"قانون القومية".. السياقات والأهداف

الأكذوبة الكبرى
ترانسفير جديد
صفقات وآلاعيب حزبية
مشاريع خلف التاريخ
أقرت الحكومة "الإسرائيلية" مؤخرا، وبغالبية الثلثين (موافقة خمسة عشر وزيرا، ومعارضة سبعة وزراء) مشروع "قانون القومية"، الذي قُدمت نُسختان منه من النائبين في الائتلاف الحكومي اليميني، "زئيف الكين" من حزب الليكود، و"إيليت شاكيد" من حزب البيت اليهودي اليميني المُتطرف بزعامة أفيغدور ليبرمان، على أن يتم دمجهما في قانون واحد سيقدمه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قريبا جدا للكنيست لمناقشته والتصويت عليه.
ويهدف مشروع القانون المُقترح إلى تعريف دولة إسرائيل كدولة "قومية للشعب اليهودي"، وصياغة قيمها كـ"دولة يهودية وديمقراطية استنادا إلى وثيقة الاستقلال" التي أعلنها ديفد بن غوريون في الخامس عشر من مايو/أيار عام 1948، يوم نكبة الشعب الفلسطيني.
يضمر القانون كذبة كبرى في إحدى تجلياته الصارخة التي قامت عليها إسرائيل، فاليهودية لم ولن تكون قومية، بل هي ديانة لا أكثر ولا أقل، ولا يربطها بمفهوم القومية أي صلة، وهي بهذا تُعاند المنطق والواقع وتتناقض معهما |
فكيف نقرأ حيثيات وسياقات وأهداف المشروع الجديد المعنون بـ"قانون القومية"، والضرورات الفلسطينية والعربية والإسلامية لمواجهته؟
الأكذوبة الكبرى
نتوقف هنا عند ملاحظات أساسية على هذا القانون وسياقاته:
أولا: هذا المشروع يضمر -في واحدة من تجلياته الكبرى والصارخة- الأكذوبة الكبرى التي قامت عليها الحركة الصهيونية ودولة "إسرائيل". فاليهودية لم ولن تكون قومية، بل هي ديانة لا أكثر ولا أقل، ولا يربطها بمفهوم القومية أي صلة، وهي بهذا تُعاند المنطق والواقع وتتناقض معهما، كما هو حال (أكذوبة/مقولة) "الشعب اليهودي"، فاليهودية ديانة وليست قومية.
ثانيا: إن مشروع القرار إياه يحمل ويضمر في طياته النوازع الحقيقية للعنصرية الإسرائيلية الصهيونية التي بدأت تفصح عن نفسها هذه المرة بطريقة غير تقليدية عبر السعي لاستصدار قرارات عالية المعنى، وعلى مستوى "الكنيست" في محاربة الشعب العربي الفلسطيني داخل حدود العام 1948 وفي عموم الأرض المحتلة عام 1967، ومحاربة ثقافته الوطنية والقومية، ثقافة أبناء وأصحاب البلد الأصليين.
ثالثا: إن مشروع القرار الأخير يأتي بعد فترة زمنية ليست ببعيدة من محاولات استصدار قانون آخر مُتعلق بإلغاء اللغة العربية كلغة رسمية ثانية في الدولة العبرية، الذي طرحه الجنرال "آفي ديختر" رجل الأمن المحترف، حيث صاغه بالتعاون مع المعهد الإستراتيجي للصهيونية، وانضم إليه في حينها ثلث النواب اليهود بالكنيست، في محاولة منه ومعه مجموعة من زبدة المتطرفين لتكريس "الهوية العبرية اليهودية لإسرائيل" باعتبارها وطن ما يسمى بـ"الشعب اليهودي" وفق الميثولوجيا التوراتية وخرافة أرض الميعاد.
ترانسفير جديد
رابعا: إن مشروع القانون المُقترح هو مشروع "ترانسفير" جديد، مشروع إقصاء، وهضم للحقوق الوطنية والقومية والدينية لأصحاب الوطن الأصليين، وتكريس للعنصرية والكراهية ضدهم، وإظهار للوجه القبيح للدولة العبرية الصهيونية، فـ"إسرائيل" على سبيل المثال تهدم بيوت العرب في النقب، وتصادر أراضيهم، وتهدم بيوت من نفذوا عمليات ضد يهود بينما لا تطبق القانون على من قتلوا محمد أبو خضير من اليهود، ولم تهدم بيوتهم.
كل ذلك يثبت مجددا ودون أي شك أن "إسرائيل" ليست دولة ديمقراطية، وإنما هي ديمقراطية إثنية لليهود، فهي تهدم البيوت العربية، وتحول مقدسات العرب ومساجدهم إلى متاحف وبارات، وتعمل على إيذاء العرب المسلمين والمسيحيين بشكل مُمنهج.
خامسا: إن هذا المشروع "قانون القومية" الذي سيُعرض على الكنيست، يَهدِفُ إلى الإلغاء العملي التدريجي للحقوق المدنية والدينية للمواطنين العرب الفلسطينيين أصحاب الوطن الأصليين، وهو ما يشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وميثاق الأمم المتحدة الذي يُوجب على دولة الاحتلال عدم إجراء أي تغيير يمس بحقوق السكان الأصليين، وتركيبتهم الديمغرافية.
يَهدِف قانون القومية إلى الإلغاء العملي التدريجي للحقوق المدنية والدينية للمواطنين العرب الفلسطينيين أصحاب الوطن الأصليين، وهو ما يشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وميثاق الأمم المتحدة |
سادسا: إن مشروع القانون إياه يُشرعن التمييز العنصري الذي تمارسه دولة الاحتلال ضد أبناء الوطن الأصليين سواء في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، وفي الأراضي المحتلة عام 1967, الأمر الذي يضع العرب تحت حكم ديني يهودي، ويخفي القومية الفلسطينية للعرب، واللغة العربية. ويُمهد -حال تبنيه من الكنيست- لمرحلة جديدة من الانتهاكات الممنهجة ضد حقوق الشعب الفلسطيني.
سابعا: إن قادة اليمين التوراتي واليمين الفاشي القومي العقائدي يَنظرون لمشروع القانون باعتباره "خطوة ذات أهمية تاريخية لإعادة إسرائيل إلى جذورها الصهيونية، بعد سنوات من المساس المتواصل من جانب الجهاز القضائي بالمبادئ الأساسية التي نشأت عليها الدولة".
لذا فهو يأتي في سياقات ترضية نوازع ورغبات، تلك المجموعات السياسية ذات التأثير في القرار الحكومي الإسرائيلي، وهي المجموعات التي ما زالت غارقة في رواية الميثولوجيا الصهيونية، وغارقة في بحور التطرف، وتُشكل حاليا القاعدة الواسعة في المجتمع اليهودي على أرض فلسطين التاريخية بالرغم من تنوع بيئاتها الأصلية وأصولها الإثنية والقومية الحقيقية (أكثر من أربعين قومية جاءت من نحو أربعين بلدا في العالم).
ثامنا: إن تصاعد السلوك العدائي ضد الفلسطينيين داخل حدود العام 1948 من مواطني الدولة الأصليين، والذي تمارسه حكومة ائتلاف اليمين في إسرائيل ما كان ليصل إلى حدوده المعروفة لولا هذا الغياب العربي والدولي عن القضية الفلسطينية، وغياب الأسانيد الداعمة لكفاح الشعب الفلسطيني، فضلا عن وجود الانقسام في الساحة الفلسطينية، وهو الانقسام الذي أضعف وما زال يضعف الحالة الوطنية الفلسطينية، ويقلل من قوة الفعل والتأثير الفلسطينية، بالرغم من البطولات اليومية التي يقدمها أبناء فلسطين -ومنهم المقدسيون على وجه الخصوص- في مواجهة الاحتلال ومجموعات المستوطنين المسلحين.
صفقات وآلاعيب حزبية
إلى هنا، وعلى الضفة الداخلية الإسرائيلية، فإن مشروع القانون أحدث رجات داخلية "إسرائيلية" بحدود معينة، حيث تُعارضه العديد من القوى المحسوبة على المعارضة، وكما قال أحد المحسوبين على بعض التيارات المتواضعة الحضور "إن آباء الصهيونية مثل ديفد بن غوريون ومناحيم بيغن ما كانوا ليقروا قانونا كهذا". وهو ما حدا بجزء من المعارضة الإسرائيلية للاعتقاد بأن خلفية مشروع القانون تأتي "تغطية لصفقة حزبية، وغطاء لألعوبة داخلية" يعمل عليها بنيامين نتنياهو في ظل تواتر الحديث عن إمكانية الوصول لإقرار انتخابات برلمانية مبكرة.
وعليه، يعتقد كثيرون في الخريطة السياسية الإسرائيلية من بعض أطراف المعارضة، بأن اندفاع بنيامين نتنياهو لتأييد "قانون القومية" وتبنيه، يدخل في نطاق محاولاته كسب رضى أحزاب اليمين واليمين المُتطرف في الانتخابات المُقبلة.
إن الثقة المسنودة بالتجربة الكفاحية على الأرض، تدفعنا للقول بأن فلسطينيي الداخل قادرون على كَسرِ "قانون القومية" العنصري، ومنع تمريره، بفضل تماسكهم ونضالهم المتواصل، كما كسروا من قبل كل مشاريع "الأسرلة" التي طالت وجودهم |
فمشاريع القوانين العنصرية التي يجري سكبها وصبها على جدول أعمال الكنيست الإسرائيلي تعتبر استثمارا جيدا من قبل مختلف الأحزاب "الإسرائيلية" لتحشيد قوى اليمين واليمين المتطرف من خلفها، ولاستجلاب قطاعات تأييد من قبل المستوطنين في المناطق المحتلة عام 1967 في الضفة الغربية ومنطقة القدس الكبرى.
إن طرح هذا القانون يأتي في إطار التنافس بين قيادات الأحزاب لإثبات من هو الحزب "الوطني والقومي" أكثر من وجهة النظر اليهودية، حيث سيخرج دعاة تبني القانون المذكور متباهين حال نجاح تمرير مشروع القرار في الكنيست، أمام قوى اليمين وقطاعاته ورعاعه من غلاة المستوطنين باعتبارهم قد حققوا إنجازا كبيرا، مثله في ذلك مثل لاعب البورصة والقمار. فهناك منافسة بين الأحزاب لتولي الصدارة بابتكار وتشريع القوانين العدائية والتباهي بالأداء العنصري.
مشاريع خلف التاريخ
وفي كل الأحوال، من الضروري الاستعداد لمواجهة "قانون القومية" الجائر والمرفوض والمدان، وهو ما يتطلب التحرك السياسي العربي والفلسطيني والإسلامي في الميدان الدبلوماسي في المجتمع الدولي من أجل رفض هذا القانون العنصري، وإدانته، ومطالبة دولة الاحتلال بالتخلي عنه، باعتباره يكرس العنصرية والتمييز بين أصحاب الوطن الأصليين وباقي السكان من المستعمِرين اليهود.
إن الثقة المسنودة بالتجربة الكفاحية على الأرض، تدفعنا للقول بأن فلسطينيي الداخل قادرون على كَسرِ "قانون القومية" العنصري، ومنع تمريره، بفضل تماسكهم ونضالهم المتواصل داخل حدود العام 1948، كما كسروا قبل ذلك كل مشاريع "الأسرلة" التي طالت وجودهم فوق أرض وطنهم التاريخي طوال العقود الطويلة من ليل النكبة.
إن مشاريع الترانسفير باتت من الماضي مهما بلغت قسوة الاحتلال، وأوهام "الدولة اليهودية النقية" باتت بدورها تعاكس العقل والمنطق، فهي مشاريع خلف التاريخ.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.