قراءة في رسالة مرسي الجديدة
مضمون الرسالة
ماذا تقول الرسالة؟
كان مثيرا للدهشة أن يتداول نشطاء قبل أيام إعلانا نشرته صفحة "الرئيس محمد مرسي-الصفحة الرسمية" على فيسبوك، يفيد بأن "الدكتور محمد مرسي رئيس جمهورية مصر العربية يوجه رسالة إلى الشعب المصري الليلة"!
ولا يخفى أن سبب الدهشة لا يتمثل في أن الفيسبوك ما زال يعترف بشرعية الرجل رئيسا لمصر! ولا مجرد أن مرسي أرسل من محبسه إلى أنصاره رسالة، فقد فعلها من قبل أكثر من مرة. وإنما تأتي الدهشة من "رئيس معزول" بقوة الجيش يخاطب شعبه من خلف الأسوار الغليظة في ظرف شديد الحساسية وكأنه على كرسي السلطة تماما، وبعبارات ذات دلالة تحتاج إلى قراءة دقيقة، وبصياغة إعلانية تذكرنا بخطابات طويلة ألقاها مرسي وهو في السلطة على الشعب بعد انتظار وترقب.
وقد لا تعنينا كثيرا هنا قراءة الملابسات التي أحاطت بتسريب هذه الرسالة من السجن، ومن قد يكون وراء ذلك، وهل صاغها مرسي بنفسه، أو أملاها على من تولى إبلاغها وصياغتها، وإن كان التخمين في هذا الجانب أو ذاك قد يقودنا إلى اكتشاف أن الثغرات والخروق ما زالت تتكاثر وتتسع في جسم الانقلاب العسكري الذي استولى على السلطة في مصر بالقوة.
مضمون الرسالة
أول ما تحمله كلمات مرسي من رسائل هو أن الانقلاب في مأزق متصاعد، فما زال الشارع ثائرا برغم المواجهة الأمنية الدموية معه، والظهير الخارجي للانقلاب لا يمكنه تقديم دعم متواصل له دون أن يرى ما يطمئنه إلى ثبات الدولة الجديدة |
وفي عبارات مثيرة للمشاعر ختم بها رسالته، أكد مرسي أنه لن يغادر السجن قبل "أبنائه" المعتقلين، ولن يدخل بيته قبل البنات المعتقلات، "وليست حياتي عندي أغلى من شهداء الثورة الأبرار"، وأنه يستمد العزيمة على الثبات من عزيمة الشباب وثباتهم "المبدع في كل ميادين الثورة وجامعاتها"، وأنه لم ينس في أي وقت أبناءه "المجندين الشهداء الذين يطالهم غدر الغادرين".
وقد جاءت تعليقات المتابعين للصفحة على الإعلان عن الرسالة مهمة في دلالتها، إذ انقسم رأي المصريين منهم بين مؤيد ومعارض، وامتازت لغة المعارضين بروح الاستهزاء والتجاوز اللفظي، في حين امتازت لغة المؤيدين عموما بالعاطفية والتمسك بالأمل، وهو ما يعكس حالة الانقسام التي كرستها سياسات الانقلاب، وفي صحبتها انحدار واضح في لغة الحوار بين الغرماء، خاصة من جانب المعارضين لعودة مرسي ممن لم تطرقهم أزمات النظام إلى الآن، أو طرقتهم وما زالوا يكابرون، أو ممن توحدوا مع الانقلاب في خندق واحد إلى الأنفاس الأخيرة.
وأما التعليقات العربية من خارج مصر، فقد جاءت أولا من المغرب ثم فلسطين ثم السودان وتونس وليبيا واليمن، والثلاثة الأخيرة من بلاد الربيع، والسودان شعورها بالجارة مصر قوي في ظل أزمات نظامها المتوالية، وفلسطين تنفست قضيتها روح الحياة بقوة في فترة حكم مرسي، فتفاعل كل هؤلاء الإيجابي مع الرئيس المنتخب المعزول طبيعي على كل حال.
ماذا تقول الرسالة؟
أول ما تحمله كلمات مرسي من رسائل هو أن الانقلاب في مأزق متصاعد، فبعد قرابة عام ونصف العام من الإطاحة بالشرعية ما زال الشارع ثائرا برغم المواجهة الأمنية الدموية معه، والظهير الإقليمي والدولي للانقلاب لا يمكنهما تقديم دعم اقتصادي وسياسي متواصل له بدون أن يرى هذا الظهير ما يطمئنه إلى ثبات الدولة الجديدة، وتلاشي المعارضة الداخلية لها أو اضمحلالها.
كما أن الاستفتاء على الدستور في عام 2013 وانتخابات الرئاسة في عام 2014 لم يحققا للنظام شرعية حقيقية، والأزمات تطحن الناس في مصر طحنا في ظل نظام فَهِم أن دعم أعوانه من العسكريين والشرطيين والإعلاميين اقتصاديا مع ترك الشعب تقتله الأزمات يمكن أن يضمن بقاء الأوضاع في الدولة كما هي.
كذلك فإن صفقة المساندة الإقليمية للانقلاب التي فرضت على مصر المشاركة في وأد بقية الثورات العربية، سيكون لها سلبياتها وانعكاساتها على الواقع الداخلي لمصر، لأن ما تملك أن تقدمه القاهرة في هذه الصفقة هو -قبل كل شيء- القوة العسكرية، وهذه لا يمكنها أن تعمل على حسم الخلافات المعقدة التي خلفتها الأحداث العربية خلال السنوات الأخيرة بدون ثمن باهظ سيكون له مردوده في الداخل المصري عند اكتشاف الحقائق في مدى زمني متوسط على الأكثر.
من اليسير أن تكتشف في رسالة مرسي، وبالتحديد كلامه عن قادة الانقلاب، ارتفاع نبرة التكفير الوطني -إن جاز التعبير- وهي اتهامه لهؤلاء القادة بأنهم خانوا الوطن، وارتكبوا أفظع الجرائم في حق شعبه، وأنهم لا يستحقون الانتماء إلى مصر أصلا |
وهذا يعني إيمان قادة الجيش بأن خط الرجعة مقطوع عليهم بعد الذي فعلوه بمصر وجيشها وشعبها، وأن الخيارات المتاحة أمامهم إما الانفراد بالحكم بالقوة والبطش، أو إقناع النظام السابق بصيغة تصالحية تنجيهم من العقاب، أو ذهاب الانقلاب برموزه ومشروعه كله.
ومن اليسير أن تكتشف في رسالة مرسي، وبالتحديد كلامه عن قادة الانقلاب، ارتفاع نبرة التكفير الوطني -إن جاز التعبير- وهي اتهامه لهؤلاء القادة بأنهم خانوا الوطن، وارتكبوا أفظع الجرائم في حق شعبه، وأنهم لا يستحقون الانتماء إلى مصر أصلا. وهي تهم فوق أن لها شهودا وعليها أدلة، فهي أهون من التكفير الديني الذي رفع الانقلاب لواءه ضد معارضيه.
يظهر كذلك من الرسالة أن المعلومات الإيجابية التي تصل إلى معتقلي الانقلاب عن مؤيديهم في الخارج والعكس، تؤدي إلى تبادل واضح للتأثير بين قيادات دولة مرسي وشخصياتها العامة وبين الثورة في الشوارع والمؤسسات المصرية، فثبات كل طرف يمد الآخر بطاقة نفسية تساعده على الاستمرار، برغم كم الأوجاع التي يعاني منها كل معتقل في محبسه، والأخطار التي يتعرض لها كل متظاهر ومعارض في داخل الوطن.
ويبدو أخيرا: شعور السطور السجينة، التي خرجت إلى الحرية دون أن يخرج صاحبها، بالأزمات والمشكلات التي تطرأ على صف مناهضي الانقلاب من وقت إلى آخر، وأن "الثوار الفاعلين على الأرض" -دون غيرهم- هم أصحاب الكلمة، وهم المرجع والأصل، لذا فهم أولى بأن يتجه "الرئيس" إليهم بالخطاب دون غيرهم.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.