لماذا لم ينه الإعلان الجديد الأزمة بمصر؟

لماذا لم ينه الإعلان الجديد الأزمة في مصر . عبدالله الأشعل

 undefined

 

الأزمة وأنماط التحالفات
المرحلة الأولى
المرحلة الثانية
المرحلة الثالثة
المرحلة الرابعة

ظن البعض أن الإعلان الدستوري الأول الصادر في 21 نوفمبر/تشرين الثاني ومشروع الدستور الذي سلم للرئيس يوم 30 نوفمبر/تشرين الثاني هما السبب في هذه الفوضى العارمة التي أثارتها المعارضة، ولكن هذه الفوضى استمرت رغم تجاوب الإعلان الدستوري الجديد الصادر يوم 8 ديسمبر/كانون الأول الجاري مع مطالب المعارضة بل إن المعارضة طالبت يوم 9 ديسمبر/كانون الأول بمقاطعة الاستفتاء المقرر إجراؤه يوم 15 من الشهر الجاري فلماذا لم ينه الإعلان الدستوري اعتراض المعارضة ويحقق التوافق؟

هل لأنه تأخر أم لأن المشكلة أعمق من ذلك بكثير؟ ولماذا اتحدت كل الأطياف السياسية غير الإسلامية بما فيها النظام السابق والأقباط ضد التيار الإسلامي؟ وهل هو صراع ديني أم صراع على مصر وهي في النهاية لمن؟

في هذه المقالة نحلل الأبعاد العميقة والجذور الكامنة لهذا الصراع الذي نعتقد أنه في شطر منه عدم استعداد القوى العلمانية لقبول التيار الإسلامي في الحياة العامة.

الأزمة وأنماط التحالفات
لا أظن أن الأزمة في مصر بدأت بإصدار الإعلان الدستوري، وإنما تضرب بجذورها إلى يوم قرر الإخوان المسلمون تقديم مرشح للرئاسة، بدا الأمر وكأنه إعلان عن تمدد التيار الإسلامي إلى سقف الدولة وتغير في معدل سرعة هذا التيار انطلاقا من شعبيته الكاسحة في الانتخابات التشريعية.

قابل ذلك ركائز نظام مبارك وتحالفاته، وأهم هذه الركائز القضاء والأمن والجيش والإعلام ورجال الأعمال. وكان واضحا أن تفكير هذا الفريق ومعهم أقباط مصر تقريبا أنهم لا يريدون التيار الديني أو أي تيار سياسي ينطلق من الدين.

الأزمة في مصر تضرب بجذورها من يوم أن قرر الإخوان المسلمون تقديم مرشح للرئاسة، حيث  بدا الأمر وكأنه إعلان عن تمدد التيار الإسلامي إلى سقف الدولة

وقد ضم هذا التيار المناوئ للتيار الإسلامي العلمانيين والليبراليين والشيوعيين واليساريين وأعداء التيار الإسلامي عموما والذين لا يرتاحون للخلط الفج بين السياسة والدين، وقد التصق بهؤلاء جميعا التيار القومي وما يسمى بالتيار الناصري، وتحالف هذا التيار العريض مع دول أجنبية وعربية لا تريد للتيار الإسلامي أن يحكم في مصر، كما لا تريد للتيار الوطني عموما أن يكون له دور في السياسة والحكم.

في هذه الظروف فوجئ التيار الإسلامي بأن الحواجز قد رفعت أمامه وأن المساحة المفتوحة من السلطة أوسع كثيرا مما توقع وأن حجمه في الشارع أكبر من كل التقديرات، ولم يلتفت هذا التيار إلى أن الإضافات التي كسبها إلى جانب أعضائه المباشرين سببها التعاطف معه بسبب قهره على يد النظام السابق وبسبب رغبة الشعب في أن يعطي فرصة لهذا التيار الذي بالغ فيما يمكن أن ينجزه.

ولكن هذا التيار كان مطاردا ولم تتح له فرصة الخبرة السياسية، فانقسم الشعب المصري إلى ثلاث طوائف بعد أن كان طائفتين يوم الثورة طائفة تضم نظام مبارك والمستفيدين منه والذين ضللهم إعلامه في مقابل جميع طوائف المجتمع المصري، بمن في ذلك الأقباط الذين وجدوا في التيار الإسلامي يوم الثورة كل مشاعر التعاون والتضامن والإخاء فبادلوه نفس المشاعر. أما بعد الثورة فقد مرت العلاقة بين المصريين بأربع مراحل.

المرحلة الأولى
امتدت من 11 فبراير/شباط حتى 19 مارس/آذار وكان الشعب فيها كله يطالب بالدستور أولا، ولكن التيار الإسلامي كان يستعجل هذه المرحلة خوفا من ضياع الفرصة، فركز على تعديل الدستور وإجراء الانتخابات، واعتبر الاستفتاء على تعديل الدستور نصرا هائلا له وللدين ردا على الإعلان المبكر من جانب الكنيسة المصرية بدعمها للتيار المناهض للتعديل، وكانت نسبة الموافقين على التعديل أعلى قليلا من نسبة ما حصل عليه التيار الإسلامي بعد ذلك في الانتخابات التشريعية.

وقد لعب المجلس العسكري دورا ربما غير مقصود في شعور الشعب بأن الثورة جلبت السلبيات وأنها لم تكن أفضل من الحال التي سببها نظام مبارك.

المرحلة الثانية
وظهر فيها الانقسام واضحا بين التيار الإسلامي والليبرالي، فهي المرحلة التي بدأ فيها المقارنة والتقابل بين شرعية الميدان وشرعية البرلمان، وفي هذه المرحلة حدثت مذابح الساحات الأربع، ماسبيرو والبالون ومحمد محمود ومجلس الوزراء.

المرحلة الثالثة
هي الإصرار على أن الميدان هو الأصل، مقابل الإصرار على أن الثورة لا تظل في الشارع وإنما تتجسد في شكل مؤسسات ودستور، وهى المرحلة التي انفصلت فيها القوى الثورية عن التيار الإسلامي، وبدأ الميدان يشهد مليونيات متنافسة بين التيارين، والشعب المصري في إجماله يتمزق بينهما.

ثم بدأ الضغط على البرلمان والإغارة من القوى الخمس المكونة للنظام السابق، وهى القضاء المتربص ورجال الأعمال والتمويل وازدهار عصر البلطجة والأزمات المتلاحقة والحملة الطاغية في الإعلام ضد التيار الإسلامي خاصة الإخوان المسلمين، وساعد على ذلك الأخطاء الكثيرة وضعف الإعلام المضاد والثقة بالنفس من جانب الإخوان المسلمين، وهذه قضية تحتمل الكثير من التأمل والتحليل.

بدأ الدكتور مرسي عهده بقيود المجلس العسكري عليه ولم يمكنه التيار الآخر من التفرغ لإنجاز مشروعه فشاغله وشغله، وفي هذه الظروف ظهر ما يسمى بالمعارضة التي تناهض ولا تعارض

المرحلة الرابعة
هي التي بدأت مع جولة الإعادة بين الدكتور محمد مرسي والفريق أحمد شفيق، حيث شعر الشعب المصري بأن نجاح أحمد شفيق امتداد النظام السابق يعنى نهاية الثورة وفشلها وانتخاب محمد مرسي يعني قبول حكم التيار الإسلامي بما أظهره من عدم الخبرة وبما ظهر منه من أن حسن النية يعلو على المهارة السياسية، وكان واضحا أن هذا التيار يتوجه مباشرة إلى قطاعين يستفزان المعسكر الآخر، وهما مواجهة حصون الفساد التي أرساها النظام السابق والتركيز على الخطوط الفاصلة بين التيار الإسلامي وغيره، وهو حبل رقيق يمثل السير عليه مغامرة غير مأمونة العواقب.

هكذا بدأ الدكتور مرسي عهده بأغلبية معقولة، ولكنه كان يواجه قيود المجلس العسكري عليه، ولم يمكنه التيار الآخر من التفرغ لإنجاز مشروعه فشاغله وشغله. في هذه الظروف ظهر ما يسمى بالمعارضة وظهر معها أنها معارضة من نوع خاص، وهى أنها تناهض ولا تعارض مقابل حكم جديد يريد أن يستقر ولكنه فيما يبدو لم يكن واعيا للتحديات العميقة لمجرد وجوده.

وبدا المشهد غريبا، رئيس يصارع المشاكل المتفجرة التي زادته رهقا, ومعارضة تعلن صراحة أنها ضد التيار أصلا أكثر من كونها ناقدة لسياساته. وسط هذا التربص أصدر الدكتور مرسي فجأة ودون مقدمات وفي ظرف متفجر عقب تحدى البعض للجمعية التأسيسية في مسلسل لا ينتهي كان القضاء فيه وحشا كاسرا التهم كل مواليد الثورة بداية بمجلس الشعب.

ولم يكن الإعلان الدستوري ضروريا في الواقع، ولكن الدوافع النبيلة لحماية مواليد الثورة والتخلص من النائب العام لم تسمح لصاحب القرار أن يرى الأرضية التي سقط عليها الإعلان والعوار القانوني الذي شابه كما لم يتحسب للبيئة المتربصة الملتهبة التي أشعلت الأرض تحت أقدامه، بحيث اهتزت القيادة في يديه واتسع نطاق المعارضة وأصبح للمؤامرة وجه المعارضة الواسع، وغابت الحكمة السياسية في مواجهة هذه المؤامرة، مما أوصل البلاد إلى الكثير من التردي في جميع القطاعات.

وأصبح واضحا أيضا أن تجربة التيار الإسلامي في الحكم هي نفسها على المحك، وأصبح الشعب المصري بشكل عام يشك في رموز التيار الإسلامي كما يشك بعمق في رموز المعارضة، ورأى أنه صراع على السلطة أكثر من كونه صراعا على حب الوطن، وأن النوايا الطبية لا علاقة لها بمهارات السياسة، وكشفت الأزمة عن دروس كثيرة لا يتسع المقام لحصرها.

يترتب على ما تقدم أن الصراع الذي بدأ علنا وبشكل عنيف بالإعلان الدستوري والتهم مصير الدستور هو صراع بين التيار الإسلامي والتيار المضاد الذي تمكن من كسب أرضية واسعة بين المصريين ليس حبا فيه ولا قناعة بأنه يحمي مصر من سقطات التيار الإسلامي، ولكن بسبب فشل التيار الإسلامي وضعف أدائه وتمكن رؤوس التيار الآخر من التمويل والإعلام وتبسيط الحقائق.

لا التيار الإسلامي تمكن من قيادة مصر إلى المستقبل لأسباب بعضها خارج عن إرادته ولا المؤامرة التي تلبس ثوب المعارضة تمكنت من الاستيلاء على الوطن، فكانت مصر ومصالحها هي الضحية

ولكن التيار الآخر لم يتمكن من تقديم تفسير للمجموعات التي صارت خلفهم ولعموم الشعب المصري عن معنى مباركته أو صمته عن العمليات الإجرامية التي تمت ضد القصر الجمهوري وضد مقرات الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة وحملة الكراهية غير المنطقية التي جعلت الجرائم أخف وطأه عند الناس من الخطأ السياسي الذي يمثله الإعلان الدستوري والأداء المضطرب للقيادة الذي عكس الأرضية الرخوة التي تتحرك عليها والإدراك المحدود لحقائق المعركة وملامح ساحتها.

وكانت مصر ومصالحها هي الضحية، فلا التيار الإسلامي تمكن من قيادة مصر إلى المستقبل لأسباب بعضها خارج عن إرادته ولا المؤامرة التي تلبس ثوب المعارضة تمكنت من الاستيلاء على الوطن، ونسيت أن الرئيس منتخب، وأن إسقاطه بالشارع والثورة المدعاة هو حشد يتناقض مع أبسط مبادئ الديمقراطية، وأن أكبر دليل على استهدافها للسلطة وعلى أن الإعلان الدستوري والدستور ومصلحة الوطن ليست هي المعركة، وإلا لقبلت الحوار ولهزمت منطق الرئيس أمام الشعب ولحددت موقفها صراحة من أعمال العنف التي تبرر لقوى التيار الإسلامي أن تحمي نفسها بعد أن تخلت الدولة عنها. مشهد مقبض ومستقبل لا يشي بالكثير من الخير سببه تحفظ المعارضة لنظام لا يدرك أنه تحت المجهر.

بعد اجتياز هذه المواجهة نعتقد أن كلا من المعسكرين يستعد للمواجهة القادمة ومصر تدفع الثمن، ولذلك ندعو إلى جبهة عريضة من المصريين الذين يرفعون شعار المصلحة المصرية العليا لإنقاذ مصر ودعم الشرعية ورفض هذا الاستقطاب الذي دفع البعض إليه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.