لماذا يريد السيسي إعادة تأهيل بشار؟

من اليمين الرئيس السوري بشار الأسد و الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ( المصدر الأوربية
وكالة الأنباء الأوروبية


رغم هامشية الأمر، فإنه لم يكن بلا دلالة على الموقف الذي يأخذه السيسي من النظام السوري. أتحدث عن مشاركة الأخير بوفد من أربعة أعضاء في "المؤتمر العربي الثاني للحد من مخاطر الكوارث" الذي عقد في شرم الشيخ.

من الصعب الحديث عن مواقف النظام المصري الجديد من الملف السوري دون ربط ذلك بموقفه من التحالف الإيراني، من دون أن يقلل ذلك من وجود أسباب أخرى تدفع السيسي إلى إجراء مقاربة أخرى بعيدا عن مواقف الدول التي دعمت الانقلاب، وعملت على تثبيته، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، وإن اختلف الأمر بالنسبة للإمارات التي لا تبدو معنية بنجاح ثورة سوريا، بخاصة أن أكثر من يتصدرونها (الثورة) إسلاميون، وهي (الإمارات) تملك حساسية مفرطة حيالهم بصرف النظر عن ألوانهم الفكرية ما داموا يتحدثون عن الثورة والإصلاح والديمقراطية، فضلا عن أن يكونوا ممن يتحدثون عن الخلافة الإسلامية.

يدرك هيكل، وتبعا له السيسي، أن إيران يمكن أن تكون سخية على نحو مفرط مع من يساعدها في الإبقاء على الأسد في السلطة والحيلولة دون سقوطه، بينما يبدو السيسي في أمس الحاجة للدعم الاقتصادي

للأمر إذا جانبان، الأول يتعلق بالسياق الإيراني، بينما يتعلق الثاني بالموقف من الثورة من حيث أتت، وفي حين يبدو الأول هو الأكثر أهمية، فإن الثاني يستحق التوقف، ولو بشكل عابر من خلال القول إن من قادوا انقلابا عسكريا على ثورة رائعة لا يمكن أن يؤيدوا ثورة أخرى، ومن الطبيعي أن يصطفوا إلى جانب النظام الذي يطاردها، وما يفعله السيسي في ليبيا هو دليل آخر على موقفه من الربيع العربي والثورات، فضلا عن قابليته للعمل كبندقية للإيجار في أكثر من مكان.

والخلاصة أن الطغاة بعضهم من بعض، ومن الطبيعي أن يتكاتفوا فيما بينهم، ولا حاجة هنا للتذكير بتلك المقولات السخيفة التي اعتبرت انقلاب 3 يوليو/تموز استمرارا لثورة يناير، إذ لا يُعتقد أن أحدا لا يزال يردد هذه القصة، اللهم إلا إذا كان من لون إعلام السيسي الفاجر الذي ينكر الشمس في رابعة النهار.

الأهم بطبيعة الحالة هو السياق الإيراني، ذلك أن السيسي، وربما من خلال تحريض أستاذه محمد حسنين هيكل، يدرك تمام الإدراك مدى الأهمية التي يوليها المحافظون الإيرانيون على وجه التحديد للمسألة السورية، ليس فقط لأن بقاء بشار يُعد ركنا إستراتيجيا لاستمرار مشروع التمدد الإيراني الذي دُفعت فيه أموال الشعب، وتسبب في عقوبات ومعاناة كبيرة قبل أن يحقق نجاحات لافتة على الصعيد الخارجي من دون أن يقلل تأثيراته السلبية داخليا (كان شعار أنصار مير موسوي في انتخابات 2010 "لا غزة ولا لبنان، كلنا فداء إيران").

ليس هذا السبب الوحيد لاهتمام المحافظين بالمسألة السورية، فما لا يقل أهمية هو إدراكهم لحقيقة أن سقوط بشار وتداعي مشروع التمدد إياه سيكون له ثمن داخلي كبير من دون شك، يتمثل في تقدم مشروع الإصلاحيين نحو مزيد من الإمساك بالسلطة، وبالطبع بدعم من الشارع الذي صوّت لروحاني بقوة لذات الأسباب، ولن يقبل ببقاء من تلاعبوا بمصيره في مغامرات أفضت إلى لا شيء بعد أن وضعتهم في إطار المعاناة ما يزيد عن عقدين.

من هنا، يدرك هيكل، وتبعا له السيسي، أن إيران يمكن أن تكون سخية على نحو مفرط مع من يساعدها في الإبقاء على بشار الأسد في السلطة والحيلولة دون سقوطه (تبعا لذلك سقوطهم أو تحجيمهم)، فيما يبدو السيسي في أمس الحاجة للدعم الاقتصادي، وحيث يتوقع أن تكون إيران أكثر سخاء بكثير من العرب الآخرين الذين يُستبعد أن يعاقبوه على هذا الموقف، ربما باستثناء السعودية التي سيكون بوسع إيران أن تمنحه أكثر بكثير منها، فضلا عن أن تماسك النظام في القاهرة سيجعل من تحديه سعوديا، أو حتى الضغط عليه، أمرا بالغ الصعوبة.

لعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل يمكن لموقف جديد من النظام المصري أن ينقذ بشار الأسد من السقوط، ويبقي تبعا لذلك سوريا في حضن إيران، ويحول دون تداعي مشروع تمددها في المنطقة؟

هكذا يفكر هيكل على الأرجح، وتبعا له السيسي، وليس من العسير القول إن خطوط اتصال يمكن أن تكون قد فتحت، إن كان عبر هيكل صاحب الصلات القوية مع ملالي طهران منذ الثورة، أم عبر قنوات أخرى تذهب في ذات الاتجاه، وما العلاقة المتطورة مع العراق منذ المالكي، بل في ذروة عزلته داخليا وخارجيا سوى دليل على المدى الذي يمكن أن يذهب إليه السيسي في سياق تقاربه مع إيران.

ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل يمكن لموقف جديد من النظام المصري أن ينقذ بشار الأسد من السقوط، ويبقي تبعا لذلك سوريا في حضن إيران، ويحول دون تداعي مشروع تمددها في المنطقة؟

الجواب: يُستبعد ذلك، فما جرى ويجري في سوريا والعراق في سياق مطاردة تنظيم الدولة في الحرب العالمية الراهنة لا يمكن أن ينتهي من دون أن يُمنح العرب السنة في البلدين (سوريا والعراق) ما يكفي لوقف احتضانهم للتنظيم، ولن يحدث ذلك إذا بقيت الطائفية وتبعا لها الإقصاء والتهميش في العراق، وإذا بقي من ولغ في دماء السوريين في السلطة بذات الروحية القديمة.

ما سيفعله السيسي عمليا هو منح أمل جديد للإيرانيين بالإبقاء على بشار، وبالتالي المضي في برنامج الاستنزاف الذي يتعرضون له في سوريا، مقابل مكاسب اقتصادية، لكن نهاية الاستنزاف لن تُكتب قبل أن يتجرّع محافظو إيران كأس السم، ويدركوا أن من العبث لمن يطالب بحكم غالبية ملتبسة في العراق، مقابل العرب السنّة والأكراد، أن يصرَّ على حكم طائفة لا تتعدى عُشر السكان في سوريا، مع إدراك أنها (أعني إيران) لن تأخذ في المنطقة أكثر من حجمها الطبيعي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.