البدائل الوطنية والقومية لإغلاق أنفاق غزة

البدائل الوطنية والقومية لإغلاق أنفاق غزة - الكاتب: نبيل السهلي

undefined

دوافع حفر الأنفاق واستخدامها

احتياجات سكان القطاع
بدائل وطنية وقومية للأنفاق

بعد حصار إسرائيلي مديد لقطاع غزة، حاول أهالي القطاع إيجاد خيارات أخرى لاجتذاب البضائع الأساسية إلى الأسواق الغزية، فكانت أنفاق رفح الخيار الأهم والأمثل لإدخال السلع، حيث كانت أسعارها أقل من تلك المستوردة عبر المعابر الإسرائيلية التي تتحكم السلطات الإسرائيلية في إدخالها أو منعها بين الفينة والأخرى، ما يجعل الباب مشرعاً لعمليات الاحتكار وإخفاء السلع من الأسواق حين تتقلص، وعرضها في حال ارتفعت أسعارها بشكل كبير.

وبطبيعة الحال يدفع ثمن تلك السياسات الاحتكارية أهالي قطاع غزة وحدهم حيث لا توجد معايير ثابتة ومدروسة لأسعار البضائع سواء التي تأتي عبر المعابر الإسرائيلية وتتعرض للاحتكار من قبل التجار، أو تلك التي تأتي عبر الأنفاق وتعتمد على تكاليف نقلها وتهريبها وتتأثر بارتفاع سعر صرف الدولار، وهو العملة التي يتم بها شراء البضائع من التجار المصريين.

وحين ارتفاعها تتراجع أرباح الجانب الفلسطيني، بينما يزيد انخفاض سعر الدولار وتقل الأسعار مباشرة.

وبعد هذه السنوات التي تأقلم خلالها المجتمع في قطاع غزة على نمط تلك البضائع المنسابة عبر الأنفاق جاءت عملية قتل فيها الجنود المصريون في سيناء، وأغلقت إثرها الأنفاق -التي تقدر بنحو 1200 نفق- وباتت تشكل المورد الرئيسي للسلع والبضائع في القطاع.

يدفع ثمن تلك السياسات الاحتكارية أهالي قطاع غزة وحدهم، حيث لا توجد معايير ثابتة ومدروسة لأسعار البضائع سواء التي تأتي عبر المعابر الإسرائيلية أو تلك التي تأتي عبر الأنفاق

وقد تكون آثار الإغلاق متشعبة على أوضاع الغزيين، خاصة بعد الحصار الإسرائيلي المديد الذي خلف مؤشرات بؤس عديدة، وفي المقدمة منها انتشار البطالة والفقر بين غالبية الأسر في القطاع، وبالتالي تراجع الخيارات من تعليم وصحة ورفاه اجتماعي.

دوافع حفر الأنفاق واستخدامها
تشير دراسات مختلفة إلى أن سياسات الاحتلال الإسرائيلي الاقتصادية قد نالت إلى حد كبير من أوضاع الفلسطينيين في الضفة والقطاع، بيد أنها كانت أخطر في قطاع غزة نظرا لشح الموارد المختلفة هناك، ناهيك عن الزيادة الطبيعية العالية لسكان القطاع (3.6%) التي أدت بدورها إلى ضغوط كبيرة على الاقتصاد وعلى سوق العمل في الوقت نفسه.

وأدى ذلك إلى زيادة عدد سكان القطاع إلى 1.6 مليون فلسطيني حتى منتصف العام الحالي 2012، منهم 53% من الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم 15 سنة، وأدى هذا بدوره إلى زيادة الأعباء على العامل في القطاع.

وتشير الدراسات إلى أن كل عامل في القطاع يعيل إضافة إلى نفسه خمسة أفراد من خارج قوة العمل. وقدر مختصون اقتصاديون في الأراضي الفلسطينية الخسائر اليومية الناجمة عن الإغلاق الإسرائيلي للمعابر في قطاع غزة بأنها تزيد على 1.5 مليون دولار يوميا.

وتبعا لتفاقم الأزمات الاقتصادية في قطاع غزة، تراجع الناتج المحلي للقطاع بنسبة 40%، وبات أكثر من ثلثي المجتمع الفلسطيني في القطاع يعيش تحت خط الفقر.

كما أن عمليات الحصار والإغلاق المستمرة في القطاع أدت إلى تراجع متوسط دخل الفرد إلى أدنى مستوياته منذ العام 2000 حيث كان يبلغ 1800 دولار، فتراجع إلى أقل من 1200 دولار في العام المنصرم 2011.

لكن الاقتصاد الفلسطيني لم ينهر بشكل كامل بسبب انتشار فكرة التكافل الاجتماعي من خلال لجان الزكاة ولجان الحي ومؤسسة الأمان الابتكارية وغيرها.

واللافت تضرر القطاع الخاص بسبب سياسة الحصار الإسرائيلية. ومن المؤشرات ذات الدلالة ارتفاع معدلات البطالة التي تجاوزت 65% في الأعوام الأخيرة، مما يتطلب مواجهة الأزمة وإعطاءها بعدا عربيا وإسلاميا.

مؤشرات البؤس المشار إليها والناتجة عن سياسات الاحتلال الاقتصادية وعدم وجود دعم حقيقي للاقتصاد الفلسطيني من قبل الدول العربية والإسلامية دفع أهالي القطاع نحو خيار قسري تمثل منذ عدة سنوات بفتح أنفاق لإيصال البضائع المصرية إلى أسواق قطاع غزة بشروط أقل وطأة من الشروط الإسرائيلية القاسية جدا والتي تهدف في نهاية المطاف إلى إخضاع الفلسطينيين سياسيا.

الاقتصاد الفلسطيني لم ينهر بشكل كامل، بسبب انتشار فكرة التكافل الاجتماعي من خلال لجان الزكاة ولجان الحي ومؤسسة الأمان الابتكارية وغيرها

احتياجات سكان القطاع
ثمة دراسات اقتصادية عربية ودولية تؤكد أن احتياجات قطاع غزة للأغذية آخذة في التزايد بسبب النمو السكاني الذي يزيد عن 3.6% سنويا، حيث يحتاج سكان القطاع يوميا إلى 650 طنا من القمح و73 طنا من الأرز فضلاً عن 43 طنا من الزيوت و6 أطنان من الشاي ناهيك عن 230 طنا من الحليب، وهي المادة الأهم للمجتمع الغزي خاصة الأطفال الذين يشكلون نسبة كبيرة منه، كما أشرنا في السابق.

ومن المعروف للمتابع أن سياسات الحصار الإسرائيلي المديد أدت إلى أزمة متفاقمة في وصول غالبية المواد الغذائية إلى أسواق قطاع غزة، خاصة حليب الأطفال.

ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن السياسات الإسرائيلية أدت إلى تفكيك الاقتصاد في قطاع غزة وجعله تابعا للاقتصاد الإسرائيلي وفي خدمته، حيث إن غالبية التجارة من القطاع وإليه أصبحت مع الاقتصاد الإسرائيلي، والميزان التجاري في قطاع غزة مع إسرائيل في عجز دائم منذ الأعوام الأولى للاحتلال، وقد يتفاقم العجز في ظل استمرار هيمنة إسرائيل على أهم مفاتيح اقتصاد غزة خاصة حركة التجارة والعمال.

وسيكون الوضع الاقتصادي مزريا في قطاع غزة في الشهور القادمة إذا لم توجد بدائل حقيقية عن إغلاق الأنفاق في رفح، حيث حدّت في السنوات القليلة الماضية إلى حد ما من الابتزاز الاقتصادي الإسرائيلي لأهالي قطاع غزة، خاصة أن إسرائيل، ورغم انسحابها من قطاع غزة في العام 2005، تتعامل معه على أنه منطقة محتلة.

بدائل وطنية وقومية للأنفاق
بعد القرار المصري بإغلاق الأنفاق الواصلة إلى قطاع غزة، تبرز أسئلة كثيرة حول البدائل الوطنية والقومية الممكنة بغية إبعاد شبح الابتزاز الاقتصادي والسياسي الإسرائيلي للفلسطينيين عموما ولأهالي قطاع غزة خاصة عبر التحكم بالمعابر المؤدية إلى قطاع غزة.

قرار إغلاق الأنفاق ستكون له آثار مباشرة وقاسية على أوضاع وحياة الفلسطينيين في القطاع (1.6) مليون غزي، حيث بات سكانه يعتمدون بشكل كبير على الأنفاق في جلب وتأمين المواد الغذائية بشكل رئيسي، فضلا عن مواد البناء والوقود وعدد كبير من السلع والكماليات غير المتوفرة في أسواق غزة كنتيجة مباشرة للحصار الإسرائيلي المستمر منذ عدة سنوات.

قد يكون البديل الأول لإلغاء دور الأنفاق وآثارها السلبية المحتملة الإسراع في عقد مصالحة وطنية فلسطينية تضم جميع فصائل العمل الوطني والإسلامي وهيئات المجتمع المدني ورجال الأعمال

وقد يكون البديل الأول لإلغاء دور الأنفاق وآثارها السلبية المحتملة الإسراع في عقد مصالحة وطنية فلسطينية تضم جميع فصائل العمل الوطني والإسلامي وهيئات المجتمع المدني الفلسطيني والفعاليات الاقتصادية ورجال الأعمال في الضفة الغربية وقطاع غزة. والانطلاق فورا إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تعتمد بالدرجة الأولى على تكنوقراط بعيدا عن الحسابات الفصائلية الضيقة.

يلي ذلك وضع خطة اقتصادية شاملة لتمكين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية خاصة في قطاع غزة لمواجهة التحديات المختلفة، خاصة التحدي الاقتصادي المتمثل بدرء المخاطر والآثار المترتبة على إغلاق الأنفاق الواصلة من الحدود المصرية إلى قطاع غزة.

وقد يكون من باب أولى تهيئة الظروف لتحسين عمل القطاع الخاص في غزة، ومن ثم حث بعض الدول العربية وفي المقدمة منها مصر على فتح معبر رفح بشكل دائم وانسياب البضائع والسلع إلى أسواق قطاع غزة وبدعم من الحكومة المصرية حتى لا تكون عرضة للاحتكار من قبل التجار من الطرفين من جديد.

والأهم من ذلك كله، يجب على حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية القادمة العمل بجد لرفع نسبة التجارة البينية مع الدول العربية للحد من سيطرة الإسرائيليين على أهم مفاتيح الاقتصاد الفلسطيني خاصة في قطاع غزة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.