علام اتفق كيري ولافروف في لقاء موسكو؟

علام اتفق كيري ولافروف في لقاء موسكو؟ - غازي التوبة - اتفاق كيري ولافروف حصيلة عام كامل من الكواليس والأحاديث والاتفاقات بين روسيا وأميركا، وجاء لتدمير الإسلاميين بالدرجة الأولى

 undefined

الخطط الإسرائيلية
الخطط الأميركية
 لقاء كيري ولافروف
الخلاصة

كانت الاتفاقات الثنائية بين الدول الكبرى في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين تقوم على التقسيم الجغرافي للبلدان، كما حدث في اتفاقية سايكس-بيكو بين وزيري خارجية فرنسا وإنجلترا اللذين اقتسما بلاد الشام والعراق بينهما أثناء الحرب العالمية الأولى عام 1916، واستمر هذا التقليد قائماً بين الدول الكبرى.

ولكنّه أخذ منحى آخر بعد الحرب العالمية الثانية، فاتجه إلى اقتسام النفوذ بالإضافة إلى اقتسام الأرض، أو الاتفاق على إجراءات معينة تحقق مكاسب للطرفين، كما حدث في اتفاق يالطا بين ستالين وروزفلت وتشرتشل في الفترة 4-11 فبراير/شباط 1945.

بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت إسرائيل وأميركا من أبرز اللاعبين في منطقتنا العربية، لذلك رسمت إسرائيل عدة خطط من أجل مواجهة محيطها العربي والإسلامي، كما رسمت أميركا خططاً للتعامل مع العالم العربي. وسنستعرض بعض هذه الخطط الإسرائيلية والأميركية، كما سنستعرض اتفاق كيري-لافروف في موسكو يوم 7 مايو/أيار 2013، وسنبين مكانه ودوره في تنفيذ هذه الخطط.

الخطط الإسرائيلية
من الواضح أن إسرائيل دولة غريبة عن نسيج المنطقة الثقافي والاجتماعي والسياسي، وأنها زرعت بشكل اصطناعي، لذلك فهي حريصة على التفتيت الثقافي والتجزيء السياسي لكل مفردات المنطقة من أجل تمزيقها، وجعل دولتها (أي: إسرائيل) هي الأقوى والفاعل الأكبر في توجيه سياسات المنطقة. وقد اتضح ذلك في تحريضها لكثير من الأقليات العرقية والدينية على التمرّد والانفصال، كما حصل مع الأكراد في العراق منذ ستينيات القرن الماضي، ومع المسيحيين في لبنان في الثمانينيات، وكما حدث من تمزيق للسودان إلى دولة مسيحية في الجنوب وإلى دولة عرقية في الشمال.

بينت وثيقة نشرها مجلة كيفونيم في فبراير/شباط 1982 أن الدوائر الإسرائيلية الصهيونية أعدّت خطة لتجزيء مصر إلى دولتين: إحداهما قبطية في الجنوب والأخرى سنية في الشمال

أما في مجال التجزيء السياسي فقد تسرّبت عدّة وثائق من الدوائر الإسرائيلية، أهمها: الوثيقة التي نشرها الصحفي الهندي كارانجيا ونشرتها الصحف المصرية عام 1957 حول خطط إسرائيل في تقسيم المنطقة وإنشاء دولة للدروز في جبل العرب، ودولة للعلويين في جبل العلويين، ودولة للمسيحيين في لبنان.

ومن أهمها أيضاً: الوثيقة التي نشرتها المجلة الإسرائيلية "كيفونيم" (ومعناها: اتجاهات) في فبراير/شباط 1982، إذ بينت أن الدوائر الإسرائيلية الصهيونية أعدّت خطة لتجزيء مصر إلى دولتين: إحداهما قبطية في الجنوب والأخرى سنية في الشمال، وأعدّت خطة ثانية لتجزيء العراق وبلاد الشام، وخطة ثالثة لتجزيء المغرب العربي، والرابعة لتجزيء الخليج العربي.

ومما يؤكد ما ورد في الوثيقة السابقة دفع المحافظين الجدد -وهم لوبي صهيوني- أميركا إلى غزو العراق وتفتيته ثقافياً وتجزيئه سياسياً، وكذلك الاضطرابات والانقسامات في الجزائر وموريتانيا والصومال وجيبوتي والسودان.

ومن الواضح أن ما نراه على أرض الواقع الآن من اضطرابات وانقسامات في السودان والعراق واليمن والصومال والجزائر وموريتانيا وجيبوتي، يؤكّد ما ذهبت إليه المجلة.

الخطط الأميركية
يعتبر برنارد لويس من أشهر المستشرقين الأميركيين ذوي الأثر في توجهات السياسة الأميركية، وقد تبنى الكونغرس مشروعاً قدمه له لويس عام 1983 يرتكز على فكرة شيطانية هي أن المسلمين أمة فاسدة مفسدة ولا تصلح معها أي حضارة.

ولذلك فإن حماية مصالح المعسكر الرأسمالي الغربي الذي أصبح تحت القيادة الأميركية من أية أخطار عربية أو إسلامية في المستقبل، تحتم تفكيك الوحدة البنائية الداخلية لكل الدول العربية والإسلامية إلى مجموعة من الدويلات والكانتونات العرقية أو العشائرية أو الدينية أو الطائفية أو المذهبية.

ويقول لويس إنه ينبغي دفع تلك الكيانات المجتزأة للدخول في عدة حروب بينية وصولاً إلى التدمير الشامل والمتبادل لبعضها البعض.

وقد تعرض في مشروعه إلى تقسيم شمال أفريقيا والعراق والجزيرة العربية واليمن وسوريا ولبنان والأردن وإيران وباكستان وأفغانستان، ووضع الخرائط المناسبة لكل تلك التقسيمات.

ومن المهم أن نتحدث هنا عن مصر في مشروع برنارد لويس الذي اقترح تقسيمها إلى أربع دويلات:
– إحداها "بدوية" عاصمتها العريش وتستحوذ على كل شبه جزيرة سيناء حتى الضفة الشرقية لقناة السويس وتكون تابعة لإسرائيل.
– والثانية "قبطية" عاصمتها الإسكندرية، وتستحوذ على الجزء الشمالي الغربي لمصر المتاخم للبحر المتوسط والحدود الليبية، والذي يمتد جنوباً حتى خط عرض 26 وشرقاً حتى خط طول 30.
– أما الثالثة فهي "نوبية" عاصمتها أسوان، وتستحوذ على الجزء الجنوبي لمصر المتاخم للحدود السودانية من أقصى شرقه إلى أقصى غربه، لينتهي شمالاً عند خط عرض 26، ويمتد جنوباً ليضم إقليم النوبة السوداني.
– ويتبقى إقليم جغرافي ضيق للدولة الرابعة وهي "مصر العربية الإسلامية" وعاصمتها القاهرة، وتستحوذ على الجزء الذي يحده البحر المتوسط شمالاً والبحر الأحمر شرقاً وخط عرض 26 جنوباً وخط طول 30 غرباً.

 لقاء كيري ولافروف
انعقد لقاء في موسكو بين وزيري الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف يوم 7 مايو/أيار 2013، واتفقا فيه على أمرين: أولهما إبعاد الإسلاميين عن تصدر قيادة الربيع العربي في مصر وسوريا وتونس وليبيا، والثاني تفكيك السلاح الكيميائي السوري.

البلورة النهائية للاتفاق تمت في قمة العشرين بسان بطرسبرغ بين بوتين وأوباما يوم 5 سبتمبر/أيلول 2013، ثم جاء وليد المعلم إلى موسكو وأعلن موافقة دمشق على تفكيك الكيميائي

وبالفعل بعد اللقاء تم إبعاد الإسلاميين من واجهة الائتلاف السوري، ودخلت كتلة العلمانيين برئاسة ميشيل كيلو إلى هذا الائتلاف، كما حصل إسقاط مرسي ومجيء السيسي يوم 3 يوليو/تموز 2013. فهل يكون هذا الإبعاد لمرسي بداية لتقسيم مصر كما ورد في خطة برنارد لويس؟ من المحتمل أن يحصل ذلك على ضوء ما يجري في سيناء من جهة، وعلى ضوء اللامعقولية في خطوات السيسي والعلمانيين نحو التيار الإسلامي من جهة ثانية، وعلى ضوء حدة الاستقطاب القائمة بين طرفي الشعب المصري من جهة ثالثة.

وقد تم الاتفاق بين الوزيرين كيري ولافروف لأن بوتين يعتقد أن أكبر خطر يأتي عليه من الإسلاميين، وقد وضح ذلك كيسنجر وزير الخارجية الأميركي الأسبق ومستشار الأمن القومي في حديثه مع شبكة سي.أن.أن الأميركية يوم 17 سبتمبر/أيلول 2013 رداً على سؤال حول حقيقة موقف موسكو وما يريده الرئيس الروسي، فقال "بوتين يعتبر أن الإسلام المتشدد هو التهديد الأمني الأكبر لبلاده، كما أنه لا يرغب في أن تستفرد أميركا بأمور الشرق الأوسط".

أما بالنسبة لتفكيك السلاح الكيميائي فقد بدأ الحديث عنه قبل عام من إعلان المبادرة الروسية يوم 14 سبتمبر/أيلول 2013، وذلك أثناء قمة العشرين لعام 2012 بين بوتين وأوباما، واستمر التحادث بينهما طوال العام الماضي.

ثم حدثت البلورة النهائية للاتفاق في لقاء قمة العشرين في سان بطرسبرغ بين بوتين وأوباما يوم 5 سبتمبر/أيلول 2013، ثم جاء وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى موسكو وأعلن موافقة دمشق على تفكيك الكيميائي من هناك. ثم اجتمع كيري ولافروف في جنيف يوم 14 سبتمبر/أيلول 2013 وأعلنا عن تفصيلات المبادرة الروسية والاتفاق عليها، وإعطاء مدة أسبوع لسوريا كي تعلن عن مخزونها الكيميائي، ثم اتجه الجميع إلى مجلس الأمن من أجل استصدار قرار يلزم دمشق بذلك.

والآن: كيف نتوقع أن يكون الحل في سوريا؟ من المرجح أنه لن يكون هناك تقسيم لسوريا نتيجة اتفاق كيري ولافروف، لأن إسرائيل راضية تمام الرضا عن قيادة أسرة الأسد للبلاد، وهذا الرضا هو الأصل في رضا روسيا وأميركا من جهة، ولأن إسرائيل تعتبر أن النموذج الطائفي الذي انتهت إليه سوريا بقيادة الطائفة العلوية نموذج مثالي يجب أن تحتذيه بقية الطوائف من جهة ثانية.

لذلك فالأرجح أن هذا الاتفاق سيكون تمهيداً للسيناريو اليمني في المنطقة عام 2014، إذ ستنتهي ولاية بشار في يوليو/تموز 2014، ويبقى الجيش الضامن لوضع الدولة والمحافظ عليها، وستأتي حكومة توافقية بين المعارضة والسلطة ذات صلاحيات كاملة هي التي ستقود البلاد.

يجب أن تتوحد المعارضة السورية على مختلف أطيافها، وأن تركز جميع الأطراف على هدف خلخلة النظام وإضعافه إلى أقصى حد، ليكون في أضعف حالاته عند الترتيبات النهائية لسوريا

من الواضح أن الخاسر الرئيسي من اتفاق كيري-لافروف هو الشعب السوري، وأن الرابح الرئيسي هو إسرائيل لأنه أزال الأسلحة الكيميائية من وجه إسرائيل، وهو ما عمل عليه الطرفان الأميركي والروسي، لكن أين ستقبض روسيا الثمن؟

على الأرجح أن روسيا ستقبض الثمن في الوضع المتقدم الذي ستأخذه في سوريا من جهة، وفي إزالة بعض الصواريخ المحيطة بها في الأراضي التركية وغيرها من جهة ثانية.

ما الذي يجب أن تفعله المعارضة السورية؟ يجب أن تتوحد المعارضة على مختلف أطيافها، وأن تركز جميع الأطراف على هدف خلخلة النظام وإضعافه إلى أقصى حد، ليكون في أضعف حالاته عند الترتيبات النهائية لسوريا.

الخلاصة
جاء اتفاق كيري ولافروف حصيلة عام كامل من الكواليس والأحاديث والاتفاقات بين روسيا وأميركا، وقد جاء لتدمير الإسلاميين بالدرجة الأولى، وقد اتضحت أولى تطبيقاته في مصر، فقد تمت إزاحة مرسي، ومصر الآن مرشحة للتقسيم إلى أربع دول حسب مشروع برنارد لويس عام 1983. أما تطبيقاته في سوريا فقد كان أولها تدمير الكيميائي لصالح إسرائيل، وثانيها التمهيد للسيناريو اليمني خلال الفترة القادمة. ومن الواضح أن الشعبين المصري والسوري هما الخاسران الأولان من هذا الاتفاق، وأن إسرائيل هي الرابح الأول منه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.