فلسطينيو سوريا وقوارب الموت

فلسطينيو سوريا وقوارب الموت .الكاتب :علي بدوان

undefined

قانون المساواة
الطامة الكبرى
لا يلام في سعيه للهجرة

على الرغم من صمود "البقاء الاستثنائي" لعموم فلسطينيي سوريا في ظل الأزمة المعتملة في البلاد، ووقوع أكثر من 1800 شهيد من بينهم خلال مراحل الأزمة السورية حتى نهاية سبتمبر/أيلول 2013، فإن بعض المظاهر الخطيرة والمقلقة والمتعلقة بفلسطينيي سوريا بدأت تطفو على السطح.

ويظهر ذلك في ارتفاع معدلات المغادرة لأعداد كبيرة منهم نسبيا سوريا باتجاه بلاد الهجرة والاغتراب إلى أصقاع المعمورة الأربعة، تحت وطأة جسامة الأحداث الجارية والأخطار المحدقة بحياتهم في سوريا، فضلا عن تقطع السبل بهم، خصوصا بعد النزوح الكثيف لفلسطينيي بعض المخيمات والتجمعات، ومنها مخيم اليرموك المحاصر منذ فترة طويلة.

وكان المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) فيليبو غراندي أعلن مؤخرا خلال زيارته المنطقة "أن الحرب الدائرة في سوريا منذ أكثر من عامين تسببت بتهجير نحو ثلاثة أرباع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا من مخيماتهم".

فيليبو غراندي: الحرب الدائرة في سوريا تسببت بتهجير نحو ثلاثة أرباع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا من مخيماتهم، وهناك نحو 530 ألف فلسطيني سوري مسجلين في سجلات الوكالة بسوريا، نحو 70% إلى 80% منهم مهجّرون الآن، بسبب النزاع في البلاد

وأضاف "أن هناك نحو 530 ألف فلسطيني سوري مسجلين في سجلات الوكالة بسوريا"، مشيرا إلى أن نحو "70% إلى 80% منهم مهجرون الآن، بسبب النزاع في البلاد".

فكيف هو واقع الحال الآن؟ وما هي حقيقة تلك المسألة البالغة الخطورة التي تطل ولو بخفوت من داخل المجتمع الفلسطيني في سوريا في الوقت الحاضر، المجتمع الذي يعيش نكبة تلو نكبة؟

قانون المساواة
في البداية لابد من الإشارة إلى بعض المعطيات المهمة، حيث من المعلوم بأن أعداد فلسطينيي سوريا المسجلين في سجلات وكالة الأونروا وفي سجلات الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب والمقيمين في سوريا منذ عام النكبة 1948 قاربت مع بداية العام 2013 نحو 530 ألف مواطن فلسطيني، وهم ممن يطلق عليهم تسمية "فلسطينيي سوريا" الذين يخضعون للقوانين المدنية السورية باعتبارهم كالمواطنين السوريين حكما.

وتم ذلك إثر صدور التشريعات السورية النافذة بهذا المجال عندما بدأ اللجوء الفلسطيني إلى سوريا بعد الخامس عشر من مايو/أيار 1948، خصوصا "القانون/المرسوم" الرقم260 الصادر بتاريخ 10 يوليو/تموز1956 وهو القانون/المرسوم الذي تم إقراره بإجماع المجلس النيابي السوري حينها، ووقعه الرئيس السوري الراحل شكري القوتلي.

وتضمن التأكيد على المساواة التامة للاجئين الفلسطينيين الذين دخلوا سوريا قبل صدور القانون/المرسوم إياه، مع المواطن السوري من حيث الحقوق والواجبات ما عدا حقوق الجنسية والمتمثلة بالهوية السورية وجواز السفر السوري والمشاركة في الانتخابات النيابية والرئاسية.

ويضاف إلى فلسطينيي سوريا نحو مائتي ألف مواطن فلسطيني مقيم بسوريا من فلسطيني لبنان والأردن وقطاع غزة والعراق، وقد انخفضت أعدادهم خلال العامين الماضيين لتصل إلى نحو مائة ألف مواطن وفق تقديرات عدة جهات، منها الجهات الفلسطينية الرسمية، ووكالة الأونروا، وحتى بيانات الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب في سوريا.

وفي حقيقة الأمر، إن انعكاسات الأزمة السورية على فلسطينيي البلد كانت هي الأكبر عليهم من أي طرف أو جهة مناطقية في سوريا، فقد كانوا وما زالوا الضحايا المنسيين في مرجل غليان الأزمة السورية.

وقد تسببت العمليات العسكرية التي طالت مخيماتهم وتجمعاتهم بتوليد حالة نزوح وهجرة جماعية ضمن ظروف معيشية صعبة وقاهرة، وقد بات شتاتهم الجديد يتوزع على مختلف المناطق المحيطة أو القريبة من مدينة دمشق داخل البلد، وعلى قوس واسع من الدول والبلدان خارج البلد، وعلى الأخص منها لبنان، حيث تشير المعطيات إلى أن هناك نحو خمسين ألفا من فلسطيني سوريا فوق الأرض اللبنانية، وهناك نحو 5600 في الأردن، ونحو 6500 في مصر، وكذا ليبيا والسودان وتركيا.

الطامة الكبرى
لكن الطامة الكبرى تتحدد بأن الكتلة الكبرى ممن غادر سوريا من فلسطينييها هم من جيل الشباب، ومن أصحاب الكفاءات العلمية وخريجي الجامعات والمهنيين الذين باتوا في غربة جديدة في بلدان المغتربات والمهاجر البعيدة والممتدة من الدول الإسكندنافية إلى أستراليا ونيوزلندا وما بينهما حتى إلى الصومال وكمبوديا وجزر المالديف وماليزيا وروسيا، وإلى أكثر من ثلاثين دولة عبر العالم وصلوا إليها بسبب نيران الأزمة السورية التي أصابتهم في الصميم، في هجرة متتالية كل يوم دون جرس إنذار.

قوارب الموت التي حملت أعدادا كبيرة من فلسطينيي سوريا أدت لتوالد نكبات جديدة لفلسطينيي سوريا، وقد أدت لفقدان المئات منهم حتى الآن، وكان المرصد "الأورومتوسطي" قد كشف أن عشرات جثامين الفلسطينيين والسوريين ما زالت موجودة في حطام سفينة غارقة قبالة السواحل الإيطالية

والمصيبة هنا أن قوارب الموت التي حملت أعدادا كبيرة من فلسطينيي سوريا أدت لتوالد نكبات جديدة لفلسطينيي سوريا، وقد أدت لفقدان المئات منهم حتى الآن، وكان المرصد "الأورومتوسطي" لحقوق الإنسان، ومقره الرئيسي بجنيف، قد كشف النقاب عن أن عشرات جثامين اللاجئين الفلسطينيين والسوريين ما زالت موجودة في حطام سفينة ليبية غارقة قبالة السواحل الإيطالية.

وتشير الشهادات -التي جمعها المرصد الأورومتوسطي- إلى وجود أكثر من 450 شخصا على متن السفينة التي انطلقت من ليبيا.

وكانت مراسم تأبين قد أقيمت بالقرب من ميناء سان ليون جنوبي إيطاليا لعشرات من ضحايا غرق سفينتين يومي الثالث والحادي عشر من أكتوبر/تشرين أول2013، بينهم نحو 36 من اللاجئين الفلسطينيين من ضحايا السفينة التي غرقت يوم الثالث من أكتوبر/تشرين أول.

في هذا السياق، إن المئات بل عشرات الآلاف من فلسطينيي سوريا تمكنوا من دخول العديد من دول أوروبا الغربية وغيرها من البلدان بطريقتين:

– الطريقة الأولى قانونية أو شبه قانونية، على شكل دفعات أو موجات لم تكن جميعها على شكل هجرة مفتوحة لكل من يريد، بل كانت في إطار دعوات لمّ شمل أو أقارب، ومنها لبعض الحالات الخاصة التي ترشحها المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة، فضلا عن وجود تسهيلات ما ولو كانت بحدود معينة تم تقديمها من بعض الدول الإسكندنافية لدخول دفعات من اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا والراغبين في الانتقال إليها، وهذه التسهيلات تتم في معظمها من خلال الموافقات على الجمع العائلي أو اتباع طريقة "غض النظر" بدخول أعداد منهم عبر دول كروسيا وغيرها.

– الطريقة الثانية غير قانونية، حيث الباب كان وما زال مفتوحا مواربة أمام فلسطينيي سوريا للهجرة نحو أصقاع المعمورة، وخير دليل على ذلك ما يتم من هجرة لفلسطينيي سوريا عبر ميناء الإسكندرية على متن السفن باتجاه إيطاليا واليونان ومالطا وغيرها.

وقد وقعت حوادث خلال الشهر الماضي لمجموعات المهاجرين على تلك السفن أودت بحياة بعض فلسطينيي سوريا، وأصابت عدة عائلات كانت مغادرة على متن تلك السفن، فبعض من غادر منهم ساحات القتل والموت في مخيم اليرموك وجد نفسه على الساحل الأفريقي من الإسكندرية باتجاه سواحل إيطاليا ليموت هناك مع ارتطام وغرق بعض من تلك السفن.

لا يلام في سعيه للهجرة
وعليه، فإن أعداد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في سوريا والمقيمين في البلد باتت على أرض الواقع أقل من 350 ألفا، وهو مؤشر مقلق في حال تحولت الهجرة للمغتربات البعيدة إلى هجرة دائمة، فهناك الآن نحو مائة ألف فلسطيني سوري في المغتربات الأوروبية، وفي عموم البلدان البعيدة يتوقع أن تصبح هجرتهم دائمة، فضلا عن وجود نحو ستين ألفا في لبنان ومصر والأردن في إقامة مؤقتة إلى حين انتفاء حالة العنف في سوريا.

الفرق بين الفلسطينيين وغيرهم من الشعوب التي خرجت أو طردت من أوطانها بسبب الحرب، أن هؤلاء لم يفقدوا أوطانهم حيث إن رحلتهم إلى التيه ستبقى قصيرة، أما رحلة التيه الفلسطينية فمستمرة نكبة تلو نكبة، وهنا يكمن عمق المأساة

وفي هذا السياق، من الطبيعي القول إن ظاهرة الهجرات الاغترابية أمر طبيعي في معظم بلدان ومجتمعات العالم المستقرة وغير المستقرة في عموم المعمورة بما فيها البلدان الصناعية الكبرى في العالم، إلا أن حالات الاضطراب الداخلي في بعض البلدان تعطيها استثناء مغايرا قد يرفع من وتيرة تلك الهجرات الاغترابية ويجعل منها هجرات قسرية، لتصبح هجرات جماعية كما هو الحال بالنسبة لفلسطينيي سوريا.

إن فلسطينيي سوريا، وفوق الرحيل القسري لأعداد واسعة منهم يعانون الأمرّين، فالحرب -أي حرب- تنتج كوارث إنسانية تدفع الناس المنكوبين إلى الهروب من الموت والرحيل إلى المجهول، وبالأمس نزح ملايين من الشعب العراقي جراء الغزو الأميركي لبلادهم، وفي عام 2006 نزح مئات الآلآف من اللبنانيين جراء عدوان إسرائيل عليهم، واليوم مليون لاجئ سوري يغادرون بلادهم هربا من هول الحرب الداخلية والخارجية، وفي كل الحروب هناك لاجئون ومهجرون وضحايا وكوارث إنسانية.

الفارق بينهم وبين الفلسطينيين أن الشعب الفلسطيني أخرج من أرضه طردا واقتلاعا وترحيلا قسريا، بينما الآخرون لم يفقدوا أوطانهم، حيث إن رحلتهم إلى التيه ستبقى قصيرة، أما رحلة التيه الفلسطينية فمستمرة نكبة تلو نكبة، وهنا يكمن عمق المأساة.

أخيرا، ومع هذا وذاك، وكما أجمعت عموم الجهات الفلسطينية والمؤسسات المعنية بثقافة العودة وحق العودة في فلسطين والشتات "فإن عمق المأساة -التي تعرض ويتعرض لها فلسطينيو سوريا في ظل الأزمة العامة في البلاد- تدفعنا للقول وبحذر شديد"، "إن اللاجئ الفلسطيني من فلسطينيي سوريا لا يلام في سعيه للهجرة، وهي مقبولة وجيدة إن حصلت كحالات فردية، أما الموجات الجماعية التي تنقل مجموعات سكانية فإننا لا نحسن الظن بها".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.