مدى واقعية تهديد القاعدة لإسرائيل

تصميم : مدى واقعية تهديد القاعدة لإسرائيل - عدنان أبو عامر - وجود مجموعة من الشبان يحملون فكر القاعدة في الضفة لا يعني الكثير، فمقارنة بالتنظيمات الفلسطينية المختلفة تأتي القاعدة بترتيب متأخر جدا

تشكيلات ناشئة
ما قبل التنفيذ
البيئة الحاضنة

تزايدت في الأسابيع والأشهر الأخيرة القراءات الأمنية الإسرائيلية التي تناولت ما تسميه التهديد "السلفي الجهادي" في الضفة الغربية، وهو تهديد قد يكبر إذا استمرت الظروف السياسية والاقتصادية الراهنة بالضفة.

بل قد يشكل تحديا حقيقيا لإسرائيل، خاصة في ضوء تكرار ما ورد على ألسنة العديد من المسؤولين  بالمؤسسة الأمنية الإسرائيلية من أن "الجهادية العالمية" باتت على الحدود، وتعتبر تهديدا جديدا قد يتقدم على المسألة النووية الإيرانية، ليتحول التهديد الأمني الأول لإسرائيل.

تشكيلات ناشئة
تقترب التشكيلات التنظيمية المرتبطة بتنظيم القاعدة الأم من أن تكون الظاهرة الأكثر إثارة للقلق التي ستضطر إسرائيل لمواجهتها في المستقبل القريب، مع تراكم الأمثلة عن تحركات يقوم بها جهاديون في الضفة الغربية على نطاق فردي، وإعلان جهاز المخابرات العامة (الشاباك) استهداف خلايا جهادية على صلة بتنظيم القاعدة شمال الضفة الغربية وحتى داخل إسرائيل، رغم أن من شأن الإشارات المتزايدة "للجهادية العالمية" في تصريحات المتحدثين باسم الأجهزة الأمنية، وممارسة تنظيم القاعدة بعض التأثير في الضفة أن تخدما مصالح إسرائيل في مفاوضاتها مع السلطة الفلسطينية.

إذا استمرت الظروف السياسية والاقتصادية الحالية فقد يكبر الكابوس السلفي-الجهادي، ويصبح تحديا حقيقيا، بسبب توسع النشاط الجهادي الفردي على المستوى المحلي بدافع من تزايد الإحباطات

وتعتبر إسرائيل أن هذه التهديدات يمكن أن تضفي بعض المصداقية على اتهام السلطة الفلسطينية بالعجز عن توفير ضمانات أمنية إذا انسحبت من الضفة.

لكن إذا استمرت الظروف السياسية والاقتصادية الحالية فيها فقد يكبر الكابوس السلفي-الجهادي، ويتحول تحديا حقيقيا، بسبب توسع النشاط الجهادي الفردي على المستوى المحلي بدافع من تزايد الإحباطات، أكثر منه بسبب تسلل المقاتلين من الحدود السورية مع الجولان، أو الحدود المصرية مع سيناء، أو قيامهم بإنشاء شبكات فاعلة ومنسقة.

وتفترض إسرائيل أنه في ظل الركود السياسي الحالي مع الفلسطينيين، والانقسام الحاصل في الضفة الغربية فقد يحاول أفراد مستاؤون التنفيس عن غضبهم من خلال تنظيم صفوف المقاتلين على المستوى المحلي، أو عبر بناء روابط مع مجموعات جهادية تعمل في البلدان المجاورة كالأردن ومصر وسوريا ولبنان.

وقد أوردت أوساط من جهاز "الشاباك" نماذج متعددة لتلك المجموعات الجهادية، ومنها: مجلس شورى المجاهدين، أنصار بيت المقدس، جيش الإسلام، جيش الأمة، جماعة التوحيد والجهاد، أنصار الله، وتدعي جميعها في بياناتها العامة وخطابها عبر الإنترنت أنها مرتبطة بتنظيم القاعدة، وأن أهدافها الأساسية تتمثل في تحرير فلسطين، والثأر من الهجمات الإسرائيلية على الفلسطينيين، وتحصر عادة نشاطها في شمال سيناء وقطاع غزة، ويقوم هذا النشاط على إطلاق الصواريخ وشن عمليات على طول الحدود المصرية.

كما أعلنت أنها تسعى الآن لتوسيع نطاق عملياتها نحو الضفة الغربية، وهذا لا يعني أنها ستتمكن من إرسال عناصر إليها، أو إنشاء شبكات واسعة فيها، نظرا لأن إسرائيل والسلطة الفلسطينية تحتفظان إلى حد كبير بسيطرة أمنية محكمة هناك، لكن قد يتعاطف البعض في الضفة مع هذه التنظيمات، وينسق معها لشن هجمات محدودة النطاق بطريقة فردية ومعزولة.

ما قبل التنفيذ
هناك عوامل عدة ربما ساهمت في دفع بعض الأفراد الفلسطينيين نحو دعم المبادرات الجهادية محلية الطابع في الضفة الغربية، ومنها قرار حركة حماس المشاركة في الانتخابات عام 2006، فقد خسرت بقرارها هذا عددا من الأعضاء الذين اعترضوا على المشاركة السياسية والعملية الديمقراطية كأداة أساسية للتغيير، مما أدى لتجميد عضوية العديد منهم.

كما أن التنافس في الانتخابات مع فتح دفع حماس لأن توقف إلى حد كبير عملياتها العسكرية داخل إسرائيل، ووافقت في المبدأ على إنشاء دولة فلسطينية داخل حدود 1967، وأثار هذا التغيير في الإستراتيجية سخط شريحة واسعة من أبناء الحركة الذين ظلوا متمسكين بالمقاومة المسلحة.

ولذلك ليس مفاجئا أن بعض الفلسطينيين -الذين قضوا في عمليات سابقة للجيش الإسرائيلي- كانوا أعضاء سابقين في كتائب القسام، وتم تعليق عضويتهم في التنظيم بسبب اعتراضهم على المقاربة الديمقراطية الجديدة التي انتهجتها حماس، واعتبروا أنها تشكل انتهاكا للشريعة.

لكن استهداف حركة فتح لحركة حماس في الضفة الغربية أوجد فراغا تنظيميا في صفوف المعارضة، فبعدما أدى النزاع بينهما عام 2007 لتعليق العملية الديمقراطية، وسيطرة حماس على غزة اعتمدت السلطة الفلسطينية العديد من الإجراءات الأمنية لكبح وجود حماس السياسي والعسكري في الضفة، وعمدت إلى حظر معظم الأنشطة الاجتماعية والسياسية والعسكرية للحركة في مناطقها.

معظم من اعتقلوا من خلايا "منسوبة" للقاعدة ما زالت في مرحلة الكلام عن عمليات، ولم تصل حتى لمرحلة التخطيط لها، أي مرحلة سنفعل كذا وكذا

وقد دفع غياب حماس على المستوى التنظيمي بأعضائها في الضفة للبحث عن ناشطين دينيين يفكرون بالطريقة نفسها من خلال قنوات أخرى بغية الاستمرار في تنظيم أنفسهم على المستوى العسكري، وأوقفت السلطة عشرين سلفيا بتهمة الضلوع في نشاط جهادي، معظمهم أعضاء سابقين في حماس.

ويصعب تحديد النطاق الذي يمكن أن تبلغه الأشكال الجديدة من المعارضة العنفية للسلطة وإسرائيل في الضفة، والتي ترتسم حول خطوط سلفية جهادية جديدة، فقد واجهت السلطة إخفاقات في الحكم في السابق، إلا أن أجهزتها الأمنية -فضلا عن إسرائيل- حالت دون أن تتكرر في الضفة حالة الهشاشة والفوضى التي تشهدها أماكن مثل سوريا وسيناء.

لكن عدم وجود قنوات حيوية للمعارضة الديمقراطية تفسح المجال أمام ظهور معارضة غير عنفية في الضفة الغربية يؤجج حاليا الإحباطات لدى السكان، ويدفع بعض الأفراد والمجموعات المحلية للتحول نحو التطرف.

وقد سبق لإسرائيل أن أصدرت عددا من الروايات الأمنية حول اعتقال خلايا تابعة لتنظيم القاعدة في الضفة الغربية، وهو ما ووجه بنفي فوري من قبل السلطة الفلسطينية، وقال البعض إن أفراد هذه الخلايا هم ضحية خلية وهمية، وإن الشخص المفترض أنه كان يكلمهم من غزة أو سيناء أو الأردن مجرد ضابط إسرائيلي يجلس في تل أبيب، مما يرفع من تقدير خطورة وسذاجة التخطيط لعمل مسلح من خلال الإنترنت، سواء كان الطرف الآخر موثوقا، أم مجرد شخص أعجبنا كلامه، وتنظيره على الإنترنت.

كما أن معظم من اعتقلوا من خلايا "منسوبة" للقاعدة ما زالت في مرحلة الكلام عن عمليات، ولم تصل حتى لمرحلة التخطيط لها، سنفعل كذا وسنعمل كذا، أو مرحلة "قال لي وقلت له"، كما يصفها بعض العاملين في العمل المسلح.

فضلا عن كون الاهتمام الذي أعطي لهذه الخلايا مبالغا فيه، وكله نفخ في تنظيم القاعدة، خصوصا إذا عرفنا أنه سنويا يُلقى القبض على عشرات الخلايا العسكرية بالضفة الغربية في مرحلة الإعداد والتخطيط، ومن بين كل عملية تصل لمرحلة التنفيذ هنالك عشر عمليات يُلقى القبض على خلاياها قبل التنفيذ، بجانب أن القاعدة لم ترسل مقاتلين أو سلاحا، وإنما فقط منحت الخلايا "امتياز" حمل اسمها، إن صحت جزئية أن الظواهري بارك عمل بعضها.

البيئة الحاضنة
إن وجود متحمسين لفكر تنظيم القاعدة في الضفة الغربية أمر طبيعي، وموجود مثلهم في كل مكان بالعالم الإسلامي، خاصة أن له جهاز دعاية وإعلام فقاعي يجيد استقطاب اهتمام الشبان، لكن لا توجد أي بنية تنظيمية للقاعدة في الضفة، ووجود مجموعة من الشبان يحملون فكرها أو متحمسين لها لا يعني الكثير، فمقارنة بالتنظيمات الفلسطينية المختلفة تأتي القاعدة في ترتيب متأخر جدا.

وخلال العام الأخير لم تنسب لها سوى خليتين، بينما لباقي التنظيمات عشرات الخلايا تم الكشف عن وجودها، وهذا طبيعي لعدم وجود بنية تنظيمية للقاعدة في الضفة الغربية.

ومع ذلك يتساءل الإسرائيليون: هل حلت القاعدة بالضفة الغربية؟ وهو تساؤل متداول في الأروقة الأمنية الإسرائيلية إثر إعلان الجيش اغتيال ثلاثة فلسطينيين بدعوى انتمائهم لما يسمى "التيار السلفي"، في سابقة هي الأولى في تاريخ الضفة الغربية قبل أشهر.

وقد جاء الإعلان الإسرائيلي، وتركيز الإعلام على هذه القضية ليطرقا الأبواب أمام تطور هو الأبرز على تشكيلة المشهد السياسي في الضفة الغربية إذا ما صدقت ادعاءات إسرائيل، وطالما أن هناك اتفاقا على أن ادعاءاتها بتصفيته خلية للسلفية الجهادية أمر لا يمكن تأكيده أو نفيه، لكن البيئة الفلسطينية في الضفة الغربية لا تسمح بمزيد من التيارات في ظل حالة الإشباع الفكري والتنظيمي التي تعيشها مع قطاع غزة.

التحدي الذي يواجه القاعدة في فلسطين ليس إيجاد أنصار مستعدين للتضحية بأنفسهم، وإنما صهر هؤلاء الأنصار في بوتقة تنظيمية مؤهلة وقادرة على العمل في بيئة معقدة

مع العلم بأن الثقافة السائدة بالأراضي الفلسطينية عموما -والضفة الغربية خصوصا- لا تسمح بنشوء جماعات تحمل فكر القاعدة، في ظل وجود تيارات إسلامية وسطية حاضرة وبقوة في الشارع الفلسطيني، وتتعايش مع الآخر وتؤمن به، وإن وجدت هناك بعض الحالات فإنها فردية أو ارتجالية، لكن لا تعبر بالضرورة عن تيار سلفي منظم له امتداداته التنظيمية وفكره المستقل.

ومع ذلك، لا يمكن نفي القول إن هناك الكثير من الفرص والظروف مواتية لنشوء بعض التيارات الصغيرة ذات الامتداد المحدود قد تحمل فكرا تابعا للقاعدة، خاصة أن حالة إحباط غير مسبوقة يعيشها الشارع الفلسطيني الآن جراء تفاقم عمليات القمع الممارسة من جانب إسرائيل، وانتفاء أي أفق للتسوية معها.

كما أن أغلبية أنصار القاعدة والمستعدين للانخراط فيها من الفلسطينيين
-خصوصا بالضفة الغربية- هم من الجيل الجديد الذي لم يسبق له العمل ضمن حركة حماس أو أي فصيل آخر، لأن البنى التحتية لهذه التنظيمات بالضفة مدمرة منذ عدة سنوات، والجيل الجديد من أنصار القاعدة في الضفة يستقي أفكاره من المواقع الإلكترونية التي تروج لفكر التنظيم.

أخيرا، فإن التحدي الذي يواجه تنظيم القاعدة في الساحة الفلسطينية ليس إيجاد أنصار مستعدين للتضحية بأنفسهم، وإنما صهر هؤلاء الأنصار في بوتقة تنظيمية مؤهلة عسكريا وأمنيا ولوجستيا، قادرة على العمل في بيئة معقدة جدا من الناحية الاستخبارية، رغم انخراط شبان فلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة في القتال بجانب الفرعين السوري والعراقي للقاعدة.

ولئن أسفر هذا الانخراط عن إيجاد كوادر تمتلك خبرات عسكرية وأمنية وعلاقات داخل فلسطين بإمكانها بناء فرع فلسطيني للقاعدة فإن ذلك يستغرق وقتا، وهو ما يضع علامة استفهام حول مدى واقعية المزاعم الإسرائيلية بشأن اقتراب تهديد القاعدة من حدودها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.