أزمة الرهائن والمحاولات الأميركية لمواجهتها
تعتبر ظاهرة اختطاف الرهائن من الظواهر السياسية الاجتماعية التي حظيت باهتمام واستهجان النقاد والباحثين، واستغلتها بعض الأنظمة القديمة كأوراق ضغط لضمان الولاء وإحباط أية محاولات انشقاق أو خيانة.
تذكر بعض الكتابات التاريخية أن نظام الرهائن كان معتمدا في بعض الفترات إبان الحكم العثماني ويقع تحت إشراف الولاة الأتراك، في حين أن الدولة المتوكلية اليمنية (1918- 1962) اعتمدته كنظام قائم بحد ذاته، حيث تميز بوسائله المتعددة ومقاصده وغاياته، والتي تتلخص في تثبيت النظام وفرض الولاء للإمام لتحقيق أهداف سياسية -لضمان الولاء وتوسيع النفوذ- وروحية من خلال فرض المذهب الزيدي.
تعتبر أميركا من أكثر الدول التي تعرض مواطنوها لعمليات الاختطاف ويعود ذلك لأسباب منها اتساع النفوذ والسيطرة، والتاريخ الحافل بالحروب والتدخل في الشؤون الداخلية للآخرين ودعم الأنظمة الدكتاتورية ومقاومة حركات التحرر |
تعتبر الولايات المتحدة الأميركية من أكثر دول العالم التي تعرض أبناء شعبها لعمليات الاختطاف ويعود ذلك لأسباب متعددة منها امتداد النفوذ والسيطرة الأميركية إلى معظم دول العالم، وتاريخها الحافل بالحروب والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ودعم الأنظمة الدكتاتورية ومقاومة حركات التحرر وغير ذلك.
– عملية ساحل العاج: تمت هذه العملية يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني1970 في فيتنام الشمالية، وكانت تلك العملية أول عملية عسكرية مشتركة تحت قيادة رئاسة الأركان المشتركة، حيث تم إنزال الجنود الأميركيين بواسطة طائرات عمودية بغرض تحرير 61 جنديا أمريكيا أسيرا لدى القوات الفيتنامية في منطقة شون تاي.
وقد فشلت العملية في تحقيق هدفها الرئيسي لأنه تم نقل الأسرى إلى مكان آخر في وقت سابق.
– عملية مخلب النسر: حدثت هذه العملية خلال أزمة رهائن السفارة الأميركية بطهران بعد الثورة، والتي نشبت بعد استقبال الولايات المتحدة لشاه إيران، فقام مجموعة شباب من أنصار الخميني باقتحام السفارة واحتجاز 52 مواطنا وموظفا أميركيا.
وفي يوم 24 أبريل/نيسان 1980 بدأت القوات الأميركية بعملية تحرير الرهائن ولكنها فشلت في منتصف الطريق وخسرت ثلاث طائرات وكانت تلك العملية إحدى أسباب خسارة جيمي كارتر لصالح رونالد ريجان.
– عملية حمض المناورة: وهي عملية عسكرية تم تنفيذها يوم 20 ديسمبر/كانون الأول 1989 في بنما لإنقاذ المواطن الأميركي كيرت موسى الذي كان يعمل لصالح المخابرات الأميركية، تم إنقاذ الرهينة، ولكن سوء الحظ صاحب العملية، فقد أسفرت عن إصابة 4 جنود أميركيين وتحطم طائرتي هيليكوبتر.
– عملية اَدو في الصومال وهي من أبرز العمليات الأميركية الناجحة لتحرير رهائن، وقد نفذت لتحرير الرهينة الأميركي جيسيكا بوثنان والدنماركي بول هاجن حيث تم تحرير الرهينتين وقتل جميع القراصنة التسعة دون وقوع أية خسائر في صفوف القوات الأميركية.
أضاف تنظيم الدولة مع التنظيمات الأخرى التي بايعته عبئا على الإدارة الأميركية عندما انتهجوا جميعا سياسة اختطاف الرهائن وتنفيذ حكم الإعدام بطرق دموية مثيرة للاشمئزاز، وكان معظم الرهائن من الدول المشاركة في التحالف الدولي الذي أنشئ في سبتمبر/أيلول 2014 للقضاء على التنظيم، حيث قتل التنظيم و"أفرعه" في الجزائر ومصر واليمن -منذ بدء التحالف حملته الجوية في يوليو/تموز الماضي- 10 رهائن بدأً بقتل الصحفي الأميركي جيمس فولي ذبحا بالسكين، وانتهاء بحرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة وهو حي. (هذا بالإضافة للرهائن المصريين الذين قتلهم فرع التنظيم في ليبيا).
إذا توفرت المعلومات الموثوقة المحدثة مع المعرفة الكاملة بالظروف الآنية المحيطة بالرهائن فإنه يمكن تنفيذ هذه العمليات بنجاح شريطة الدمج بين الوسائل التقليدية وغير التقليدية والتي منها استخدام الوسائل المسببة للشلل المؤقت للسمع والبصر والحركة للمقاتل وغيرها |
حاولت الولايات المتحدة الأميركية إنقاذ بعض أولئك الرهائن ولكن سوء الطالع بقي رفيق السوء للقوات الأميركية، مما دفع الصحيفة البريطانية "الإندبندنت" إلى اتهام الولايات المتحدة الأميركية بالفشل في عملياتها لتحرير الرهائن، فيما أدى بعضها لقتل الرهائن مباشرة كما حدث في عمليتها في اليمن حيث قتل المصور الأميركي لوك سومرز والمعلم الجنوب أفريقي بيير كوركي والذي كان التنظيم على وشك إطلاق سراحه كما ذكرت زوجته.
تكمن الإجابة في طبيعة العمليات المعقدة والظروف المحيطة وقدرات الخصم وخبرته، حيث تعتبر عمليات إنقاذ الرهائن من أصعب أنواع العمليات العسكرية لأنها تتسم بالصعوبة الشديدة والتعقيد المذهل، خاصة إذا كان الخاطفون يتمتعون بالتدريب والمهارة العالية وهو ما يعطيهم السبق في تنفيذ إرادتهم على القوات المهاجمة وهو ما يتوفر لمقاتلي تنظيم الدولة.
ويمكن القول إن هذا النوع من العمليات يعتمد على الحظ وهي عمليات يخاطر فيها المهاجم بكل شيء وقد لا يحقق شيئا.
إن نجاح هذه العمليات يعتمد على توفر معلومات استخبارية في غاية الدقة وبتوقيت مناسب، وهما أمران من الصعب توفرهما والتعامل معهما بنجاح في مناطق العمليات العسكرية، كما تحتاج هذه العمليات إلى فرق متخصصة ومحترفة، وهي متوفرة للجندي الأميركي، كما يجب إجراء تجارب مسبقة على أهداف مماثلة للأهداف المنوي مواجهتها.
ورغم القدرات الاستخبارية المتاحة للقوات الأميركية من خلال (الأقمار الصناعية وطائرات الاستطلاع الإستراتيجية وطائرات الاستطلاع التقليدية وطائرات الدرون والطلعات الاستكشافية للطائرات المقاتلة التي تسبق الطلعات القتالية وشبكة العملاء والجواسيس وفرق الاستطلاع الأرضي العاملة في مناطق العمليات والتعاون الاستخباري والأمني مع الأجهزة الأمنية العالمية والإقليمية وغيرها الكثير من طرق الحصول على المعلومات)، فإن تنظيم الدولة الإسلامية نجح في خداع القوات الأميركية وإفشال عملياتها.
وقد تحقق له ذلك من خلال الخبرة التراكمية التي كونها للتعامل مع هذه الحالات، حيث لا يعلن عن أية عملية احتجاز أي من الرهائن إلا في الوقت الذي يراه مناسبا، وبعد تأكده من تأمين الرهينة في مكان سري آمن يصعب معرفته، ثم يقوم بعد ذلك بنقل الرهائن إلى مواقع متعددة وبطرق مختلفة وغير منتظمة من حيث المكان والزمان وتحت غطاء من السرية والكتمان واستخدام كافة وسائل التخفي والتستر والخداع المتاحة.
كما فرض تنظيم الدولة قيودا صارمة على وسائل التواصل الاجتماعي والاتصالات حتى وصل به الأمر حد منع استخدام الهاتف النقال من قبل بعض منتسبيه.
تبقى عمليات تحرير الرهائن من أصعب العمليات العسكرية وأدقها وأخطرها وأقلها فرص نجاح، مما يستدعي إعادة النظر بها، ويطرح سؤالا عن إمكانية تفضيل أو إضافة مبدأ التفاوض رغم محاذيره، لأنه نجح في العديد من الحالات |
الإخفاقات الأميركية المتكررة، ومطالبات أهالي الرهائن وأصدقائهم وبعض رجالات الكونغرس، وانتقاد بعض الصحف فرضت على المخططين إعادة تقييم الإستراتيجية الأميركية وضرورة إجراء مراجعة شاملة لها وللخطط العملياتية المنبثقة عنها، وهو ما دفع الرئيس أوباما للدعوة إلى إجراء مراجعة شاملة لسياسة الولايات المتحدة لتحرير الرهائن الأميركيين من خلال الأمر بتشكيل فريق يكلف بموضوع احتجاز الرهائن، ولكنه أبقى على معارضته في دفع أي فدية.
إن إمكانية تحديد أماكن احتجاز الرهائن المختطفين لدى تنظيم الدولة ليس بالعمل السهل للأسباب التي وردت أعلاه، كما أنها تحتاج بنك معلومات محدث بأدق المعلومات وأحدثها من خلال متابعة كافة تحركاته على مدار الساعة على أرض مساحتها تعادل مساحة فرنسا، وبكافة وسائل الاستطلاع وجمع المعلومات دون حدوث أخطاء أو اختراقات.
إذا توفرت المعلومات الموثوقة المحدثة مع المعرفة الكاملة بالظروف الآنية المحيطة بالرهائن فإنه يمكن تنفيذ هذه العمليات بنجاح شريطة الدمج بين الوسائل التقليدية وغير التقليدية والتي منها استخدام الوسائل المسببة للشلل المؤقت للسمع والبصر والحركة للمقاتل مما يتيح للمهاجم السيطرة على عناصر الحراسة قبل قيامهم بأي رد فعل، مع ضمان عدم ارتكاب أية أخطاء من المهاجمين، أو حدوث أية مفاجآت قد تفشل العملية كما حدث مع القوات التي نفذت عملية مشابهة في اليمن، حيث استفاق أحد الحراس نتيجة نباح كلب فيما كان فريق الاقتحام على مسافة 200 متر من الهدف مما أيقظ بقية طاقم الحراسة الذي بادر بإطلاق النار على الرهينتين وقتلهما.
على ضوء ما تقدم تبقى عمليات تحرير الرهائن من أصعب العمليات العسكرية وأدقها وأخطرها وأقلها فرصا في النجاح، مما يستدعي إعادة النظر في الأساليب المعتمدة، ويطرح سؤالا عن إمكانية تفضيل أو إضافة مبدأ التفاوض رغم محاذيره، لأنه نجح في العديد من الحالات.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.