألة إرهاب مدعوم عربيا ودوليا، في سياق تسويق مقولة إن النظام يمكن أن يتحول من قاتل دمر أحياء معظم المدن والبلدات السورية وهجر ملايين السوريين إلى ضحية وديعة تدافع عن أغلبية السوريين الذين تحولوا وفق هذا المنطق من ضحايا نظام ظالم ودكتاتوري إلى مجرمين وإرهابيين يستحقون القتل والإبادة والتشريد.

وعليه ووفقا لهذا المنطق فإن العنف هو العلاج الوحيد لسلوكهم الإجرامي بغية استعادة أمن البلاد واستقرارها، وإعادة الجميع إلى مظلة النظام الظالم الجاثم على صدور السوريين منذ أكثر من أربعة عقود من الزمن، وهو أمر لا يمكن أن يحصل مهما كثرت الاجتماعات التشاورية أو المبادرات والخطط، لأن السبيل الوحيد هو إنهاء حكم الأسد وبناء سوريا جديدة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.