هل من عاصفة حزم في سوريا؟
حفز العمل العسكري العربي في اليمن المزاج العربي على رفع سقف طموحاته بما يتجاوز جغرافية اليمن ومشكلتها إلى ساحات ومساحات أخرى طالما شكلت عناوين للجرح العربي في السنوات الأخيرة، وخاصة ساحة النكبة السورية التي ما انفكت تئن موتا وتشريدا ودمارا منذ سنوات أربع.
ولعل ما دفع إلى هذا الطموح حقيقة أن الفاعل واحد في المكانين، سوريا واليمن، وهو إيران وأدواتها في المنطقة، والهدف أيضا متشابه وهو السيطرة على الجغرافيا والديمغرافية العربية وإلحاقهما بالمشروع الإيراني في المنطقة.
ومنذ أن صار الفعل العربي حقيقة عملاتية لها آليات فعلية وأهداف واضحة ترتكز على استعادة موازين القوى إلى نصابها الطبيعي عبر تعطيل مفاعيل الاختراق الإيراني لمنظومة الأمن القومي العربي ومحاولة إطباقها على الجغرافية العربية، صار السؤال حول متى يأتي دور سوريا سؤالا مشروعا.
ما يدفع إلى الطموح بتحرك عربي بسوريا هو أن الفاعل واحد في المكانين، سوريا واليمن، وهو إيران وأدواتها في المنطقة، والهدف أيضا متشابه وهو السيطرة على الجغرافيا والديمغرافية العربية وإلحاقهما بالمشروع الإيراني في المنطقة |
يأتي ذلك لما تمثله سوريا من أهمية للأمن القومي وتبعا لإلحاحية ظروفها وحجم المعاناة القاسية التي تقع على شعبها، وكذا نذر الخطر التي ينطوي عليها استمرار أزمتها بالنسبة للأمن العربي، فضلا عن الأهمية التي توليها الإستراتيجية الإيرانية المضادة للجغرافية السورية وحجم الموارد التي توظفها لنجاح إستراتيجيتها تلك، مما يجعل الساحة السورية بمثابة المعيار الذي يحدد مستقبل الهيمنة والصراع في المنطقة وما إذا كانت موازين القوة ستكون لصالح إيران أم العرب.
ثمة تسريبات عديدة بدأت تتحدث عن مثل هذا الاحتمال وإمكانية حصوله في مرحلة قادمة، لكن ما هي الإمكانيات العملاتية لتحقيق مثل هذا الأمر؟ وما هي طبيعة المعوقات التي قد تشكل عراقيل محتملة له؟ وما هي الخيارات والبدائل أمام العرب؟
الممكنات
يمتلك العمل العربي في سوريا فرصا عديدة تشكل ممكنات ومبررات لأي خطوة قد يقوم بها التحالف العربي بصيغته التي تجسّد بها في اليمن أو بصيغ وأطر أوسع أو أضيق:
1- رغبة الولايات المتحدة الأميركية في إيجاد حالة من توازن القوى في المنطقة بين العرب وإيران، وميل الإدارة الأميركية إلى اعتبار أن الأزمة في سوريا شأن عربي ولا بأس أن تتولى الدول العربية مسؤولية حلها.
2- استثمار التطورات الميدانية الأخيرة التي جاءت لصالح قوى الثورة وعززت من وضعيتها كطرف يمكنه مواجهة نظام الأسد وداعش (تنظيم الدولة الإسلامية) في الآن نفسه.
3- الاستفادة من وجود توجه دولي يغادر حالة اللبس حول وضعية رأس النظام السوري في الترتيبات القادمة، وخاصة بعد عودة التصريحات الأميركية عن لا شرعية نظام الأسد، بعد فترة حاولت فيها بعض القوى إعادة تعويم النظام وكادت أن تنجح.
4- يشكل القرار الذي أصدره "مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان" الأخير، والذي يدين تدخل "حزب الله" وتورطه في الوضع السوري، عاملا مساعدا يمكن البناء عليه باعتبار أن الحزب يشكل أحد أهم الأذرع الإيرانية في المنطقة، خاصة وأن القرار يربط بين هذا التدخل والمخاطر المحتملة على أمن المنطقة بشكل عام نتيجة تدهور الوضع الإنساني في سوريا وانعكاسه على الاستقرار في دول الجوار.
5- يشكل نمط الدبلوماسية الذي جرى استخدامه في مباحثات استصدار القرار رقم 2216 الخاص باليمن والذي منع روسيا من استخدام الفيتو ضد القرار، حافزا لإمكانية تكرار هذا الأسلوب القائم على مزيج من تقديم الإغراءات والتلويح بالضغوط في عملية المساومة فيما يخص الملف السوري.
يمتلك العرب بدائل فاعلة وأقل استدعاء للمخاطر وبطريقة لا يمكن أن تثير الكثير من المشاكل مع البيئة الدولية ولكنها تؤدي بنفس الوقت للنتائج المتوخاة منها، ويبدو مما يجري تسريبه أن الإرادة العربية تتجه صوب خيارات من هذا القبيل من المتوقع بناؤها في الميدان السوري في المرحلة المقبلة |
6- كشفت نوعية الأسلحة المستخدمة في اليمن والخطط العسكرية المطبقة فعالية كبيرة في تحقيق إنجازات عسكرية كبيرة على الأرض، ولا تختلف بنية القوات الموجودة في اليمن عن نظيرتها التي يمتلكها نظام الأسد وحلفاؤه في سوريا، وخاصة وأن هذه القوى تعرضت للتآكل والانهيار على مدى أربع سنوات متواصلة من الحرب، وباتت فعاليتها تنحصر في سلاح الجو مع منظومة دفاع جوي متقادمة.
العوائق
لا يعني توفر حزمة من الممكنات للعمل العربي في سوريا أن الأمور على هذه الشاكلة من البساطة، ذلك أن الوضع السوري ينطوي على جملة من التعقيدات تجعله يختلف عن الحالة اليمنية، إذ تندرج سوريا بكثافة في الصراعات الجيوإستراتيجية على الصعيد العالمي، وهي تشكل إحدى ساحات التنافس وأوراق الصراع بالنسبة لروسيا والصين.
فروسيا تعتبر الورقة السورية ذات طبيعة إستراتيجية في صراعها مع الغرب بحيث يصعب تقديم تنازلات تكتيكية قد تؤدي في نهاية المطاف إلى حصول اختراق كبير في إستراتيجيتها الأمنية وإضعافها، وتكاد تتقارب الرؤية الصينية مع نظيرتها الروسية في تقييم الحالة السورية عبر إعطائها أوزانا إستراتيجية ثقيلة من نوع اعتبارها تشكل خطا دفاعيا مهما عن مصالح الصين في آسيا الوسطى، ولعل هذا ما يفسر إلى درجة كبيرة عجز دبلوماسية الإغراء مع كل من روسيا والصين في الملف السوري، مثلما حققت نجاحا بارزا في الحالة اليمنية.
هذا يعني أن مقاربة الأزمة السورية بطريقة التدخل الخارجي المباشر مثلما هو حاصل في اليمن أمر تحفه مخاطر عديدة من شأنها التأثير على السلم والاستقرار الدوليين، ما لم يجر إنضاج الظروف المناسبة عبر جملة من التسويات والمفاوضات والضمانات التي لا يبدو أن المناخين الإقليمي والدولي على استعداد للانخراط فيها، أقله في الظروف الراهنة وعقب انسداد غالبية مخارج الأزمة السورية.
لا يعني ذلك أن روسيا والصين قد تغامران بالانخراط في حروب مباشرة ضد الأطراف العربية إذا قررت هذه الأخيرة القيام بمبادرة عسكرية تجاه سوريا، لكنها قد تلجأ إلى إحداث أضرار بالحد الأدنى سيكون لها أثر كبير على مستقبل ومآلات الوضع في سوريا، كأن تذهب إلى تشجيع تقسيم سوريا كنوع من الانتقام أو لضمان محافظتها على حصتها من الكعكة السورية.
البدائل
ليس بالضرورة أن يتم تطبيق "عاصفة الحزم" في سوريا بنفس الأسلوب والآليات التي جرى استخدامها في اليمن. يمتلك العرب بدائل فاعلة وأقل استدعاء للمخاطر وبطريقة لا يمكن أن تثير الكثير من المشاكل مع البيئة الدولية، ولكنها تؤدي بنفس الوقت للنتائج المتوخاة منها، ويبدو مما يجري تسريبه أن الإرادة العربية تتجه صوب خيارات من هذا القبيل من المتوقع بناؤها في الميدان السوري في المرحلة المقبلة.
تقوم هذه البدائل بدرجة كبيرة على الاعتماد على ما هو ممكن ومتاح العمل من خلاله، وهو دعم المكونات القتالية في سوريا عبر دعمها بالأسلحة والخبرات والخطط القتالية، وإعادة هيكلتها بحيث تتحول إلى منظومة قتالية موازية للمنظومة التي صنعتها إيران في المنطقة.
وتشير الوقائع الميدانية إلى بداية هبوب عاصفة حزم على سوريا بدأت معالمها تتضح من خلال إستراتيجية الأحزمة الجغرافية في الجنوب والشمال، وإعادة تفعيل الجبهات ذات الطبيعة الإستراتيجية الحاكمة في القلمون وأرياف حماة واللاذقية.
تشير الوقائع الميدانية إلى بداية هبوب عاصفة حزم على سوريا بدأت معالمها تتضح من خلال إستراتيجية الأحزمة الجغرافية في الجنوب والشمال، وإعادة تفعيل الجبهات ذات الطبيعة الإستراتيجية الحاكمة في القلمون وأرياف حماة واللاذقية |
وتقدر مصادر عملاتية إمكانية تحرير درعا في الجنوب وجزء مهم من حلب خلال الفترة القادمة، وهو ما يشكل إعادة صياغة مهمة لموازين القوة في سوريا لصالح جبهة المعارضة والقوة العربية والإقليمية الداعمة لها، في ظل حالة الإرباك والضعف الشديدين اللذين بدأت تعاني منهما منظومة إيران القتالية وحال التشتت التي تعانيها نتيجة اتساع ساحات عملها بين العراق واليمن وسوريا.
وفي الفترة الأخيرة بدأت تثمر توافقات الأطراف العربية الداعمة لقوى الثورة في سوريا، وانعكست نتائجها إيجابا على بعض الساحات وخاصة في الشمال والجنوب من خلال التصدي للحملة التي جردتها إيران وحلفاؤها في حلب ودرعا، بل إن قوى الثورة انتقلت إلى المبادرة بعد تحريرها إدلب وجسر الشغور ومعبر نصيب وبصرى الشام لتعيد بذلك صياغة الواقع الميداني لصالحها، وكان لعملية الهيكلة التي أجرتها من خلال توحد الكتائب المقاتلة في "جيش الفتح" دور مهم في هذه العملية وانعكاس واضح للعمل العربي في سوريا.
لا يخفى على المراقب أن منظومة الأسد القتالية وصلت إلى درجة شديدة من الإنهاك وافتقادها زمام المبادرة بعد خسارتها الجزء الأكبر من الجغرافية السورية، ووصول الأطراف الداعمة لها إلى درجة اليأس من إمكانية إنقاذ النظام وإعادة تأهيله وفق ما تسرب عن بعض دوائر القرار في طهران والتي بدأت تميل إلى التفاوض على رأسه ضمن شروط معينة.
ولا شك أن هذا المناخ يشكل فرصة للأطراف العربية الداعمة للثورة السورية من خلال "تزخيم" انتصارات الثوار وتعزيز توجهات اليأس من نظام الأسد لدى داعميه واستثمار كل ما تملك من أوراق القوة في هذا المجال.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.