سقوط نتنياهو؟

Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu gestures during a press conference in Jerusalem, Tuesday Dec. 2, 2014. Israel's prime minister fired two senior Cabinet ministers from his divided government Tuesday and said he would call early elections, plunging the country toward a heated campaign more than two years ahead of schedule. (AP Photo/Gali Tibbon, Pool)

كان حل البرمان الإسرائيلي (الكنيست) -بعد يوم واحد من إقالة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لاثنين من كبار وزراء الحكومة- بمثابة انقلاب مفاجئ. وعندما يصوت الإسرائيليون مرة أخرى في مارس/آذار القادم -قبل الموعد المحدد بأكثر من عامين- فربما يصوتون بإخراج نتنياهو من منصبه، مع ما قد يترتب على ذلك من تداعيات مؤثرة ليس فقط في إسرائيل، بل وفي الشرق الأوسط الكبير.

حتى الصيف الماضي، بدا نتنياهو وكأنه محصن ضد أي هجوم سياسي. وكان من المتوقع أن تكمل حكومته الائتلافية فترة ولايتها رغم بعض المشاحنات الداخلية. ولم يكن من المتصور أن يفضل حتى 10% من الإسرائيليين اختيار زعيم المعارضة (رئيس حزب العمل يتسحاق هرتسوغ) رئيساً للوزراء.

ثم بدأت الأمور تتجه نحو الانهيار عندما استقال اثنان من الوزراء -بلا سابق إنذار- بحجة الالتزامات الأسرية أو الخلافات السياسية. ثم جاءت الحرب غير الحاسمة وغير المقنعة في غزة، والتي كانت سبباً في تقويض مصداقية نتنياهو بعد تعهده بـ"سحق حماس"، وخاصة عندما أقدم وزراء مثل نافتالي بينيت (زعيم حزب البيت اليهودي القومي الديني) على الطعن في سياساته علنا.

بدأت الأمور تتجه نحو الانهيار عندما استقال اثنان من الوزراء -بلا سابق إنذار- بحجة الالتزامات الأسرية أو الخلافات السياسية. ثم جاءت الحرب غير الحاسمة وغير المقنعة في غزة، والتي كانت سبباً في تقويض مصداقية نتنياهو بعد تعهده بـ"سحق حماس"

وعندما صوتت برلمانات أوروبية في عام 2014 لصالح الاعتراف بفلسطين دولة مستقلة، بدأ العديد من الإسرائيليين -الذين دأبوا على تحميل الفلسطينيين المسؤولية عن الفشل المستمر في محادثات السلام- يشعرون بالقلق.

والأمر الأكثر أهمية أن صدامات نتنياهو العلنية مع الرئيس الأميركي باراك أوباما كانت سبباً في تأجيج المخاوف بين الإسرائيليين -بمن في ذلك أنصار حزب نتنياهو الليكود- من أن تتسبب سياسات الحكومة في تعميق عزلة إسرائيل وبالتالي تقويض أمنها.

والوضع الداخلي ليس أفضل كثيرا. فقد فشل نتنياهو في الوفاء بالوعود التي بذلها -منذ المظاهرات الحاشدة التي اندلعت في عام 2011- بمعالجة تكاليف المعيشة الباهظة، وخاصة بالنسبة للأسر الشابة.

فعلى العكس تماماً من وعوده، استمرت أسعار المساكن في الارتفاع. وعندما اقترح يائير ليبيد (وزير المالية الطموح ولكن غير الكفؤ والذي يتزعم حزب "هناك مستقبل" المنتمي إلى تيار الوسط) التنازل عن ضريبة القيمة المضافة على شراء المسكن الأول للأزواج الشباب، فشل نتنياهو في الاستجابة بشكل حاسم، الأمر الذي أعطى انطباعاً بأنه يفتقر إلى السيطرة على مجلس الوزراء.

ولكن دعم نتنياهو لمشروع قانون يسعى إلى إضفاء الطابع الدستوري على هوية إسرائيل باعتبارها دولة قومية للشعب اليهودي -وهو ما من شأنه أن يلحق الضرر بمواطني إسرائيل من المسلمين والمسيحيين والدروز- كان هو الذي دفع الموقف إلى نقطة الأزمة.

ذلك أن مشروع القانون -الذي يؤكد تفوق هوية إسرائيل اليهودية على مبادئها الديمقراطية- كان سبباً في إحداث انقسامات عميقة ليس فقط بين الناخبين، بل وأيضاً داخل الائتلاف الحكومي.

والواقع أن نتنياهو أقال خصميْه ليبيد ووزيرة العدل تسيبي ليفني (اللذين استنكرا أيضاً خطط نتنياهو لبناء المستوطنات) بعد افتضاح ضعف زعامته وتذبذبها، ودعا إلى عقد انتخابات جديدة. ولكن الحدث الذي غيّر قواعد اللعبة حقاً كان إعلان هرتسوغ وليفني (التي تتولى زعامة حزب الحركة الوسطى الصغير) اعتزام حزبيهما خوض الانتخابات متحِديْن معا. وإذا فازا فسيتناوبان على منصب رئيس الوزراء.

وأدى ذلك إلى تغيير الخطاب السياسي في إسرائيل بين عشية وضحاها تقريبا. فلم يعد نتنياهو سياسياً لا يُقهَر، بل إن كثيرين ينظرون إليه الآن باعتباره رئيس وزراء فاشلا، ويواجه كتلة يسار الوسط التي قد تصبح صاحبة الصوت الأقوى في الكنيسيت.

والواقع أن ناخبي حزب "هناك مستقبل" -الذين أصيبوا بخيبة أمل من فشل ليبيد في تقديم "السياسة الجديدة" القائمة على الكفاءة والشفافية التي وَعَد بها- ربما يزودون تحالف هرتسوغ/ليفني بالأصوات اللازمة.

وقد أشارت أحزاب تقليدية معتدلة -شهدت هي أيضا انقسامات داخلية- إلى استعدادها للعمل مع كتلة يسار الوسط التي قد تمكّن إسرائيل من تحقيق تقدم حقيقي. وحتى وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان (رئيس حزب إسرائيل بيتنا اليميني) فإنه ينتقد الآن إقدام نتنياهو على استعداء الولايات المتحدة، كما أوضح أنه لا يستبعد الانضمام إلى حكومة الوسط.

وكل هذا يصب في مصلحة تحالف هرتسوغ/ليفني. ولكن ثلاثة أشهر وقت طويل في عالم السياسة. فربما يكون نتنياهو رئيس وزراء بائسا؛ ولكنه بالغ الشراسة في إدارة الحملات الانتخابية.

نتنياهو -وهو الحريص دوماً على إقناع الجمهور الإسرائيلي باستحالة صنع السلام مع الفلسطينيين- فشل في معالجة المسألة الخاصة بتحديد أي نوع من البلدان قد تصبح إسرائيل إذا استمرت في حكم الملايين من البشر ضد إرادتهم

وحتى إذا احتل تحالف الوسط المركز الأول في الانتخابات، فسوف يظل في احتياج إلى شركاء ائتلاف لتشكيل أغلبية في الكنيست. والفوز بأقل من ثلاثين مقعداً من أصل مائة وعشرين مقعداً ربما يدفع التحالف إلى البحث عن شركاء محتملين بين الأحزاب التقليدية المحافظة، وهو نهج قد ينفر الناخبين العلمانيين التقليديين.

وعلاوة على ذلك، فإن تحالف هرتسوغ/ليفني سوف يُقابَل بتحديات خطيرة، بدءاً بالتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين. ولأن القيادة السياسية الفلسطينية منقسمة بين السلطة الفلسطينية بقيادة منظمة فتح التي تسيطر على الضفة الغربية، وحركة حماس التي أسست نظاماً أصولياً إسلامياً في غزة، فإن التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لن يعني الكثير.

ومع ذلك فإن حكومة هرتسوغ/ليفني قد تكون قادرة على إحداث تغيير كبير، وخاصة في ما يتصل بالعلاقات مع أوروبا والولايات المتحدة. ذلك أن سياسات وتصريحات نتنياهو الاستفزازية -التي قوضت الدعم لإسرائيل حتى بين أقرب حلفائها- ستحل محلها الرغبة في التفاوض بشكل جدي وتقديم تنازلات حقيقية.

وهذا التحول كفيل بتجديد الأمل بين الإسرائيليين، وفي الوقت المناسب تماما. وهناك إدراك متزايد في إسرائيل الآن بأن الوقت حان لرسم مسار جديد.

إن نتنياهو -وهو الحريص دوماً على إقناع الجمهور الإسرائيلي باستحالة صنع السلام مع الفلسطينيين- فشل في معالجة المسألة الخاصة بتحديد أي نوع من البلدان قد تصبح إسرائيل إذا استمرت في حكم الملايين من البشر ضد إرادتهم. وهذا هو الذي جعل كثيرين في الغرب يصبحون ضد إسرائيل، وحمل البعض على التشكيك في شرعيتها. فإذا كانت الصهيونية تعني السيطرة الأبدية على الفلسطينيين، فهل تستحق الدعم حقا؟

إن تحالف هرتسوغ/ليفني يطلق على نفسه مبدئياً "المعسكر الصهيوني". وقد لا يكون هذا الاسم جذابا (ومن المرجح أن يتغير)، ولكنه يعبر عن حقيقة أساسية مفادها أن الصهيونية تسعى في الأساس إلى إقرار حق الشعب اليهودي في تقرير المصير، وليس فرض الهيمنة الدائمة على شعب آخر. وإن المرء ليتمنى أن يدرك الناخبون الإسرائيليون هذه الحقيقة في مارس/آذار.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.