الخطاب الذي ننتظره من الدكتور مرسي

الخطاب الذي ننتظره من الدكتور مرسي . الكاتب: فهمي هويدي

 undefined

لست متأكدا من أن الرئيس محمد مرسي سوف يخاطبنا بعد إعلان نتائج الاستفتاء على الدستور. لكنني تحمست للفكرة إلى حد دفعني إلى التطوع بكتابة خطابه الذي تمنيت أن أسمعه منه.. هذا نص الخطاب.

(1)

أيها المواطنون – السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ها قد خطونا خطوة إلى الأمام، باتجاه إقامة النظام الديمقراطي الذي تطلع إليه شعبنا حين قام بثورته دفاعا عن الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية. وهو إنجاز خرج من رحم المعاناة والتجاذب الذي شهدته الساحة المصرية، وانخرطت فيه جميع القوى والفعاليات السياسية، سواء بالموافقة أو المعارضة، في ممارسة صحية لم تشهد لها مصر مثيلا خلال نصف القرن الأخير على الأقل. وكانت تلك شهادة عملية أكدت أن مصر استفاقت واستعادت وعيها وحريتها، وأن عصور الاستبداد قد ولت إلى غير رجعة، وأن حكم الفراعين والمتألهين لم يعد له موطئ قدم في بر مصر، وأن الشعب وحده أصبح صاحب الكلمة العليا ومصدر كل السلطات.

إذا جاز لنا أن نستخلص العبرة مما جرى فلا مفر من أن نعترف بأننا مازلنا نفتقد إلى خبرة وثقافة العيش في ظل الاختلاف, وتلك من بقايا النظام السابق

لقد شابت ممارسات الأشهر الأخيرة شوائب عنف ما تمنيت لها أن تكون، لأنها أخلت بسلمية الثورة التي نعتز بها ونفخر. كما ارتكبت أخطاء ما تمنيت لها أن تقع، كان حصار المحكمة الدستورية العليا والتهجم على النائب العام من أبرزها. وهو ما لم يكن ممكنا احتماله واغتفاره في الظروف العادية، ولولا أن أمثال تلك النوازل من قبيل ما عرفته فترات الانتقال التي مرت بها الأقطار والثورات عبر التاريخ لكان لنا معها شأن آخر.

وإذا جاز لنا أن نستخلص العبرة مما جرى فلا مفر من أن نعترف بأننا مازلنا نفتقد إلى خبرة وثقافة العيش في ظل الاختلاف. وتلك من بقايا النظام السابق الذي قوَّض مؤسسات وقيما كثيرة في مصر، وخلف لنا بعد رحيله تركة ثقيلة تحول في ظلها الوطن إلى مجموعة من الأنقاض والتشوهات، التي أصابت السلطة والمجتمع. وذلك ليس مقصورا على أوضاعنا الداخلية فحسب. ولكن ذلك التشوه أصاب علاقات مصر الخارجية أيضا، الأمر الذي وضعنا بإزاء تحديات لا حصر لها وأثقال تنوء بحملها الجبال. إذ تعين علينا ليس فقط أن نعيد بناء مؤسسات الدولة، وليس فقط أن نعيد للمواطن كرامته، وإنما كان علينا أيضا أن نعيد للوطن كرامته ونرد له كبرياءه وقامته.

من ثم فقد وجدنا أنفسنا منذ اللحظات الأولى نسابق الزمن ونحارب على أكثر من جبهة. فعملنا كثيرا وتكلمنا قليلا. واجتهدنا فأصبنا وأخطأنا وركضنا وتعثرنا، لكننا لم نفقد البوصلة ولم نتخل في أية لحظة عن الأهداف التي قامت من أجلها الثورة.

(2)

أيها الأخوة والأخوات:
ونحن نقبل على مرحلة جديدة في مسيرة مصر الثورة، أرجو أن أنبه إلى عدة أمور:
– أنه من المبكر كما أنه من غير الإنصاف أن نتحدث الآن عن جني الثمار، وقد توليت المسؤولية منذ نحو ستة أشهر فقط، وتلك فترة لا تسمح بأكثر من رفع الأنقاض وتمهيد الأرض وتنظيفها، قبل غرس البذور. والتعجل في هذه الحالة يمثل مغامرة تهدد المستقبل ولا يحتملها الوطن.

– إن عبء التركة وثقل المسؤولية يتطلب منا احتشادا لكل القوى واستنهاضا لكل الهمم واستدعاء لكل الطاقات، ذلك أن الوطن الذي هو ملك للجميع يظل أكبر من أي فئة أو جماعة. ومخطئ من يظن غير ذلك. فكل قضية تحتمل الخلاف أو الإعراض وحتى القطيعة، إلا أن الأمر لابد أن يختلف تماما حين يتعلق بالمصلحة العليا للوطن، التي تمثل نداء ليس لأحد أن يتجاهله أو يصم أذنيه عنه.

-إننى في كل ما اتخذته من إجراءات وكل ما أصدرته من قرارات وضعت نصب عيني أهداف الثورة ومطالب الثوار، وأرجو من الجميع أن يختبروا ما أقوله من خلال قراءة منصفة لما صدر عني خلال تلك الأشهر الستة. وحتى إذا كنا قد أخطأنا في الوسائل فإن سلامة المقاصد قد تغفر لنا ذلك.

يجب أن نعترف بأننا جميعا حديثو عهد بالممارسة الديمقراطية التي لم تعرفها بلادنا منذ منتصف القرن الماضي، الأمر الذي قد يفسر الكثير من المواقف الحرجة والملتبسة

– يجب أن نعترف بأننا جميعا حديثو عهد بالممارسة الديمقراطية، التي لم تعرفها بلادنا منذ منتصف القرن الماضي، الأمر الذي قد يفسر الكثير من المواقف الحرجة والملتبسة التي مررنا بها. وبسبب حداثة عهدنا بتلك الممارسة، فنحن أحوج ما نكون إلى بعضنا البعض، ليس فقط لكى نتقوى ونتساند، ولكن أيضا لكي يكمل منا الآخر ويتعلم منه. فنحن لا نملك ترف الاستغناء أو الاستعلاء وكل منهما يشكل جريمة في حق الثورة والمستقبل. وإنني على ثقة من أننا سنتغلب على ما نواجهه من تحديات وصعوبات، إذا استخرج كل منا أفضل ما فيه ليضيفه إلى الأفضل من عطاء الآخر. وخشيتي الوحيدة أن يؤدي التجاذب أو التشاحن الراهنين إلى استخراج أسوأ ما فينا.

– لا مفر أيضا من الاعتراف بأن العهود التي غيبت فيها الممارسة الديمقراطية أو زورت، وهي ذاتها المرحلة التي غيبت فيها مصالح المجتمع العليا لم تتح لنا أن نعمل معا، حتى أحالت المجتمع إلى جزر منعزلة يجهل كل منها الآخر. وحين طال الأمد بهذه النازلة فإن كلا منا لم يجهل الآخر فحسب، وإنما أساء الظن به أيضا. الأمر الذي حول مجتمعنا إلى كتلة سكانية تعاني من جهل الآخر وعدم الثقة فيه. وبعض ما نعاني منه الآن من إفرازات وتداعيات هاتين النقيصتين.

– ينبغي أن يكون واضحا في الأذهان أن التجاذب الراهن في مصر لا ينبغي أن يحمل بأكثر مما يحتمل بحيث يفسر بحسبانه خصومة سياسية أو نزالا بين أعداء، لأنني على ثقة من أنه في أبعد فروضه يظل خلافا بين فصائل الثوار من عناصر الجماعة الوطنية، حتى إذا انطلق من قراءات واجتهادات متباينة لأهداف الثورة. ذلك أن الخصومة الداخلية الحقيقية التي لا ينبغي أن تغيب عن البال هي مع النظام السابق وكل عناصر الثورة المضادة التي تمثله.

(3)

أيها المواطنون:
لقد تابعت عملية التصويت على الدستور في مرحلتيها الأولى والأخيرة، وساءني ما تخللها من عنف بين مؤيديه ومعارضيه، بقدر ما ساءتني مسارعة بعض الأطراف السياسية والأبواق الإعلامية إلى تشويه العملية والطعن فيها بالتزوير، الذي يفترض أن تبت في دعاواه لجنة عليا مختصة تضم نخبة من أرفع رجال القضاء مكانة وعلما ونزاهة. إلا أن أهم ما يعنيني فيما تم أمران، أولهما أن المشروع حظي بتأييد الأغلبية، وهو ما يمكننا من المضي قدما في استكمال البناء الديمقراطي وتوسيع نطاق المشاركة الشعبية، ومن ثم إعادة الاستقرار إلى البلد.

لا يستطيع أي رئيس أن ينام مرتاح البال وهو يجد أن 40% من أبناء شعبه لا يشعرون بالرضا، حتى إذا بذل غاية وسعه وكان مرتاح الضمير

الأمر الثاني الذي لا يقل أهمية أن نتيجة التصويت بعثت إليّ برسالة حررها نحو 40% من نصف المصوتين عبرت عن عدم الرضا عن أوضاعنا الراهنة، وهؤلاء هم الذين قالوا لا. وفهمت أن الرفض أو التحفظ ليس منصبا على مشروع الدستور فحسب، وإنما ينسحب إلى أمور أخرى لعل ثقل أعباء المعيشة في مقدمتها. ولست أخفي أن تلك الرسالة لقيت مني اهتماما خاصا، لأن أي رئيس لا يستطيع أن ينام مرتاح البال وهو يجد أن 40% من أبناء شعبه لا يشعرون بالرضا، حتى إذا بذل غاية وسعه وكان مرتاح الضمير.

إنني أصارحكم أيها الأخوة والأخوات أن استيعاب تلك الرسالة وتحليلها سيكونان على رأس جدول أعمال المرحلة القادمة. وسأباشر بنفسي مع أهل الاختصاص محاولة الإجابة عن الأسئلة التالية:

إلى أي مدى أسهمت الأخطاء التي وقعت فيها مؤسسة الرئاسة في هذه النتيجة؟ وما مدى مسؤولية الحكومة الراهنة في هذه الحالة؟ ولماذا لم تنجح في توسيع نطاق الائتلاف مع بقية القوى الوطنية؟ وهل عدم الرضا راجع إلى أن سقف الجماهير كان أعلى مما ينبغي بعد الثورة، وحين لم يتحقق لها ما توقعته فإنها أصيبت بالإحباط والغضب؟ وإلى أي مدى أسهمت التعبئة والتحريض الإعلاميين في إشاعة ذلك الشعور بالإحباط؟ وهل ساعد على ذلك أيضا أننا لم ننجح في التواصل مع المجتمع ولم نحقق الشفافية المطلوبة في أدائنا؟ فرآنا الآخرون بعيون الآخرين، من خلال الإعلام مثلا، ولم يرونا على صورتنا الحقيقية؟ وإلى أي مدى أسهمت عوامل الداخل أو عوامل الخارج فيما صرنا إليه؟

(4)

أيها الأخوة والأخوات:
ينبغي أن نعترف بأن ضجيج الخلافات بين القوى السياسية قد حجب عن أبصارنا المشاكل الحياتية التي يعاني منها المصريون. ورغم أنني أدرك أن الحكومة تبذل جهدا كبيرا وتعمل في صمت على حل تلك المشاكل، إلا أنني تمنيت أن تظل أولويات العمل الوطني واضحة في أذهان الجميع بغير التباس أو اختلال. وإذا كنت قد اعتبرت استعادة رضا الغاضبين ومن ثم طمأنة الجميع واستعادة ثقتهم في الحاضر والمستقبل من أولويات المرحلة المقبلة، إلا أنني لا أتردد في القول بأن ثمة مسؤولية وطنية أخرى ينبغي أن نواجهها بشجاعة وصراحة. وهى تتمثل في استعادة الوفاق الوطني الذي انفرط عقده جراء التجاذبات والمشاحنات الأخيرة.

ومازلت أتمنى أن نستعيد "اليد الواحدة" التي كانت عنوانا للتلاحم والتلاقي بين الوطنيين المصريين الذين نجحوا بإرادتهم تلك -وبعون الله لا ريب- في إسقاط النظام المستبد. ولئن نجحت تلك اليد الواحدة في هدم بنيان ذلك النظام، فنحن أشد ما نكون في حاجة إليها ونحن ننطلق لإقامة البنيان الجديد الذي يعبر عن أشواق الشعب ويجسد حلمه.

إننا في المرحلة القادمة لسنا بحاجة إلى استعادة تلاحم القوى الوطنية فحسب، ولكننا بحاجة أيضا إلى استدعاء كل طاقات العافية والإبداع في المجتمع

إننا في المرحلة القادمة لسنا بحاجة إلى استعادة تلاحم القوى الوطنية فحسب، ولكننا بحاجة أيضا إلى استدعاء كل طاقات العافية والإبداع في المجتمع لكي تنهض بمسؤوليتها في إقامة ذلك البناء. ذلك أننا إذا قلنا إن شعب مصر استعاد وطنه وأكدنا مرارا على أن مصر ملك للجميع وأكبر من أي فصيل فذلك الحق ينبغي أن يقابله واجب إسهام الجميع في صياغة وحملة مسؤولية الحاضر والمستقبل.

إنني أمد يديّ إلى الجميع لكي نأخذ بيد هذا البلد ونقيله من عثرته، وإذا كنت قد ذكرت في اليوم الأول أنه ليست لديّ حقوق ولكن عليّ واجبات، فإنني أضع على رأس واجباتي في المرحلة القادمة أن أعيد "اليد الواحدة" شعارا لها، وأسأل الله العلي القدير أن يعيننا على ذلك. ليس فقط لكي تستعيد مصر عافيتها في الداخل، ولكن أيضا لكي تتمكن من النهوض بمسؤولياتها والآمال المعلقة عليها في الخارج.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.