ماذا يجري في إريتريا؟

ماذا يجري في إريتريا؟

undefined

خلفية تاريخية
ملابسات احتلال وزارة الإعلام

قام جنود إريتريون يوم الاثنين 21 يناير/كانون الثاني بمحاصرة مبنى وزارة الإعلام الإريترية لعدة ساعات، وطالبو بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وتطبيق الدستور المجمد منذ إقراره في 1997, ولم يصدر أي تفسير لا من الحكومة ولا من هؤلاء الجنود لانسحابهم السلمي من المبنى والعودة إلى ثكناتهم. فما هي الخلفية السياسية لهذا الحدث؟ وما هي تأثيراته المستقبلية المحتملة على الوضع السياسي في إريتريا؟

خلفية تاريخية
نالت إريتريا استقلالها في مايو/أيار 1993 ولم تجر فيها منذ ذلك الوقت أية انتخابات عامة، ولم تعلن حكومتها خططا لإجراء مثل هذه الانتخابات. وتعد الحرب مع إثيوبيا في 1998-2000 نقطة فارقة في التاريخ السياسي للبلاد.

بسبب سياساتها الإقليمية، صارت إريتريا معزولة عن جيرانها وعن المجتمع الدولي, وحدثت عمليات انشقاق واسعة من قبل العديد من المسؤولين في الحكومة والحزب الحاكم

فعقب خسارتها، حدث أول انشقاق داخل التنظيم الحاكم (الجبهة الشعبية للعدالة والديمقراطية)، حيث طالب بعض قادة الجبهة أمثال محمود شريفو الذي كان وزيراً للحكم المحلي والرجل الثاني في الدولة من الناحية البروتوكولية، وهيلي ود تنسئ وزير الخارجية إبان الحرب الذي وقع على اتفاقية السلام مع إثيوبيا نيابة عن إريتريا في 2000، وبطرس سلمون الذي تقلد عدة مناصب مهمة بينها وزارة الدفاع وإدارة المخابرات، ومعهم عدد من كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين، طالبوا في رسالة علنية وجهوها لأعضاء الجبهة بتطبيق الدستور المجمد منذ إقراره من قبل المجلس الوطني في مايو/أيار 1997، وبتفعيل عمل مؤسسات الدولة بدلاً من انفراد الرئيس بممارسة السلطات كافة.

استغل الرئيس أسياس أفورقي انشغال العالم بأحداث سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة، وقام باعتقال أفراد هذه المجموعة الذين عرفوا بـ"الإصلاحيين" في 18 سبتمبر/أيلول 2001. والآن وبعد مضي أكثر من 11 عاماً لا تعرف الأماكن التي يحتجزون فيها، أو حتى ما إن كانوا أحياء أو أمواتا، لينضموا بذلك لقائمة تضم الآلاف من سجناء الرأي في البلاد. وشهدت نفس الفترة تعطيل الصحف المستقلة واعتقال الصحفيين العاملين فيها، ومنع دخول الصحافة الأجنبية إلى البلاد وطرد المراسلين الأجانب.

وصعّدت الحكومة التضييق على المواطنين، فجعلت العمل في الخدمة الوطنية غير محددة الآجال، مع أن القانون يلزم المكلف بالبقاء فيها ثمانية عشر شهراً فقط. ولم تلتزم الحكومة بما قرره القانون بأن الخدمة الوطنية تجب فقط على الفئة العمرية 18-40 عاما، فصارت تجند أشخاصاً تجاوزت أعمارهم الخمسين.

ونتج عن أسلوب تطبيق برنامج الخدمة الوطنية والممارسات القاسية المصاحبة له هروب عشرات الآلاف من الشباب، وتعرض المئات منهم للموت في الصحارى والبحار، وبسبب إطلاق الرصاص عليهم من قبل حرس الحدود الإريتري أو من قبل شرطة الدول التي يحاولون اجتياز حدودها. ومُنع السفر إلى الخارج حتى بالنسبة للأطفال في سن الخامسة، وتدهور الوضع الاقتصادي في البلاد.

وبسبب سياساتها الإقليمية، صارت البلاد معزولة عن جيرانها وعن المجتمع الدولي. وحدثت عمليات انشقاق واسعة من قبل العديد من المسؤولين في الحكومة والحزب الحاكم، كان آخرها انشقاق وزير الإعلام علي عبده المقرب من الرئيس أسياس أفورقي، والذي خرج من البلاد في مهمة رسمية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي ولم يعد مرة أخرى.

تسربت في الشهور الأخيرة معلومات عن وجود خلافات بين رئيس الدولة وقيادات كبيرة في الجيش الإريتري الذي قسمه الرئيس -بعد انتهاء الحرب مع إثيوبيا- إلى خمس مناطق عمليات عسكرية، وجعل لكل منطقة قائداً يتبع له مباشرة.

همش قرار الرئيس بتبعية قادة المناطق العسكرية له مباشرة دور وزير الدفاع وهيئة أركان الجيش، وخلق توترا بين القيادات العسكرية في البلاد. وعانى الجيش من مشاكل أخرى مثل تدني المرتبات وعدم إجراء أية ترقيات وسط صفوفه لما يقارب خمسة عشر عاماً، وهذا خلق حالة من التذمر؛ خصوصاً بين الرتب الوسيطة والصغيرة من الضباط. وفسر تجميد الرئيس للترقيات في الجيش بالخوف من أن تؤول القيادة إلى جيل لم يشارك في حرب التحرير، ويكون أكثر انفتاحاً ولا يدين لأفورقي بالولاء.

وجاء مرض الرئيس أفورقي وعدم قدرته في الشهور الأخيرة على أداء مهامه على النحو الكامل ليعزز من قوة الجناح الإصلاحي في الجيش على الأقل من الناحية المعنوية، وليصعّد من ناحية أخرى صراعاً خفياً على خلافته.

وقد جاء حادث احتلال مبنى وزارة الإعلام الإريترية في ظل تصاعد الضغوط الدولية على الحكومة الإريترية, فإلى جانب قرار العقوبات الذي اتخذه ضدها مجلس الأمن الدولي في ديسمبر/كانون الأول 2009، اتخذ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بالإجماع في يوليو/تموز الماضي قراراً بتعيين مقررة خاصة لأوضاع حقوق الإنسان في إريتريا.

ويفترض -في ظل رفض الحكومة الاعتراف بها- أن تقدم المقررة تقريرها الأول إلى المجلس في دورته التي ستعقد بجنيف في يونيو/حزيران القادم، مما قد يصعّد التوتر بين الحكومة الإريترية والمجتمع الدولي.

من المحتمل أن يتم اتفاق بين جناحي الجيش على التضحية برئيس الدولة في حال إصراره على رفض إجراء الإصلاحات المطلوبة، وقد يكون هذا هو الخيار الأقل كلفة للبلاد

دلالات احتلال وزارة الإعلام
أ- قد يكون الجنود الذين احتلوا وزارة الإعلام يمثلون وحدات كبرى تطالب بالإصلاح أرادت -من خلال هذه العملية المحدودة- إظهار قوتها وجديتها في الذهاب إلى مدى أبعد من أجل ضمان تحقيق مطالبها بالإصلاح. ويعزز هذا الرأي انسحاب الجنود السلمي دون أن تعترضهم القوات التابعة للرئيس.

ب- أن يكون التيار الإصلاحي وسط الجيش أراد كسب المزيد من الوحدات العسكرية إلى جانبه وضمان التفاف الشعب حوله، من خلال تقديم برنامج مبسط يمكن أن يكون محل إجماع. ويمكن اعتبار اختيار الضابط صالح عثمان ليقود عملية حصار مبنى وزارة الإعلام -وهو الذي يعد بطلاً وطنياً لقيادته عملية الدفاع عن ميناء عصب إبان الحرب مع إثيوبيا في 2000، ورفضه أوامر أسياس بالانسحاب من الميناء- استثمارا سياسياً لرصيد الرجل وسط الجيش لصالح عملية الإصلاح.

ج- أما انسحاب الجيش من محيط وزارة الإعلام فقد يفسر بتوصل ممثلين لهؤلاء الجنود إلى اتفاق مع رئيس الدولة أو من يمثله، بالاستجابة لمطالبهم أو على الأقل الوعد بدراستها.

ما حدث يوم الاثنين 21 يناير/كانون الثاني يعد مؤشراً على أن الأزمة السياسية في إريتريا وصلت إلى مرحلة اللاعودة، فإما أن يقدم رئيس الدولة تنازلات ترضي القيادات العسكرية المطالبة بالإصلاح السياسي، أو أن يستمر في مكابرته فيدخل البلاد في نزاع خطير، يمكن أن يهدد استقرارها واستقرار الإقليم برمته.

وهناك احتمال آخر، وهو أن يتم اتفاق بين جناحيْ الجيش على التضحية برئيس الدولة في حال إصراره على رفض إجراء الإصلاحات المطلوبة، وقد يكون هذا هو الخيار الأقل كلفة لبلد معزول ويواجه تحديات مصيرية داخلية وخارجية متصاعدة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.