الإسلاميون والسلطة الجديدة في مصر
الإخوان في المعارضة
النور في الموالاة
جاء تنصيب المشير عبد الفتاح السيسي رئيسا فعليا للبلاد يوم 8 يونيو/حزيران 2014، ليساهم بقدر كبير في تغيير مشهد قوى الإسلام السياسي، حيث أضحى مستقبلها السياسي مرهونا بما ستمليه الوقائع الجديدة والمتغيرة في السلطة.
ويتناول المقال التموضع الجديد الذي أملته التغييرات الحادثة في المشهد المصري على قوى الإسلام السياسي ومساراتها المستقبلية، خاصة جماعة الإخوان المسلمين ومناصريها، في ظل توقعات بتصاعد معارضتها للنظام الجديد، وخاصة أيضا حزب النور، الحزب الإسلامي الوحيد المتحالف مع السلطة ومستقبله السياسي والدعوي، مع الإشارة إلى بقية التيارات الدعوية الأخرى، كجماعة أنصار السنة المحمدية والجمعية الشرعية.
الإخوان في المعارضة
انطلقت قبيل أحداث 3 يوليو/تموز 2013 وعزل محمد مرسي، معارضة شكلتها جماعة الإخوان المسلمين ومناصروها من القوى الإسلامية، خاصة الحزبية منها باستثناء حزب النور، تتمثل في تحالف عرف فيما بعد باسم "التحالف الوطني لدعم الشرعية" الذي قاد الاحتجاجات ضد القوى العلمانية الداعمة للمؤسسة العسكرية، ثم انتقلت بعد ذلك بشكل طوعي ضد السلطة الانتقالية التي تشكلت بعد الإطاحة بمرسي والإعلان عن خارطة الطريق. إلا أنه منذ انطلاقته وحتى اللحظة، يعاني من عدم وجود رؤية سياسية واضحة وإستراتيجية ثابتة له.
الإخوان ستجهون نحو التصعيد عبر تكتيكات وتحركات نوعية، لتتشكل ما يمكن وصفه بالمعارضة الجديدة، ولتتراجع فكرة عودة مرسي قليلا لتحل محلها محاولة استعادة ثورة 25 يناير |
وتدفعنا القراءة المتأنية للمشهد السياسي القائم باحتمالية التصعيد الاحتجاجي من قبل جماعة الإخوان المسلمين بعد وصول السيسي إلى سدة الحكم، عبر تكتيكات وتحركات نوعية، لتتشكل ما يمكن وصفها "بالمعارضة الجديدة"، ولتتراجع فكرة عودة مرسي قليلا، لتحل مكانها محاولة استعادة ثورة 25 يناير.
تستلهم المعارضة الجديدة آلياتها من الأدوات ذاتها التي استخدمتها القوى العلمانية ومناصروها إبان فترة مرسي من حيث التصعيد الاحتجاجي وابتكار وسائل جديدة مغايرة، واعتماد منهجية النفس الطويل في مقاومتها للسلطة، ومن ثم التأثير السلبي على الاقتصاد لعرقلة المسار السياسي، وهو الاختبار الصعب للسيسي الذي تولى رئاسة البلاد في أجواء مشابهة للرئيس المعزول مرسي.
غير أن المفارقة بين المشهدين تتجلى في أن النظام الحالي يمتلك العديد من الأدوات التي تدفع باتجاه مختلف لما كان عليه مرسي، من إحكام قبضته على الأجهزة الأمنية وعلاقات متميزة مع القضاء بخلاف نظام مرسي السابق، وهو ما يعني أن السجال القائم ربما يأخذ فترة أطول مما كانت عليه المعارضة آنذاك.
وقد حاولت جماعة الإخوان المسلمين إثبات قدرتها على التأثير في مجريات المشهد السياسي عبر مقاطعتها الاستفتاء على دستور 2013 والانتخابات الرئاسية 2014، وأحرجت "النور" -الحليف الإسلامي الوحيد للسلطة- لعجزه عن شغل مساحة الفراغ التي تركتها القوى الإسلامية المعارضة. ومن المتوقع أن تستخدم الجماعة السلاح ذاته في الانتخابات البرلمانية القادمة، ومن خلفها القوى الإسلامية المناصرة لها.
تظل جماعة الإخوان المسلمين القوة الأبرز في مشهد المعارضة للرئيس الجديد، ودون تسوية سياسية أو مقاربة معها، سيظل المشهد متعرجا إلى حد ما، لذلك فإننا إزاء ثلاثة سيناريوهات متوقعة لتعامل السيسي معها:
1- تبني سياسة التصعيد من جانبه، وينتُج عنه تصعيد مماثل من قبل الجماعة وأنصارها، لتغدو كمباراة صفرية بين الجانبين، يهدف كل طرف إلى استنزاف قوى الآخر، وهذا يعني بوضوح عدم رغبة السيسي في المصالحة أو التسوية في ظل تمسك الجماعة بدعوات عودة مرسي والشرعية.
2- السعي نحو التسوية مع الإخوان لتهدئة الأجواء في الداخل، ولإنقاذ الوضع الاقتصادي المترهل، من خلال شخصيات لها من الاستقلالية السياسية ما يؤهلها لأداء دور الوسيط بين الجانبين، في مقابل تنازلات من جانب الجماعة ومناصريها. ولعل فكرة الدية التي طرحها كل من الشيخ ناجح إبراهيم وباركها شيخ الأزهر الشيخ أحمد الطيب خير مثال على ذلك.
3- الوساطة الخليجية بين السلطة وجماعة الإخوان المسلمين وبقية القوى الأخرى، والتي قد تؤدي دورا هاما في ظل تحولات المشهد الخارجي بالمنطقتين العربية والإسلامية، لتقديم مصالحة شاملة داخلية، تتبعها مصالحة عربية.
لكن الشواهد على الأرض تسير نحو الاتجاه الأول، خاصة أن السلطة لم تقدم مبادرة حقيقية على الأرض للجنوح نحو المصالحة رغم الحديث الإعلامي عنها.
وحتى لو افترضنا جدلا طرح السيسي مبادرة للتسوية، فإن موقف الجماعة وأنصارها من الرجل يمثل حجر عثرة أمامها.
النور في الموالاة
على الضفة الأخرى يقف حزب النور -ومن خلفه الدعوة السلفية- على أعتاب مرحلة جديدة تختلف عن سابقتها، خاصة في ظل وضع سياسي مرتبك ومعارضة احتجاجية صاعدة من قبل جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها، وخروجه من التمثيل الحكومي الجديد خالي الوفاض.
حزب النور سيخوض في الفترة القادمة معركتين رئيسيتين ستحددان مستقبله السياسي والدعوي هما: معركة الانتخابات البرلمانية، ومعركة الإمامة والخطابة |
يخوض حزب النور معركتين رئيسيتين تحدد مستقبله السياسي والدعوي، هما: معركة الانتخابات البرلمانية، ومعركة الإمامة والخطابة.
أولا- الانتخابات البرلمانية
ينظر حزب النور إلى الانتخابات البرلمانية القادمة على أنها المعركة الفاصلة لديه في مسيرته السياسية الثانية التي ارتضى خلالها أن يكون في موقع الموالاة، بيد أن المشهد لا يبدو أنه يسير في صالحه، وهو ما يُصعّب مهمته في هذه المرحلة، خاصة بعد تعثره في المحطتين السابقتين، من الاستفتاء على الدستور 2013، والاستحقاق الرئاسي 2014، لانصراف القاعدة الشبابية عن الحزب والدعوة بشكل كبير.
ما عمّق القلق لدى "النور"، حزمة القوانين التي أصدرها المستشار عدلي منصور قبل إنهاء فترته الرئاسية المؤقتة، وكان أبرزها قانون الانتخابات البرلمانية الذي اعتمد نظام القائمة المغلقة والذي اعتبره "النور" قانونا معيبا، ولم تفلح معارضته له في إثناء السلطة عن مسارها الذي رسمته.
حاول "النور" الخروج من الأزمة بطرح بديل لهذا القانون، عبر إبداء رغبته في إجراء الانتخابات بالنظام المختلط (ثلث فردي وثلثان قائمة)، باعتباره نظاما آمنا ضد سلطة المال والعصبيات القبلية، وبدا الحزب وكأنه لم يلق صدى لمعارضته تلك.
وفسر بعض الأحزاب العلمانية المؤيدة للقرار معارضة "النور" للقانون بأنها كشف النقاب عن طائفيته وعنصريته تجاه الأقباط والمرأة، فلم يجد "النور" سوى القبول به عبر البحث عن أقباط لضمهم إلى قوائمه، وهي محاولة ربما تكون مستعصية نظرا للتعارض الأيدولوجي البائن بين الطرفين، بالتوازي مع ضم عدد من العناصر النسوية المنتمية إلى الحزب لخوض الانتخابات المقبلة بهن، وهو ما يدلل على التراجع الملحوظ للقناعات التي تأسس الحزب عليها. ومن المتوقع أن يتجه "النور" إلى الأحزاب الهامشية، وإن أُغلق الباب أمامه فربما يلجأ إلى رجال الحزب الوطني مرغما مرة أخرى.
جاءت خريطة التحالفات الحزبية الجديدة في طورها التكويني الأول لتزيد من قلق "النور" حيال مستقبله القادم في البرلمان، فمع إعلان عمرو موسى عن تحالفه الجديد مع بعض الكتل السياسية المدنية الأخرى، سارع إلى تأكيد أن "النور" خارج تحالفه، وبادر هو الآخر برفضه الفكرة ذاتها، مما دفع بالحزب إلى أن يقف حائرا في رحلة البحث عن حلفاء من الدائرة الحزبية العلمانية، بعد خلو المشهد من الأحزاب الإسلامية الساعية إلى المقاطعة مرة أخرى.
ثانيا- الإمامة والخطابة
مثلت قرارات وزارة الأوقاف بقصر الخطابة وإلقاء الدروس الدينية على الأزهريين وأئمة الأوقاف، فضلا عن منح الضبطية القضائية للعاملين المتخصصين بالوزارة، وفقا للمادتين الرابعة والخامسة اللتين أقرهما عدلي منصور قبل رحيله عن السلطة، انعطافة هامة في المسار الدعوي "للدعوة السلفية".
عارض حزب "النور" قرارات "الأوقاف" واعتبرها تهديدا واضحا للأمن القومي، متحديا الوزارة في تلبية حاجة الآلاف من المساجد والزوايا من الخطباء والوعاظ. وتحركت الأقلام داخل الحزب تنشر مظلوميتها تجاه القرار، فضلا عن كونها تفتح المجال الدعوي أمام العمل السري.
وحاول مسؤول الدعوة السلفية في الإسكندرية الشيخ محمود عبد الحميد وعدد من مشايخ الدعوة التحرك والتواصل مع الوزارة لتعديل القانون أو استثناء رموز الدعوة ومشايخها منه، إلا أن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل، بل كانت المفاجأة أن قائمة الممنوعين شملت كبار الرموز السلفية من أمثال الشيخ ياسر برهامي، والشيخ محمد حسان، والشيخ محمد حسين يعقوب، والشيخ أبو إسحاق الحويني، وكثيرين غيرهم.
رهان الدعوة السلفية وذراعها السياسي على أن تحل بديلا عن جماعة الإخوان المسلمين في المشهد السياسي، وفي مشاركة الأزهر الساحة الدعوية، بدا رهانا خاسرا بعد أن فقد الحزب بريقه السياسي، فضلا عن زوال تأثيره الديني |
طال الضرر الجمعيات الدعوية الأخرى، كجماعة أنصار السنة والجمعية الشرعية، وبالفعل أغلقت المئات من الزوايا والمساجد في محافظات عدة من الجمهورية، بل امتد الأمر إلى منع الاعتكاف في شهر رمضان، أو وضعه وفق شروط وإملاءات تحد من حركة هذه الجمعيات تجاه الدعوة وممارساتها، بما يعني أننا إزاء مشهد البديل الدعوي الأزهري لنظيره السلفي.
يمكننا من خلال القراءة السابقة القول إن جماعة الإخوان المسلمين تعتبر معركتها مع الرئيس الجديد معركة وجود، خاصة أن معارضتها ليس لها غطاء سياسي تتحرك به وليس لها قناة شرعية يمكنها أن تدور في فلكها، لرؤيتها للنظام القائم على أنه منعدم الشرعية، وهو ما يصعب مهمتها على كل الأصعدة.
بيد أن محاولات الإخوان المسلمين -ومن خلفهم القوى الإسلامية المناصرة لهم- للتقارب مع القوى الثورية، أو ما يطلق عليه بشركاء ثورة 25 يناير، يرتبط نجاحها بما يقدم لهذه القوى الثورية من ضمانات مستقبلية وواقعية على الأرض، خصوصا أن رصيد الإخوان مع تلك القوى وعبر محطات سياسية سابقة، يدفعها للتشكك حيال مواقفها المستقبلية والتوجس خيفة منها.
كما يساهم التضييق السياسي والأمني القائم في مصر على القوى الإسلامية والثورية -على حد سواء- في خلق مساحة من التعاطف مع تلك القوى، وخلق مظلومية تتصاعد كل يوم عن سابقها، وفي خلق ظهير شعبي -ولو كان جزئيا- يناصر تلك القوى ضد السلطة القائمة، خاصة أن الحديث عن ثورة ثالثة أمر تلوكه ألسنة الإسلاميين وغيرهم في ظل مشهد سياسي تعتبره تلك القوى منتزعا للديمقراطية والشرعية.
بيد أن رهان الدعوة السلفية وذراعها السياسي في أن تحل بديلا عن جماعة الإخوان المسلمين في المشهد السياسي، وفي مشاركة الأزهر للساحة الدعوية، بدا رهانا خاسرا بعد أن فقد الحزب بريقه السياسي، فضلا عن زوال تأثيره الديني.
وأصبح حلفاء الأمس أعداء اليوم، وأصبح الأزهر عصيا على الفصائل والحركات الإسلامية، بما فيها الدعوة السلفية وحزبها، فضلا عن تراجع شعبية الحزب وإخفاقاته السياسية المتكررة.
لذلك فإن الانتخابات البرلمانية القادمة ستمثل الاختبار الأخير لقدرة الحزب على البقاء في المشهد طويلا، والتي ربما تدفعه للعودة مرة أخرى إلى أحضان الدعوة تحت قيود جديدة يصعب الفكاك منها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.