آفاق الحسم في ليبيا

Fighters from the Fajr Libya (Libya Dawn) militia prepare to fire an anti-tank cannon mounted on a vehicle during clashes with forces loyal to Libya's internationally recognised government near the Wetia military air base, as they fight for control of the area some 170 kilometres west of the capital Tripoli on December 30, 2014. More than three years after dictator Moamer Kadhafi was toppled and killed in a NATO-backed revolt, Libya is awash with weapons and powerful militias, and has rival parliaments and governments. AFP PHOTO / MAHMUD TURKIA
غيتي إيميجز

سامر علاوي

المشهد السياسي
الموقف الميداني
العقوبات الدولية
نفوذ شركات النفط
اتجاهات الأزمة

عام 2015 هو عام تدويل الأزمة الليبية بامتياز، وتتجه معظم التقديرات إلى أن الربيع المقبل قد يكون حاسما سياسيا أو عسكريا، فقد استبق بالعمل على استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي بهدف السماح لدول معنية بالتدخل العسكري في ليبيا.

فالمشهد الدولي لم يعد يتحمل استمرار الاضطراب في منابع النفط الليبية، وضغطه على الوضع الاقتصادي الداخلي، وظهور بُعدٍ جديد لتنظيم الدولة الإسلامية بلغ ذروته في شريط قتل 21 مصريا.

المشهد السياسي
تصدرت كتلتان رئيسيتان المشهد منذ صيف 2014، كل منهما له حكومته وقواته وأوراقه السياسية والاقتصادية.

شكل قرار المحكمة الليبية العليا ببطلان انتخابات البرلمان مفاجأة على جميع الأصعدة لأسباب كثيرة، منها أن المحكمة الليبية العليا محسوبة على الدولة العميقة، كما هو الحال في دول الجوار مثل مصر وتونس، حيث عين معظم قضاتها من النظام السابق

الكتلة الأولى: متمثلة بحكومة الإنقاذ في طرابلس برئاسة عمر الحاسي المدعومة من قبل المؤتمر العام، وهو أول جسم تشريعي ينتخب بعد ثورة 17 فبراير، وتم التمديد له بعد انتهاء مدته، وتحصنت شرعيته داخليا بتأييد المحكمة الدستورية الليبية، وتؤيده قوات فجر ليبيا التي شنت عدة عمليات واسعة ضد من تصفهم بالانقلابيين وأزلام النظام السابق، أبرزها عمليتا قسورة والشروق.

وقد جاءت عملية قسورة لتطهير العاصمة والمطار من الجماعات المسلحة، أما الشروق فجاءت لتحرير الهلال النفطي في الوسط ومناطق الغرب.

ويشكل ثوار مصراتة العمود الفقري لهذه القوات، وتبدو نقطة ضعف هذه الحكومة في عدم الاعتراف الدولي بها رغم أنها تؤكد سيطرتها على أكثر من 80% من البلاد.

الكتلة الثانية: الحكومة المؤقتة برئاسة عبد الله الثني ومقرها مدينة طبرق، أقصى الشرق، وهي مدعومة من ثلاثة تكتلات سياسية، هي: تحالف القوى الديمقراطية ودعاة الفدرالية واللواء المتقاعد خليفة حفتر.

ومع أنها تحظى باعتراف دولي ودعم مباشر من دول عربية، وتأييد شخصيات ليبرالية مثل رئيسي الوزراء السابقين علي زيدان ومحمود جبريل، فإنها تنقصها شرعية داخلية بعد قرار المحكمة ببطلان البرلمان الذي انبثقت عنه وصادق عليها، وتشوب قياداتها خلافات سياسية عميقة وتنافس واضح بينها، ولا يجمعهم مشروع موحد سوى العداء للإسلام السياسي المتمثل في "الإخوان المسلمين"، الذين يعتقد رموز حكومة طبرق أنهم وراء حكومة طرابلس.

وقد شكل قرار المحكمة الليبية العليا ببطلان انتخابات البرلمان مفاجأة على جميع الأصعدة لأسباب كثيرة، منها:

– أن المحكمة الليبية العليا محسوبة على الدولة العميقة، كما هو الحال في دول الجوار مثل مصر وتونس، حيث تم تعيين معظم قضاتها وترقيتهم في ظل نظام القذافي السابق.

– أن تصريحات حكومة طبرق والبرلمان المنحل قبيل القرار كانت تتجه إلى القبول بقرار المحكمة حيث لم تتجاوز أقصى التوقعات ببطلان جلسات البرلمان في طبرق واعتبارها غير دستورية، لكن القرار القضائي نسف البرلمان من أساسه وأربك المجتمع الدولي المؤيد لحكومة الثني.

– أن القضاء والبنك المركزي يكادان يكونان المؤسستين الوحيدتين المتماسكتين في نظام الدولة الليبية، والطعن فيهما قد يطيح بالدولة الليبية بالكامل.

– وضع القرار الدول التي تعترف بحكومة الثني وشركاتها العاملة في ليبيا في حيرة، حيث إنها مضطرة للاحتكام للنظام القضائي في طرابلس، بينما لا تعترف بالحكومة التي استمدت الشرعية منه، فيما تفتقر حكومة طبرق لنظام قضائي مواز.

وجدت الأمم المتحدة مخرجا لعدم الاعتراف بحكومة الإنقاذ بحجة أنها شكلت قبل صدور قرار المحكمة، كما وصف المبعوث الخاص للأمم المتحدة برناردينو ليون قرار المحكمة بأنه غامض وغير مفهوم رغم وضوحه التام ببطلان الانتخابات التي جاءت بالبرلمان، أما حكومة الثني فرفضت القرار بحجة أنه اتخذ تحت ضغط السلاح.

الموقف الميداني
تشكلت في العام 2014 أربع جبهات مفتوحة في ليبيا بين الثوار على اختلاف أطيافهم وقوات حفتر:

الجبهة الأولى: الغرب، حيث تضغط قوات فجر ليبيا للسيطرة على قاعدة الوُطية الجوية، آخر معاقل قوات الكرامة وجيش القبائل في الغرب الليبي.

الجبهة الثانية: الهلال النفطي، الذي يضم منابع النفط وموانئه الرئيسية الخمسة في خليج سرت، وتسيطر عليه حاليا مليشيا إبراهيم جضران التي أَسندت إليها حكومة علي زيدان السابقة حماية آبار ومنشآت النفط، وهو من دعاة إقامة إقليم فدرالي في برقة، وقد بدأ ثوار فجر ليبيا عملية الشروق في منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي لتحرير الهلال النفطي، يضاف إليها تحدي الدولة الإسلامية الجديد الذي يعتقد بتمدده في مدينة سرت.

في ظل عدم رجحان كفة أي من القوتين الرئيسيتين على الأرض فإن الأطراف السياسية لن تقدم أية تنازلات، فقوات حفتر عاجزة عن التوسع دون دعم عسكري دولي كبير، أما قوات فجر ليبيا فرغم التأكيد على قدرتها على الحسم ميدانيا تبدو مترددة لأسباب عدة

الجبهة الثالثة: مدينة بنغازي "عاصمة الشرق" التي يحتدم الصراع عليها لما تشكله من رمزية سياسية وموقع إستراتيجي، ورغم ادعاءات حفتر المتكررة بالسيطرة على مدينة بنغازي  لم تقم الحكومة المؤقتة في طبرق بأي نشاط مدني يشير إلى استقرار سلطة حكومة طبرق فيها، مثل عقد اجتماعات البرلمان المنحل فيها لمنح جلساته شرعية دستورية.

الجبهة الرابعة: درنة، حيث يسيطر مجلس شورى المجاهدين في درنة الذي يضم أربعة فصائل منها أنصار الشريعة، وقام بمهاجمة مطار الأبرق وتدمير عدة طائرات حربية فيه، وهو ما اعتبر مؤشرا على قوة تحالف مجاهدي درنة في مواجهة قوات حفتر التي ترفع لواء الحرب على الإرهاب.

العقوبات الدولية
لوحت الأمم المتحدة كثيرا بالعقوبات ضد من يعرقل الحوار، لكن الوقائع على الأرض تشير إلى أن المستهدف بالعقوبات هي حكومة طرابلس وتشكيلات ثوار فجر ليبيا بالتحديد، وأن حصارا دوليا غير معلن فرض بالفعل على حكومة الإنقاذ الوطني في طرابلس من خلال خطوات اتخذت دوليا مثل:

– منع تحليق الطيران الليبي في الأجواء الأوروبية والمصرية.

– رفض دول عربية استقبال الطائرات الليبية المقلعة من طرابلس ومصراتة إلا بعد الهبوط في مطار طبرق، وما يتبع ذلك من تفتيش الطائرات والبحث عن مطلوبين لقوات حفتر المؤقتة.

– محاولة قوات حفتر السيطرة على المعابر الدولية مثل رأس جدير على الحدود مع تونس.

– قصف مخازن تموين مواد غذائية، ومطاري معيتيقة في طرابلس ومصراتة.

– تعطيل موانئ النفط من قبل قوات جضران بما يحرِم حكومة الإنقاذ من العائدات النفطية.

نفوذ شركات النفط
ينظر ساسة ليبيون للأزمة الليبية على أنها اقتصادية محضة، ويرون أن مواقف الدول الغربية رهن بمصالح شركات النفط العملاقة، ويشيرون إلى أن اضطراب الوضع الأمني والعسكري والسياسي جاء بعد إعلان طرابلس عزمها مراجعة جميع الاتفاقيات الموقعة في عهد القذافي، وهو ما تمت مجابهته من قبل شركات النفط الغربية العاملة في ليبيا.

وأبرز الشركات الغربية العاملة في الحقل النفطي الليبي هي: شركة إيني الإيطالية، وائتلاف شركات إيكسيدال وأو إم في النمساوية، وشركة بترو كندا، وائتلاف شركات ريبسول وتوتال وأو إم في وستات أويل وساقا، وائتلاف الشركات الأميركية إمراد هاس و كونكوفليبس وماراثون، وشركة الونترشال الألمانية، علما بأن معظم الاتفاقيات مع هذه الشركات لم تنشر، ويرى مراقبون أن أيا من الحكومتين الليبيتين ستنال تأييدا غربيا بقدر ما تقدمه من مرونة وتنازلات لشركات النفط.

اتجاهات الأزمة
يمكن الحديث عن عدد من الخيارات، أهمها:

1- حسم عسكري
احتمال يميل إليه سياسيون كثر لا يرون جدوى في الحوار، وفي ظل عدم رجحان كفة أي من القوتين العسكريتين الرئيسيتين على الأرض فإن الأطراف السياسية لن تقدم أي تنازلات، ويرون أن قوات حفتر عاجزة عن التوسع دون دعم عسكري دولي كبير، أما قوات فجر ليبيا فرغم التأكيد على قدرتها على الحسم ميدانيا تبدو مترددة لأسباب عدة أبرزها:

1- الخوف من العقوبات الدولية، وفرض وضع شبيه بحالة النفط مقابل الغذاء، تضمن تدفق النفط وتفرض حصارا على طرابلس.

2- التحسب لآثار بيئية واقتصادية جسيمة قد يخلفها القتال في منابع وموانئ النفط، لكن الخسائر الاقتصادية الجسيمة جراء سيطرة إبراهيم جضران على مناطق النفط والتهديد الذي يشكله انتشار تنظيم الدولة الإسلامية من شأنه أن يدفع بقوات فجر ليبيا للسيطرة على مناطق الهلال النفطي مهما كلف الثمن.

3- لجوء قوات حفتر إلى الألغام لإعاقة تقدم قوات فجر ليبيا خاصة حول قاعدة الوطية.

4- تردد قوات فجر ليبيا في إرسال تعزيزات من الغرب لحسم الموقف في مدينة بنغازي في الشرق بسبب الحساسية الجهوية والمناطقية في البلاد.

2- اتفاق سياسي

تبدو مصر الوحيدة التي تدفع الآن باتجاه تدخل دولي لحسم الصراع تحت مظلة محاربة الإرهاب، في حين تقف الجزائر على الطرف الآخر في رفض مثل هذا التدخل وتحاول تونس الوقوف على الحياد في الصراع الدائر مع تفضيل الحل السياسي

يرى كثير من المراقبين أن عددا من الدول الأوروبية تنظر لجهود مبعوث الأمم المتحدة على أنها فرصة أخيرة، لأن مصالحها الاقتصادية مهددة بسبب الحرب، ولذلك يكافح المبعوث الأممي لجمع الأطراف بأي ثمن ليؤكد تحقيق تقدم في البحث عن حل سلمي للأزمة. وتصوره لمشروع الحوار يقترب كثيرا من اجتماع الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية، لكن استثناءه الثوار من الحوار يضعف جهوده، ويرجع البعض السبب وراء إخفاق ما اصطلح عليه بـ"غدامس 1″ إلى أن المتحاورين لا يملكون قرارا حقيقيا، وليس لهم تأثير قوي على القوى الفاعلة على الأرض، ثوار فجر ليبيا من جهة وقوات حفتر من جهة أخرى.

ويرى مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا برناردينو ليون أن الحوار يجب أن يتم دون شروط أو اعتبار لأي قواعد أو أسس، بمعنى أن ما سينجم عن المشاورات يكون أساسا لعملية سياسية مستقبلية، بينما يتمسك المؤتمر الوطني بمبادئ ثورة 17 فبراير والإعلان الدستوري واحترام القضاء واستبعاد المطلوبين على خلفيات إجرامية، أما البرلمان المنحل فقد أقر عدم الجلوس مع ممثلين عن المؤتمر العام.

3- تدخل عسكري دولي
وهو احتمال لم يعد مستبعدا في حال عدم حصول تقدم عسكري أو سياسي، لكن انشغال الأوروبيين بأزمة أوكرانيا وتقاطع المصالح في ليبيا وفاتورة العمليات العسكرية تعيق تدخلا عسكريا دوليا.

فقد صرح السفير الإيطالي في طرابلس أكثر من مرة بأن المساس بمنشآت الغاز يمس الأمن القومي الإيطالي، ومعروف أن أهم منشآت الغاز تقع تحت سيطرة قوات فجر ليبيا، بينما تهيمن شركات النفط الأميركية على القرار بشأن موانئ النفط، حيث تدخلت البحرية الأميركية لاستعادة ناقلة نفط مسروقة من ميناء السدرة في الصيف الماضي.

تبدو مصر الوحيدة التي تدفع الآن باتجاه تدخل دولي لحسم الصراع تحت مظلة محاربة الإرهاب، وعززت موقفها بطلب حكومة الثني مساعدتها عسكريا بتوجيه ضربات جوية لتنظيم الدولة الإسلامية، في حين تقف الجزائر على الطرف الآخر في رفض مثل هذا التدخل، وتحاول تونس الوقوف على الحياد في الصراع الدائر مع تفضيل الحل السياسي.

وانعكست مواقف جيران ليبيا من الشرق والغرب على الوضع الداخلي والدولي، ففيما تحتضن مصر حفتر وقواته وحكومة طبرق تبدي الجزائر ليونة واضحة مع قوات فجر ليبيا وحكومة الإنقاذ، وقد رشحت حكومة الإنقاذ الجزائر لاحتضان الحوار، وبعث ثوار ليبيا تطمينات حقيقية للجزائر بعدم تصدير الثورة إليها ورفض استغلال الجماعات المسلحة الأراضي الليبية ضد الجزائر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.