مفاجآت الانتخابات الرئاسية المصرية

قراءة في أرقام نتائج الانتخابات الرئاسية بمصر

أزمة المشاركة
حضور الدين
اهتزاز تحالف 30 يونيو

طوت الانتخابات الرئاسية المصرية بين ثناياها مفاجآت عديدة لا تخلو من دلالات مهمة، كان من أبرزها:

أزمة المشاركة
فجع كثيرون من مستوى الإقبال على التصويت في تلك الانتخابات لأسباب ثلاثة: أولها، استحضار الجميع لتجربة الثلاثين من يونيو/حزيران الماضي، الذى شهد خروج الملايين إلى شوارع وميادين مصر فيما قدرته بعض الدوائر الرسمية وقتها بما يقرب من ٣٣ مليون مواطن، يطالبون بعزل الرئيس محمد مرسي ويعلنون مبايعة ضمنية للسيسي، فضلا عن خروج ملايين أخرى يوم 26 يوليو/تموز استجابة لنداء وزير الدفاع السابق ومنحه تفويضا لمحاربة ما سمّاه العنف والإرهاب.

وثانيها، عمليات الحشد والتعبئة الجبارة التي قامت بها وسائل الإعلام الخاصة لتحفيز المواطنين من أجل التصويت لمصلحة المرشح عبد الفتاح السيسي، فمن بين 54 مليون مصري يحق لهم التصويت في هذه الانتخابات لم تتخط نسبة المشاركة 46%، مقارنة بانتخابات الرئاسة في ٢٠١٢، التي تنافس فيها نحو ١٣ مرشحا، وصوت فيها ٢٦ مليونا و٤٢٠ ألف ناخب أدلوا بأصواتهم، من أصل ٥٢ مليونا كان لهم حق التصويت أي بنسبة مشاركة تقترب من 52%.

لم يفض قرار الحكومة المفاجئ بمنح العاملين في الدولة والقطاع الخاص إجازة رسمية في اليوم الثاني للانتخابات إلى زيادة أعداد الناخبين، بقدر ما حرم خزانة الدولة مما يزيد على ملياري جنيه

وثالثها، التعويل على نسبة المشاركة، فرغم أن الدستور يعتبر المرشح للرئاسة فائزا بالانتخابات إذا ما حصد نسبة 50% +1 من أصوات المشاركين وليس ممن لهم حق التصويت، أو حصوله منفردا على ٥% من مجمل أصوات الناخبين المسجلين بعد انسحاب المرشح المنافس، أي ما يعادل ثلاثة ملايين صوت فقط، إلا أن السيد عبد الفتاح السيسي كان يولي اهتماما بالغا لنسبة المشاركة ربما أكثر من نسبة الفوز لما لمعدلات المشاركة من تأثير على شرعيته السياسية وموقفه التفاوضي في مواجهة المجتمع الدولي، حيث كان آخر تصريح له قبل الصمت الانتخابي، "أن تصويت أربعين مليون مواطن له سيخوله تحدي أية مخططات خارجية تريد النيل من مصر، وسيقف بهم أمام العالم".

ومثلما لم يفض قرار الحكومة المفاجئ بمنح العاملين في الدولة والقطاع الخاص إجازة رسمية في اليوم الثاني للانتخابات إلى زيادة أعداد الناخبين، بقدر ما حرم خزانة الدولة مما يزيد على ملياري جنيه، لم يسهم القرار المفاجئ والمثير للجنة العليا للانتخابات بتمديد التصويت ليوم إضافي ثالث بغية إعطاء الفرصة لمن تخلف عن التصويت في اليومين السابقين جراء ارتفاع درجة الحرارة أو صيام عدد كبير من الناخبين المسلمين بذكرى الإسراء والمعراج، إضافة إلى إعطاء فرصة للوافدين للتصويت بمقرات اقتراعهم الأصلية، في إحداث تغييرات جوهرية على معدل المشاركة الذى سبق للجنة أن أعلنت أنه بلغ حتى مساء اليوم الثاني للتصويت 37%.

ولقد أثار قرار التمديد جدلا واسعا في الداخل والخارج، ليس بسبب مدى قانونيته، حيث تعطي المادة 27 من قانون الانتخابات للجنة العليا هذا الحق، ولكن لجهة المواءمة السياسية.

ففيما لم يسهم بشكل فعال، في زيادة أعداد المصوتين، أكد خبراء أن القرار دفع تحالف دعم الشرعية لشن حملة دعائية عالمية للنيل من نزاهة العملية الانتخابية برمتها، كما حض البعض على التكهن بأن مقصده كان رفع معدل المشاركة الضعيفة أو التلاعب في عملية التصويت.

ورغم أنه الاستحقاق السابع بعد ثورة يناير 2011، فلا تزال مشكلة المغتربين والوافدين تمثل شوكة في خاصرة عملية التصويت بأية انتخابات أو استفتاءات تشهدها البلاد.

فمن بين زهاء ثمانية ملايين مصري مقيمين في الخارج لم يشارك منهم سوى 318 ألفا فقط في الانتخابات الرئاسية، ومن بين 6-8 ملايين وافد داخل البلاد لم يشارك منهم سوى نصف مليون فقط، حيث لا توجد مسوغات قانونية أو تسهيلات لوجستية كافية لحثهم على التصويت.

ومع ارتباك معدلات المشاركة خلال الانتخابات الأخيرة، تعالت الأصوات لمطالبة اللجنة العليا للانتخابات بالسماح للوافدين غير المسجلين في كشوف الناخبين، للإدلاء بأصواتهم في غير مقار لجانهم الانتخابية، ولا سيما أن المادة ۳۳ من قانون الانتخابات أتاحت للناخب الوافد الإدلاء بصوته أمام أي لجنة من لجان الاقتراع المختصة في المحافظة المقيم فيها وفق الضوابط التي تحددها لجنة الانتخابات.

وقد تسنى للوافدين التصويت في الاستفتاء على التعديلات الدستورية في مارس/آذار 2011 ببطاقة الرقم القومي، ثم على دستور 2014 من خلال تخصيص لجان للوافدين دون الحاجة لتوكيلات الشهر العقاري، التي لم تسمح إلا لـ67 ألفا فقط من الوافدين بالتصويت.

وبدورها، أصدرت اللجنة العليا للانتخابات بيانا بررت فيه عدم السماح بتصويت الوافدين دون التسجيل المسبق بالشهر العقاري بمبررين قانونيين: أولهما، أن تصويتهم باللجان غير التابعة لمواطنهم الانتخابية المثبتة ببطاقة الرقم القومي دون التسجيل المسبق سيترتب عليه بطلان الانتخابات برمتها، أو إعادتها على الأقل في بعض الدوائر الانتخابية، الأمر الذي يشكل عبئا أمنيا واقتصاديا إضافيا على الدولة والناخبين في آن.

وثانيهما، عدم امتلاك اللجنة العليا للانتخابات آليات للتحقق من عدم تصويت الوافد، سواء من خلال الرقم القومي أو جواز السفر، لأكثر من مرة وفى أكثر من مكان، وهو ما يخل بمبدأ تكافؤ الفرص.
وعلاوة على ذلك، شككت اللجنة في الادعاء بأن هناك ما يربو على ستة ملايين ناخب من الوافدين مستندة على أن عدد من أدلوا بأصواتهم منهم في الاستفتاء على دستور 2014 لم يتخط 424000 ناخب فقط.

حضور الدين
يجنح بعض المفكرين إلى وصف عملية إقحام الدين في السياسة المصرية بأنه محاولة لتديين السياسة أكثر منه تسيسا للدين، ويستندون في ذلك إلى افتقار المجتمع المصري لغالبية المقومات الحقيقية للحياة السياسية المدنية كالأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني علاوة على التداول السلمى الديمقراطي للسلطة على غرار ما هو متبع في الدول الديمقراطية.

يبدو أن حرص السيسي على ألا يُوظَف موقفه من الإخوان وفضه لاعتصامي رابعة والنهضة في اتهامه بمعاداة الدين، دفعه إلى إظهار تدينه، ورفضه توظيف الدين سياسيا

ومثلما لجأت جماعة الإخوان وحلفاؤها إلى توظيف الدين للتشكيك في شرعية الانتخابات الرئاسية وتحريم المشاركة فيها، استند حزب النور السلفي في تبرير دعمه للسيسي خلالها على أنه ليس علمانيا ليبراليا أو يساريا أي لا يتبنى أيديولوجية معادية للإسلام وللشريعة، فضلا عن إدراكه لخطر التشييع إلى حد اعتباره قضية أمن قومي، تفصح عملية تحليل مضمون بسيطة لخطاب السيسي عن حضور واضح للدين في ذلك الخطاب الرائج عبر حواراته المتلفزة ولقاءاته المفتوحة مع وسائل الإعلام وسائر فئات المجتمع إبان حملته الانتخابية.

فما برح الرجل يؤكد مرارا على إيمانه الشديد بالله والحرص على مراعاته في كافة أقواله وأفعاله، وكانت مصطلحات مثل "الله، الإسلام والدين" حاضرة بقوة ولا يكاد يخلو حديث أو تعليق للرجل من استحضار وتكرار للآيات القرآنية والأحاديث النبوية من أجل دعم موقفه السياسي، أو إبراز وجهة نظره في قضايا بعينها كالمرأة والسياحة وغيرها.

ويبدو أن حرص السيسي على ألا يُوظَف موقفه من الإخوان والرئيس المعزول محمد مرسي في الثالث من يوليو/تموز ثم في فض اعتصامي رابعة والنهضة في أغسطس/آب الماضيين، من قبل الإخوان المسلمين وحلفائهم في اتهامه بمعاداة الدين والشريعة، قد دفعه إلى إظهار تدينه الشديد مع التأكيد على رفضه توظيف الدين سياسيا من قبل أي فصيل بغية اعتلاء السلطة والحكم حتى ولو على حساب أمن الوطن ومستقبل شعبه.

فلطالما أكد أن ما جرى يوم الثالث من يوليو كان من أجل إنقاذ الإسلام ومصر من التطلعات السياسية للإخوان المسلمين، لافتا إلى أن الدولة هي المسؤولة عن نشر الوعي الديني الصحيح ومواجهة الفكر المتطرف، وكثيرا ما أشار إلى ضرورة أن يكون للدولة وقائدها دور في حماية الدين والقيم والمبادئ في المجتمع، كما دأب على تكرار مقولة "تجديد الخطاب الديني" لنزع الشرعية عن تحركات الإخوان.

وهو الأمر الذى أجج مخاوف البعض من أن ينزلق الرجل إلى توظيف الدين لتقويض خصومه من الإخوان وتيارات الإسلام السياسي المتحالفة معها كما دفع البروفيسور روبرت سبرنغ بورغ، المختص في دراسة العلاقات المدنية العسكرية في مصر، لتوقع أن يحاول السيسي إقامة نظام خليط ما بين الإسلاموية والعسكريتارية، بعدما لمس المكون الديني في خطابه بأطروحته البحثية التي حملت عنوان "الديمقراطية في الشرق الأوسط"، إبان دراسته بالولايات المتحدة عام 2006 والتي شدّد فيها على أهمية الثقافة والدين في الحياة العامة وتأثيرهما في مسألة الديمقراطية بالعالم العربي.

وعلى مشارف الانتخابات الرئاسية، تواصلت ظاهرة تسييس الفتاوى الدينية بعد أن دخلت دار الإفتاء على خط حشد الناخبين للتصويت فيها، داعية الشعب إلى المشاركة فيها بكل مسؤولية وأمانة والتزام بنتائجها، وفى كلمته المتلفزة للمصريين عشية الانتخابات، أكد المفتي أن إطلاق البعض آراء باطلة تحرم المشاركة في الانتخابات مرفوض تماما، ويفتقر إلى المعايير المعتبرة في إصدار الفتوى التي من أهمها إدراك الواقع ومراعاة المقاصد وتحقيق مصالح البلاد والعباد.

وفي رده على فتوى الشيخ يوسف القرضاوي بضرورة مقاطعة الانتخابات، بدعوى أن المرشح عبد الفتاح السيسي استولى عنوة على الحكم أكد الأزهر أنها فتوى مجافية للواقع، وتبدو في جوهرها دعوة من وراء ستار للفتنة بين أبناء المجتمع، وتوظيف النصوص والأحكام الدينية لخدمة الأغراض والأهداف السياسية والحزبية الخاصة.

ورغم تأكيد قيادات الكنائس المصرية الثلاث الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية أنها لن تتدخل في السياسة أو الانتخابات لأن دورها روحي فقط، ظهرت مؤشرات تشي بغير ذلك، ففى حين أكد الأنبا بسنتي أسقف حلوان والمعصرة يوم ٢١ أبريل/نيسان الماضي لصحيفة "الوطن" المصرية أن "الخير سيأتي لمصر على يد السيسي، لافتا إلى أن الظروف التي تمر بها البلاد تتطلب رجلا عسكريا متمنيا أن يكون السيسي الرجل الذى يختاره الله لقيادة مصر"، صرح مطران أسوان الأنبا هدرا عقب إدلائه بصوته "إدلائي بصوتي في الانتخابات لا يقل أهمية عن حضوري القداس في الكنيسة".

قد يكون حزب النور والتيار السلفي برمته على موعد مع محنة حقيقية وصدام وشيك مع النظام الجديد، فربما تراءى لتحالف 30 يونيو أن دور الحزب والتيار السلفي قاطبة قد انتهى بانتهاء إسقاط نظام مرسي 

وكان من شأن هذا التوجيه غير المباشر للمسيحيين حيال مرشح بعينه أن أدى إلى بروز مصطلح "الصوت القبطي أو المسيحي"، بكل ما ينطوي عليه من انعكاسات طائفية سلبية للغاية على التسامح الديني والتعايش السلمي وتفاعل المسيحيين سياسيا في دولة المواطنة التي يتوخاها الجميع بعد ثورة يناير 2011.

اهتزاز تحالف 30 يونيو
تحت وطأة بعض الممارسات غير الديمقراطية التي شابت العملية السياسية في مصر منذ الإطاحة بالرئيس مرسي وحتى إجراء الانتخابات الرئاسية، والتي لم تخل من تضييق على كوادر ثورتي يناير ويونيو بمن فيهم شركاء تحالف 30 يونيو كحركة 6 أبريل، التي تم حظرها وتوقيف قياداتها، بدأت تلوح في الأفق نذر اهتزاز هذا التحالف الذى ارتكن إلى جانب الأزهر والكنيسة والأحزاب المدنية، على حركات ثورية كتمرد و6 أبريل فضلا عن السلفيين.

ففي الوقت الذى أعلنت حركة السادس من أبريل وبعض الائتلافات الشبابية الثورية مقاطعتها الانتخابات الرئاسية التي اعتبرتها مسرحية هزلية مناشدة المصريين الانضمام إلى حركة "ضدك" التي تناهض ترشح المشير السيسي، كشفت مصادر داخل حزب النور والجبهة السلفية أن قواعد الحزب والجبهة في المحافظات قاطعت الانتخابات الرئاسية أو شارك بعضها لكنه أبطل أصواته، وأن قدرة القيادات الحزبية والمشايخ على التأثير فيهم وإقناعهم بالمشاركة باتت معدومة.

وإذا ما صحت تلك الادعاءات، فسيكون حزب النور بل والتيار السلفي برمته على موعد مع محنة حقيقية وصدام وشيك مع النظام الجديد بسلطاته وأحزابه العلمانية ربما تكون الانتخابات البرلمانية المقبلة مسرحا له، فربما تراءى لتحالف 30 يونيو أن دور الحزب والتيار السلفي قاطبة قد انتهى بعد انتهاء مهمته بالمشاركة في الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي يوم الثالث من يوليو الماضي كممثل عن تيار الإسلام السياسي.

وبالتوازي، أثار تقاعس رجال الأعمال وأنصار الحزب الوطني المنحل عن نصرة المشير السيسي خلال الانتخابات تساؤلات عديدة بشأن مستقبل العلاقات بينهما في ظل قلق هؤلاء من تصريحات الرئيس الجديد بأنه ليس مدينا لأحد ولن يسمح بعودة نظام مبارك كما لن يتيح لرموز الأنظمة السابقة غسل أيديهم في حملته الرئاسية، وتشديده أن على رجال الأعمال واجب وطني تجاه بلدهم يتخطى تسديد الضرائب المقررة ويصل إلى جمع مائة مليار جنيه للمساهمة في الخروج بالاقتصاد الوطني من محنته.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.