هل سينجح الإبراهيمي حيث فشل أنان؟

هل سينجح الإبراهيمي حيث فشل أنان؟ عمر كوش

undefined

 

إعادة الإنتاج
حقيقة الأزمة
ممكنات النجاح
تعقيدات الأزمة

في ظل استمرار الأحداث الدامية في سوريا، واستمرار النظام السوري بالاحتكام إلى لغة العنف، والتغوّل في القتل والمجازر، وإغلاق باب السياسة، فإن مهمة المبعوث الدولي والعربي المشترك الأخضر الإبراهيمي، تبدو سائرة إلى طريق مسدود، وتعيد إنتاج مهمة سلفه كوفي أنان، ولو بتلاوين مختلفة، وبالتالي، فإن السؤال عما إذا كان السيد الإبراهيمي سينجح حيث فشل أنان، يمتلك وجاهة وأهلية، ذلك أن مسألة نجاح أي مسعى سياسي لحل الأزمة السورية، ترتبط بوجود معطيات وممكنات وحمولات تشي بذلك، ولا تتعلق بإمكانيات وخبرة شخص معين، سواء أخذ صفة ممثل أم مبعوث، دولي وعربي، وسوى ذلك.

إعادة الإنتاج
لعل ما يدعم نظرية إعادة إنتاج الإبراهيمي مهمة أنان، التي أعلن الأخير بنفسه فشلها وانسحب، هو مجمل الخطوات التي قام بها الإبراهيمي شخصياً، حيث تردد في البداية، ثم قبل المهمة وطلب دعم مختلف اللاعبين الدوليين، الذي رحبوا بتعيينه مبعوثاً خاصاً، وأعلنوا دعم مهمته، كل حسب فهمه ورغبته واشتراطاته لحل الأزمة، فساسة روسيا الاتحادية رحبوا بالإبراهيمي، لكنهم اشترطوا عليه السير على أساس خطة أنان، واتفاق جنيف الذي توصلت إليه مجموعة العمل حول سوريا. طبعاً حسب قراءتهم للخطة وللاتفاق. أي أن الدبلوماسية الروسية أرادت القول للإبراهيمي لن تنجح إذا ابتعد عن موقفنا.

وفي ذات السياق رحبت إيران والصين بالمبعوث الدولي والعربي، وأعلنت كل منهما دعمها اللفظي له. أما دول الغرب، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية، فأبدت بدورها الاستعداد والجاهزية لدعم الإبراهيمي، وطالبت بمزيد من الإيضاحات حول مهمته. وكعادته رحب النظام السوري بالإبراهيمي، مثلما سبق وأن رحب بسلفه أنان وقبل نقاط خطته الست، لكنه لم ينفذ منها شيئاً، بل، عمل في اتجاه يعاكس الخطة تماماً ويفشلها.

في إطار إعادة إنتاج خطوات أنان، قابل الإبراهيمي وزراء خارجية وممثلين عن دول مجموعة الرباعية، وفي دمشق قابل نفس الشخصيات وسمع الكلام نفسه عن المؤامرة والسلفيين والمجموعات المسلحة

وفي حدود عملية إعادة إنتاج خطوات أنان، قابل الإبراهيمي وزراء خارجية وممثلين عن دول إقليمية، فيما سمي مجموعة الاتصال الرباعية، أو لجنة "المبادرة الرباعية"، التي انبثقت على خلفية دعوة الرئيس المصري محمد مرسي دولاً إقليمية لبحث انتقال آمن في سوريا، وذلك في محاولة منه لإعادة مصر إلى القضايا العربية. ولم ينس الإبراهيمي في طريقه الالتقاء بممثلي الجامعة العربية وأمينها العام، ولجنتها المعنية أسمياً بالأزمة السورية، والتي افتقدت فاعليتها، بل وغاب اسمها عن حقل التداول السياسي، مبدية عجزاً، يعود في أساس إلى عجز الجامعة العربية المعروف للقاصي والداني.

ولعل الإبراهيمي قابل في زيارته لدمشق نفس الشخصيات التي قابلت من قبله كوني أنان، سواء من طرف النظام، أم من طرف ما بات يسمى "المعارضة الداخلية" في مصطلح الأزمة السورية، وسمع الكلام نفسه عن المؤامرة والسلفيين والمجموعات المسلحة، وعن حق النظام الممانع في بسط سيادته على البلد، وسحق مجموعات الخارجين عن القانون والإرهابيين. وسمع كذلك كلاماً عن الحوار تحت "سقف الوطن"، وتحت استمرار استباحة الشبيحة وقطعات من الجيش مختلف الأحياء والمناطق السورية.

وفي جنوب تركيا، زار الإبراهيمي مخيمات اللاجئين في "أنطاكية"، وشدّ من أزر اللاجئين بكلام معسول، مفاده أنه لن يدخر وسعاً لإنهاء معاناتهم، وأنه في خدمة الشعب السوري، لكنه لم يقل شيئاً عن إمكانية إعادتهم إلى مدنهم وبلداتهم وقراهم التي هجّروا منها.

وكانت المفاجأة في مخيم "الزعتري" في الأردن، عندما استقبل أطفاله وشبانه الإبراهيمي بالحجارة والهتافات المنددة بزيارته، وطالبوه بمغادرة المخيم، والذهاب إلى المناطق المنكوبة في سوريا، للوقوف على حقيقة الوضع، ومطالبة النظام السوري بوقف جميع أعمال القتل والمجازر، والعمل على وقف قصف الطائرات والدبابات والمدافع للمناطق السكنية، ونقل صور الدمار والخراب إلى من كلفوه بالمهمة في المجتمع الدولي.

حقيقة الأزمة
لا أحد تخفى عليه حقيقة الأوضاع في سوريا، وخصوصاً المهتمين والمتابعين للشأن السوري. ولا أحد لم يشاهد صور المجازر والقتل والقصف والدمار، ولا يمكن إنكار حقوق الشعب السوري في الخلاص من نظام دكتاتوري، والعيش بحرية وكرامة، لكن هناك، في الداخل والخارج، من يجد مبررات لنهج القتل ويدعم ممارسات النظام.

وقد أصدرت أكثر من منظمة أممية بيانات وتقارير تصف أعمال القتل التي يرتكبها النظام بحق المحتجين السوريين بجرائم ضد الإنسانية، لكن العالم لم يفعل شيئاً لوقفها، فترك الشعب السوري يواجه آلة القتل منفرداً، الأمر الذي أعطى، ما يشبه الضوء الأخضر، للنظام في التغول في نهجه الدامي، حتى أن الإبراهيمي نفسه أبلغ الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي ووزراء اللجنة الرباعية، بأن "الأوضاع في سوريا غير إنسانية، وغير آدمية، وأن المساجد والكنائس تدمر".

غير أن وصف ما يجري في سوريا بأنه صراع بين طرفين، أو نزاع مسلح بين جيشين، فيه كثير من المخاتلة والتزييف، حيث إن حقيقة الوضع تتلخص في أن ما حدث منذ 15/3/2011 هو احتجاج ورفض شعبي واسع، تحول إلى ثورة قادتها جماعات الشباب النشطاء على سياسات ونهج النظام، وعلى الأزمات السياسية والاجتماعية العميقة، وعلى التمييز والتهميش والبطالة المقيمة، وعلى الإمعان في الإقصاء، والإيغال في مرتع الأزمات والخيبات.

رغم أن قوى النظام وأجهزته لم تقدم حلاً سوى القتل والاعتقال والملاحقة والعزل والتفرقة والتمييز والفصل والتهميش، بقي الحراك الاحتجاجي شديد الطهورية والسلمية إلى حدود غير مألوفة

لكن قوى النظام وأجهزته لم تقدم حلاً سوى القتل والاعتقال والملاحقة والعزل والتفرقة والتمييز والفصل والتهميش، ومع ذلك بقي الحراك الاحتجاجي -رغم القمع الهائل وأعمال القتل- شديد الطهورية والسلمية إلى حدود غير مألوفة في الحركات الشعبية الثورية، التي عرفها عصرنا الراهن، خاصة في الستة أشهر الأولى من الثورة.

ومع القتل الممنهج والمجازر المستمرة، اضطر سوريون لحمل السلاح للدفاع عن المتظاهرين السلميين، وللدفاع عن أنفسهم ومدنهم وقراهم، فتشكلت مجموعات مسلحة من منشقين عن الجيش النظامي ومدنيين، راحت تتصدى لهجمات الشبيحة واقتحامات وتنكيل أجهزة الأمن، وقصف قوات الجيش ووحداته الخاصة. ولا يمكن المقارنة بين أعمال الجيش النظامي والشبيحة وأعمال مجموعات "الجيش الحر" ولا بين تسليح الجيش وعتاده وعديده، وبين أسلحة وأعداد من يواجهه.

وخلال أكثر من ثمانية عشر شهراً ماضية، جرى التعويل على أكثر من صعيد، دولي وعربي، على نجاح المساعي السياسية والدبلوماسية، دون جدوى. ومع طول أمد الثورة، لم يتمكن النظام من إخماد جذوة الثورة المتقدة، بالرغم من الدعم اللامحدود من طرف إيران وروسيا. وفي نفس الوقت، لا يبدو أن هنالك في الأفق السياسي الدولي خياراً، يمكنه أن يفضي إلى الخروج السلمي من الأزمة السورية في المرحلة الراهنة، لذلك طُرحت مهمة كوفي أنان بوصفها الخيار السياسي الدولي الوحيد للخروج منها، وبعد فشله جرى تكليف الأخضر الإبراهيمي، الذي سيصطدم، بلا شك بتعنت النظام وحلفائه، وبالمماحكات والتعارضات بين مختلف اللاعبين الدوليين البارزين.

ممكنات النجاح
إذا كان الإبراهيمي يستند إلى خبرته الدبلوماسية في التعامل مع الأزمات الدولية، إلا أن المسألة السورية مختلفة عن سائر الأزمات الأخرى التي تعامل معها، ولن يجديه استناده إلى اعتماد دبلوماسية توافقية مرنة، تقضي بعدم وضع أي شروط مسبقة، يمكن أن يرفضها أي طرف في الأزمة وتعرقل سير مهمته، كونها دبلوماسية ترى أن تحقيق القليل من التقدم في الحل، ولو بشكل بطيء، أحسن من لا شيء، الأمر الذي يستلزم الأناة والصبر، وقراءة مختلف تضاريس الخارطة السياسية، الدولية والإقليمية، ومعرفة مختلف تدخلات القوى الإقليمية، بينما الأزمة في سوريا لا تحتمل إضاعة الوقت، وهي وإن تحولت إلى مسألة إقليمية ودولية، فإن أساسها ثورة شعب يريد نيل حريته والخلاص من نظام الاستبداد.

وتتجسد ممكنات نجاح الإبراهيمي في الشجاعة بالإقرار بأن مفتاح الحل هو رحيل النظام، والبدء الفوري بوقف القتل وأعمال العنف، أي وقف عمليات الجيش السوري وإعادة قطعاته العسكرية إلى أماكنها السابقة، والشروع فوراً بتطبيق مرحلة انتقالية بإشراف الأمم المتحدة، من دون مراوغة أو تأخير.

ويتطلب ذلك إقرار النظام السوري بأن لا حل أمنيا أو عسكريا للأزمة الوطنية العامة في سوريا، وأن تتوفر لديه الإرادة السياسية اللازمة لتجنيب البلاد مخاطر الاقتتال والدمار والمصير الكارثي. وهو أمر لا يتحقق إلا إذا توفر ضغط دولي كاف لتجنب مخاطر حرب إقليمية تهدد استقرار المنطقة، وتعود بالكارثة على شعوبها، التي من حقها العيش بكرامة وحرية، في ظل أنظمة ديمقراطية تعددية ومدنية.

تعقيدات المهمة
ما يعقد مهمة الإبراهيمي، ليس فقط تعنت النظام السوري والدعم الإيراني والروسي له، بل وجود قناعة لدى بعض الساسة في الدول الغربية الفاعلة، تفيد بأن لا أحد يمتلك مفتاح حلّ الأزمة في سوريا، الأمر الذي يشي بأن قوى المجتمع الدولي التي ساهمت في إفشال مهمة كوفي أنان، لن توفر الدعم اللازم لإنجاح مهمة الإبراهيمي، وبالتالي لن تتهيأ بيئة دولية داعمة له، إذا بقي الانقسام الدولي على حاله.

ما يعقد مهمة الإبراهيمي، ليس فقط تعنت النظام السوري والدعم الإيراني والروسي له، بل وجود قناعة لدى بعض الساسة في الدول الغربية الفاعلة، تفيد بأن لا أحد يمتلك مفتاح حلّ الأزمة

والواقع أن القوى الداعمة للشعب السوري، اكتفت حتى أيامنا هذه بتصريحات مسؤوليها وخطاباتهم اللفظية، الذين لم يذهبوا إلى أبعد من تشديد لهجة استنكارهم لدموية الوضع في سوريا، حيث مازال موقف الإدارة الأميركية حيال النظام السوري لم يقترن بالعمل على الإطاحة به، أو العمل بجد للبحث عن مخرج سلمي للأزمة السورية، لذلك، فإن تساؤلات عديدة تطاول مواقفها السياسية المعلنة، الداعمة لمطالب الشعب السوري، وافتراقها عن تقديم الدعم اللازم للثوار السوريين.

وتثار شكوك عديدة حول أسباب إحجام الإدارة الأميركية عن اتخاذ مواقف حازمة، كتلك التي اتخذتها حيال أزمات دولية أخرى، الأمر الذي يطرح مسألة اختلاف المعيارية في المواقف حول الأزمات الدولية، وخصوصاً في جانبها الأخلاقي الإنساني.

وتكثر في هذه الأيام المبادرات والتصريحات، وتحدث لقاءات واجتماعات حول المسألة السورية في عواصم عديدة، وينشأ عنها مجموعات عمل واتصال، ودعوات توحيد للمعارضة، مع وعود بالاعتراف بحكومة انتقالية تمثيلية، إلى جانب ولادة أفكار وأطروحات ميتة، مثل قيام مناطق عازلة للنازحين السوريين، وأخرى لحظر الطيران، لكن ذلك كله لم يحمل أية بوادر حقيقية لحل للأزمة.

وبالرغم من ذلك كله، فإن الثوار السوريين باتوا يعرفون تماماً أنهم وحيدون في الميدان في مواجهة النظام وآلته العسكرية والقمعية، وأن حسابات الدول الكبرى غير حساباتهم، وأجنداتها غير أجنداتهم، وبالتالي عليهم أن يقلوا الأشواك بأيديهم، وأن يوحدوا مجموعاتهم وقواهم لنيل الحرية والخلاص، لأن القوى الدولية الفاعلة لا يهمها عدد الشهداء والجرحى والمعوقين، ولا حجم الدمار والخراب الذي أصاب سوريا، بل إن بعضها تريد أن تدخل سوريا في نفق مظلم لا نهاية له، وأن تتدمر وتتفكك الدولة، وتصل إلى مرحلة شديد من الاهتراء والتعفن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.