العراق بعد عشرة أعوام على الحرب

العراق بعد عشرة أعوام على الحرب . الكاتب: عبدالجليل زيد المرهون

undefined

أولاً- مرحلة جديدة في العلاقات الأميركية العراقية 
 ثانياً- قضايا الدفاع والتسلّح
ثالثاً- معطيات الأمن الداخلي
رابعاً- العراق والرابطة الإقليمية

كيف يبدو العراق بعد عشرة أعوام على الغزو الأميركي عام 2003؟ أين تكمن مصالح الولايات المتحدة في عراق اليوم؟ ولماذا هي مستمرة؟ وماذا عن عودة العراق إلى الساحة الدولية والإقليمية؟

أولاً- مرحلة جديدة في العلاقات الأميركية العراقية 
 يُمكن القول إن الانسحاب العسكري الكامل للقوات الأميركية من العراق نهاية العام 2011، مثل لحظة تاريخية فارقة في العلاقات الأميركية العراقية، حرصت فيها الولايات المتحدة على التأكيد أن شراكتها مع بلاد الرافدين ستبقى ثابتة وقوية. و"هذا اليوم نؤكد من جديد رؤيتنا المشتركة المتمثلة في إقامة شراكة طويلة الأمد بين دولتينا" كما قال الرئيس باراك أوباما.

خرجت العلاقات الأميركية العراقية اليوم من حالة الحرب الباردة، أو الصراع العسكري السافر الذي سادها منذ خمسينيات القرن العشرين، لتدخل طوراً جديداً يمكن وصفها فيه بالعلاقة الإستراتيجية

وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن استقرار العراق يُمثل مصلحة بعيدة المدى، بل إن غياب هذا الاستقرار يُعد أحد أكبر مهددات الأمن الإقليمي. وقد خرجت العلاقات الأميركية العراقية اليوم من حالة الحرب الباردة، أو الصراع العسكري السافر الذي سادها منذ خمسينيات القرن العشرين، لتدخل طوراً جديداً يمكن وصفها فيه بالعلاقة الإستراتيجية.

وإضافة إلى اعتبارات الأمن الإقليمي، تتمثل إحدى مصالح الولايات المتحدة في ضمان التدفق المستقر للنفط العراقي. وكما تشير وكالة الطاقة الدولية، فإنه إذا لم يواصل الإنتاج العراقي النمو، أو لم يحقق هذا النمو مستوى الطموح، فسيؤدي إلى أضرار مؤكدة بسوق النفط العالمي.

واعتباراً من سبتمبر/أيلول 2012، بلغ معدل صادرات النفط العراقية 2.6 مليون برميل يومياً، وذلك لأول مرة منذ أكثر من عقدين من الزمن، وهو الآن قريباً من هذا المستوى.

وقد أضاف العراق 6500 برميل على  إنتاجه اليومي عام 2012، ليبلغ أكثر من 3.3 ملايين برميل يومياً في مارس/آذار 2013، وهذه أكبر زيادة من نوعها في غضون ثلاثة عقود.

ثانياً- قضايا الدفاع والتسلح
وعلى صعيد ثالث، يُمثل التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة والعراق مصلحة مشتركة أميركية عراقية، وهي -من وجهة نظر بعض المحللين في واشنطن- مصلحة إقليمية لا غنى للاستقرار الإقليمي عنها.

وقد قطع العراق شوطاً ملحوظاً على طريق إعادة بناء قواته البرية، وشوطاً أقل على مستوى سلاحه الجوي، في حين ما زالت مساعيه أولية بالنسبة للسلاح البحري والدفاع الجوي. وفي ذلك كله، لعبت الولايات المتحدة دوراً أساسياً ما زال مستمراً بصور مختلفة. وتمثل واشنطن مبدئياً مصدر التسليح الرئيسي للقوات الأمنية والعسكرية العراقية، كما دخلت مع بغداد في برامج مختلفة على مستوى التدريب والإعداد العسكري والمناورات الحربية.

وبالنسبة للعراق ذاته، فإن الفرق بين الأمس واليوم على صعيد البناء الدفاعي، يتجلى بالدرجة الأولى في العقيدة السياسية للقوات المسلحة التي أريد لها أن تتجه وجهة دفاعية خالصة، وتكون في وئام مع شعوب المنطقة، بعيداً عن أي نزوع إلى الهيمنة أو العدوان.

وفي العام 2012، كان تعداد الجيش العراقي يبلغ نحو 300 ألف عنصر، بينما يبلغ إجمالي القوات العسكرية العراقية -بما فيها تلك التابعة لوزارة الداخلية- قرابة مليون عنصر.

وفي عام 2011، بلغ إجمالي الإنفاق العسكري العراقي 5.56 مليارات دولار، صعوداً من 3.58 مليارات عام 2010. وكان هذا الإنفاق قد سجل 1.72 مليار دولار عام 2006. واستورد العراق أسلحة ومعدات حربية بقيمة تزيد على 2.3 مليار دولار بين عامي 2008 و2012، وذلك وفقاً لقاعدة بيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.

وعلى صعيد التركيب القطاعي للواردات العسكرية العراقية بين عامي 2008 و2012، استورد العراق دبابات وآليات مدرعة بما قيمته 1.4 مليار دولار، وطائرات حربية بقيمة 636 مليون دولار، وسفنا حربية بقيمة 178 مليونا، وقطعا مدفعية بقيمة 81 مليونا.

تطوير قدرات الأمن الداخلي وتعزيز قوات حرس الحدود، لم ينهيا عمليات العنف الأعمى ضد المدنيين في عموم العراق، رغم انخفاضها النسبي

ثالثاً- معطيات الأمن الداخلي
على صعيد أمن العراق الداخلي، رأت الولايات المتحدة في عمليات العنف التي يتعرض لها خطراً محدقاً على الاستقرار الإقليمي، فضلاً عن تداعياته على مستقبل العراق ذاته. ولا ترتبط واشنطن باتفاقية ثنائية مع بغداد على صعيد قضايا الأمن الداخلي أو التعاون الأمني، إلا أن ذلك يجري تنظيمه من خلال اتفاقية الإطار الإستراتيجي الموقعة بين البلدين عام 2008.

وفي ظل معطيات أمنية ضاغطة، جرى اعتماد سلسلة من التطويرات على بنية وبرامج وزارة الداخلية العراقية بفروعها المختلفة، وارتفع عدد العناصر الأمنية العاملة فيها ليصل إلى 650 ألف عنصر أواخر العام 2011، لتغدو هذه الوزارة الأكبر من نوعها على صعيد  الوطن العربي.

بيد أن تطوير قدرات الأمن الداخلي وتعزيز قوات حرس الحدود، لم ينهيا عمليات العنف الأعمى ضد المدنيين في عموم البلاد، رغم انخفاضها النسبي اعتباراً من أواخر العام 2007. وقد حدث هذا الانخفاض بفعل تطويرات عديدة أدخلت على أداء قوات الأمن العراقية التي باتت أكثر جاهزية، وكذلك بفعل الدور الذي لعبته تشكيلات الصحوة الشبه العسكرية.

ولكن لماذا عاد العنف ناشطاً في عراق اليوم؟
 هناك أسباب كثيرة لهذه العودة، منها الانتشار الكثيف للأسلحة الفردية بين السكان، وحيازة العديد من المجموعات على أسلحة متوسطة متقدمة. ومن الأسباب الأخرى، استعادة بعض الجماعات المسلحة لخلاياها النائمة، وتجدد فرص التمويل والإمداد لديها.

وقد باتت أعمال العنف الأعمى موجهة بدرجة أساسية نحو العاصمة بغداد، حيث إن استهدافها يُمثل ضرباً لقوام الدولة السياسي والوطني. وبالطبع، ليس صحيحاً القول إن العنف الذي يستهدف البلاد يأتي في إطار نزاع طائفي، أو حسابات سياسية داخلية تهدف إلى إزاحة قوى بعينها.

وكما يلحظ الجميع، فإن ضحايا العنف الأعمى الذي يضرب الوطن، هم في غالبيتهم العظمى من المدنيين الذين يقتلون في الشوارع والأسواق والمدارس ودور العبادة، وهم يشكلون أهدافاً سهلة لدى الجماعات التي لا غاية لها سوى إيقاع أكبر عدد من الضحايا، وإظهار هذا الوطن في صورة الدولة المضطربة.

وأياً يكن الأمر، هناك اليوم الكثير مما يجب عمله على صعيد متطلبات الأمن الداخلي في العراق، وربما تكون المؤسسات المعنية قد قطعت شوطاً مهماً على هذا الطريق، وقد تكون لديها العديد من التصوّرات في الاتجاه ذاته.

ورغم ذلك فإن جوهر الأمن الوطني يبقى مرتبطاً -على نحو وثيق- بالخيارات والمفاهيم ذات الصلة بالعيش المشترك في هذا الوطن، وقبول بعضنا الآخر، والاعتراف بخصوصياته الاجتماعية والثقافية، والتعامل معه كشريك في الوطن، لا آخر ثقافي أو عرقي.

وهنا، تبدو ضرورة أن نتحلى جميعاً بمنطق الاعتدال، ونرفض التطرف الفكري والنزعات الفئوية والجهوية التي تقسم مجتمعنا وتمهد للاقتتال الأهلي فيه، بل وتهدد الوطن في أصل كيانه ووجوده.

اليوم وبعد عشرة أعوام على حرب عام 2003، لم يعد من المفيد النظر إلى العراق باعتباره طرفاً غير معني بأمن الخليج واتجاهاته

رابعاً- العراق والرابطة الإقليمية
على صعيد السياسة الخارجية، نجح العراق في الدفع باتجاه توطيد روابطه على المستوى الدولي، وأمامه جملة تحديات على المستوى العربي. أما على صعيد دول الجوار المباشر، فثمة تفاوت واسع في المعطيات القائمة.

وكانت الولايات المتحدة قد ساعدت على إلغاء مجلس الأمن الدولي معظم العقوبات المفروضة على العراق بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وأياً يكن الأمر فثمة ضرورة لا جدال فيها لعودة العراق إلى محيطه الإقليمي والدولي ومشاركته الفاعلة فيه.

ولهذه المقولة وجهان، يرتبط الأول بالعراق ذاته، ويتصل الثاني بعموم الأسرة الدولية، لاسيما دول الإطارين القومي والإقليمي التي تقع عليها مسؤولية الانفتاح على بلاد الرافدين.

كذلك، فإن الأمن الإقليمي يصعب تصوّره بعيداً عن دور عراقي إيجابي وبناء. وهذه حقيقة ترتبط بالأمن القومي العربي عامة، وأمن الخليج على وجه خاص، وذلك لكون العراق دولة خليجية بمعايير الجغرافيا، والتداخل الأسري، والتفاعل الاجتماعي والثقافي، وفضاء الأمن والدفاع، والجغرافيا السياسية التاريخية.

اليوم، وبعد عشرة أعوام على حرب عام 2003، و23 عاماً على حرب الخليج الثانية، و33 عاماً على الحرب العراقية الإيرانية، لم يعد من المفيد النظر إلى العراق باعتباره طرفاً غير معني بأمن الخليج واتجاهاته.

وربما تكون بعض دول المنطقة راغبة في رؤية إطار أمني يجمع العراق ودول الداخل الخليجي، أي أقطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وربما لا تزال الولايات المتحدة تدعو إلى مثل هذا الخيار وتؤكد عليه، وهذا هو الأرجح، أو هو الذي يُمكن استنتاجه على الأقل من التصريحات الأميركية المختلفة.

وعلى نحو مبدئي، هناك ثلاثة خيارات يُمكن لدول الخليج أن تعتمد واحداً منها في مقاربتها للعلاقة الأمنية مع العراق:

يتمثل الخيار الأول في تبني شكل من أشكال توازن القوى بين الطرفين. بيد أن هذا الخيار لا يبدو راجحاً، ذلك أن التوازن الذي قد يعمل على تشكيله لن يكون حقيقياً لا في المفهوم الحسابي، ولا من حيث المضمون الإستراتيجي. ولا يبدو أن دول الخليج في وارد السير باتجاه هذا الخيار رغم كل برامج التسليح القائمة فيها.

الخيار الثاني يتمثل في ضم العراق إلى الاتفاقيات الأمنية والدفاعية المشتركة القائمة بين أقطار مجلس التعاون الخليجي. وبطبيعة الحال، هذا خيار طموح يُمكنه إعادة رسم البيئة الإستراتيجية للخليج، أو لنقل سيدخل معه أمن الخليج مرحلة إعادة التعريف الإستراتيجي. وفي تطوّر كهذا، سيغدو النظام الإقليمي الخليجي أقل توتراً وأكثر قدرة على تجاوز الهزات.

إن هذا الخيار لن يمنع نشوب حرب بين العراق وأي من دول مجلس التعاون الخليجي فقط، بل كذلك بين هذه الدول وإيران. ورغم ذلك، فإن مثل هذه المقاربة لا تزال تعترضها صعوبات سياسية مختلفة.

النظام الأمني يخلق الثقة المتبادلة، ويحاصر التوترات الكامنة أو الظاهرة، ويحول دون اندلاع الحروب، ويضع المنطقة على طريق الاستقرار الإقليمي

الخيار الثالث لمقاربة العلاقة الأمنية بين العراق ودول الداخل الخليجي، يتمثل في بلورة نظام أمني محدد تنظم في إطاره تفاعلات الأمن بين الطرفين. وهنا، يبرز مفهوم "الأمن المنسّق" باعتباره خياراً واقعياً بالمعيارين السياسي والإستراتيجي.

إن هذا النظام الأمني يخلق الثقة المتبادلة، ويحاصر التوترات الكامنة أو الظاهرة، ويحول دون اندلاع الحروب أو الاشتباكات العسكرية، ويضع المنطقة على طريق الاستقرار الإقليمي.

وما يُمكن قوله خلاصةً بعد سنوات عشر على حرب العام 2003، أن العراق قطع شوطاً مهماً على طريق بناء ذاته وكيانه، وأن معطيات الأمن الداخلي -مهما بدت ضاغطة- لا تغيّر من حقيقة أن الدولة استعادت زمام المبادرة، وأضحت هي وحدها من يحدد وجهة البلاد وطريقها.

كما أن الأسرة الدولية -سيما دول الجوار العربي- معنية اليوم بتعزيز تفاعلاتها التعاونية مع العراق على المستويات كافة، وهذا هو الوجه الطبيعي للحياة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.