قميص عبد الناصر

صورة ( احد مؤيدي السيسي لن يستطيع مقابلته )

محور الشر
منهجان لا يلتقيان
التبعية والاستقلال

يروق لأهل الانقلاب في القاهرة أن يقارنوا بين السيد عبد الفتاح السيسي والزعيم الراحل جمال عبد الناصر، ويعتقدون أن السيسي يعيد بعث أمجاد ناصر، وتلك المقارنة تتم في ظل صمت مزر ممن يرتدون قميص عبد الناصر، ويقيمون بينهم وبين الحق جدارا عاليا شيدوه من الحقد والكراهية، متجاهلين كل معتقدات وثوابت الحركة الناصرية.

ولقد سجل أغلب أهل التاريخ -عربا وأجانب- أن جمال عبد الناصر كان زعيما عربيا شريفا اجتهد فأخطأ وأصاب لصالح وطنه وأمته العربية العظيمة، لكنه لم يخن أبدا إرادة الجماهير التي وثقت فيه من جهتها وأحبته، ولم يخن تطلعات بلاده وأمته العربية المجيدة، والإنسانية الخيرة جمعاء.

وكان شعار ناصر الدائم "الشعب هو القائد وهو المعلم"، ولذلك فإن الملايين في الشارع المصري ممن أحبوا منهاج عبد الناصر يشعرون بمرارة شديدة كلما أطل عليهم من النخبة التي ترتدي قميص عبد الناصر مَن يمارس الدجل والشعوذة، ويقول لهم إن عبد الفتاح السيسي يسير على خطى الرئيس الراحل.

محور الشر
ويبدو أن قائد الانقلاب العسكري بالقاهرة عبد الفتاح السيسي صدق ما يقال له، لكن المعضلة التي تواجهه أن شركاء جريمة الانقلاب في الداخل والخارج لن يسمحوا له أبدا أن يكرر تجربة عبد الناصر، والسيسي يعرف ذلك جيدا، ومن ثم لم يجد لنفسه طريقا لمحاولة الانسجام مع ما يصفونه به سوى زيارة قبر الزعيم الراحل جمال عبد الناصر واستقبال أسرته وأحفاده، وتلك أمور شكلية لا تؤخر ولا تقدم، إذا ما تعلق الأمر بمستقبل وطن وأمة.

سجل أغلب أهل التاريخ أن عبد الناصر كان زعيما عربيا شريفا اجتهد فأخطأ وأصاب لصالح وطنه وأمته، لكنه لم يخن أبدا إرادة الجماهير التي وثقت فيه وأحبته

وفي الواقع، فإن أجندة الانقلاب التي جاء بها عبد الفتاح السيسي ورفاقه هي أجندة صهيونية بامتياز. ومن هنا، فإن من يتأمل منهاج جمال عبد الناصر ومنهاج عبد الفتاح السيسي ورفاقه حول رؤية الرجلين لإنقاذ مصر، يجد أنهما يسيران في خطين متوازيين لا يلتقيان، والفارق بينهما هو فارق بين السماء والأرض، وبين هدم مصر وبنائها، وبين توحيد الأمة العربية وتفتيتها.

ولقد تحالفت نخب من الناصريين والساداتيين الجدد إلى جانب طائفيين مع تشكيلات الفساد التي خلفها الرئيس المخلوع حسني مبارك في أجهزة الدولة المختلفة، وتمخض التحالف فولد محورا جديدا للشر في المنطقة والعالم، هذا المحور من خلاله يعيد السيسي ورفاقه الآن ترميم نظام كامب ديفيد بعد انهياره، ويجهضون أحلام أهل مصر والمنطقة العربية في التحرر من الطغيان والتبعية.

ومن ثم، باتت القيم التي تجمع بين مكونات محور الشر الوليد وتوحد أطرافه تتمثل في إهدار الحريات والحقوق الآدمية، وبذلك فإن السيسي ورفاقه في هذا المحور البغيض أخذوا من تجربة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فقط سلبياتها وأسوأ ما فيها وطوروها وتفوقوا على ناصر مئات المرات في تعاملهم القاسي مع الإخوان والثوار أنصار الشرعية.

ومما يلفت الانتباه هنا، أن محور الشر الذي تجمع بين أطرافه الأجندات الخاصة لا أكثر، لكون أن القوى المدنية التي انضمت إليه، دخلت خمسة استحقاقات انتخابية في مواجهة التيار الإسلامي وخسرتها كلها، وبالتالي تولدت لديها قناعات نراها غير صحيحة، تلك القناعات تتمحور في أنها لن تكسب أية انتخابات ضد التيار الإسلامي، والحل الوحيد في نظرهم هو التخلص منه بالاجتثاث، وذاك خطأ تاريخي فادح تدفع ثمنه مصر كلها الآن.

ولاقت الأجندات الخاصة لمكونات محور الشر المشار إليها هوى في نفوس قادة من الجيش لديهم أيضا أجندات خاصة بهم ومطامع في السلطة التي فقدوها إثر قيام ثورة 25 ناير المجيدة، وهبت لألد خصومهم وهي جماعة الإخوان، هنا حدث الانسجام بين شركاء الإثم الذليل، وجرى الإعلان عن تكوين هذا المحور من عسكريين ومدنيين ثم أعقب ذلك انقلاب الثالث من يوليو.

منهجان لا يلتقيان
وإذا ما تعلق الأمر ببدايات الرجلين ناصر والسيسي، فبالنسبة للرئيس الراحل عندما قام بثورة 23 يوليو مع رفاقه الأحرار شاركه فيها الإخوان وكل أحرار وشرفاء مصر ودعموها، وكانت الثورة لا تستهدف النظام الحاكم وتحسين أوضاع أهل الوطن وقتها فحسب، بل كانت تستهدف -في الأساس- تحرير مصر من الاحتلال البريطاني.

أما عبد الفتاح السيسي فقام بانقلاب الثالث من يوليو/تموز الماضي مستهدفا نظاما وطنيا منتخبا قبل عام فقط من قبل الشعب المصري، في أكثر انتخابات رئاسية نزاهة عرفتها مصر من قبل، وهذا النظام الذي أطاح به السيسي نتج عن ثورة عظيمة، تفجرت في 25 يناير/كانون الثاني 2011، ضد نظام مبارك الفاسد العفن، والذي ربط مصر بعلاقات تبعية ذليلة لواشنطن، وأهدر كرامتها واستقلالها وإرادتها، وأذاق شعبها الهوان.

إذا أضفنا إلى جريمة رابعة بقية المذابح، وما تم فيها من حرق الجثث والمساجد واعتقال الثوار، فإن ما ارتكبه السيسي هو جريمة حرب بكل المقاييس، لم يرتكبها النازي ورفاقه في كل حروبهم

وحول الموقف من الإخوان، عندما اختلف جمال عبد الناصر مع الإخوان حول الموقف من الديمقراطية، وموعد تطبيق الشريعة، وطبيعة نظام الحكم الوليد، اعتقل منهم بضعة آلاف وحبسهم وعذبهم، وعندما تعلق الأمر باتهامات لهم تتعلق بمحاولة اغتياله أحالهم لمحاكمات قضت بالموت على تسعة منهم، وفي مدى عدالتها وصحة اتهاماتها يفصل بينهم الله سبحانه وتعالى لكونهم جميعا -عبد الناصر وخصومه- باتوا الآن بين أيدي العدل كله.

لكن عبد الفتاح السيسي لم يختلف مع الإخوان كحكام للبلاد بشكل علني، ولم يختلفوا بدورهم معه، إنما أكرموه وصعدوه من لواء إلى فريق أول، ومن قائد سلاح إلى وزير دفاع، متخطيا طابورا من القادة أحق منه وأفضل، ورد جميلهم بطريقته الخاصة، وذلك عندما انقلب على الرئيس المنتخب من الشعب الدكتور محمد مرسي.

وعندما خرجت جماهير الثورة ترفض خيانة الوزير وانقلابه على رئيسه، وتدافع عن المؤسسات الشرعية المنتخبة من الشعب وتواجه انقلابه الكريه، واجهها بالرصاص الحي في سويداء القلب، ووصل الأمر إلى أن قتل الانقلابيون خلال فض اعتصام رابعة فقط الآلاف من أبناء الشعب، ولم يفرقوا بين طفل وامرأة وشيخ، هذا فضلا عن أعداد المعتقلين التي بلغت حتى الآن ما يقرب من 25 ألف مواطن.

وإذا ما وضعنا إلى جانب جريمة رابعة بقية المذابح، وما تم فيها من حرق الجثث وحرق المساجد واعتقال الثوار، فإن ما ارتكبه السيسي هو جريمة حرب بكل المقاييس، لم يرتكبها النازي ورفاقه في كل حروبهم بتلك القسوة وبهذا الشكل.

التبعية والاستقلال
وعلى الصعيد الاقتصادي، فقد أعلن عبد الفتاح السيسي ورفاقه انحيازهم لرأسمالية رجال الأعمال، والمضي على منهاج مبارك، ووضعوا عدالة جمال عبد الناصر الاجتماعية خلف ظهورهم، وأعرضوا عن القطاع العام الذي بناه من قبل، وتجاهلوا اعتماد مصر الستينيات على التنمية المستقلة، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، كما أعرضوا عن التكامل العربي والوحدة، واستبدلوهما بمشاريع تعاون وتنسيق في شتى المجالات مع "إسرائيل" التي قاتلها عبد الناصر طوال حياته.

ومن أجل تهيئة الطريق لعبد الفتاح السيسي عند وصوله لموقع الرئيس، تتخلص حكومة الانقلاب من سياسة الدعم للغذاء والطاقة وتقلص مشروعات التعليم والعلاج المجاني، وكلها من متبقيات العدالة الاجتماعية المتوارثة منذ أيام الزعيم الراحل جمال عبد الناصر.

ونأتي للنقاط الأهم المتعلقة بتوجهات عبد الناصر الخارجية، والموقف من واشنطن وتل أبيب، ومن أهمها حرص ناصر على استقلال القرار وإرادة الوطنيين، ورفضه التبعية للخارج بكافة أشكالها، ولذلك لم يتردد ناصر في المشاركة في تأسيس حركة عدم الانحياز، وراهن على جماهير الشعب المصري والعربي واحتمى بها.

بينما يحتمي عبد الفتاح السيسي ورفاقه الآن بالحلف الصهيوني الأميركي، ويقودون مصر نحو حالة تبعية ذليلة لواشنطن وتل أبيب، حتى أن وزير الدفاع الأميركي كان يهاتف السيسي يوميا في الأسابيع الأولى من عمر الانقلاب، ورئيس حكومة إسرائيل تحرك في كافة بلدان العالم لدعم الانقلاب الذي حدث بمصر.

والمعروف أن الحلف الصهيوني الأميركي كان أشد أعداء عبد الناصر، وكانت القضية الفلسطينية حلمه الدائم، والقومية العربية وتوحيد الأمة أمله العظيم، ومساعدته لحركات التحرر والإنسانية الخيرة ضد الاستعمار منهاجه الثابت. ومن هنا احتضن عبد الناصر المقاومة الفلسطينية، وكان انطلاق حركة فتح من القاهرة.

من يرتدون اليوم قميص عبد الناصر ويدعمون الانقلاب ويعتبرون السيسي هو عبد الناصر، لا يمثلون الناصرية ولا الناصريين، لأنه لا يوجد ناصري شريف مع الانقلاب

وعلى النقيض من ذلك، نجد عبد الفتاح السيسي ورفاقه يلفقون لكل من له علاقة بالمقاومة الفلسطينية تهما لا تليق بمصر أو قضاتها أو تاريخها، ولا يمكن أن يقبلها أي شريف في مصر، ومن أبرزها التخابر مع حماس وحركات المقاومة ضد إسرائيل، وهي تهم لا تليق بمصر لكون أن حماس وغيرها من المنظمات المقاومة تمثل النقطة المضيئة الوحيدة الآن.

ومؤخرا أطلق عبد الفتاح السيسي تهديدات شملت كل دول الجوار ما عدا إسرائيل التي ينسقون معها في شتى المجالات، وتشاركهم ضرب أهلنا في سيناء تحت مزاعم مقاومة إرهاب وهمي يصر السيسي ورفاقه على وجوده، بينما لا نرى -كمصريين- إلا ضحايا من أبرياء بدو سيناء.

وبناء على ما سبق، نشير إلى أن من يرتدون قميص عبد الناصر ويدعمون الانقلاب، ويعتبرون السيسي هو عبد الناصر، لا يمثلون الناصرية ولا الناصريين، لأنه لا يوجد ناصري شريف مع الانقلاب، وذلك بعد أن أعلا المتاجرون بقميص ناصر كراهيتهم للإخوان المسلمين عن كل الاعتبارات الوطنية والقومية والإسلامية والإنسانية والأخلاقية.

واعتبروا تلك الكراهية -كما سبق وأشرنا- جدارا يفصل بينهم وبين الحق، وبالتالي أساؤوا للرئيس الراحل جمال عبد الناصر أبلغ إساءة لحقت به منذ لقي ربه، وهو بريء منهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.