حكومة حرب في إسرائيل

الموسوعة - hgl,s,um - epa04520352 A general view over the Knesset prior to voting on various bills before the third reading of the bill to dissolve the government, expected late this evening in Jerusalem, 08 December 2014. EPA/ABIR SULTAN

عوامل عدم استقرار
حكومة حرب
"الأقصى" في بؤرة الاستهداف
تحديات إقليمية ودولية

يدرك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الآن أنه بالغ عندما استبد به الصلف والغرور بعد الإعلان عن انتصاره المدوي وغير المتوقع في الانتخابات التشريعية الأخيرة، عندما تصرف كما لو تم تتويجه ملكا مدى الحياة على إسرائيل.

فاستناد الحكومة التي شكلها إلى تأييد 61 نائبا فقط من أصل 120 يشكلون البرلمان، يعني أن هذه الحكومة ستكون غير مستقرة، وقد تسقط في أي تصويت على مشاريع قرارات حجب الثقة التي ستقدمها المعارضة للبرلمان.

من ناحية نظرية، بإمكان هذه الحكومة أن تبقى حتى آخر يوم من مدتها القانونية، لكن من ناحية عملية ونظرا للاستقطاب الشديد بين الأحزاب التي تشكل هذه الحكومة الائتلافية، فإن فرصها في البقاء بتركيبتها الحالية تؤول إلى الصفر.

عوامل عدم استقرار

لا يعود الاستقطاب بين أحزاب هذه الحكومة إلى خلافات أيديولوجية وتباين في مواقفها من الصراع مع الفلسطينيين، فكلها ذات توجهات يمينية متطرفة، بل إن أهم مصدر خطر يتهدد الحكومة هو الاختلاف الشديد بين أحزابها حول توزيع موارد الكيان

لا يعود الاستقطاب بين أحزاب هذه الحكومة إلى خلافات أيديولوجية وتباين في مواقفها من الصراع مع الشعب الفلسطيني، فكلها ذات توجهات يمينية متطرفة، بل إن أهم مصدر خطر يتهدد الحكومة هو الاختلاف الشديد بين أحزابها حول توزيع موارد الكيان الصهيوني.

فحتى قبل أن يقدم نتنياهو حكومته للرئيس روفي ريفلين، فإن حزب "كلنا" العلماني، الذي يعد ثاني أكبر حزب في الائتلاف الحاكم، أعلن أنه لا يمكن أن يسلم بالتعهدات المالية التي منحها نتنياهو لحركتي "شاس" و"يهدوت هتوراة"، اللتين تمثلان التيار الديني الحريدي.

فقد تبين أن نتنياهو قد تعهد بتحويل مليارات الدولارات للمؤسسات الدينية والاجتماعية والتعليمية التابعة لهاتين الحركتين، مع العلم أن الجمهور المتدين الحريدي لا يتحمل أعباء الخدمة العسكرية ولا يسهم في سوق العمل، بل يعيش على مخصصات الضمان الاجتماعي التي تمنحها الحكومة له.

ويعي رئيس حزب "كلنا" ووزير المالية في الحكومة الجديدة موشيه كحلون أن تمكين نتنياهو من الوفاء بهذه التعهدات يعني المس بقدرته على تطبيق برنامجه "الإصلاحي" في مجال الإسكان والذي على أساسه حصل على ثقة قطاعات واسعة من العلمانيين الذين ينتمون للطبقة الوسطى.

في الوقت ذاته، فإن الخلافات حول طابع العلاقة بين الدين والدولة بين مركبات الائتلاف الحاكم يمكن أن تفضي إلى تقصير عمر الحكومة الجديدة. فقد تبين أن نتنياهو المتحمس لاستعادة الحلف بين الليكود والأحزاب الحريدية قد تعهد بمنع سن أي قانون أو السماح بأي إجراء من قبل الحكومة أو الحكم المحلي يمس العلاقة بين الدين والدولة، مثل احترام حرمة السبت، وذلك بخلاف رغبة النخب السياسية التي تمثل العلمانيين.

وضمن القضايا الخلافية التي ستسهم في العصف باستقرار الحكومة نية "البيت اليهودي" -الذي يملك وزارة القضاء- تمرير مشاريع قوانين تمس بمكانة الجهاز القضائي وعلى وجه الخصوص المحكمة العليا، وهذا سيمثل نقطة خلاف كبرى مع حزب "كلنا" الذي يقدم نفسه كمدافع عن استقلال القضاء.

حكومة حرب
تعد حكومة نتنياهو الجديدة الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل، ويمكن اعتبارها حكومة حرب بكل ما تعني هذه الكلمة. وتعبر مواقف الأحزاب المشاركة فيها عن تحول الطبقة السياسية الصهيونية من التطرف إلى ترف التطرف انتهاء بجنون التطرف.

ولا يمكن هنا فقط استذكار تعهد نتنياهو الشهير خلال الحملة الانتخابية بأنه لن يسمح بقيام دولة فلسطينية، بل إن الأحزاب المشاركة في حكومته تستعد لتمرير جملة من القرارات التي تصفي أية فرصة لتسوية الصراع سياسيا. فعدد من وزراء الليكود والبيت اليهودي أعلنوا أنهم بصدد تمرير مشروع قانون ينص على ضم مناطق "ج" -التي تشكل أكثر من 60% من الضفة الغربية- لإسرائيل.

ليس هذا فحسب، بل إن القيادية في "الليكود" ميري ريغف التي ستتولى منصبا وزرايا، والقيادية في حزب "البيت اليهودي" إيليت شاكيد التي ستتولى منصب وزيرة القضاء، أعلنتا نيتهما تمرير مشروع قانون يلزم الحكومات الإسرائيلية بعدم التوقيع على أية تسوية تضمن إقامة دولة فلسطينية.

المفارقة أن جميع الوزراء والنواب في حزبي "الليكود" و"البيت اليهودي" يرون أن ما يضمن مستقبلهم السياسي هو إبراز حرصهم عن تجذير المشاريع الاستيطانية والتهويدية في القدس والضفة الغربية، لدرجة أن بعضهم يطرح أفكارا تمس بالولاية السياسية والقانونية للحكومة التي يشارك فيها.

يجاهر قادة الليكود و"البيت اليهودي" وبعض قيادات الأحزاب الحريدية بالحماس لتطبيق فكرة التقاسم الزماني في المسجد الأقصى بين اليهود والمسلمين. وبعضهم متحمس لفكرة التقاسم المكاني، مثل الوزير أوري أرئيل والوزيرة ريغف

فعلى سبيل المثال، يجاهر النائب والقيادي في حزب "البيت اليهودي" تسلال سموتريتش بأنه سيدفع نحو إقامة المزيد من الأحياء السكنية في المستوطنات المقامة على أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية، من دون الرجوع للحكومة الإسرائيلية (هارتس، 4-5). إلى جانب ذلك، فإن بعض قادة الائتلاف الحاكم الجديد يطالبون بإعداد جملة من الخطوات العقابية ضد المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية إذا واصلت السلطة إجراءاتها ضد تل أبيب في المحافل الدولية، وعلى وجه الخصوص المحكمة الجنائية الدولية.

ومن الواضح أنه على الرغم من عبر الحرب الأخيرة على غزة وإدراك الكثير من النخب السياسية والعسكرية والفكرية في إسرائيل أن خيار القوة لا يجدي في التعاطي مع المقاومة في قطاع غزة، فإن أصبع الحكومة الجديدة سيكون خفيفا على الزناد ولن تترد في شن حملات عسكرية على غزة إرضاء لقواعد مصوتيها من اليمين.

"الأقصى" في بؤرة الاستهداف
إن تغيير الواقع القانوني والديني في الحرم القدسي الشريف يحظى بدعم معظم الوزراء في الحكومة الجديدة. فعلى سبيل المثال يجاهر قادة الليكود و"البيت اليهودي" وبعض قيادات الأحزاب الحريدية بالحماس لتطبيق فكرة التقاسم الزماني في المسجد الأقصى بين اليهود والمسلمين. وبعضهم متحمس لفكرة التقاسم المكاني، مثل الوزير أوري أرئيل والوزيرة ريغف.

ويجاهر قادة الائتلاف الحاكم بالقول إنه يتوجب عدم ربط السياسات الإسرائيلية تجاه المسجد الأقصى بملف العلاقات مع الأردن الذي ترى تل أبيب أنه حليف مهم لها، وتعي أهمية عدم إحراج نظامه، حتى يواصل تعاونه الأمني والإستراتيجي معها في ظل أفضل ظروف ممكنة.

إن ما يدلل على حدوث تحول في موقف المؤسسة الإسرائيلية تجاه الحرم القدسي الشريف هو السماح مؤخرا للمتطرف يهودا غليك -الذي يرأس تنظيما يطالب بتدشين الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى- باستئناف اقتحاماته للحرم. ويشكل هذا القرار نكوصا عن التعهد الذي قطعه نتنياهو لملك الأردن بعدم السماح لليهود بتدنيس الأقصى، مع العلم أن الذين كانوا يقودون حملات تدنيس الأقصى هم وزراء ونواب في الائتلاف الحاكم السابق الذي قاده نتنياهو، وسيحتفظون بمواقعهم في الائتلاف الجديد.

تحديات إقليمية ودولية
ستواجه الحكومة الجديدة ثلاثة تحديات خارجية أساسية خلال عملها، بحيث إن فشلها في مواجهتها سيزيد من فرص سقوطها. فسياسات هذه الحكومة يمكن أن تفضي إلى انفجار الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية على شكل انتفاضة شعبية أو موجة عمليات مقاومة.

صحيح أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يبدي التزاما حديديا بتواصل التعاون الأمني مع إسرائيل ضد المقاومة بهدف الحؤول دون انفجار الأوضاع في الضفة، لكن السلوك الإسرائيلي العدائي يمكن أن يقلص الخيارات المتاحة أمام الفلسطينيين، بحيث يتفجر رد شعبي قوي يتجاوز عباس وتقديسه قواعد اللعبة الحالية. وقد دلت التجربة على أن قدرة حكومة يمينية متطرفة في تل أبيب على مواجهة تحديات أمنية في الأراضي الفلسطينية، لا سيما إذا اتخذت نمط انتفاضة شعبية، محدودة جدا.

أما التحدي الثاني الذي سيواجه الحكومة هو إمكانية أن تتفاقم الخلافات مع الإدارة الأميركية. فمن الواضح أن السياسات التي ستتخذها الحكومة الجديدة ستحرج الإدارة الأميركية، لا سيما على صعيد التعاطي مع القضية الفلسطينية. وفي الوقت ذاته، فإن نتنياهو يفترض أن واشنطن ستواصل الدفاع عن إسرائيل في المحافل الدولية والاستنفار لإحباط التحركات الفلسطينية الهادفة لتأمين اعتراف أممي بدولة فلسطين.

أحد التحديات التي ستواجه حكومة نتنياهو الجديدة هو حالة انعدام اليقين على حدود الكيان الصهيوني المختلفة مع الدول العربية. وتعي محافل التقدير الإستراتيجي في تل أبيب أن إمكانية انفجار الأوضاع على الحدود الشمالية أو الجنوبية أو الشرقية واردة حتى من دون مقدمات

ويراهن نتنياهو بقوة على دور الأغلبية الجمهورية في الكونغرس في الضغط على إدارة أوباما لإجبارها على عدم الربط بين سياسات حكومته وبين الالتزام بالدفاع عن إسرائيل في المحافل الدولية.

وعلى الرغم من أن هناك الكثير من الدلائل التي تؤكد ضيق إدارة أوباما ذرعا بجنون التطرف الذي تتسم به حكومة اليمين في تل أبيب، فإنه من المستبعد أن يكسر أوباما نمط السياسة الأميركية تجاه إسرائيل، على اعتبار أن كل ما يعني إدارته حاليا هو تهيئة الظروف الأميركية الداخلية لإقرار الاتفاق النهائي مع إيران بشأن برنامجها النووي.

وهناك اطمئنان في تل أبيب من أن أوباما لن يغامر باستفزاز الجمهوريين والمنظمات اليهودية بالتخلي عن إسرائيل في المحافل الدولية خشية أن تتعاظم قوة تحركهما لإحباط الاتفاق مع إيران. لكن تواصل الدعم الأميركي لن يوقف المس بشرعية إسرائيل الدولية. فمن المؤكد أن عزلة إسرائيل ستزداد، وستتعاظم وتيرة حركة المقاطعة الدولية ضدها لا سيما في ظل السياسات المعلنة لها.

ويتمثل التحدي الخارجي الثالث الذي سيواجه حكومة نتنياهو الجديدة في حالة انعدام اليقين على حدود الكيان الصهيوني المختلفة مع الدول العربية. وتعي محافل التقدير الإستراتيجي في تل أبيب أن إمكانية انفجار الأوضاع على الحدود الشمالية أو الجنوبية أو الشرقية واردة حتى من دون مقدمات ومن دون القدرة على توفير معلومات استخبارية تسهل مواجهتها.

وفي ظل تلك الظروف السائدة يعي نتنياهو الطاقة التدميرية الكامنة في الاستقطاب بين مركبات ائتلافه، ويدرك حجم وتعقيد الاختبارات التي ستواجهها حكومته على الصعيد الخارجي، الأمر الذي سيدفعه لتوسيعها عبر محاولة ضم حزب العمل. وقد حرص نتنياهو على الاحتفاظ بوزارة الخارجية لنفسه لكي يمنحها لرئيس حزب العمل إسحاق هيرتزوغ، إذا وافق على الالتحاق به.

واستنادا إلى تجربة حزب العمل خلال العقود الثلاثة الأخيرة، فإنه يمكن القول إن هناك أساسا للاعتقاد بأن نتنياهو سينجح في ضم الحزب وضمان استقرار حكومته، ولا حاجة للقول إن حزب العمل "برع" في لعب دور "مقاول" الأعمال القذرة لصالح حكومات اليمين من خلال تسويق سياساتها في الخارج وتوظيف لغته الناعمة في محاولة تأمين غطاء دولي لها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.