نظام ولاية الفقيه وحرب المقدسات

تصميم فني لقاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني

تتناهى للأسماع منذ فترة تصريحات مختلفة صادرة من جانب قادة ومسؤولين في نظام ولاية الفقيه، ترکز على ما يسمونه بحماية المقدسات الدينية في العراق من هجمات محتملة من جانب تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

فبعد أن أکد الرئيس الإيراني حسن روحاني أن المقدسات في کربلاء والنجف وبغداد وسامراء خطوط حمر، تبعه وزير الدفاع حسين دهقان بتصريح آخر أکد فيه أن إيران ستتدخل برا وجوا في العراق من أجل حماية المقدسات من دون أخذ إذن بذلك.

حمى حماية المقدسات الدينية في العراق من جانب قادة ومسؤولي النظام الإيراني التي ارتفعت فجأة في خضم أوضاع وأحداث بالغة الحساسية والخطورة، يمكن مقارنتها و تشبيهها بالأوضاع التي مر بها العراق في عام 2006، حيث کان الدور والنفوذ الإيراني تحت المجهر وکان يتهدده خطر التحديد والتحجيم، ولذلك فقد وقعت فجأة حادثة التفجير غير المتوقعة في مرقدي الإمامين العسکريين في سامراء وما تبعها من أحداث ومواجهات طائفية دامية غرق فيها العراق.

لکن من عجائب الصدف أن قائد القوات الأميرکية في العراق في تلك الفترة الجنرال جورج کيسي اتهم النظام الإيراني بالتورط في حادثة التفجير، وهو أمر لم يثر الدهشة کثيرا، لأن الاعتراف الخطير هو الذي أدلى به أحد قادة الحرس الثوري الإيراني المدعو أکبر کنجي عن تورط الاستخبارات الإيرانية في حادثة تفجير مرقد الإمام الرضا في مدينة مشهد في يونيو/حزيران 1994.

وقد اتهم المرشد خامنئي منظمة مجاهدي خلق بتفجير المرقد بعد أقل من ساعة من الحادث، وعرض إعلام نظام ولاية الفقيه اعترافات رجل زعموا أنه من مجاهدي خلق بشأن ارتکابه تلك الجريمة. هذا الاعتراف يؤکد حقيقة هامة جدا، وهي أن هذا النظام يلجأ إلى أية وسيلة أو أسلوب من أجل بلوغ هدفه وغايته.

السعي لاستغلال وتوظيف العامل والدافع الديني أو الطائفي من أجل تحقيق الأهداف والغايات من جانب نظام ولاية الفقيه، هو سعي يکتنفه الکثير من التساؤل والغموض والاستفسار، وإننا من جانبنا نراها مجرد بدعة جديدة أخرى من البدع الکثيرة التي لا نهاية لها لهذا النظام المخادع المراوغ

السعي لاستغلال وتوظيف العامل والدافع الديني أو الطائفي من أجل تحقيق الأهداف والغايات من جانب نظام ولاية الفقيه، هو سعي يکتنفه الکثير من التساؤل والغموض والاستفسار، وإننا من جانبنا نراها مجرد بدعة جديدة أخرى من البدع الکثيرة التي لا نهاية لها لهذا النظام المخادع المراوغ، إذ لو صحت هذه البدعة لکان اليهود أولى بتلك الحرب على السعودية -مثلا- لاسترجاع مقدساتهم وحمايتها، وخاصة في المدينة المنورة (أي يثرب قديما) وقلعة خيبر وغيرهما.

ويبرر هذا المنطق كذلك حق اليهود في خوض الحرب على العراق من أجل الوصول إلى بابل ومقام النبي حزقيل، والأمر نفسه بالنسبة لمقدساتهم في مصر وحتى في إيران وقائمة تطول بهذا الاتجاه، من حيث حق البوذيين في شن الحرب على أفغانستان لحماية ما تبقى من مقدساتهم.

هذا إذا ما ترکنا المسيحيين وغيرهم جانبا، فهل يصح التذرع بعامل أو دافع من هذا القبيل من أجل التدخل في بلد آخر لأمر وشأن لا علاقة له بالمرة بحماية المقدسات والقيم الدينية، وإنما هو أمر وغاية له علاقة بأهداف وغايات سياسية أبعد ما تکون عن حماية المقدسات الدينية؟

إننا نتساءل: أين کانت هذه الحمية والغيرة الدينية التي تصاعدت فجأة أيام قيام جيش الولايات المتحدة بقصف کربلاء والنجف وفيهما -کما نعلم جميعا- قبور وأضرحة الأئمة الأطهار؟ لماذا لم يبادر نظام ولاية الفقيه لحملة مقدسة من أجل حماية تلك المقدسات؟ وهنا نود أن نلفت أنظار العالم الإسلامي، والعربي خصوصا، إلى أن نظام ولاية الفقيه يومئذ کان أشبه ما يکون بـ "أبرهة" الأميرکان في احتلالهم العراق، حيث کان يقدم المعلومات ومختلف أنواع التسهيلات من أجل إتمام الاحتلال.

المشروع التوسعي المشبوه لنظام ولاية الفقيه من أجل احتلال بلداننا العربية والذي بدأ بمخطط الدعوة إلى حماية مرقد السيدة زينب بنت أمير المؤمنين في سوريا، وما أعقب ذلك من إرسال فرق عسکرية، والأمر نفسه بالنسبة لحماية مرقد السيدة خولة بنت الإمام الحسين في لبنان، مما أدى إلى بناء مراکز ومناطق نفوذ في تلك البلدان.

واليوم جاء دور العراق حيث أجبروا الحکومة الخاضعة لنفوذهم على فتح الحدود لأربعة ملايين إيراني ليدخلوا العراق بحجة زيارة العتبات، ومن يدري فقد يأتي غدا دور اليمن ومن ثم المملکة العربية السعودية بحجة "إساءة حماية المقدسات"، وهکذا دواليك ما لم يکن هناك من موقف يعيد هذا النظام إلى رشده ويضعه عند حدّه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.