الكرد ومعركة الانتخابات التركية

علام ورايات الأحزاب المتنافسة بالانتخابات البرلمانية تكسو شوارع إسطنبول
الجزيرة

الحزب الكردي والانتخابات
حسابات الفوز والخسارة
مستقبل السلام الكردي التركي

تعد الانتخابات البرلمانية التركية التي ستجري في السابع من يونيو/حزيران القادم هي الأهم في تاريخ تركيا منذ تسلم حزب العدالة والتنمية السلطة عام 2002، إذ إنها تأتي في ظل استحقاقات داخلية تتعلق بالانتقال إلى النظام الرئاسي وتحقيق المصالحة الداخلية مع الكرد.

كما ستحدد ملامح المشهد السياسي التركي في المرحلة المقبلة، إذ إن البلاد لن تشهد أي انتخابات بعد ذلك لنحو أربع سنوات، وهو ما يجعل هذه الانتخابات مفصلية وحاسمة للسياستين الداخلية والخارجية، ومع اقتراب موعد الانتخابات وترشح الكرد لها عبر حزب سياسي مستقل، تشكل نتائج هذه الانتخابات واحدة من أهم القضايا التي ستحدد ملامح السياسة التركية المقبلة.

الحزب الكردي والانتخابات

للمرة الأولى يخوض حزب الشعوب الديمقراطية الكردي الذي يعد الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني الانتخابات باعتباره حزبا مستقلا بعد أن كان الكرد يترشحون مستقلين، ثم يقومون بتشكيل حزب سياسي داخل البرلمان إذا حصلوا على أكثر من عشرين مقعدا

للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية التركية، قرر حزب الشعوب الديمقراطية الكردي الذي يعد الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني الترشح للانتخابات التركية باعتباره حزبا مستقلا بعد أن كان الكرد يترشحون لهذه الانتخابات مستقلين، ثم يقومون بتشكيل حزب سياسي داخل البرلمان إذا كانت لديهم كتلة برلمانية مؤلفة من أكثر من عشرين نائبا.

في معرض ترشح الحزب الكردي، ثمة سؤال يطرح بقوة، وهو لماذا قرر الحزب الترشح؟ معظم الإجابات عن هذا السؤال تذهب إلى أربعة عوامل أو أسباب أساسية، وهي:

– الفوز الكبير الذي حققه زعيم الحزب صلاح الدين دميرتاش في الانتخابات الرئاسية التي جرت العام الماضي، حيث حصل على قرابة 10% من مجموع أصوات الناخبين، وهو ما عزز ثقة الكرد بأنفسهم وقدراتهم الانتخابية، وعمليا تنبع هذه الثقة من الكتلة الانتخابية الكردية الكبيرة نسيبا، والتي تقدر بنحو ثمانية ملايين ناخب يتركزون بشكل أساسي في مناطق الجنوب والشرق، فضلا عن المدن الكبرى ولا سيما إسطنبول وأنقرة وأزمير.

– الإنجاز السياسي المتمثل في إطلاق عملية السلام الكردية التركية، وتحول هذه العملية إلى بند مدرج على جدول أعمال السياسة التركية، وقد تعزز هذا الأمر مع صدور بيان مشترك من الحزب الكردي والحكومة التركية في فبراير/شباط الماضي على شكل مسودة بيان يحدد مرجعية السلام على أساس النقاط التي وضعتها كل من الحكومة التركية وزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان.

ورغم أن هذه العملية لم تشهد خطوات عملية بعد ذلك، فإنها كرست حزب الشعوب الديمقراطية ممثلا للكرد في التفاوض مع الحكومة والتطلع إلى إيجاد حل سياسي للقضية الكردية من خلاله.

– تصاعد الدور الإقليمي للكرد في المنطقة في مرحلة ما بعد ثورات الربيع العربي، وتحول الكرد إلى لاعب إقليمي مهم بعد أن كانوا ورقة في الحسابات الإقليمية والدولية، وقد ألهمت معركة عين العرب (كوباني) كرد تركيا وشدت من عصبهم القومي وتطلعهم إلى نيل المزيد من الحقوق التي حرموا منها، خاصة أن المعركة انتهت لصالح الكرد على الأرض رغم حجم الدمار الكبير.

– التجربة المتواضعة للحزب الكردي في الحكم المحلي منذ فوزه في العديد من البلديات في المناطق الجنوبية والشرقية في الانتخابات البلدية الأخيرة، حيث سمحت له هذه التجربة بنسج شبكة علاقات اجتماعية تجاوزت المكون الكردي كبعد قومي إلى الانفتاح على العديد من الأوساط التركية ولا سيما اليسارية منها فضلا عن الأقليات الدينية والطائفية في البلاد، وقد كرست هذه التجربة الحزب الكردي بوصفه الحزب الأول لجهة الحصول على عدد الأصوات في المناطق الكردية.

رغم هذه الأسباب، فإن كثيرين يرون أن قرار الحزب الكردي مغامرة سياسية قد تخرجه من الحياة السياسية، خاصة أن معظم استطلاعات الرأي تعطيه نسبة أقل من 10% المطلوبة للدخول إلى البرلمان باعتباره حزبا مستقلا، في وقت لم تتجاوز هذه النسبة سوى ثلاثة أحزاب رئيسية كبرى، هي حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومي.

حسابات الفوز والخسارة

معركة الانتخابات في المناطق الكردية هي بين الحزب الكردي وحزب العدالة بالدرجة الأولى، حيث يرى الحزب الكردي أن فوزه سيضع تركيا أمام واقع جديد، لعل من أهم ملامحه تحول الكرد إلى قوة برلمانية مؤثرة تقدر بنحو ستين نائبا، وأن عملية السلام ستدخل مرحلة جديدة وعلى أسس جديدة

لدى تركيا واحدة من أهم العقبات الانتخابية في العالم، وهو القانون الذي يسمى "العتبة الانتخابية"، والذي يقضي بحصول أي حزب سياسي على نسبة 10% من مجموع الأصوات للدخول إلى البرلمان، وقد وضع هذا القانون الجيش عقب انقلابه العسكري عام 1980 بهدف منع الكرد وقوى الإسلام السياسي من الدخول إلى البرلمان تحت عنوان تحقيق الاستقرار السياسي.

ورغم أن حزب الرفاه ومن ثم الفضيلة برئاسة الزعيم الراحل نجم الدين أربكان تمكن من تجاوز هذا القانون والدخول إلى البرلمان قبل النجاحات الكبيرة التي حققها حزب العدالة والتنمية، فإن الأحزاب السياسية التركية التي وعدت بتخفيض هذه النسبة أو حتى إلغاء هذا القانون لم تف بوعدها، وعليه ظل هذا القانون بمثابة سيف مسلط على رقاب الأحزاب الصغيرة التي تضطر إما إلى التحالف مع الأحزاب الكبرى للفوز بمقاعد برلمانية أو الترشح مستقلين.

جزء من حسابات الفوز لدى حزب الشعوب الديمقراطية الكردي هو عددي، إذ إن لديه حاليا 27 نائبا في البرلمان، وفي حال تجاوزه العتبة الانتخابية فإنه سيحصل على ضعف هذا العدد تقريبا، وهو ما سيجعل منه قوة سياسية أساسية في البلاد.

لكن مثل هذا الفوز سيشكل خسارة كبيرة لحزب العدالة والتنمية الذي لديه 312 مقعدا حاليا، إذ إن الأصوات التي سيحصل عليها الحزب الكردي هي أصوات حزب العدالة والتنمية، نظرا لأنه الحزب الثاني في المناطق الكردية، في حين لا تحظى الأحزاب التركية الأخرى بأي نفوذ في المناطق الكردية.

وعليه، يمكن القول إن معركة الانتخابات في المناطق الكردية هي بين الحزب الكردي وحزب العدالة والتنمية بالدرجة الأولى، حيث يرى الحزب الكردي أن فوزه سيضع تركيا أمام واقع جديد، لعل من أهم ملامحه تحول الكرد إلى قوة برلمانية مؤثرة تقدر بنحو ستين نائبا، وأن عملية السلام ستدخل مرحلة جديدة وعلى أسس جديدة، وعليه أن يذهب في كل الاتجاهات لتحقيق مثل هذا النصر.

وفي المقابل، يدرك أردوغان أن فوز الحزب الكردي سيكون خسارة كبيرة لحزب العدالة والتنمية الذي فاز في كل الانتخابات السابقة وبنسب كبيرة من الأصوات، ولعل أولى نتائج فوز الحزب الكردي ستكون ضرب مشروع أردوغان المتمثل في الانتقال إلى النظام الرئاسي من البرلماني (ما لم يحصل تحالف بين الجانبين).

وعليه، يسعى أردوغان إلى إلحاق الهزيمة بالحزب الكردي، والتي ستكون نصرا كبيرا لحزب العدالة والتنمية، فمن شأن ذلك تحقيق ما قاله أردوغان إن حزبه سيحصل على أربعمائة مقعد من أصل 550 مقعدا، ويبدو أنه حين قال ذلك كان يفكر في الحصول على مقاعد الحزب الكردي.

مستقبل السلام الكردي التركي
دون شك، فوز الكرد بنسبة 10% سيصعب على أردوغان تحقيق أجندته السياسية المتمثلة في الانتقال إلى النظام الرئاسي ووضع دستور جديد للبلاد يكرس هذا النظام ويعطي للرئيس صلاحيات كبيرة، خاصة أن الحزب الكردي أعلن مسبقا رفضه الانتقال إلى النظام الرئاسي، وهو رفض تشاركه فيه أحزاب المعارضة ولا سيما حزب الشعب الجمهوري والحركة القومية، حيث ترى هذه الأحزاب أن النظام الرئاسي سيجعل أردوغان حاكما مطلق الصلاحيات بما يفتح المجال أمام حكم الفرد والحزب الواحد.

ثمة من يرى أن فوز الحزب الكردي سيكون أفضل لترسيخ الديمقراطية في الحياة السياسية التركية، بل يرى هؤلاء أن فوز الحزب الكردي قد يضعه وحزب العدالة والتنمية أمام تحالف مصلحي تفرضه التطلعات المتبادلة والبراغماتية السياسية

في حين أن الانتخابات البرلمانية بالنسبة لأردوغان هي بمثابة التصويت على النظام الرئاسي، وكي يحقق هدفه هذا فإنه يحتاج إلى الفوز بثلثي المقاعد أي 367 مقعدا كي يتمكن من تمرير مشروع الانتقال في البرلمان، وإذا لم يكن ذلك فالحصول على 330 مقعدا كي يتمكن من إحالة المشروع إلى استفتاء شعبي، ومن دون ذلك فإن أردوغان سيضطر إلى الدخول في مساومات صعبة مع الأحزاب الأخرى والانفتاح على حكومة ائتلافية، يرى كثيرون أنها ستدخل البلاد مرحلة من عدم الاستقرار في ضوء التجارب السابقة التي مرت بها تركيا نظرا لاختلاف الأجندة السياسية للأحزاب السياسية إلى حد التضارب الأيديولوجي.

ثمة من يرى من الكرد والترك أن فوز الحزب الكردي سيكون أحسن بالنسبة لتركيا، وإن كان ذلك سيشكل خسارة لحزب العدالة والتنمية، ولعل مرد ذلك هو أن الخسارة ستفتح الباب أمام مرحلة جديدة من العنف والتطرف، خاصة أن حزب الشعوب الديمقراطية الكردي ألمح إلى أنه في حال الخسارة سيتجه إلى ديار بكر لتشكيل برلمان محلي تطلعا إلى شكل من أشكال الاستقلال الذاتي، وهو ما يمكن أن يفجر العنف، نظرا لأن أنقرة ترى في هذه الخطوة شكلا من أشكال الانفصال الذي لن تقبل به حتى لو اضطرت إلى خوض حرب جديدة مع حزب العمال الكردستاني.

وعليه، فهناك من يرى أن فوز الحزب الكردي سيكون أفضل لترسيخ الديمقراطية في الحياة السياسية التركية، بل يرى هؤلاء أن فوز الحزب الكردي قد يضعه وحزب العدالة والتنمية أمام تحالف مصلحي تفرضه التطلعات المتبادلة والبراغماتية السياسية، فأردوغان يريد النظام الرئاسي والكرد يريدون حلا سياسيا لقضيتهم يقتضي بالاعتراف بهم دستوريا ومنحهم شكلا من أشكال الحكم المحلي، وهو تحالف ينبغي عدم استبعاده، نظرا لأن المشهد في مرحلة ما بعد الانتخابات قد يكون مختلفا بحكم ما ستفرزه صناديق الاقتراع.

مهما يكن، من الواضح أن معركة الانتخابات التركية ستكون ساخنة ومفصلية، وربما حافلة بالمفاجآت والاحتمالات. وفي جميع الأحوال، يمكن القول إن ملامح المشهد السياسي التركي في مرحلة ما بعد الانتخابات البرلمانية ستكون لها علاقة بنتائج حزب الشعوب الديمقراطية الكردي لتحديد طبيعة الحكم والسياسة في تركيا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.