غارة إسرائيل على حزب الله بالجولان.. الأهداف والتداعيات

لبنان الضاحية الجنوبية يناير 19 - حزب الله في أقصى درجات التأهب جنوبا في حال أي اعتداء إسرائيلي ردا على انتقام الحزب لعملية القنيطرة ويظهر في الصورة تشييع جهاد عماد مغنية أحد شهداء الغارة في لبنان الضاحية الجنوبية يناير 19 2015

أسباب الغارة وتوقيتها
القراءة الإسرائيلية لموقف حزب الله
حزب الله ومحدودية القدرة على الرد
السيناريوهات المحتملة

الغارة الإسرائيلية على القنيطرة السورية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في ظل الواقع السوري، وعنصر المفاجأة فيها كان الجرأة الإسرائيلية في سرعة تبني الهجوم على عناصر حزب الله. صحيح أنه لم يتم تبني العملية رسيماً، إلا أن العرف الدارج لدى الاحتلال في العمليات الخارجية المحدودة هو تسريب كم كبير من المعلومات بشأنها لوسائل الإعلام المحلية والغربية.

قد يلعب التوقيت دوراً لصالح نتنياهو ومحرجاً لحزب الله بعد تصريحات أمينه العام حسن نصر الله، إلا أن الغارة تحمل في طياتها بُعدًا إستراتيجيًا أعمق من الدعاية الانتخابية وتحسين صورة الجيش الإسرائيلي.   

أسباب الغارة وتوقيتها
تعيش إسرائيل حالة من الفراغ السياسي إثر حل الحكومة والدعوة لانتخابات في مارس/آذار القادم، والفراغ العسكري بسبب تنقلات لقيادات الجيش، إلا أن هذا الفراغ لا يكبل إسرائيل في الإقدام على اغتيال كوادر حزب الله، فهي تعتبر أنها تجاوزت الخطوط الحمر التي وضعتها، فإسرائيل رسمت لنفسها خطوطا إستراتيجية لا تسمح بتجاوزها.

ومن هذه الخطوط نقل السلاح الإستراتيجي الكاسر للتوازن في المواجهة بين إسرائيل وحزب الله كالصواريخ الطويلة المدى أو مضادات الطيران، أو التحضير لأنشطة وأعمال من قبل حزب الله أو إيران قد تغير الوضع القائم في الجولان، حتى لا تصبح المنطقة مصدر قلق وتهديد أمني لإسرائيل كالجبهة الشمالية.

وهاتان الحالتان لا تخضعان لحسابات معقدة وإنما تتخذ إسرائيل قراراً فورياً بالتصدي لهما. وهذا ما جرى في معظم الغارات السابقة من قصف لمنظومات الصواريخ وقوافل نقل السلاح.

لا تخلو الأهداف الإسرائيلية من الاستفادة من العملية، فثمة ما تستثمره إسرائيل سواء على الصعيد الحزبي أو على صعيد مؤسسات الجيش، فبنيامين نتنياهو يهدف إلى جبّ صفة التردد والضعف التي لحقت بشخصيته بعد عملية الجرف الصامد في قطاع غزة، والترويج لنفسه بالشجاعة والعزم والقوة في مواجهة التحديات الأمنية.

ترمم الغارة الإسرائيلية صورة الأجهزة الأمنية وخاصة الأجهزة الاستخباراتية للجيش، وتعطيها نوعاً من إعادة الثقة بقدراتها بعد أن تضعضعت واهتزت مكانتها عقب عملية "الجرف الصامد"، لعدم امتلاكها المعلومة وتقديرها الخاطئ للموقف من حركة حماس

كما يخدم التوقيتُ دعايتَه الانتخابية إثر تصاعد المنافسة مع خصومه، وتصدّر "المعسكر الصهيوني" (تحالف العمل/الحركة بزعامة ليفني) لاستطلاعات الرأي، التي أعطته 27 مقعدًا في الكنيست المقبل مقابل 21 لليكود بزعامة نتنياهو.

كما ترمم الغارة الإسرائيلية صورة الأجهزة الأمنية وخاصة الأجهزة الاستخباراتية للجيش، وتعطيها نوعاً من إعادة الثقة بقدراتها بعد أن تضعضعت واهتزت مكانتها عقب عملية "الجرف الصامد"، لعدم امتلاكها المعلومة وتقديرها الخاطئ للموقف من حركة حماس.

القراءة الإسرائيلية لموقف حزب الله
لم تغير تصريحات حسن نصر الله -التي توعد فيها إسرائيل بالرد على أي اعتداء على لبنان أو سوريا، واعتبر فيها ما حصل اعتداء على محور المقاومة- القراءة الإسرائيلية لمواقف الحزب من خوض مواجهة شاملة معه، إذ تعتبر إسرائيل أن حزب الله غير جاهز من الناحية السياسية والعسكرية.

فعلى الصعيد الداخلي يعاني الحزب من أزمة سياسية ترجع إلى موقفه من سوريا وخسارته العديد من حلفائه، وأية مواجهة ستفقده حليفه العوني (ميشيل عون) مع تزايد انعكاسات الأزمة السورية على الساحة اللبنانية.

أما على الصعيد العسكري فقوة الحزب مشتتة ومرهقة بانشغالها في الساحات الخارجية والساحة السورية بشكل خاص، ومشاركة أكثر من 15 ألف مقاتل في المعارك وفقدانه العشرات من كوادره وقياداته المؤثرة، تجعله غير قادر على التفكير في مواجهة شاملة مع إسرائيل.

وتتأثر إيران بهبوط أسعار النفط، فهي لا تمتلك القدرة على تمويل مواجهة طويلة بين الحزب وإسرائيل، وهناك إشارات إسرائيلية تفيد بأن رواتب عناصر حزب الله تم تخفيضها للنصف منذ شهرين، ومع ذلك فإسرائيل مدركة أنها وضعت حزب الله وزعميه في زاوية ضيقة، تحتم عليه ردًا محدودًا بحيث لا يصل إلى مرحلة المواجهة.

حزب الله ومحدودية القدرة على الرد
يُستنزف حزب الله في تنفيذ السياسة الإيرانية بالمنطقة، وهو لم يعد قادراً على تحمل مزيد من الأعباء في ظل اشتداد جبهات عدة وانشغال إيران الحليف الإستراتيجي للحزب، فالخبرات الميدانية والطاقات التدريبية تتوزع على العراق وسوريا واليمن.

ثمة أمر يؤرق ويشغل تفكير المستويات العليا في الحزب، ألا وهو التساؤل: ما حجم الاختراق الأمني الإسرائيلي للحزب؟ فعملية الاستهداف هي عملية أمنية ولم تكن محض صدفة، ويبدو أن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية كانت تمتلك معلومات دقيقة عن الهدف

كما أن ظهر حزب الله مكشوف في الساحة اللبنانية حيث تشتت قوته، إلى جانب حالة العداء السنية تجاهه، والصراع المفتوح مع جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية والذي يحدّ من قدرته على خوض مواجهة، مع أن إسرائيل لن تسمح له باتخاذ قرار الحرب وسيكون ردها عنيفاً.

يضاف إلى ذلك أن خط الإمداد السوري الإيراني (عبر القلمون) لم يعد آمناً بسبب المواجهات مع النصرة، والخسائر البشرية التي يتكبدها الحزب لمحاولة السيطرة عليه، كما ستتأثر القطاعات السياحية والاقتصادية مع تنامي النقمة الكبيرة في الداخل اللبناني ضد الحزب، وغياب الملجأ الآمن للبنانيين إذا ما حصلت مواجهة شاملة. ولذا فلن يخرج تقدير الموقف لدى حزب الله عن واقعه السياسي المأزوم.

وثمة أمر آخر يؤرق ويشغل تفكير المستويات العليا في الحزب، ألا وهو التساؤل: ما حجم الاختراق الأمني الإسرائيلي للحزب؟ فعملية الاستهداف هي عملية أمنية ولم تكن محض صدفة، ويبدو أن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية كانت تمتلك معلومات دقيقة عن الهدف، وهذا نجاح جديد لإسرائيل في سلسلة اختراقات عدة استهدفت حزب الله.

السيناريوهات المحتملة
إن الواقع الحالي أكثر صعوبة فيما يتعلق بقرارات المواجهة والسيناريوهات القادمة، فالظروف الإقليمية والمنطقة العربية تجعل من المُعقد حسم السيناريو الأكثر ترجيحاً؛ فإسرائيل لم تعد تجدي لديها التقديرات الإستراتيجية لمدة عام المتعلقة بالخطر المحدق بها، بل أوصت بتقديرها كل ثلاثة أشهر لسرعة المتغيرات، وهذا ينعكس على الواقع الإقليمي الخاص بالعلاقة بين إسرائيل وحزب الله، والسيناريوهات القادمة:

السيناريو الأول: مواجهة واسعة على غرار 2006 بل أشد ضراوة وفتكاً، إلا أن هذا السيناريو مستبعد خلال المرحلة القادمة، فإسرائيل وحزب الله يدركان أنهما غير جاهزيْن لها، فعلى الصعيد الإسرائيلي ما زالت القيادات الأمنية للجيش تلملم أوراقها وتعيد ترتيب أولوياتها لاستخلاص الدروس والعبر، لكن هذا لا يعني أنها ستكون مكبلة أو عاجزة عن الردع إذا فُرضت عليها المواجهة.

أما على صعيد حزب الله فقد أسلفنا ذكر وضعه المأزوم، كما أنه لا يمتلك وحده قرار الحرب والسلم، فهناك حليفه العضوي إيران وواقعه الصعب في لبنان.

السيناريو الثاني: محدودية الرد من قبل حزب الله وحصر نطاقه في مزارع شبعا، وهو السيناريو الأقرب للواقعية والأكثر توقعاً، وستكون المعركة بينهما على استغلال الفرص والصيد الثمين في حدود لا تسمح بمواجهة شاملة.

وفي هذه الحالة يحافظ الحزب على نوع من المصداقية أمام جماهيره، ويوصل رسالة للإسرائيليين بأنه سيرد على الخروقات الإسرائيلية كما جرى في أكتوبر/تشرين الأول الماضي من استهداف جيب إسرائيلي في مزارع شعبا.

السيناريو الثالث: الرد من جبهة الجولان: يعتبر الوضع الأمني لجبهة الجولان هو الورقة السياسية الرابحة في يد نظام بشار الأسد، ولذا لا أعتقد أن النظام السوري -ومن خلفه روسيا- من الممكن أن يفكر في إزعاج إسرائيل عبر بوابة الجولان، خاصة في ظل تسويقه المتكرر للخطر الأمني على إسرائيل في حال انهار النظام أمام المعارضة، كما أنه كذلك لم ولن يفكر في خسارتها.

إن أسوأ الأحوال التي يمر بها حزب الله هو أن يتلقى الضربات القاسية وتكون كلفة ردها عالية سواء أكان سكوتاً أم عملاً ميدانياً، فالسكوت سيضرب مصداقية الحزب وأمينه العام وهيبته في مواجهة إسرائيل، ويُظهر أن مقاومته ضد إسرائيل قد أصابها الضعف والوهن

ومن الممكن أن يلجأ الحزب إلى هذا الأسلوب إلا أنه يعي أن الأمر يحتاج إلى قرار سوري، إلا في حال وجود إيعاز إيراني، لأن إيران هي التي تدير المعركة الميدانية على الجبهات المشتعلة، فلا النظام السوري ولا حزب الله يمتلك القرار النهائي، ولذا فإن هذا السيناريو من المستبعد حدوثه.

ورغم التلميحات السابقة من الحزب بتنفيذ بعض العمليات، فإن الضربة الاستباقية الإسرائيلية ضد الحزب ستجعله يعيد حساباته من جديد.

السيناريو الرابع: الرد في الخارج: نجح حزب الله سابقا في تنفيذ بعض العمليات بأميركا اللاتينية وأوروبا وفشل في أخرى، ففي الساحة الأوروبية لم يُصنف حزب الله بعدُ في العديد من الدول كتنظيم إرهابي، كما تُعتبر أوروبا رافدًا ماليًا للحزب، وما نُفِّذ من عمليات كانت إيرانية التخطيط بمشاركة بعض عناصر الحزب للانتقام من عمليات الاغتيال الإسرائيلية في إيران. وإذن، فمن المستبعد أن يُطرح مثل هذا الاحتمال على طاولة اتخاذ القرار.

إن من أبرز التداعيات أن إسرائيل نجحت في استخدام الضربات الانتقائية لضمان استمرار حالة الردع أمام الحزب، حتى لا يتجرأ ويقدم على عمليات كبيرة من النوع الإستراتيجي الذي من الممكن أن يوصل إلى مواجهة كبرى.

وهي رسالة لحزب الله بأن عليه عدم تجاوز الحدود الفاصلة في الجولان، كما أنها رسالة مبطنة لإيران بأن إسرائيل قد تذهب أبعد في توجيه ضربة للمفاعل النووي الإيراني مع تزايد الغضب الإسرائيلي تجاهه، وعليها أن تقدم تنازلات في مفاوضاتها مع مجموعة "5+1″، وإن كانت الرغبة الإسرائيلية تفضل الفشل وعدم التواصل إلى أي اتفاق.

إن أسوأ الأحوال التي يمر بها حزب الله هو أن يتلقى الضربات القاسية وتكون كلفة ردها عالية سواء أكان سكوتاً أم عملاً ميدانياً، فالسكوت سيضرب مصداقية الحزب وأمينه العام وهيبته في مواجهة إسرائيل، ويُظهر أن مقاومته ضد إسرائيل قد أصابها الضعف والوهن، وأصبحت مستنزفة في الصراعات ضد إرادة الشعوب وفقدت جدوى حضورها كفصيل مقاوم للاحتلال، ويطفو على السطح مرة أخرى النقاش حول سلاحه في الحور اللبناني.

ومع ترجيح السيناريو الثاني بمحدودة الرد، فإن الأول رغم استبعاده ما زال مطروحاً، لكن القرار في طهران. فهل تمتلك إيران الجرأة على قبول التحدي الإسرائيلي أم أنها مكبلة؟

في حالات الحروب قد تفقد الأطراف السيطرة وتنجر إلى مواجهة شاملة، لأن التطورات الميدانية ونتائجها هي التي لها الكلمة الفصل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.