تحالف 30 يونيو ومستقبل الثورة المصرية

تحالف 30 يونيو ومستقبل الثورة المصرية - عبد الفتاح ماضي

أطراف التحالف
مصالح التحالف
ما العمل؟

تحاول هذه المقالة الإجابة عن الأسئلة التالية: ما طبيعة تحالف 30 يونيو الذي يقف وراء أحد مرشحي الرئاسة في مصر؟ وهل يعبر هذا التحالف عن المصالح التي رفعتها ثورة 25 يناير؟ وهل من بدائل؟

أطراف التحالف
لا يعبر تحالف 30 يونيو عن قوة سياسية أو اجتماعية حقيقية فهو يضم قطاعات مختلفة من مؤسسات الدولة، هي الجيش والشرطة والقضاء والجهاز الإداري والأزهر، بجانب حركة تمرد وبعض الأحزاب المدنية التي ليست لها قاعدة شعبية كبيرة وحزب النور السلفي وبعض النخب اليسارية والليبرالية، فضلا عن شريحة كبيرة من رجال الأعمال المتضررين من إسقاط نظام مبارك الذي فتح الباب أمامهم للتربح غير الشرعي ودون أية رؤية اقتصادية وطنية حقيقية.

ويحظى هذا التحالف بدعم شعبي ولا سيما من طبقة الفنانين والإعلاميين وشرائح من الطبقات الفقيرة والمتوسطة التي استطاع الإعلام التأثير عليها أو التي تتطلع إلى الاستقرار الذي يضمن لها -من وجهة نظرها- الحد الأدنى من قوتها في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية. هذا فضلا عن الدعم المالي السخي من بعض الدول الخليجية والدعم الروسي والأوروبي والأميركي.

تغيب عن تحالف 30 يونيو قطاعات مؤثرة في المجتمع، فبجانب التيار الإسلامي بكامل فصائله تقريبا، تغيب عنه أبرز الحركات الشبابية الاحتجاجية وعلى رأسها حركة 6 أبريل والاشتراكيين الثوريين وطريق الثورة والميدان الثالث

تغيب عن هذا التحالف قطاعات مؤثرة في المجتمع، فبجانب التيار الإسلامي بكامل فصائله تقريبا، تغيب أبرز الحركات الشبابية الاحتجاجية وعلى رأسها حركة 6 أبريل والاشتراكيين الثوريين وطريق الثورة والميدان الثالث وآلاف من الشباب غير المنتمي إلى تنظيمات محددة. وقد ظهر جليا عزوف الشباب عن المشهد السياسي في الاستفتاء على الدستور المعدل.

وواقع الأمر أن الأخطاء السياسية المتتالية للحكومة بدء من الفشل في معالجة الملفات اليومية وتعيين أنصار مبارك في الحكومة والمحافظات، مرورا بقانون التظاهر وتمرير المحاكمات العسكرية بالدستور الجديد، وانتهاء بالإفراج عن مبارك وأركان حكمه وقتلة المتظاهرين ومحاكمات الناشطين الشباب، أدت هذه الأخطاء إلى معارضة قطاعات شبابية عريضة للمسار الحالي ولكافة الممارسات الأمنية التعسفية التي تشهدها البلاد منذ 3 يوليو/تموز الماضي، بل واعتبار الكثيرين منهم ما حدث بعد 3 يوليو/تموز ثورة مضادة مكتملة الأركان.

كما أن هناك حراكا طلابيا قويا في معظم الجامعات المصرية يغيب عن تحالف 30 يونيو بل ويناصبه العداء جرّاء تصدير الاحتراب السياسي إلى الجامعات ومقتل 176 طالبا وسبعة أساتذة واعتقال نحو 1347 طالبا و160 أستاذا بجانب فصل العشرات من الطلاب من كلياتهم والمئات من الطلاب من المدن الجامعية وإيقاف 32 أستاذا جامعيا عن العمل وإحالتهم للتحقيق وذلك منذ 3 يوليو/تموز 2013 وحتى مارس/آذار 2014 حسب أحد التقارير الحقوقية الصادرة عن الحريات الأكاديمية في مصر.

ولهذا فمن غير المتصور أن يتلاشى غضب الحراك الطلابي مع إصرار الحكومة على الحلول الأمنية داخل الجامعات ومع تخبط القيادات الجامعية في ظل حالة السيولة التي يعيشها المجتمع.

وبرغم عدم واقعية بعض المطالب الطلابية فإن هناك حاجة إلى الاستماع إلى الطلاب وترشيد مطالبهم وإشراكهم في معالجة كافة آثار إرث مبارك الكارثي.

الحركات الشبابية والطلابية شريحة لا يمكن مواجهتها بالحلول الأمنية ولا بالالتفاف على مطالبهم بالسياسات التخديرية القديمة، وكانت هذه الشريحة القوة الدافعة وراء ثورة 25 يناير ووراء مظاهرات 30 يونيو، وهي قادرة في نظري على قلب الطاولة من جديد وتغيير المشهد بأكمله كما حدث في دول أخرى.

وبالعودة إلى التيار الإسلامي، فإن هناك خطورة كبرى من تصور نجاح أي مسار بدونه. فهذا التيار يضم الملايين من الشعب، وبرغم تشرذم أنصاره في السابق وتوزعهم على عدة أحزاب، فإن أوضاع ما بعد 30 يونيو أدت إلى شعورهم بالخطر المشترك، ولهذا فليس من المستعبد أن تظهر تحالفات أو أحزاب أكثر وعيا وتماسكا من أحزاب ما قبل 30 يونيو.

هذا بالطبع مع عدم إغفال أن السياسات الأمنية وتجاوزات حقوق الإنسان منذ 30 يونيو أثمرت جماعات عنقودية عنيفة محسوبة على هذا التيار، سيظل المجتمع يعاني من آثارها الثأرية السلبية لسنوات حتى ولو وصلت البلاد إلى مصالحة سياسية.

مصالح التحالف
لا يجسد تحالف 30 يونيو أهداف الثورة المصرية التي بدأت منذ أكثر من ثلاث سنوات، لأنه -بتشكيله الراهن- تحالف هش لا يجمعه إلا اتفاق أطرافه على معاداة التيار الإسلامي وإقصائه من المشهد السياسي.

وبعد أن كان الهدف المعلن لمظاهرات يونيو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة تحول الأمر تدريجيا إلى التركيز على إقصاء الإسلاميين ومحاربة ما صار يعرف بالإرهاب.

بالطبع هناك أطراف داخل هذا التحالف ترى أن المشير السيسي هو وحده القادر على تحقيق الانتقال الحقيقي للديمقراطية، إلا أن الغالبية العظمى لأطراف هذا التحالف لا تريد الديمقراطية ولا تعرف الديمقراطية أصلا. بل إن جزءا لا يستهان به من التحالف يتطلع إلى الحفاظ على الامتيازات القديمة التي كان يتمتع بها إبان عهد مبارك مثل المؤسسات الرسمية (أو الشرائح العليا داخل هذه المؤسسات تحديدا) التي تضررت من الثورة التي كانت ستصل حتما إلى إلغاء أو تقليل هذه الامتيازات.

ترك نظام مبارك ما يمكن تسميته "نظام الوظائف الطائفية" داخل قطاعات مؤثرة مثل الشرطة والجيش والقضاء، ولإلغاء هذا النظام يتطلب الأمر جهودا كبيرة ونظاما صارما لدولة القانون والمؤسسات والمواطنة

لقد ترك نظام مبارك ما يمكن تسميته "نظام الوظائف الطائفية" داخل قطاعات مؤثرة مثل الشرطة والجيش والقضاء، ولإلغاء هذا النظام يتطلب الأمر جهودا كبيرة ونظاما صارما لدولة القانون والمؤسسات والمواطنة.

ولا يريد رجال الأعمال المتضررون من ثورة يناير وأنصار نظام مبارك الذين عادوا إلى الواجهة السياسية والإعلامية من جديد سماع كلمة ثورة 25 يناير من الأساس وهم يضغطون لعودة الأمور إلى سابق عهدها لأن هذه الثورة أضرت بمصالهم وهددت امتيازاتهم.

أما أطراف التحالف من الفنانين والإعلاميين وقطاع يعتد به من الطبقة المثقفة فقد تعودت منذ عهد مبارك على الانفلات وعدم الانضباط بأي ضوابط مهنية أو أخلاقية وذلك بدعاوى حرية الفن والإبداع. والثورة بالنسبة لهم فتحت الباب أمام وضع الضوابط ومواثيق العمل المهنية، ولهذا فهؤلاء لا يضغطون أبدا من أجل دولة القانون والمحاسبة والمسؤولية، وإنما من أجل بقاء امتيازاتهم.

إن السلطة بالنسبة لمعظم هذه الفئات سلطة طبقية ونفعية وتعمل لصالح هذه الفئات دون غيرها، أما ثورة 25 يناير فتهدد امتيازاتهم ومصالحهم لأنها تدعو إلى دولة القانون والمحاسبة والمواطنة.

أما بعض الأحزاب المدنية في هذا التحالف فتظن أن إقصاء الإسلاميين سيفتح الباب أمامهم للحصول على الأغلبية في البرلمان ومن ثم تشكيل الحكومة ومشاركة الرئيس القادم في السلطة.

وهذا أمر مستبعد تماما، ليس فقط بسبب الأوضاع الأمنية المتردية وحالة الاحتراب السياسي المستمرة التي تعرقل بلا شك أي مسار سياسي، ولا بسبب عدم قدرة هذه الأحزاب على تشكيل بدائل وضعف قاعدتها الشعبية ونقص كوادرها، وإنما أيضا لأن الرئيس القادم لن يحتاج إلى شريك في الحكم فكلمته ستكون نهائية، بل وقد يتم تشكيل حزب خاص به ليكون حزب الدولة الذي سيقوم بالأدوار التي كان يقوم بها حزب مبارك السابق ربما مع بعض التحسينات الشكلية.

هذا فضلا عن أن هناك من يرى أن الرئيس القادم لن يمكنه الحكم كأي رئيس ديمقراطي من خلال المشاركة مع قوى مدنية أخرى لأنه لا يمتلك مقومات هذا الأمر، ولأن كل من يقف وراءه اليوم لا يريد هذا في الأساس، وإنما يريد حاكما قويا يأمر الناس ويسيطر عليهم.

أما الطبقات الفقيرة والمتوسطة المتحالفة، فتتصور أن الرئيس القادم سيكون قادرا على تحقيق مصالحها المتمثلة أساسا في تحقيق الأمن والاستقرار في الشارع وتحسين الأوضاع الاقتصادية بحيث تعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل الثورة: حياة ضنكى لكن مع نظام يُمكّن (أو يدفعهم دفعا) ضعاف النفوس من الناس، أو المغلوبين على أمرهم، من التصرف لأجل الحصول على حد الكفاف بكل الطرق الممكنة، الشرعية وغير الشرعية، بما في ذلك الفساد والرشوة واستغلال النفوذ واختراق القانون.

وباختصار لا الديمقراطية ولا حكم القانون ولا العدالة الاجتماعية ولا التنمية الاقتصادية الحقيقية على أجندة معظم أطراف هذا التحالف الهش.

وعلى الرغم من هذا فقد يستمر هذا التحالف لبعض الوقت نظرا لحصوله على دعم خارجي سخي من دول خليجية ومن الغرب، إلا أن المصالح ستتضارب داخله، ومن المؤكد أيضا أنه سيتفكك مع استمرار الأزمات.

وإذا تم تشكيل تحالف وطني جامع معارض على أرضية انتهاكات حقوق الإنسان وضمان الديمقراطية فلن يستطيع تحالف 30 يونيو ولا النظام بأكمله الاستمرار.

ما العمل؟
أتصور أن الصراع السياسي بين قوى الثورة وقوى الثورة المضادة التي تريد المباركية دون مبارك سيستمر إلى أن يظهر تحالف وطني ديمقراطي حقيقي، يعبر فعلا عن مصالح قوى 25 يناير، وتكون غايته الأساسية أو أولويته القصوى هي تحقيق أهداف الثورة المصرية الحقيقية وهي بناء نظام ديمقراطي حقيقي يُمكّن الشعب بكافة فئاته ويضع أسس دولة القانون والمؤسسات.

وذلك على اعتبار أن هذا النظام سيفرز حكومات مدنية منتخبة، ومسؤولة، وقادرة على معالجة الملفات الحقيقية التي تمس المواطن العادي وهي تحقيق تنمية اقتصادية وعدالة اجتماعية لصالح الفقراء والمعدومين، وتضع سياسات خارجية قادرة على مواجهة حالة التبعية المذلة للخارج.

سيصل المصريون إلى إقامة تكتل وطني ديمقراطي حقيقي معبر عن ثورة يناير وعابر للأيديولوجيات عندما ترتفع التكلفة التي يقدمها كل طرف جرّاء سياساته واختياراته الحالية

الوظيفة الرئيسية لهذا التحالف هي البناء أي وضع أسس التنافس السياسي، وذلك خلال مرحلة انتقالية قد تمتد لسنوات حتى يتم تمهيد الأرض لتنافس وتدافع حقيقي بين البرامج الحزبية من أجل الصالح العام. أي لا يجب أبدا أن يتنافس أطراف هذا التحالف الديمقراطي خلال مرحلة البناء وتكرار ذات الخطأ الذي بدأ منذ 12 فبراير/شباط 2011.

سيصل المصريون إلى هذا التكتل الوطني العابر للأيديولوجيات عندما ترتفع التكلفة التي يقدمها كل طرف جرّاء سياساته واختياراته الحالية، أي:

عندما تدرك الأحزاب المدنية أن انتصارها لن يتأتى أبدا على أنقاض التيار الإسلامي وإنما بالعمل وسط الجماهير وبتقديم برامج وصنع كوادر حقيقية.

وعندما يدرك التيار الإسلامي أنه لا يعمل بمفرده في الساحة وأن عليه أن يجد شركاء وطنيين يعملون معه لتحقيق الأجندة الوطنية المشتركة التي لن تتعدى في هذه المرحلة التاريخية بناء دولة القانون والحريات والمؤسسات وتحقيق تنمية اقتصادية وعدالة اجتماعية حقيقية.

وعندما يدرك قادة المؤسسة العسكرية أن ما حدث في مصر عام 2011 هو ثورة حقيقية ضد كيان مستبد وفاسد كان يطلق عليه "دولة" و"نظام سياسي"، وأن الثورة لن تتوقف إلا بعد الوصول إلى الطريق المؤدي إلى بناء الدولة الحديثة بمؤسساتها الديمقراطية وحكومتها المدنية المنتخبة، التي لا يكون لا للجيش ولا لأي مؤسسة أخرى غير منتخبة سيطرة فيها على المؤسسات المنتخبة، وعندما يدرك هؤلاء القادة أن معالجة العلاقات المدنية-العسكرية ستؤدي في النهاية إلى تقوية الدولة والديمقراطية والجيش معا، وذلك كما حدث في دول أخرى.

وعندما تدرك القوى الدولية والإقليمية الداعمة للحكومة الحالية أن الزمن قد تغير وأن قوة الجماهير وإصرارها على التغيير ونيل الحرية لن يوقفه أحد، ولا سيما في هذا الزمن الذي تتسلح فيه الجماهير بالهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي والسماوات المفتوحة.

لقد انقضى عهد استغفال الشعوب وعرفت هذه الشعوب طعم الحرية وستضحي بكل شيء للحصول عليها كاملة والحفاظ عليها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.