أزمة الإعلان الدستوري وتداعياتها في مصر

أزمة الإعلان الدستوري في مصر - عبد الله الأشعل

undefined

دوافع الإعلان الدستوري
صلب الإعلان وتحليله وقيمته القانونية
البيئة السياسية التي وقع الإعلان عليها
آثار وتداعيات الإعلان الدستوري
محاولات احتواء الموقف

أصدر الرئيس المصري محمد مرسى يوم 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2012 الإعلان الدستوري الجديد بشكل مفاجئ، مما أدى إلى اشتعال الساحة المصرية بأكملها بطريقة مفاجئة أيضاً، وكأن المسرح المشتعل كان معدا لاستقبال هذا الحدث. ولكن الجديد في تداعيات ردود الأفعال، هو التطور السريع نحو آثار خطيرة على كيان مصر في الداخل والخارج، بحيث يمكن القول إنها الأزمة الأخطر التي يتعرض لها النظام الجديد، وإذا قدر له تجاوزها، فإنها ستترك الكثير من الدروس والجراح.

ولذلك يجب أن نركز على خمسة محاور في تحليلنا لهذا الحدث الخطير الذي تجاوزت آثاره حجمه بمئات المرات، كما كشف عن حجم المؤامرة التي تتعرض لها مصر والنظام الجديد فيها.

فالأزمة في جوهرها سياسية بمناسبة الإعلان وليست خلافا قانونيا حول صلب الإعلان، ولذلك أصبح رفاق الأمس ضد مبارك فرقا متناحرة تركت الشعب بأكمله في مأزق أخطر بعدما صبر طويلاً انتظارا لتحقيق إنجازات النظام، ولكنه يدفع ثمناً باهظاً لصراعات النخبة التي لم تكن في قلب ثورة الشعب يوم 25 يناير/كانون الثاني 2011.

المحور الأول يتعلق بدوافع الإعلان الدستوري ومراميه، والمحور الثاني يتصل بصلب الإعلان وتحليله وآثاره القانونية. أما المحور الثالث فيعالج البيئة السياسية الملتهبة التي وقع الإعلان عليها، والقرارات المتباينة والتوظيف المتعمد للإعلان. وبينما يتصل المحور الرابع بالآثار الخطيرة والتداعيات التي حدثت بمناسبة الإعلان، يعالج المحور الخامس الاجتهادات المختلفة سعياً لاحتواء الموقف وتكاليف كل مخرج من هذه المخارج.

دوافع الإعلان الدستوري
قيل في تفسير دوافع الإعلان الدستوري الكثير، ونستطيع أن نحدد ثلاثة تفسيرات: أولها الذي قدمه الرئيس نفسه وأنه حريص على تهيئة البيئة المناسبة لصدور الإعلان الدستوري واستكمال المؤسسات ومكافحة الفساد بممارسة الصلاحيات الممنوحة قانونا للرئيس.

برر الرئيس إصدار الإعلان بأنه حريص على تهيئة البيئة المناسبة لصدور الإعلان الدستوري واستكمال المؤسسات, لكن المعارضة رأت فيه إنشاء دكتاتورية جديدة وتمكين الإخوان من مفاصل الدولة

وثانيها تفسير جبهة المعارضة الواسعة التي تشكلت لإسقاط الإعلان بكل الأدوات، منها الاحتجاج والإعلام والاعتصام والمظاهرات، بل وحتى استخدام العنف وتأليب الشعب ضد الرئيس والإخوان، وتقسيم المجتمع إلى إخوان وقوى مدنية، وتصوير الموقف على أن الرئيس يريد إنشاء دكتاتورية جديدة وتمكين الإخوان من مفاصل الدولة وتعطيل مسار تداول السلطة.

في هذا السياق وجد هذا التفسير في صياغة الإعلان وفي عدم تمكن الرئيس من تحقيق إنجازات شعبية كبيرة، سندا وحجة ساقت معها من الإشارات والحجج ما يشكك في صلاحية الرئيس نفسه، واستغلت في ذلك كل نقد ومعارضة مهما كانت موضوعية، وأعادت إلى الأذهان كل صور النقد للإخوان والدولة الدينية وصورة المرشد العام الذي يرونه الموجه والملهم لقرارات الرئيس. وعزز ذلك الاتجاه استقالة عدد من مساعدي ومستشاري الرئيس، وإعلان بعضهم أنهم لا يعلمون شيئا عن الإعلان ولم يستشاروا بشأنه.

التفسير الثالث يربط بين الإخوان وواشنطن، فيرى أن اتفاق التهدئة في غزة غير المعلن أسعد الولايات المتحدة ووثق العلاقة مع الإخوان، فسمحت للرئيس بإصدار هذا الإعلان.

صلب الإعلان وتحليله وقيمته القانونية
يتضمن الإعلان ست مواد -بخلاف مادة النشر والنفاذ- تتركز على إعادة التحقيقات والمحاكمات في جرائم قتل المتظاهرين وفقا لقانون حماية الثورة، كما ركز على تعيين نائب عام جديد محل النائب العام الذي استعصى على محاولة التخلص منه وانقلبت المحاولات سلبا على الرئيس.

ركز الإعلام من ناحية ثالثة على تحصين مجلس الشورى والجمعية التأسيسية للدستور من الحل بحكم قضائي، وكذلك تحصين قرارات الرئيس وأعماله القانونية منذ توليه السلطة وحتى بدء العمل بالدستور وانتخاب مجلس شعب جديد، من الطعن عليها أمام أي جهة وبأي طريقة، وانقضاء الدعاوى المنظورة أمام القضاء بشأنها. وأخيراً إطلاق يد الرئيس في اتخاذ التدابير الواجبة لمواجهة الخطر على الثورة والأمة والوحدة والوطنية ومؤسسات الدولة.

هذا الإعلان أنكر البعض عليه صفة الدستوري، وأنكر على الرئيس أن يتحول من الشرعية الدستورية إلى الشرعية الثورية، كما رأى البعض أن شل يد القضاء عن النظر في أعمال الرئيس والمؤسسات اعتداء صارخ على السلطة القضائية.

وأما عن قيمة الإعلان فهو إما معدوم القيمة وإما أنه يدخل في سلطات الرئيس وله قيمة كاملة، ولكل من النظرين أسانيده وحججه، بينما رأى البعض الآخر أن الإعلان استئناف لمعركة الرئيس مع القضاء الذي حل مجلس الشعب وينظر في حل مجلس الشورى والجمعية التأسيسية ويتمسك بالنائب العام، بل وينظر في دعوى بطلان انتخابات رئيس الجمهورية، وكلها أمثلة على الزج بالقضاء في صراع سياسي وتوظيفه لهدم الوطن وإعاقة صدور الدستور وتوريط الرئيس في حمل السلطة التشريعية مع التنفيذية، وابتداع ذرائع بأنه دكتاتور وأنه يجمع بين السلطات ويتجاوز القضاء.

يتعرض الرئيس والإخوان والتيار الإسلامي لمحاولات العزل والفصل بين القوى الإسلامية والقوى المدنية، وهو ما يعكس إيجاد بيئة يغلب عليها التربص والمؤامرة والتخطيط لتبشيع صورة الإخوان والتيار الإسلامي

البيئة السياسية التي وقع الإعلان عليها
المتابع للوضع المصري يلحظ أن الرئيس والإخوان والتيار الإسلامي يتعرضون لمحاولات العزل والفصل بين القوى الإسلامية والقوى المدنية، وهو تقسيم غريب ليس معروفاً في الأدبيات السياسية أو الواقع، وهي بيئة يغلب عليها التربص والمؤامرة والتخطيط لتبشيع صورة الإخوان والتيار الإسلامي.

ويرى البعض أن هذه المؤامرة يشترك فيها بعض رموز الداخل وقوى الخارج لإسقاط النظام وإخراج التيار الإسلامي تماماً مهزوماً من الساحة السياسية، خاصة بعد تكتل بعض الشخصيات التي أثارت جدلاً واسعاً في الساحة، ولذلك بدأت ردة الفعل أعلى بكثير من الفعل نفسه، كما بدت كأنها كانت تنتظر هذا الإعلان رغم أنه كان مفاجئاً، وقد وقعت على هذه الفريسة كما تقع الضباع على فرائسها.

وقد ساعد على ذلك أن النظام الجديد بدأ يفقد الكثير من بريقه بسبب البطء وعدم الإنجاز وتفاقم المشاكل، وما يبدو أنه عدم كفاءة في تحمل هذه المسؤولية الكبيرة، خاصة مع حرب الاستنزاف الأمنية والنفسية والمادية التي يتعرض لها النظام من التحالف بين هذه الرموز وجميع القوى المناهضة له.

آثار وتداعيات الإعلان الدستوري
لاحظنا أن الإعلان كان مناسبة ولم يكن بذاته السبب الحقيقي في ما حدث من تداعيات، بل تم توظيفه وقراءته بشكل يتناقض مع الدوافع الحقيقية عند الرئيس، فأصبح مادة خصبة لإثارة القلاقل والفتن والانقسام الحاد، وتم اختزال الإعلان في سؤال واحد: هل تؤيد الدكتاتورية أم تعارضها؟ وكأنه قطع بأن الإعلان يؤسس للدكتاتورية، ونشط الإعلام ونادي القضاة وبعض الشخصيات السياسية في توسيع دائرة الخلاف وتحويله إلى صراع دموي يمكن أن يتحول إلى حرب أهلية.

تطالب هذه الجبهة التي أطلقت على نفسها جبهة الإنقاذ الوطني بالتراجع عن هذا الإعلان، وطالب بعضهم الولايات المتحدة وأوروبا بمساندتهم في هذا المسعى، وهو ما لاقى استجابة محدودة من الخارج، ولكنه لاقى صدى مدمراً في الداخل، فقد انقسم حتى أنصار الرئيس بين مساند له ولإعلانه ومساند للرئيس وناقد بشكل ما للإعلان وخاصة للصياغة، وعدم التبصر بحالة التربص بالرئيس واستعداد عامة الشعب للتجاوب مع أعدائه بسبب حرب الاستنزاف ضده التي أعاقته عن الإنجاز.

أحدث الإعلان تجميعاً غريباً لكل معارضي الرئيس والإخوان، حيث يؤكدون أن الانقسام هو بين الثوار والإخوان وبين الإخوان والشعب، وفي هذا الإطار ظهرت أمارات المؤامرة وتوظيف البلطجية والاعتداء على مقرات الإخوان ومقرات حزبهم، وكأن هذا الاعتداء تعبير عن مكافحة الدكتاتورية ورفض نظام مستبد جديد.

ترتب على هذا الحدث نشوء احتكاك بين أنصار الإعلان ومعارضيه، واحتكاك بين أساتذة القانون أنفسهم، وكذلك بين القوى الثورية التي دعمت الرئيس ضد مرشح النظام السابق. كما زاد هذا الحدث التوتر بين الشرطة والمعارضين للإعلان من الشعب، وازدهرت أعمال البلطجة وصناعتها وتضرر الاقتصاد وانهارت البورصة وأصبح الاستقرار السياسي مهتزاً، مما يهدد المزيد من انعدام الاستثمار والثقة في الأوضاع داخل مصر وخارجها، خاصة أن بعض الأصوات في واشنطن بدأت تنضم إلى المعارضة المصرية للإعلان.

أما القضاء فقد انقسم انقساماً خطيراً، خاصة بعد دعوة نادي القضاة إلى التوقف عن العمل في المحاكم احتجاجاً على ما اعتبره انتهاكاً لسلطة القضاء، ودفاعاً عن استقلاله، رغم أن الحقيقة تخالف ذلك تماماً من الناحية الجوهرية. كما تحدى المحامون انضمام نقيبهم إلى نادي القضاة، وعلى العكس تحدى الصحفيون نقيبهم المؤيد للإعلان، ويسعى كلّ إلى عزل نقيبه. ويمكن أن يتطور الموقف إلى تهديد الأمن القومي المصري في جميع مفاصله.

محاولات احتواء الموقف
يدافع الإخوان المسلمون عن الإعلان الدستوري كما يدافعون عن مقرهم ضد أعمال الإجرام والبلطجة، أما الرئيس فقد أجرى لقاءات مع القوى السياسية والمجلس الأعلى للقضاء أملاً في إقناعهم بالإعلان ودوافعه ونفي ما علق به من تفسيرات، وبدت بوادر التحسن في ما أعلنه المجلس من أنه يوافق على تحسين قرارات الرئيس السيادية دون الإدارية، وهذا لا يضيف إلى ما تضمنه الإعلان ولن يجدي عند زعماء التمرد في نادي القضاة. ورغم أن المجلس الأعلى رفض الإضراب فإن الدعوة إليه تتسع، كما لا تزال المعارضة تصر على سحب الإعلان.

العبرة في النفوس المعطوبة والجهل بالحقائق, كما أن السياسة لا تدار بالنوايا الحسنة، خاصة عندما يتعلق الأمر بمصير دولة مركزية كمصر

والرئيس حاليا يقف بين الاستجابة حرفياً لمطلب المعارضة بما يؤكد أنه متردد ويدير البلاد بارتجالية ويستعدي عليه -دون مبرر- كل الطوائف، خاصة أنه لم يحقق إنجازا هاماً في برنامجه، وبين الإصرار على الإعلان دون تعديل مهما كانت فداحة الثمن.. فهو بين أمرين يقوضان في النهاية مصداقيته ويجعل سقوطه أمراً محتوماً.

ورغم أن هذه الضجة تعلو بكثير الإعلان، فإن الحذر في التوقيت والصياغة كان مطلوباً، حتى لا يكون إثم الإعلان أكبر من نفعه.

يبدو أن الحل يكمن في تقديم تفسير وتحليل لمواد الإعلان، والاستغناء عن بعض المواد التي لا تضيف شيئاً، خاصة أن تحصين الشورى والجمعية التأسيسية ليس حيوياً، كما أن ما قصده الرئيس قد انقلب إلى العكس تماماً.

وأخيراً فإن العبرة في النفوس المعطوبة والجهل بالحقائق، ولكن السياسة لا تدار بالنوايا الحسنة، خاصة عندما يتعلق الأمر بمصير دولة مركزية كمصر وظروف ضبابية كتلك التي تمر بها الآن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.