هل من أصدقاء لنظام الأسد في الأردن؟

العنوان: هل من أصدقاء لنظام الأسد في الأردن؟

undefined

كشفت نتائج الاستطلاع الذي أنجزه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات حول اتجاهات الرأي العام الأردني نحو الأزمة السورية عن أن الأردنيين شبه مجمعين على تأييدهم للثورة السورية، وعلى تغيير نظام الحُكم في سوريا. بالمقابل، فإن هنالك شبه غياب كامل لتأييد نظام بشار الأسد.

إن هذه النتائج هي جزء من المؤشر العربي وهو استطلاع سنوي ينفذه المركز في الدول العربية، ويشمل قضايا اقتصادية واجتماعية وسياسية وموضوعات راهنة.

وقد تضمن في هذه السنة مجموعة أسئلة حول الأوضاع في سوريا كأهم قضية راهنة تشهدها المنطقة العربيّة (وكانت أسئلة العام الماضي حول الثورتين التونسية والمصرية).

يقوم في الإشراف عليه والإعداد له فريق من صفوة الخبراء والأكاديميين العرب الذين يقومون بإعداد الاستطلاع ضمن مواصفات علمية وأكاديمية وإحصائية راقية توازي معاييره في منشوراته وأوراقه البحثيّة ونشاطاته، تبدأ من عمليّة صياغة الأسئلة؛ وتحكيمها؛ واختبارها؛ وتدريب الباحثين الميدانيين وسحب عيّنات ممثّلة للمُجتمعات المُستطلعة؛ وانتهاءً بتحليل البيانات وإجراء الاختبارات الإحصائيّة لحساب الاتّساق في البيانات.

وتُبيّن نتائج الاستطلاع، الذي نُفذ على عينة ممثلة للمجتمع الأردني حجمها 1883 فرداً، وبهامش خطأ 2.5%، أن 82% من الرأي العام الأردني يرون أن الحل الأمثل للأزمة السورية يتمثل في رحيل نظام بشار الأسد، في ما يشير 3% من الأردنيين على أن الحل الأمثل هو القضاء على الثورة.

وبذلك تكون لغة الأرقام ميزاناً حقيقيّاً ومعبراً لتوجهات الأردنيين، وميزاناً تميل كفّته، وبوضوح، لمصلحة الثورة السورية والشعب السوري. المفاجئ ليس فقط وجود تيار كاسِح من الشارع الأردني يؤيد فكرة تغيير النظام، سواء أكان ذلك من خلال تنحي الرئيس السوري بشار الأسد، أو إسقاط نظامه بجميع الوسائل الممكنة أو عزله وتقديمه للمحاكمة؛ بل المفاجأة الكُبرى في هذه النسبة الضئيلة المُؤيّدة أو المُتعاطفة مع النظام السوري.

تُبيّن نتائج الاستطلاع أن 82% من الرأي العام الأردني يرون أن الحل الأمثل للأزمةِ السورية يتمثل في رحيل نظام بشار الأسد

إنّ وجود 3% فقط من الشارع الأردني تُعبر عن تأييدها للقضاء على الثورة وسحق فعالياتها، وتقبل بمفردات الخطاب الرسمي السوري، هي نسبةٌ ليست ذات دلالة، بل إنّه لا يعتد بها إحصائيّاً في علم العيّنات واستطلاعات الرأي، فهي تقع ضمن إطار هامش الخطأ المحسوب في هذا الاستطلاع.

وتكمن المفاجأة هنا في أنّه، ومنذ اندلاع التظاهرات السّلمية في سوريا التي تطالب بالتغيير ثم بإسقاط النظام، كان هنالك عدد من الكُتّاب الصحفيين في الأردن يكتبون لينبهوا أن هذه الاحتجاجات ليست أصيلة، بل هي مُنظّمة ومُخطط لها من جهاتٍ خارجية، وأنّها جزء من مؤامرة إقليميّة ودوليّة أدواتها تيارات الإسلام السياسي (من إخوان وقاعدة وسلفية جهادية وغير جهادية).

بالطبع، فقد أعاد بعضهم صياغة مواقفه من الربيع العربي بمجملِه بعد الثورة السورية، ووضعه في إطار مؤامرة أميركية إسلامية.

بل إن بعض السياسيين الكُتّاب في الأردن عبروا عملياً عن تأييدهم للنظام السوري، سواء أكان ذلك بالاستجابة إلى دعوات السفير السوري في الأردن، أو من خلال إصدار بيانات تُعبر عن تأييد مباشر أو شبه مباشر للنظام السّوري، وتنظيم وفود تؤم دمشق، وتلتقي بالمسؤولين، وتنبري للدفاع عن النظام السّوري وسياسته.

حتى أن بعض هؤلاء قد نظّموا وقفاتٍ احتجاجيّة واعتصامات تأييد مع النظام السّوري، مما أوحى ذلك بأنّ هنالك انقساماً شعبيّاً أردنيّاً نحو ما يجري في سوريا.

وهنا جوهر المفاجأة؛ فجميع هذه النشاطات والكتابات لم تُتَرجَم إلى تيار يؤيد النظام السوري ويدافع عنه، وإنّ التيار الطاغي في الشارع الأردنيّ هو التيار الذي أدار ظهره للنظام السوري، ويؤيّد مطالب الثورة السورية بتغيير النظام السياسي.

ليس متوقعاً من هؤلاء أن يعترفوا بأنّهم على هامش المزاج العام وأنّهم فشلوا في التأثير على الرأي العام الأردني الذي أخذ موقفا أخلاقيا مع الشعب السّوري ومعاناته، فإن أفضل ما يمكن أن يأتي به مؤيّدو النظام أمام هذه الأرقام، هو أنْ يتحوّلوا إلى خُبراء إحصاء وعينات ليشكّكوا بالنتائج ومدلولاتها ثم يَصلوا إلى نتيجة حاضرة أصلاً في جيوبهم، وهي مؤامرة أخرى تُحاك على النظام السّوري وسياساته. أي طرحهم لأسئلة مثل لماذا استطلاع الأردنيّين حول سوريا؟ ولماذا في مثل هذا الوقت؟ ولمصلحة من؟

يمكن المجادلة بأنّ مواقف الأردنيين نحو ما جرى في سوريا، وما زال يجري، قد تغيّرت بالتوازي مع التطورات التي شهدتها الثورة السورية لتصل إلى ما عكسته نتائج الاستطلاع

بالطبع، سوف يتناسى هؤلاء أن الاستطلاعات هي في جوهر عمل مراكز البحث والمؤسسات الأكاديميّة؛ بل إنّهم في سياق تغطية الشمس بغربال سيطالبون بدراسة جدوى علوم الاستطلاعات وأهميّتها، ومن أسسها، ولا ضير في إلغاء الإحصاء كأحد العلوم إذا كان هذا يؤيّد موقفهم. بالطبع، فلو كانت النتائج مغايرة ومؤيدة لمواقفهم لتحدّثوا عن أهمية الاستطلاعات وأكاديميّة وعلميّة من نفّذها.

على الرغم من عدم وجود دراسات واستطلاعات سابقة قامت برصد الرأي العام الأردني واتجاهاته نحو الثورة السورية أو نحو النظام السوري، والتغيّرات التي طرأت عليه في الرأي العامّ الأردنيّ منذ بدء التظاهرات، إلاّ أنّه يمكن المجادلة بأنّ مواقف الأردنيين نحو ما جرى في سوريا، وما زال يجري، قد تغيّرت بالتوازي مع التطورات التي شهدتها الثورة السورية لتصل إلى ما عكسته نتائج الاستطلاع.

فالرأي العام الأردني الذي تعاطف تلقائياً، وبحرارة، مع الثورات التونسية والمصرية واليمنية والليبية، وعَبّر عن مُساندة جياشة لمطالِب الشعوب هناك، ونظّم الاعتصامات المتتالية للتضامن مع شباب ميدان التحرير أو ساحة التغيير في اليمن، قد تريث قُبيل التعبير عن تعاطفه مع الثورة السورية، وتريث قبل تنظيمه لاعتصامات وتظاهرات تضامنية، بل كرس جهده الأول، وبالذّات في شمال الأردن، لإيواء واستضافة عائلات لجأت من درعا، بصفة خاصّة، وحوران، بصفةٍ عامّة، دون التعبير عن مواقف سياسية.

هذا التريث من المواطنين الأردنيين لم يكن نتيجة تثمينهم لدولة الديمقراطية وحقوق الإنسان التي يقودها بشار الأسد، وليس لأنّ الأردنيين يثمنون دولة العدالة الاجتماعيّة ومحاربة الفساد؛ فالأردنيون من أخبر الشعوب العربيّة بمدى ابتعاد النظام السوري، ومنذ عقود، عن أبسط قواعد الديمقراطية الإجرائيّة، أو احترام حقوق الإنسان؛ بل راكمت ذاكرة الأردنيين، وبشكل أشبه بالذاكرة القاموسية، قصصا عن انتهاك حقوق الإنسان التي تختلط فيها الدعابة السوداء بالحكايات المؤلمة والمركبة على حضور الإنسان السّوري وغياب حقوقه.

لقد كان الأردنيون يعرفون أن مبادئ دولة البعث قد انتهت منذ عقد أو أكثر، وسلّمت مقاليدها لتُصبح دولة "مخلوف" والفئة الحاكمة القائمة على انفتاح اقتصادي لا يعتمد التنافس

إنّ تريث الأردنيين لم يكن نتيجة لعدم معرفتهم بغياب النزاهة والشفافيّة عن النظام السوري، إذ إن تغلغُل الفساد في الدولة والنظام السوري كان مصدر تَندُّر وفكاهة لكل أردني عبر الحدود الأردنيّة السورية وقضى بضعة أيّام في الشام أو السّاحل السوري، بل إنّ اسم "رامي مخلوف" متداول بين الأردنيّين كتعبير عن تداخُل حلقات الأمن بالاقتصاد والسياسة في بناء نموذج سلطوي فاسد.

لقد كان الأردنيون يعرفون أن مبادئ دولة البعث قد انتهت منذ عقد أو أكثر، وسلّمت مقاليدها لتُصبح دولة "مخلوف" والفئة الحاكمة القائمة على انفتاح اقتصادي لا يعتمد التنافس؛ وإنّما القُرب من دوائر الحُكم وتوزيع الغنائم.

إن تريث الأردنيّين تجاه ما يجري في سوريا كان في واقعِه تعبيراً عن تعاطف مع النظام السوري نتيجة لمواقف الأخير السياسية تجاه قضايا الصراع العربي الإسرائيلي، ولدعمه لخط المقاومة والممانعة؛ ممثلاً بحماس وحزب الله.

فالرأي العام الأردني، ومنذ بداية تظاهرات درعا، لم يقبل باعتقال الأطفال، وكان يعلم بعدالة مطالب السوريين؛ إلاّ أنّه كان تواقاً لأن يقوم النظام السوري بمبادرة يستطيع فيها أن يخرج من عنق الزجاجة ليشكل نظاماً جديداً قائماً على مشاركة جميع المواطنين، ويؤسس لدولة جديدة تحفظ الكرامة للسوريّين، وتحافظ على التوجهات السياسية للدولة السورية فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي.

وعلى الرغم من كلّ الفرص التي أعطيت لبشار الأسد لتحقيق مثل هذا السيناريو؛ فقد كانت النتيجة هي ما أفرزه الخطاب الرسمي من اتهام الجميع، ابتداءً من أطفال درعا إلى مئات الألوف في المدن السورية المختلفة، بأنهم عصابات مسلحة.

فهذا النظام لم يمتلك سوى لغتين، لغة الاستجداء التي عبر عنها رامي مخلوف ببداية التظاهرات، بأنّ بقاء النظام السوري هو ضمان لأمن إسرائيل؛ ولغة القتل والعنف وتحويل الجيش السوري إلى أشبه بجيوش الاحتلال التي تُعامل المواطنين كأعداء أو غير إنسانيّين.

لقد انحاز أكثر من ثلث الرأي العام الأردني لمقولة إنها مؤامرة على سوريا، ولكن أغلب هؤلاء رأوا مع ذلك أن الحل هو تغيير النظام السياسي

ومما لا شك فيه أن مثل هذا النظام لن يستحوذ على تعاطف شعب يرى إخوانه يعانون من القصف أو يأخذون طريق اللجوء إلى دولٍ أخرى.

وعكست النتائج أيضاً أن 35% من الرأي العامّ الأردني يرون أن ما يجري في سوريا هو مؤامرة خارجيّة عليها، مقابل 57% يرون أنّها ثورة ضد النظام.

لقد انحاز أكثر من ثلث الرأي العام لمقولة إنها مؤامرة على سوريا، ولكن أغلب هؤلاء رأوا مع ذلك أن الحل هو تغيير النظام السياسي.

وهذه النتائج لا تحتمل أكثر من وجهتي نظر، الأولى هي أنّهم مع تغيير النظام حتى بوجود مؤامرة خارجية على سوريا، والثانية أنهم يرون أن النظام هو جزء من هذه المؤامرة؛ فهكذا يُفسّر الأردني استمرار مُسلسل القتل على مدار أكثر من عام وقوى عظمى وإقليميّة تُصرح بأنها تؤيد حق الشعب السّوري بالحريّة والكرامة، لكن لا أحد يُحرّك ساكناً لحمايته وإنقاذه كما فعلوا في أزمات أخرى.

أليس من الطبيعي أن يرى الأردنيّون أن هنالك مؤامرة على تفكيك وتحطيم الشعب السوري؟
باختصار، إنّ ما تعكسه الأرقام ومجريات الحال في الأردن أنّه قد يكون للنظام السوري بعض الأصدقاء بين الكُتّاب والسياسيّين، ولكن ليس له أصدقاء بين أبناء الشعب الأردني.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.