عن أجواء المصالحة الفلسطينية من جديد

عن أجواء المصالحة الفلسطينية من جديد . الكاتب : ياسر الزعاترة

 undefined

بعد انتصار المقاومة في غزة في حرب "حجارة السجيل" ضد "عمود السحاب"، وبعد الانتصار الآخر كما رآه البعض في الأمم المتحدة، تتبدى أجواء إيجابية فيما خصَّ مسار المصالحة، مما يجعلنا نبدو حين نطرح أسئلة بشأنها، كما لو كنا نخرّب العرس الاحتفالي الذي سيحل مشاكل فلسطين المعقدة. وبالطبع حين يلتقي قادة حماس وفتح على صعيد واحد لإنجاز المصالحة المأمولة!! التي كانوا يعلقون على شماعتها معظم المصائب، بما في ذلك الفشل التفاوضي، رغم أنهم فاوضوا سنوات أطول دون انقسام، ولم يحققوا شيئا.

والحال أن سائر الأجواء التي يتحدثون عنها ليست ضامنا بحال لإنجاز المصالحة، فالشيطان الذي يكمن في التفاصيل سيظل حاضرا للتخريب على تلك الأجواء، وربما إفشالها في أي لحظة، لكننا سنتحدث كما لو أن الأمور ستسير على ما يرام، ونتساءل عن طبيعة هذه المصالحة ومدى خدمتها لما يسمى المشروع الوطني الفلسطيني في ظل "ثوابت" السلطة التي يجمع زعيمها قيادة فتح إلى قيادة منظمة التحرير ورئاسة فلسطين (بعد رئاسة السلطة)، وفوق ذلك القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية!!

ما الذي سيترتب علي المصالحة في خدمة مشروع التحرير، حتى لو كان تحرير الأراضي المحتلة عام 67، بعدما أعلن عباس تنازله عما تبقى من فلسطين؟!

أي سيناريو تبشرنا به المصالحة، وما الذي سيترتب عليها في خدمة مشروع التحرير، حتى لو كان تحرير الأراضي المحتلة عام 67، بعدما أعلن الرئيس تنازله عما تبقى من فلسطين (فقط 78%) للعدو الصهيوني دون الحصول على اعتراف مقابل بحق الفلسطينيين في الـ22% الباقية؟!

سنعود بكل بساطة إلى ما كنا عليه قبل انتخابات 2006، وسيكون التركيز منصبا على انتخابات رئاسية وتشريعية (أصبحت رئاسة فلسطين هي ذاتها رئاسة السلطة) كعنوان للوحدة (هل تعزز الانتخابات الوحدة أم تزيد الانقسام؟!)، وستكون النتيجة غالبا هي فوز فتح ومن حولها من قوى اليسار بغالبية ضئيلة بسبب اعتماد نظام القائمة النسبية (تفوقت حماس في المرة الماضية بقوة في نظام المقاعد الفردية، مع تفوق محدود في القائمة)، وإذا ما فازت حماس فسيعود سيناريو الحصار والابتزاز القديم.

ما الذي سيحدث إذا فازت فتح وحلفاؤها بغالبية ضئيلة؟ سيصرون على الأرجح على حكومة وحدة وطنية إذا وافقت حماس على المشاركة فيها، وهذه الحكومة ستباشر العمل كما لو كانت حكومة دولة كاملة الأوصاف، بينما سيستمر الحال على الأرض على ما هو عليه الآن، إما بتفاوض مع المحتل لا يأتي بنتيجة مقنعة، أم دون تفاوض، وفي الحالتين مع هدوء وتنسيق أمني مع الاحتلال.

وها هو صائب عريقات يبشرنا قبل أيام بأن جهودا تبذل من أجل استئناف التفاوض مع حكومة نتنياهو، مع أن الأخير مشغول بالانتخابات.

يعلم الجميع في كل أنحاء الدنيا أنه لا نتنياهو (الذي رد على اعتراف الأمم المتحدة بفلسطين دولة مراقب غير عضو بمزيد من الاستيطان)، ولا باراك ولا حتى أولمرت يمكن أن يعطي الفلسطينيين دولة كاملة السيادة على جميع الأراضي المحتلة عام 67، بما فيها القدس الشرقية، ودليلنا الذي لا يقبل الجدال هو الطريق المسدود الذي وصلته المفاوضات في قمة كامب ديفد صيف العام 2000، والأهم مفاوضات عباس-أولمرت التي فضحت حيثياتها وثائق التفاوض وقدم فيها الطرف الفلسطيني تنازلات رهيبة على صعيد القدس وتبادل الأراضي الذي يعني بقاء الكتل الاستيطانية الكبيرة مكانها في عمق الضفة (مع التنازل عن حق العودة)، لكنها لم تلب السقف المطلوب عند الإسرائيليين.

والسؤال الذي لا يجيب عليه القوم، هو: ما الذي سيترتب على الرفض الإسرائيلي؟ الجواب: لا شيء، سيستمر التنسيق الأمني، وستستمر عملية تمدد ولاية السلطة على تجمعات السكان التي يتركها الجدار الأمني، وصولا إلى دولة في حدود الجدار ستغدو ذات نزاع حدودي مع جارتها العبرية!!

المسار الذي يستحق الترحيب هو إجراء انتخابات في الداخل والخارج لاختيار قيادة موحدة للشعب الفلسطيني, ومن ثم التوافق على مرحلة جديدة من النضال ضد الاحتلال

هذه هي الدولة المؤقتة التي لن يعترف أحد بأنها كذلك، وهذا هو السلام الاقتصادي بحسب نتنياهو، لأن زعماء فلسطين سيظلون يرددون بأنهم متمسكون بالثوابت ولن يتخلوا عنها، وسيصرخون في كل نادٍ دولي مطالبين بحقوقهم المشروعة. أما حكاية المقاومة السلمية، فيمكن المضي في برنامجها من خلال مظاهرة أسبوعية (سلمية جدا جدا!!)، فيما يعلم الجميع أن المقاومة السلمية الحقيقية التي تكلف الاحتلال وتربكه هي تلك التي تشتبك مع حواجزه ومستوطنيه وصولا إلى العصيان المدني، وهذه لا وجود لها في قاموسهم لأنها تعطل التنمية وربما "بزنس" الأبناء والأقارب، وقد تؤدي إلى سحب بطاقات "في.آي.بي" من الدبلوماسيين والقادة الذين لا بد من استمرار عملهم في خدمة القضية!! أما المحظور الذي لا يمكن التفكير فيه لأنه "عبثي" و"مدمّر"، فيتمثل في المقاومة المسلحة.

إذا قبلت حماس بهذا كله فتلك مصيبة ولا شك، أما إذا كان مسار المصالحة المفترض غير ذلك، فالأمر يستحق الترحيب، ونحن هنا لا نشكك البتة في مناضلي حركة فتح الذين يتحدثون مثلنا عن عبثية المفاوضات، وهم -خاصة الكوادر- يتوقون مثل أبناء شعبهم إلى مواجهة الطغيان الصهيوني كما فعلوا من قبل مع بقية أبناء شعبهم خلال انتفاضة الأقصى العظيمة.

إن المسار الذي يستحق الترحيب هو المسار الذي يُخرج القضية من متاهتها الراهنة، عبر الاكتفاء بجعل السلطة في الضفة وقطاع غزة سلطة مدنية تقوم على خدمة الناس، بينما تجري انتخابات في الداخل والخارج ما أمكن ذلك لاختيار قيادة موحدة للشعب الفلسطيني عبر إعادة تشكيل منظمة التحرير، ومن ثم التوافق على مرحلة جديدة من النضال ضد الاحتلال.

المشكلة أن مسار الدولة بعد الاعتراف بها في الأمم المتحدة (غير كاملة العضوية) سيهمّش منظمة التحرير، أما الأسوأ فهو أن القوم أنفسهم لن يقبلوا بإعادة تشكيلها على نحو يمنح حماس والجهاد ومن يؤيدون نهج المقاومة (سيؤيده أناس كثر من فتح أيضا) النصف أو أكثر، بما يعني اعتماد المقاومة سبيلا للتحرير.

أما إذا قبلوا تشكيلها على نحو عادل ونزيه، وكانت المصالحة على هذا الأساس، فهذا دون شك أمر جيد يمنح الأمل بإمكانية إخراج القضية من متاهتها الراهنة، وهي متاهة لا مجال للخروج منها بغير انتفاضة شاملة في الضفة الغربية ردا على الاستيطان والتهويد والحواجز والإذلال، وتشمل تاليا كل الأرض الفلسطينية، ويكون شعارها دحر الاحتلال دون قيد أو شرط عن الأراضي المحتلة عام 67، وحتى دون مفاوضات من الأصل قياسا على انسحاب الاحتلال من جنوب لبنان.

ولو استغلت حماس الفرصة بعد حرب غزة لطرح المشروع بصيغة إدارة مدنية بالتوافق في الضفة وغزة، مع انتفاضة شاملة ضد الاحتلال، لاستقطبت معظم القوى إلى جانبها، بما فيها عناصر من فتح.

آن أن تخرج فلسطين من المتاهة وتستغل أجواء الربيع العربي الجديدة وصحوة الشعوب العربية، لكي تخطو خطوة إلى الأمام على درب المقاومة والتحرير

المصيبة الأكبر بطبيعة الحال هي أن نكون بين خيارين أحلاهما مرّ: إما العودة إلى المتاهة القديمة حيث لا مصالحة ولا انتفاضة، وإنما انفصال بين غزة والضفة يريح الاحتلال من طرفيه (تهدئة هنا وتنسيق أمني هناك)، وإما وحدة تكرس القبول بواقع دولة تحت احتلال بأقل من 10% من أرض فلسطين، وهي الصيغة القائمة حاليا، مع فارق أنها ستضم قطاع غزة إليها.

إنهم يعلمون أن تسوية وفق ما يسمونها "الثوابت التاريخية" التي لا تشمل 78% من فلسطين، ليست واردة مع نتنياهو وليبرمان ولا مع أي أحد آخر، ولكنهم يتجاهلون ذلك تماما، ويتحدثون عن التفاوض كما لو أن كل شيء على ما يرام.

لقد آن أن تخرج فلسطين من هذه المتاهة، وتستغل أجواء الربيع العربي الجديدة وصحوة الشعوب العربية (إلى جانب الأجواء الدولية المقبولة قياسا بأيام التفرد الأميركي) لكي تخطو خطوة إلى الأمام على درب المقاومة والتحرير الحقيقي، بدل مسار الاستجداء وقبول الفتات الذي يقدمه الاحتلال، مع الحق في استمرار القول إن النضال مستمر!! ولن يحدث ذلك إلا بقيادة موحدة للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وإذا لم يكن فانتفاضة يفجرها الشعب وتفرض وحدة ميدانية بين جميع القوى على الأرض كما حصل في انتفاضة الأقصى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.