في الدفاع عن خيار المقاومة

Palestinian militants of the Ezzedine al-Qassam Brigades, Hamas's armed wing, flank a model of a Gaza Strip made M75 rocket during an anti-Israel parade as part of the celebrations marking the first anniversary of an Israeli army operation launched after the killing of top Hamas military commander Ahmed Jaabari, on November 13, 2013 in Gaza City. A year after trading fire in a week-long war in Gaza, in which more than 170 Palestinians and six Israelis were killed, Israel and Hamas are squaring up for another confrontation, despite both sides appearing reluctant to make the first move . AFP PHOTO / MAHMUD HAMS
غيتي إيميجز


منذ أن بدأت إسرائيل عدوانها الوحشي على غزة ظهرت مقالات وتصريحات في الإعلام العربي توجه اللوم للمقاومة الفلسطينية في القطاع لأنها تجرأت ورفعت صواريخها بوجه إسرائيل.

أصحاب هذا الرأي الذي سبق وأن ظهر خلال حروب الاحتلال السابقة على الفلسطينيين يقدمون أنفسهم من زاويتين. أولا: بالقول إن صواريخ المقاومة متواضعة من حيث قدرتها على الإضرار بإسرائيل ولأنها كذلك فهي "عبثية". ثانيا: ادعاء الحرص على أرواح الفلسطينيين لأن العدوان الإسرائيلي يحصد مئات الأرواح ويدمر مئات المنازل.

مثل هذا الرأي يؤدي عمليا إلى دفع الفلسطينيين للقبول بما تعرضه إسرائيل عليهم منذ عام ١٩٦٧ وحتى اليوم وهو اختيار أحد خيارين. إما الاعتراف والقبول بواقع الاستيطان والتهويد والحصار والمعتقلات والقتل والتهجير، أي كل ما ينفي ويناقض مطالب الفلسطينيين بتحرير وطنهم وإقامة دولتهم المستقلة وعودة اللاجئين. أو الخضوع والاستسلام لهذه السياسة الإسرائيلية وإن لم يتم ذلك بالمفاوضات فعن طريق العقوبات الجماعية وحروب الإبادة والقتل بكل ما تملكه من أسلحة متطورة ومحرمة دوليا.

الإعلام الذي يروج للاستسلام والخضوع هو إعلام بعيد عن كل منطق وخال من أية حكمة، لأنه يسعى لتبرير استمرار الحصار والعدوان على القطاع الذي احتلته إسرائيل في ظل إعلام إذاعة صوت العرب

مثل هذه الرأي الذي سمعناه وقرأناه في وسائل إعلام عربية يعكس الحالة المزرية والمهينة التي وصلت إليها المواقف الرسمية لبعض الأنظمة العربية من القضية الفلسطينية، فهي لم تنفض يدها فقط من المسؤولية تجاه القضية المركزية للأمة العربية بل انساقت إلى السكوت على حملات الكراهية التي شنت على الفلسطينيين وعلى قطاع غزة بالذات من قبل وسائل إعلام فيها، وذهبت إلى حد اتهام المقاومة الفلسطينية بالإرهاب وتجريم من يقف معها ويدعهما.

ومن الغريب أن يزعم أصحاب هذا الاتجاه بأنهم يحاكون المنطق والعقلانية والغيرة على مصالح الفلسطينيين عندما يتصدون لكل موقف أو رأي يشيد ببطولات المقاومة ويقف موقفا مؤيدا لاستخدامها الصواريخ ضد إسرائيل، ويذهب بعض هؤلاء إلى إلصاق التهم بكل من يكتب دعما للمقاومة، مذكرين بإعلام "أحمد سعيد" المصري الذي رافق هزيمة عام 1967.

والواقع أن الإعلام الذي يروج للاستسلام والخضوع للقوة الإسرائيلية ضد قطاع غزة هو إعلام بعيد عن كل منطق وخال من أية حكمة وهو الوجه الآخر لإعلام أحمد سعيد لأنه يسعى لتبرير استمرار الحصار والعدوان على القطاع الذي احتلته إسرائيل في ظل إعلام إذاعة صوت العرب.

وفي محاكمة ما هو منطقي وما هو غير كذلك، ليس من المنطق أن يظل الفلسطينيون يجرون خلف سراب صحراوي اسمه عملية السلام التي بدأت منذ ٢٥ عاما تضاعف خلالها الاستيطان ألفا بالمئة، وتم تهويد القدس وتطويقها بأسوار من الطرق والجدران والمستوطنات، فيما تضاعفت خلال سنوات التفاوض، أعداد الشهداء والمعتقلين وعدد البيوت التي دمرت والأشجار التي قطعت والأراضي التي صودرت.

ولم تنفع كل تنازلات الفلسطينيين من عرفات إلى عباس من أجل سلام (ربع كُم) في وقف هذا الاعتداء اليومي على الشعب الفلسطيني وعلى وجوده وهويته وكيانه، ولم يجد نتنياهو في هذه التنازلات إلا إغراء له لوضع المزيد من شروط الاستسلام والإذلال، وآخرها مطالبة الفلسطينيين الاعتراف بأن وطنهم هو دولة إسرائيل ولليهود فقط!!.

ليس من المنطق أن يُحرّم الفلسطينيون على أنفسهم حق مقاومة احتلال لا مثيل له في التاريخ، احتلال يقوم على نفيهم ومصادرة وجودهم وحياتهم وحريتهم وأن يتوقفوا عن اكتساب كل وسيلة قوة يصلون إليها للمقاومة، فالصواريخ تتطور في أيديهم رغم الحصار، وهي على الأقل صرخة شعب بمواجهة ظلم لا يطاق وعدو لم يترك له من خيار إلا الموت السريع بالطائرات أو البطيء بالحصار، بهذا المعني فإن الصواريخ هي رمز لإرادة حرة وإعلان عناد شعب يراد بها نزع الشعور بالنصر أو الأمان من قلب الإسرائيلي.

عندما تطلب الشعوب الحرية وتقاوم بإرادتها وأجيالها وأسلحتها البسيطة فهي لا تنظر إلى الأمر بحسابات التكلفة والعائد إنما بحسابات إنسانيتها وكرامتها ورفضها الاستسلام

ولو أن الشعوب لم تطلب حريتها إلا عند حصولها على سلاح يؤدي إلى توازن القوة بينها وبين قوة الدول التي احتلتها لما تحرر شعب، ولبقي الاستعمار خالدا مخلدا، ولما افتخرت الإنسانية بقيم الحرية والتضحية التي تميز الإنسان أينما كان، ولما كتبت القوانين والشرائع الدولية التي تنص على الحق بمقاومة الاحتلال.

وعندما تطلب الشعوب الحرية وتقاوم بإرادتها وأجيالها وأسلحتها البسيطة فهي لا تنظر إلى الأمر بحسابات التكلفة والعائد إنما بحسابات إنسانيتها وكرامتها ورفضها الاستسلام.

دعاة الخضوع والاستسلام للعدو بحجة أن الحل في واشنطن وفي العلاقات العامة معها لم يصلوا إلى أي نتيجة بعد كل هذا الوقت الفائض الذي حصلوا عليه، إنما زادوا نتنياهو صلافة وغرورا وتماديا في ارتكاب الجرائم الجماعية ضد الفلسطينيين، وزادوا من قناعة كل رئيس يدخل البيت الأبيض بأن انحيازهم لإسرائيل واحتلالاتها واعتداءاتها لا يكلفهم شيئا على الجانب العربي بل يزيد من اندفاع الأنظمة إلى طلب العون والاستغاثة بهم للتوسط لدى إسرائيل لإنقاذ بعض ماء الوجه.

ليس على الفلسطينيين انتظار الدولة العميقة لنجدتهم من حصار هي جزء منه، وليس عليهم انتظار عمل عربي يساندهم خاصة من تلك المنشغلة بإلقاء البراميل المتفجرة على مدنها وناسها، وليس على الفلسطينيين انتظار شيء من عملية سلام تقوم على مبدأ استسلامهم.. لا سبيل أمامهم غير المقاومة وغير تحويل الضفة إلى "قطاع مقاومة"، ـو انتفاضة أخري.

وعلى الأنظمة أن تتوقف عن تعريها للاحتلال، شيء من الكرامة مطلوب، وأضعف الإيمان طرد سفراء إسرائيل وإقفال مكاتبها ووقف تجارتها والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني بالمقاومة وإمداد هذا الحق بالوسائل المتاحة.

الاحتلال لن يزول الا بالمقاومة وبروح التحدي والصمود وبالاستعداد للتضحية، وهزيمة الاحتلال لا تحتاج لانتظار توازن القوة بين الدول العربية وإسرائيل فهذا مستحيل بوجود أنظمة التقاعس أو بغيرها

قد يردد قائل بما قاله السادات عشية زيارة الخزي والعار إلى تل أبيب بأن "لا حرب مع إسرائيل بعد اليوم". والواقع أنه باستسلامه فتح الأبواب على مصاريعها لحروب إسرائيلية لم تتوقف على لبنان والضفة وغزة، كما فتح الباب أمام حروب الفتن والطوائف في المشرق العربي، لأنه وبإلغائه لإستراتيجية "إسرائيل دولة معادية لكل العرب" التي جعلت من فلسطين قضية مركزية للأمة ومن إسرائيل عدوا إستراتيجيا في العقيدة العسكرية للجيوش العربية وما تولد عنها من مفاهيم الأمن القومي والعمل العربي المشترك، بذلك فتح الطريق لانهيارات الجبهة الشرقية ولاتفاقيات أوسلو ووادي عربة، وأنبت في كل بلد عربي أعداء جدد بدل العدو الإسرائيلي فكانت الحرب الأهلية اللبنانية والحروب التي على شاكلتها اليوم في العراق وسوريا.

الاحتلال لن يزول الا بالمقاومة وبروح التحدي والصمود وبالاستعداد للتضحية، وهزيمة الاحتلال لا تحتاج لانتظار توازن القوة بين الدول العربية وإسرائيل فهذا مستحيل بوجود أنظمة التقاعس أو بغيرها، وعلى العدو أن لا يختال بقوته، ومن عبر الماضي أن العرب لم ينتظروا حتى يتوحدوا ليحرروا فلسطين وسوريا من الصليبيين، ولا من جحافل المغول.

تاريخ العرب ضد الغزاة والمحتلين هو تاريخ مقاومة وتاريخ جماعات وفئات وقيادات رفضت الاستسلام لحال الانقسام والتنافس والتقاتل بين الحكام في مصر والشام والعراق وانتصرت على الغزاة بصبر طويل وبإرادة مقاومة انتقلت من جيل إلى جيل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.