أدبيات الإصلاح بخطابات المعارضة لملك الأردن

أدبيات الإصلاح بخطابات المعارضة لملك الأردن

undefined

الرسائل.. من أين؟.. ولماذا؟
رسائل تحذير.. "حتى لا نكون تونس أخرى"
الفساد.. الشبح المطارد
تشكيل الحكومات
ما بعد الرسائل.. البحث عن الأمل

من أبرز ما عرفه الأردن ويعرفه عبر تاريخه لجوء المعارضة السياسية لتوجيه رسائل للملك إما سرية مباشرة، وإما مفتوحة ومنشورة في وسائل الإعلام، وهو أسلوب عرفه الأردن بشكل واسع عقب عودة الحياة الديمقراطية عام 1989 وحتى الآن.

وتنشط الرسائل الموجهة للملك من رموز المعارضة بشكل شخصي، أو من خلال مؤسسات وأحزاب في مفاصل سياسية محلية وإقليمية، وفي العقد المنصرم تلقى الملك عشرات الرسائل التي تأخذ صفة "النصيحة"، والمطالبة بتدخل ملكي مباشر لتعديل قرارات ومواقف اعتبرها أصحاب الرسائل خاطئة وتضر بالبلاد وبنظام العرش، وتؤثر سلبا على استقرار الأردن الداخلي وتمس مساسا مباشرا بمؤسسة العرش.

وعلى الرغم من أن كل تلك الرسائل تستند في مضامينها وصياغاتها إلى التأكيد على المرجعية الملكية والولاء للعرش، فإن بعضها خاصة في مرحلة "الربيع العربي والاحتجاجات الشعبية" تحولت لاستخدام مضامين جديدة لم تكن معهودة من قبل في مثل هذا النوع من الرسائل،  إذ استخدمت لغة أقرب إلى المباشرة في مخاطبة الملك بلغة لا تخلو من القفز على قواعد البروتوكول في مخاطبة العرش، أو ما تعود الأردنيون عليه في مثل هذا النوع من الرسائل.

في الرسائل الأخيرة التي وجهت للملك من أحزاب وحراكات شعبية، فإن مضمون تلك الرسائل أصبح يمس مباشرة مؤسسة العرش

ويلاحظ تماما أن مرحلة الاحتجاجات الشعبية في المملكة قد أثرت على مضامين تلك الرسائل، بعد أن تخطت حالة "الرجاء" إلى حالة "المطالبة".

وفي الرسائل الأخيرة التي وجهت للملك من أحزاب وحراكات شعبية، فإن مضمون تلك الرسائل أصبح يمس مباشرة مؤسسة العرش، ويحذر من "سقوطها" ومن تعرضها لما تعرضت وتتعرض له أنظمة عربية أخرى في المنطقة.

وهذه لغة جديدة لم تكن أدبيات الرسائل في مرحلة ما قبل "الربيع العربي" تستخدمها، وتتكئ عليها، وهو ما يشي بأن نوعا من "الجرأة غير المسبوقة" فرضت نفسها على لغة ومضامين تلك الرسائل التي ساعدها في ذلك مرحلة الحراك الشعبي الأردني الذي رفع كثيرا من سقف مطالبه وصولا إلى المطالبة من الملك مباشرة التخلي عن جزء من صلاحياته الدستورية ومنحها للشعب عبر مجلس النواب.

الرسائل.. من أين؟.. ولماذا؟
وللحقيقة فإن جهات عديدة لجأت في معظم الأحيان لتوجيه رسائل مباشرة للملك، سواء من شخصيات مستقلة على نحو المهندس ليث شبيلات، أو نقابات كنقابة المحامين، أو من أحزاب مثل الرسائل التي وجهتها مؤخرا ثلاثة أحزاب هي حزب جبهة العمل الإسلامي وحزب الوسط الإسلامي وحزب الجبهة الأردنية الموحدة، أو من أطر شعبية محسوبة على الحراك الشعبي الأردني وفي مقدمتها الرسالة التي وجهتها الجبهة الوطنية للإصلاح، ورسالة الحراك الشعبي الذي يضم 28 حراكا مناطقيا ممثلا لمختلف محافظات المملكة.

وتحمل تلك الرسائل مضامين ومطالب تتعلق بضرورة التوجه المباشر لإقرار الإصلاحات السياسية التي تتمثل في مجملها بتعديل الدستور، وإقرار قانون انتخاب عصري، وتأجيل الانتخابات النيابية، والتوجه الجاد لمحاربة الفساد، وإعادة النظر في آلية تشكيل الحكومات، ومعالجة الفقر والبطالة والمديونية المرتفعة، واتخاذ مواقف أكثر وضوحا تجاه العلاقة مع المحيط العربي، واستعادة أملاك الدولة التي تمت خصخصتها، ومحاكمة المسؤولين عن برنامج التحول الاقتصادي بما في ذلك برنامج الخصخصة، وإصلاح جهاز الدولة الإداري، وإصلاح القضاء.

رسائل تحذير.. "حتى لا نكون تونس أخرى"
إن تلك المطالب السابقة تكررت بشكل لافت في الرسائل التي بدأت تصدر مباشرة إلى القصر بعد الحراك الشعبي مطلع عام 2011، إلا أن أبرز ما حملته التحذير المباشر لمؤسسة العرش من تكرار النموذج التونسي، ففي الرسالة الأبرز التي وجهها المعارض ليث شبيلات للملك مطلع ذلك العام قال بوضوح "حتى نجنب المملكة وعرشها ما جرى في تونس"، وكان ذلك في إطار تبريره لتوجيه رسالته إلى الملك.

وقال شبيلات في رسالته إن "البلاد تحتمل وبشكل صحي جداً أن يسقط رؤساء وزارات بعد أن يعطوا ما عندهم ثم يولوا إلى غير رجعة، ولكنها لا تحتمل تغيير الملوك".

ويحذر فيها من تنامي الاحتجاجات الشعبية من الشعارات الاقتصادية وصولا إلى رأس النظام قائلا "عندما ينفجر الشارع فإنه سينتقل خلال أيام من شعارات اجتماعية اقتصادية إلى الشعارات السياسية ثم إلى النظام، ثم إلى رأس النظام!".

كانت رسالة شبيلات للملك في شهر يناير/كانون الثاني 2011، ولم تكن شعارات ومطالب الحراك الشعبي تتجاوز في حينه المطالب الاقتصادية والاجتماعية والاحتجاج على مجلس النواب السادس عشر، ولم تكن مطالب الحراك الشعبي قد وصلت في حينه إلى المطالبة بإصلاح مؤسسة العرش، والمطالبة بتخلي الملك عن بعض صلاحياته الدستورية، ولكن في منتصف 2012 وصلت شعارات وهتافات المحتجين في الشوارع إلى رأس الدولة مباشرة، في تطور واضح لسقف المطالب، وسقف الجرأة التي كان شبيلات قد حذر من الوصول إليها قبل نحو عام ونصف  العام.

ليث شبيلات:
إنْ اختار الشعب رؤساء وزاراته تحمَّل هو المسؤولية، وبقي الملك حفظه الله فوق المسؤولية، يبدل الرؤساء حسب رغبة الشعب الذي هو سيدهم وليس عبدهم الذليل

وفي الرسالة التي وجهها الحراك الشعبي للملك مطلع أبريل/نيسان 2012 ووقعها 28 حراكا شعبيا يمثلون مختلف محافظات المملكة (12 محافظة)، حمَّل موقعوها مباشرة "النظام" المسؤولية عن الاعتقالات والممارسات الأمنية التي تعرض لها معتقلو الحراك قائلين "إننا نعتبر موقف النظام تواطؤا وانحيازا لقوى الفساد ضد قوى الإصلاح أو عجزا عن لجم المفسدين والديناصورات.. وكلاهما خطير".

وتختم تلك الرسالة بقولها "إن الإصلاح ومحاربة الفساد يقترن بإرادة حقيقية من رأس النظام"، مذكرة بوضوح بما آلت إليه الأنظمة في تونس وليبيا ومصر، ولافتة إلى أن "تحقيق كل المطالب الإصلاحية الشرعية هو ضرورة حتمية لازمة لا مفر منها ولا مهرب، لأن نتيجة الهروب من إرادة الشعوب باتت واضحة لكل من أراد أن يتعظ بغيره".

الفساد.. الشبح المطارد
لعل من أبرز ما تضمنته معظم الرسائل المفتوحة الموجهة للقصر من شخصيات مستقلة أو أحزاب أو حركات شعبية هو تركيزها على محاربة الفساد ومحاكمة رموزه، وتأتي في مقدمة تلك الرسائل الرسالة الشهيرة التي وجهتها النائبة السابقة وأكثر نساء الأردن معارضة توجان فيصل مبكرا في شهر مارس/آذار 2002 ضد رئيس الوزراء آنذاك المهندس علي أبو الراغب.

واتهمته فيصل في رسالتها بـ"نهب الأموال العامة بوسائل لا تعد ولا تحصى" موردة تفاصيل كثيرة عن قضايا رأت فيها تجاوزا للدستور ولحقوق المواطنين، داعية الملك لاتخاذ قرار بعزله "باعتباركم ملكاً لمملكة دستوريّة معاصرة لا تسمح بهذا القدر من خرق الدستور والعودة بالبلد إلى العصور الوسطى".

وفي تصريحات لها لاحقا في شهر مارس/آذار 2012، طالبت توجان فيصل الملك مباشرة بإعادة أراضي الدولة المسجلة باسمه إلى خزينة الدولة باعتبارها حقوقا للأردنيين، داعية لمحاربة الفساد ومحاكمة المتهمين به.

الملاحظ في خطاب الحراكات الشعبية أنها بدأت تتحدث بوضوح عن عدم توفر الإرادة السياسية العليا لمحاربة الفساد

لقد تحولت مطالبة الدولة بمحاربة الفساد وإحالة المتهمين إلى القضاء إلى أحد أبرز مطالب الحراك الشعبي الأردني الذي لم يتوقف فقط عند هذه الحدود، بل لجأ لنشر أسماء أشخاص يرى أنهم فاسدون وتجب محاكمتهم، لكن من الملاحظ في خطاب الحراكات الشعبية أنها بدأت تتحدث بوضوح عن عدم توفر الإرادة السياسية العليا لمحاربة الفساد.

وقالت الجبهة الوطنية للإصلاح التي يرأسها رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات في الرسالة المفتوحة التي وجهتها للملك "نحن لسنا ناصحين ولكننا مُذكرين.. فقد توصلنا إلى قناعة واحدة فقط: وهي أن الشعب خارج التفكير والتقدير في ظل استشراء الفساد والانفراد والاستبداد، فإن كانت بطانتكم بكل تلاوينها قد رسخّت هذا الفهم الخاطئ والقاصر والفاسد والتي مارسته قيادةً وإدارةً بنصح غير أمين وآمن وبشكلٍ مُضلل ودفعت بالبلاد إلى هذا الوضع المتفاقم والمأزوم، سياسياً واقتصاديا وأمنياً واجتماعيا، فإننا نطالبكم بإعادة النظر بهذه البطانة".

تشكيل الحكومات
ظلت مشكلة آلية تشكيل الحكومات أحد أبرز المطالب السياسية التي وردت في رسائل "النخبة" المفتوحة الموجهة للملك، وموضوع الانتقاد الأكثر حضورا فيها، وعبر أكثر من عقد مضى سبق الربيع العربي والحركات الاحتجاجية الأردنية، فإن هذا الملف بقي أكثر الملفات حضورا في خطاب المعارضة الأردنية، والأكثر أولوية في المطالب المتعددة التي تطورت في العقد الأخير بشكل ملحوظ.

وفي رسالة ليث شبيلات للملك قال "إذا أصر جلالته على الاستمرار في نهج اختيار الحكومات ورؤسائها بحيث لا يشاور فيها أحداً ولا يدري المواطن متى ومن سيكون رئيساً قادماً للحكومة، فإن الشعب ليس غبياً ليعلم من المسؤول عن مصائبه إن تفجر الأمر لا سمح الله، وهنا تكمن المصيبة العظمى..".

وأضاف "إنْ اختار الشعب رؤساء وزاراته تحمَّل هو المسؤولية وبقي الملك حفظه الله فوق المسؤولية، يبدل الرؤساء حسب رغبة الشعب الذي هو سيدهم وليس عبدهم الذليل، وإن انفرد الملك بتكليفهم دون شورى حقيقية راسخة فلا يوجد إلا مختل عقلياً لا يعرف أين تقع المسؤولية عندما يعجز الرؤساء عن إطعام الشعب ويستمرؤون إهانته واضطهاده".

وركزت رسالة الجبهة الوطنية للإصلاح في رسالتها المفتوحة للملك على هذا المحور الرئيسي من مطالب المعارضة الأردنية قائلة "إن خروج الأردن من هذا الوضع المتردي يتطلب إرادة سياسية ذات قرارات جوهرية جريئة، يتقدمها.. حكومة إنقاذ وطني متوافقة مع حراك الشارع المتصاعد".

الأيام القادمة لا تشي بمعطيات إيجابية قد تساهم في ترطيب الأجواء الداخلية في الأردن، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة

وأشارت إلى أن الشعب هو مصدر السلطات دستورياً والمعني أولاً بالحفاظ على الوطن ونظامه الدستوري المنتمي، وأنه "بات لا يحتمل سلب إرادته باتخاذ القرارات التي تُولد الأزمات، ولا يمكن التعامل معه بطريقة الرياضيات وأرقام الحسابات لأنه فوق كل الأرقام والحسابات وكل البطانات والحكومات".

ورأت أن "التعامل مع الشعب بعيداً عن إشراكه في صناعة قراراته وصنع مستقبله الدستوري هو تعامل لا يرقى إلى الفهم القيادي والشعبي الحقيقي ولا يُعَالج بالمسكنات.. فقد استفحل المرض العُضال وضقنا ذرعاً بالمسكنات وصُناع تلك المسكنات".

ما بعد الرسائل.. البحث عن الأمل
ليس من المتوقع أن تنتهي حالة اللجوء للقصر عبر رسائل مغلقة أو مفتوحة للمطالبة بالتدخل لحل قضايا وملفات خطيرة، كما أنه ليس من الواضح إلى أي مدى قد تصل فيه سقوف المطالبين بالإصلاح السياسي، بعد أن وصلت إلى التعرض مباشرة للملك ولمؤسسة العرش.

إن الأيام القادمة لا تشي بمعطيات إيجابية قد تساهم في ترطيب الأجواء الداخلية بالأردن، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، فضلا عن حالة الشد والجذب السياسي التي من المرجح أن تطول في المستقبل المنظور، مما يضفي على أي استشراف لمستقبل الأردن نوعا من التجهم وفقدان الكثير من الأمل، خاصة إذا ما فشلت تجربة "الحكومات البرلمانية" التي سيقوم الأردن بتجربتها مجددا في شهر فبراير/شباط المقبل بعد انعقاد مجلس النواب السابع عشر الجديد، الذي سيجد نفسه مبكرا في مواجهة مفتوحة مع الشارع الذي سيطالب بحله، وسيرفع شعارات لا تعترف به ممثلا لها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.