إنذار تشيناي

A man walks along a makeshift footbridge on a road which was damaged by floods in Srinagar September 18, 2014. Both the Indian and Pakistan sides of the disputed Himalayan territory have been hit by extensive flooding since the Jhelum river, swollen by unusually heavy rain, surged two weeks ago. Thousands have been left stranded, homeless and hungry in the city of Srinagar, most of which was submerged by the region's worst flooding in 50 years. REUTERS/Danish Ismail (INDIAN-ADMINISTERED KASHMIR - Tags: DISASTER ENVIRONMENT TPX IMAGES OF THE DAY)

حينما كان زعماء العالم يجتمعون في باريس لمعالجة قضية تغير المناخ، كانت مدينة تشيناي (مدراس سابقا) عاصمة ولاية تاميل نادو في جنوب الهند، تترنح تحت وطأة أشد الأمطار غزارة وأعنفها منذ 104 أعوام.

وقد توقفت الحياة تقريبا في المدينة التي يقطنها خمسة ملايين شخص، بعد أن غمرت المياه الطرق وأغرقت ما يقرب من خمسة آلاف منزل. وقد حصدت الأمطار الشديدة أرواح 450 إنسانا. وعُلِّقَت الخدمات الجوية وتوقفت السكك الحديدية، وانقطعت خطوط الطاقة والهواتف، ويعاني المرضى في المستشفيات مع توقف معدات دعم الحياة. واستلزم الأمر استدعاء قوات الجيش الهندي والقوات الجوية لإنقاذ الضحايا بالقوارب.

من الصعب أن نتصور رابع أكبر مدينة في الهند (المدارس والكليات وشركات تكنولوجيا المعلومات والمصانع والمنشآت التجارية) وقد توقفت تماما. ورغم ذلك، اتخذت شركات صناعة السيارات العالمية مثل فورد ودايملر و"بي إم دبليو" ورينو قرارا غير مسبوق بوقف الإنتاج في مصانعها المحلية. وفشلت صحيفة تشيناي المحترمة، الهندوسية، في إصدار نسختها المطبوعة لأول مرة في 178 عاما، لأن موظفيها لم يتمكنوا من الذهاب إلى محل عملهم (ولو أنها أصدرت ببسالة نسخة إلكترونية).

كان من المحتم أن يربط كثيرون بين الفيضانات في تشيناي والمحادثات الجارية في باريس، وأن يروا في الأمطار المدمرة دليلا على العواقب الكارثية التي تخلفها الأنشطة البشرية على الطقس في العالم، وأن وقوع المزيد منها أمر حتمي طالما لم يتخذ زعماء العالم إجراء حاسما للحد من التغير المناخي

وكان من المحتم أن يربط كثيرون بين الفيضانات في تشيناي والمحادثات الجارية في باريس، وأن يروا في الأمطار المدمرة دليلا على العواقب الكارثية التي تخلفها الأنشطة البشرية على الطقس في العالم. وأشاروا إلى أن وقوع المزيد من هذه الكوارث أمر لا مفر منه ما لم يتخذ زعماء العالم في باريس إجراء حاسما للحد من تغير المناخ الكوكبي.

وقال رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي "نحن نشعر الآن بالتأثير السريع المتنامي الناجم عن تغير المناخ"، مشيرا إلى تشيناي وداعيا البلدان الصناعية إلى بذل المزيد من الجهد لتخفيف الانحباس الحراري العالمي.

ويتوقع العلماء أن تصبح الهند أكثر حرارة على مدى العقود القليلة المقبلة، وبالتالي أكثر عُرضة لمجموعة من الكوارث المرتبطة بالطقس مثل موجات الجفاف والفيضانات وتلف المحاصيل والأعاصير. ويُقال إن أحداث تشيناي كانت مجرد إنذار.

ولكن ربما يقدم لنا عامل آخر تفسيرا أكثر مباشرة لتدهور الأمور إلى هذا الحد. من المعتاد أن تعاني منطقة الساحل الشرقي في الهند حول تشيناي من الأمطار الموسمية الغزيرة في هذا الوقت من العام. ورغم أن هطول الأمطار على المنطقة هذه المرة كان الأشد غزارة منذ عام 1911، فإن الفيضانات كانت أيضا نتيجة للخطأ البشري: التوسع الحضري غير المسؤول وغير المخطط له الذي حوَّل هيئة الهند في العقود الأخيرة.

الواقع أن الفيضانات في كل المناطق المتضررة تقريبا يمكن ربطها بتوسع في البناء يتسم بسوء التخطيط، والذي حدث دون اعتبار لعلوم الهيدرولوجيا أو النظم الإيكولوجية الطبيعية في تشيناي. فكانت القواعد التي وضعها وزارة البيئة في تاميل نادو موضع تجاهل إلى حد كبير، لأن الساسة يناصرون قضايا شركات البناء باسم التنمية.

ونتيجة لهذا، بنيت المطارات ومحطات الحافلات على السهول الفيضية، والمستودعات والمصانع على الأراضي الرطبة والمستنقعات، ومشاريع الإسكان على بحريات سابقة. وكانت مسارات الصرف ومستجمعات المياه مثارا للسخرية بين القائمين على شركات البناء. وانتشرت الطرق والسكك السريعة الملتفة من دون أي اعتبار للبيانات حول تدفق المياه في المدينة.

وكانت النتيجة التدهور السريع للمسطحات المائية. ولأن عمليات البناء كانت تتم دون أي قدر يُذكَر من الاكتراث بتوفير الأنظمة الكافية للتخلص من النفايات ومياه الصرف، تحولت أنهار المدينة وقنواتها إلى مقالب للقمامة، واختنقت حتى لم تعد قادرة على الخدمة كقنوات فعّالة لتوجيه مياه الأمطار إلى البحر. وعلى نحو مماثل، كان تدمير الأراضي الرطبة الشديدة الأهمية وعدم كفاية البنية الأساسية لاحتواء الفيضانات يعني أن مياه الأمطار الجارية لم يعد لها مكان تذهب إليه.

وبوسعنا أن نجد نفس الظاهرة في العشرات من المدن الهندية. صحيح أن التوسع الحضري أمر لا مفر منه: ذلك أن اقتصاد 1.2 مليار مواطن من غير الممكن أن يوظف ثلثيهم في الزراعة ويأمل في تحقيق النمو، وسوف ينتقل سكان الريف حتما إلى المدن بحثا عن العمل وحياة أفضل.

تخطط الهند الآن، وبما يتماشى مع الشعار الذي أطلقته حكومة مودي "اصنعوا في الهند" لبناء مائة "مدينة ذكية" لجلب النمو القائم على التكنولوجيا الفائقة إلى المراكز الحضرية. بيد أن المدن الهندية لابد أن تكون ذكية من منظور التكنولوجيا البسيطة أيضا

وقد ارتفع عدد سكان المناطق الحضرية في الهند من 10% عند الاستقلال قبل أقل من سبعين عاما لنحو 40% اليوم. ولن يمر وقت طويل قبل أن يعيش أغلب الهنود في المدن. ولكن هذه المدن من غير الممكن أن تنمو جميعها على نحو أشبه بما حدث في تشيناي.

الواقع أن العديد من المدن الهندية كثافتها السكانية أعلى من تشيناي، وقد تؤدي كارثة مماثلة في كوتشي أو ثيروفانانثابورام إلى خسائر أعلى كثيرا بين البشر. وينبغي لنا أن نعيد النظر في أنظمة الصرف في مدننا، وأن نعيد تنظيم مؤسسات إدارة الكوارث، ونعمل على ضمان تصريف مياه الأمطار الموسمية إلى خارج مدننا في أقصر وقت ممكن.

كانت مأساة تشيناي بمثابة نداء إيقاظ للهند. وربما كان بوسعنا أن نتجنب الكارثة لو اتخذنا تدابير صارمة للحفاظ على المسطحات المائية واحترام الضرورات البيئية.

وإذا رتبنا أولوياتنا على النحو الصحيح، فسوف ننتبه إلى الدروس المستفادة من هذا الرعب فلا نعمل على خلق مساحات حضرية إلا بطرق مستدامة بيئيا. وإذا نظرنا إلى كارثة تشيناي باعتبارها حدثا لا يتكرر سوى مرة واحدة، أو قدرا لا دخل لنا فيه، ولم نعترف بإسهام الخطأ البشري، فلن نتمكن من تجنب المزيد من الكوارث.

تخطط البلاد الآن، وبما يتماشى مع الشعار الذي أطلقته حكومة مودي "اصنعوا في الهند"، لبناء مائة "مدينة ذكية" لجلب النمو القائم على التكنولوجيا الفائقة إلى المراكز الحضرية. بيد أن المدن الهندية لابد أن تكون ذكية من منظور التكنولوجيا البسيطة أيضا.

ولكي نستفيد من تشيناي، فينبغي لنا ألا نسمح أبدا للمزيد من البناء والتوسع الحضري والتصنيع بتقويض صمودنا الطبيعي في مواجهة أحداث الطقس الموسمية المعتادة. ولا ينبغي لشعار "اصنعوا في الهند" أن يتحول إلى سبب لخرابها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.