مضيق هرمز واحتمالات الحرب في الخليج

undefined
 
رغم أن تهديد إيران بإغلاق مضيق هرمز في حالة تعرضها لحظر لصادراتها النفطية وتعاملاتها المالية يعطي انطباعا بأنها تجازف بإمكانية الدخول في مواجهة عسكرية مع الغرب على أساس أن ذلك يمثل "خطا أحمر" لا يمكن تجاوزه بالنسبة للأخير، فإن اعتبارات عديدة تشير إلى أن إيران ربما تكون أكثر أطراف هذه المواجهة المحتملة حرصا على تجنبها في هذه اللحظة تحديدا.
 
إذ إن الظروف الداخلية والإقليمية لا تبدو مواتية بالنسبة لإيران للمخاطرة بذلك. ففضلا عن أنها تواجه انقساما واضحا بين أركان الحكم، ليس فقط بسبب التوجهات الليبرالية والقومية للفريق الذي يقوده الرئيس محمود أحمدي نجاد التي تثير استياءً واضحا من جانب المرشد الأعلى للجمهورية ورجال الدين وخصوم الرئيس من التيار المحافظ، ولكن أيضا بسبب التباين في التعاطي مع الملفات الرئيسية وعلى رأسها الملف السوري والملف النووي، فإن تداعيات الأزمة السياسية التي أثارها الاعتراض على نتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت عام 2009، ما زالت موجودة حيث سببت شرخا واضحا داخل النظام لم يستطع مداواته حتى الآن رغم نجاحه في احتوائها إلى حد ما.
 
وإلى جانب السيناريوهات المتعددة للأزمة التي يواجهها نظام الرئيس السوري بشار الأسد، الحليف الإقليمي الأهم لإيران، والتي لا تبدو في مجملها مريحة لها، فإنها باتت تواجه أزمات عديدة في علاقاتها مع دول الجوار لاسيما دول مجلس التعاون الخليجي، فضلا عن أن مساعيها لتطوير العلاقات مع مصر ما زالت تواجه أجواءً غامضة ولا يمكن التكهن باتجاهاتها المستقبلية، خصوصا أن مصر بعد الثورة لم تحدد ملامح أجندتها الخارجية بعد في انتظار الاستحقاقات السياسية القادمة وعلى رأسها انتخابات الرئاسة التي سوف تجري قبل منتصف العام الحالي.
 

"
تلميح إيران بإمكانية إغلاق مضيق هرمز يؤشر إلى حقيقتين: الأولى أنها تشعر بمزيد من التهديد بشكل دفعها إلى تصعيد المواجهة مع الغرب, والثانية أن العقوبات بدأت تفرض ضغوطا على الداخل الإيراني فعلا
"
زد على ذلك، دخول علاقاتها مع تركيا مرحلة من "التوتر المكتوم" بسبب التباين في التعامل مع الأزمة السورية والتهديدات الإيرانية باستهداف الدرع الصاروخية الأطلسية التي تم تشغيلها في تركيا، ولم ينجح تراجع طهران عن تلك التهديدات في تقليص مخاوف وقلق أنقرة في هذا السياق.
 
وفوق ذلك كله، التغير الملحوظ في مواقف ومواقع حلفائها الإقليميين الآخرين، سواء "حزب الله" الذي بدا أكثر انغماسا في المشهد الداخلي اللبناني وارتباكا بفعل الأزمة في سوريا، وحركة "حماس" التي بدأت تغير خطابها السياسي على ضوء التحولات التي أنتجتها الثورات والاحتجاجات العربية بشكل لا يطمئن طهران.
 
التهديد بإغلاق المضيق
من هنا ربما يمكن القول إن تلميح إيران بإمكانية إغلاق مضيق هرمز يؤشر إلى حقيقتين: الأولى، أنها تشعر بمزيد من التهديد بشكل دفعها إلى تصعيد المواجهة مع الغرب لاعتقادها أن الأخير لن يستطيع الدخول في مواجهة عسكرية في الوقت الراهن بسبب الأزمات الاقتصادية التي يواجهها والتي دفعت العديد من دوله إلى التروي في مسايرة مساعي فرض حظر نفطي على إيران خشية أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار النفط، فضلا عن دخول الولايات المتحدة الأميركية عام الانتخابات الرئاسية بشكل يضعف من احتمال إقدامها على المشاركة في مواجهة عسكرية أو التسبب في ارتفاع أسعار النفط، إلى جانب صعوبة التطرق إلى الخيار العسكري قبل وضوح ما ستنتهي إليه التطورات في الشرق الأوسط، التي ستحدد وجهتها نتائج الأزمة السياسية في سوريا.
 
والثانية، أن العقوبات بدأت تفرض ضغوطا على الداخل الإيراني فعلا. فعلى مدى السنوات الست الماضية وتحديدا منذ عام 2006، تعرضت إيران لعقوبات دولية عديدة وصلت إلى خمسة قرارات من داخل مجلس الأمن منها أربعة قرارات بعقوبات، غير العقوبات الأخرى التي تم فُرضت من خارج المجلس، ومع ذلك لم تقابل إيران تلك الإجراءات بمثل هذا التهديد الصارخ، وهو ما يعني أن رفع مستوى العقوبات على إيران ليصل المجال النفطي والمالي هو بدوره بمثابة "خط أحمر" بالنسبة لإيران لا يمكن أن تقف صامتة إزاءه.
 
ومن ثم كان تهديدها بإغلاق المضيق الذي يعتبر ثاني أهم مضيق دولي من ناحية الكثافة المرورية حيث يمر عبره 40% من النفط العالمي يوميا، وهو ما يمثل رسالة قوية مفادها أن فرض حظر على صادرات إيران النفطية معناه في المقابل إيقاف تصدير النفط من الدول الخليجية الأخرى بما سيؤدي إلى حدوث ارتفاع كبير في أسعار النفط، وهو ما لا تستطيع الاقتصادات الغربية المأزومة تحمله في المرحلة الحالية. أي أن إيران تريد توجيه انتباه الغرب إلى أنها لن تكون "الخاسر الوحيد" في حالة تعرضها لحظر يصل صادراتها النفطية وتعاملاتها المالية.
 
وقد دفع هذا التهديد المتعاملين الرئيسيين مع النفط الإيراني، لاسيما الصين إلى معارضة رفع سقف العقوبات على إيران ليصل إلى درجة الحظر النفطي على أساس أن ذلك يضر بمصالحها الاقتصادية، لاسيما أن الصين هي أكبر شريك تجاري لإيران على مستوى العالم، حيث وصل حجم التبادل التجاري بين الطرفين عام 2011 إلى 45 مليار دولار بزيادة 55% عن عام 2010، ويعتبر النفط رقما مهما فيه، إذ تستورد الصين 21% من إجمالي صادرات النفط الإيرانية التي تبلغ 2.5 مليون برميل نفط يوميا. كما أن دولا أخرى مثل الهند أعلنت رفضها تخفيض واردات النفط الإيرانية رغم قانون العقوبات الأميركي.
 

"
التهديد بإغلاق مضيق هرمز دفع المتعاملين الرئيسيين مع النفط الإيراني، ولاسيما الصين إلى معارضة رفع سقف العقوبات على إيران ليصل إلى درجة الحظر، على أساس أن ذلك يضر بمصالحها الاقتصادية
"

وحتي الدول الأوروبية التي وصلت إلى اتفاق أولي بفرض حظر نفطي على إيران في الاجتماع الذي عقد في 23 يناير/كانون الثاني الماضي، لم تستطع تنفيذه مباشرة، بسبب المخاوف العديدة التي تنتاب الدول المستوردة للنفط الإيراني، والتي تواجه أزمات مالية واقتصادية مستفحلة، خصوصا إيطاليا وإسبانيا واليونان، والأخيرة تحديدا تواجه مشكلة في هذا السياق لاسيما أنها تفتقر إلى البديل المناسب لتعويض وقف استيراد النفط الإيراني، لأن إيران هي الدولة الوحيدة التي تصدر نفطا لليونان بالائتمان، بعد أن توقفت روسيا عن ذلك بسبب قيام حكومة رئيس الوزراء اليوناني السابق جورج باباندريو بتجميد اتفاق تعاون عسكري مع موسكو.

 
وقد دفعت هذه المخاوف الدانمارك وهي الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي إلى اقتراح تأجيل تنفيذ الاتفاق حتى شهر يوليو/تموز القادم، بهدف تمكين الدول المستوردة للنفط الإيراني من الحصول على بدائل أخرى، مع مراجعة هذه الإجراءات قبل بداية مايو/أيار القادم بهدف تقييم فعالية هذه العقوبات ومدى قدرة الدول المستوردة للنفط الإيراني على تدبير موارد نفطية بديلة.
 
لكن الملفت في هذا السياق هو أن إيران التي سارعت إلى التهديد بفرض عقوبات مقابلة على الدول الأوروبية من خلال التلويح بإمكانية وقف تصدير النفط إليها، بدت مطمئنة إلى أن القرار الأوروبي لن يفرض ضغوطا قوية عليها بشكل يمكن أن يدفعها إلى تقديم تنازلات في ملفها النووي، خصوصا أن إجمالي ما تستورده هذه الدول يبلغ 450 ألف برميل نفط يوميا، أي نسبة 18% من إجمالي الصادرات الإيرانية البالغة 2.5 مليون برميل نفط يوميا.  
 
لكن هذا الاطمئنان الإيراني يصطدم بحقيقة أنه رغم رفض المستوردين الرئيسيين للنفط الإيراني، ولاسيما الصين والهند، الاستجابة للجهود الغربية لفرض حظر نفطي عليها، فإن ذلك لا ينفي أن تهديداتها أثارت قلقا واضحا من جانبهم بسبب خشيتهم من أن يصبحوا عرضة لـ"المخاطرة" الإيرانية بإغلاق المضيق وبالتالي وضع مصالحهم الاقتصادية أمام خطر حقيقي، وقد دفع ذلك بكين إلى معارضة التهديد بإغلاق المضيق، مؤكدة على لسان رئيس وزرائها ون جيا باو أن "المضيق ينبغي أن يظل مفتوحا في جميع الأحوال" وأن "أي إجراءات متشددة في مضيق هرمز، أيا كانت الظروف التي تتخذ في ظلها، تتعارض مع المصالح والتطلعات المشتركة لشعوب العالم".
 
ظروف أميركية غير مواتية
الملفت للانتباه أيضا هو أن الولايات المتحدة الأميركية لا تبدو بدورها في وضع يوفر لها "ترف" الدخول في مواجهة عسكرية مع إيران، ففضلا عن دخولها عام الانتخابات الرئاسية بشكل يجعل الإدارة الأميركية أكثر حرصا على عدم التصعيد في الخارج أو التسبب في أزمة اقتصادية يمكن أن ينتجها أي ارتفاع محتمل في أسعار النفط، فإن الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي بذل جهودا حثيثة من أجل الظهور في صورة "الرئيس الذي أعاد الجنود الأميركيين إلى وطنهم من جديد"، والذي أنهي "المغامرات" التي ارتكبتها الإدارة الجمهورية السابقة التي كلفت الدولة موارد مادية وبشرية هائلة، لا يريد المجازفة بالتطرق إلى هذا الخيار لاعتبارين: الأول، أن مواجهة من هذا النوع يمكن أن تتحول إلى حرب عسكرية مفتوحة، أي أن الصراع العسكري المحتمل على مضيق هرمز الذي يمكن أن ينشب في حالة إقدام إيران على إغلاقه ربما يتطور إلى حرب شاملة تبدو عواقبها غير محسومة.
 
والثاني، أن إسرائيل لن تجد فرصة أفضل من ذلك لتحقيق هدفها بالهجوم على المنشآت النووية الإيرانية، وبالطبع فإن إقدام إيران على إغلاق المضيق سيوفر لها مبررا لابتزاز الإدارة الأميركية عبر اللوبي المؤيد لها، للمشاركة في هذه الحرب التي لن تستطيع تل أبيب، على الأرجح، قيادتها بمفردها.
 
من هنا اجتهدت الولايات المتحدة الأميركية من أجل تفادي مثل هذه المواجهة المحتملة عبر وسيلتين: الأولى، توجيه رسائل عبر "قناة سرية" إلى القيادة الإيرانية ممثلة في المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي لتحذيره من مغبة إقدام إيران على إغلاق المضيق. والثانية، تأكيدها أنها ليست راغبة في الدخول في مواجهة عسكرية مع إيران.
 

"
اجتهدت أميركا من أجل تفادي المواجهة المحتملة مع إيران عبر وسيلتين: الأولى، توجيه رسائل تحذير من مغبة إقدام إيران على إغلاق المضيق, والثانية، تأكيدها أنها ليست راغبة في الدخول في مواجهة عسكرية مع إيران
"
لكن هذه الخطوات يمكن، في رؤية واشنطن، أن تعطي انطباعا لدى التيارات المتشددة في دوائر صنع القرار في طهران بأنها غير قادرة على الدخول في مواجهة عسكرية مع إيران، ومن ثم منحها فرصة تصوير المواجهة السياسية الحالية على أنها "نجاح باهر" حققته إيران في مواجهة "الغطرسة" الأميركية، وعلى ضوء ذلك سعت واشنطن إلى مواجهة هذا الاحتمال عبر أكثر من مسار: الأول، تأكيد أن رغبتها في عدم الدخول في مواجهة عسكرية مع إيران لا تعني أنها يمكن أن تتسامح مع إغلاق المضيق، أي أنها بمعني أدق، لن تتوانى عن حماية مصالحها العليا في المنطقة في حالة تعرضها للخطر حتى لو حدث ذلك في عام الانتخابات الرئاسية.
 
والثاني، مواصلة الجهود المبذولة لإقناع الحلفاء والأصدقاء من الدول الغربية والآسيوية بضرورة البحث عن بدائل أخرى للنفط الإيراني. والثالث، الموافقة على بدء جولة تفاوضية جديدة مع إيران في إطار مجموعة "5+1″، مع الإصرار على عدم وجود شروط مسبقة من جانب إيران.
 
والرابع، السعي إلى وضع إيران في حجمها الطبيعي واختبار مدى قدرتها على تنفيذ تهديدها للسفن الحربية الأميركية بعدم دخول مياه الخليج مجددا، إذ قامت حاملة الطائرات الأميركية "إبراهام لينكولن" بعبور المضيق، في 22 يناير/كانون الثاني الماضي، وهي أول حاملة طائرات أميركية تدخل الخليج منذ نهاية ديسمبر/كانون الأول 2011، حيث حلت محل حاملة الطائرات "جون سي. ستينيس" في القيام بعمليات أمنية بحرية.
 
ورغم أن هذه المهمة كانت معدة سلفا ووصفها الأسطول الخامس الأميركي بأنها "عادية ورتينية"، فإنها مثلت فيما يبدو، رسالة قوية إلى طهران مفادها أن واشنطن لن تسمح لها بأن تلعب دور "شرطي الخليج"، وهي اعتبارات في مجملها تعني أن المواجهة باتت مؤجلة لكنها ليست مستبعدة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.