الانتخابات المبكرة وتحولات المشهد الإسرائيلي

الانتخابات المبكرة وتحولات المشهد الإسرائيلي الكاتب: نبيل السهلي

 undefined

خصائص النظام السياسي في إسرائيل
الانتخابات والمشهد السياسي القادم
الأحزاب العربية والانتخابات القادمة
الانتخابات والتحديات التي تواجه الفلسطينيين

بعد حلّ الكنيست الإسرائيلي الخامس عشر يوم الاثنين 15/10/2012 وتحديد موعد الانتخابات الإسرائيلية العامة المبكرة في يوم 22/1/2013، برزت أسئلة عديدة عن خصائص النظام السياسي الإسرائيلي والعوامل المؤثرة في اتجاهات تطور المشهد الإسرائيلي، فضلاً عن التكتلات الحزبية التي تشكل الأطياف السياسية في إسرائيل، وتداعيات نتائج الانتخابات على الفلسطينيين في ظل تسارع النشاط الاستيطاني في عمق الأراضي الفلسطينية وخاصة في مدينة القدس.

واللافت أن الانتخابات الإسرائيلية للكنيست تأتي في ظل احتجاجات اجتماعية متزايدة في إسرائيل تتصدرها الاعتبارات الأمنية والقلق المتزايد من اقتراب امتلاك إيران القوة النووية، ناهيك عن تحولات إقليمية ودولية ستفرض نفسها بشكل مباشر على شكل التكتلات والقوى السياسية في إسرائيل، وعلى الخيارات والقرارات والأولويات التي ستكون على أجندة عمل الحكومة الإسرائيلية القادمة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو عسكرية.

خصائص النظام السياسي في إسرائيل
يلاحظ المتابع للشأن السياسي الإسرائيلي أن ثمة خصائص أساسية وبارزة للنظام الحزبي الإسرائيلي، في المقدمة منها كثرة التشظيات والاندماجات الحزبية وتشكيل تكتلات قبل كل انتخابات إسرائيلية عامة للاستحواذ على مقاعد أكثر من أصل 120 مقعدا في الكنيست الإسرائيلي.

ثمة خصائص أساسية وبارزة للنظام الحزبي الإسرائيلي، في المقدمة منها كثرة التشظيات والاندماجات الحزبية وتشكيل تكتلات قبل كل انتخابات

ويلحظ المتابع أن الائتلافات والتكتلات عادة ما تحصل بين أحزاب من طيف سياسي واحد له أهداف ومواقف متقاربة من الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في إسرائيل. والثابت أن غالبية التكتلات تتآكل مع مرور الوقت، أو تتم عملية اندماج فيما بين أحزابها المختلفة خاصة عند تشكيل قوائم لخوض الانتخابات العامة في إسرائيل.

فحزب العمل -على سبيل المثال لا الحصر- وهو الحزب الذي قاد إسرائيل لسنوات عديدة كان محصلة سلسلة طويلة ومعقدة من الاندماجات بين أحزاب المعسكر اليساري، في حين تشكل حزب الليكود عبر ائتلاف بين أحزاب اليمين والوسط مع بعض أفراد حزب العمل كانوا انشقوا عن حزب العمل وأيدوا فكرة أرض إسرائيل الكاملة، وقد سطع نجم تجمع الليكود بعد فوزه في انتخابات صيف عام 1977، الأمر الذي أتاح بعد التاريخ المذكور الفرصة للأقلية العربية وأحزابها المختلفة دخول اللعبة الانتخابية في إسرائيل.

ومع صعود الأحزاب الدينية الشرقية والغربية ممثلة بحركتي شاس والمفدال إلى واجهة العمل السياسي في إسرائيل في عقد التسعينيات من القرن المنصرم، باتت الخريطة السياسية تتشكل من أربعة أطياف رئيسية منذ أوائل التسعينيات من القرن الماضي، وهي: تكتل حزب العمل وحلفاؤه، وتكتل حزب الليكود وحلفاؤه بما فيها حزب إسرائيل بيتنا الذي يتزعمه أفيغدور ليبرمان، فضلاً عن الأحزاب الدينية الغربية والشرقية، وتكتل الأحزاب العربية.

وبعد تشكيل أرييل شارون -الميت سريرياً- لحزب كاديما المنشق عن الليكود في نهاية عام 2005 أصبحت الخريطة السياسية في إسرائيل تتشكل من خمسة تكتلات رئيسية إضافة إلى أحزاب كثيرة في خارج التكتلات.

وقد تتم عمليات انشقاقات كبيرة في داخل صفوف الأحزاب والتكتلات المذكورة وتشكيل أحزاب أخرى لخوض الانتخابات الإسرائيلية المزمع إجراؤها في الثاني والعشرين من شهر يناير/كانون الثاني القادم.

الانتخابات والمشهد السياسي القادم
على خلفية الهاجس الأمني في المجتمع الإسرائيلي تمّ الإعلان عن تحالف غير مسبوق بين بنيامين نتنياهو وأفيغدور ليبرمان في قائمة انتخابية واحدة، وهو التحالف الذي يسعى للفوز بالانتخابات القادمة. حيث أشار محللون سياسيون في إسرائيل إلى أن التحالف المذكور قد يشكل الخطوة الأولى نحو تشكيل حكومة حرب في إسرائيل، بحيث تكون أولوياتها خيار الحرب مع إيران في المقام الأول، وكذلك الإبقاء على عدوان مستمر على قطاع غزة، وهذا ما نجح فيه نتنياهو حيث أرسل رسالة للمواطن الإسرائيلي أنه هو القادر على هذا القرار لكنه يحتاج إلى تفويض شعبي من جديد للحفاظ على أمن وبقاء إسرائيل وصيرورتها، وأن هذا هو الهدف الأسمى من تشكيل حكومته القادمة، وهو التوجه نفسه الذي يحمله أفيغدور ليبرمان زعيم حزب إسرائيل بيتنا.

وفي قراءة سريعة للمشهد السياسي القادم في إسرائيل، فثمة احتمالات كبيرة تشي بفوز معسكر اليمين الذي يقوده تحالف نتنياهو ليبرمان بعدد من المقاعد تسمح له بتشكيل حكومة قادرة على تحقيق أهدافها المعلنة. أما الاحتمال الثاني هو التساوي بين قوى اليسار التي يشكل نواتها حزبا كاديما والعمل، وهي قادرة على الاستئثار بعدد لا بأس به من المقاعد لكنها ستكون غير قادرة على تشكيل الحكومة القادمة نظراً لانزياح المجتمع الإسرائيلي نحو التطرف أكثر فأكثر. والاحتمال الأخير هو خيار تشكيل ائتلاف حكومي لعدم قدرة أي من القوتين على تحقيق فوز كاسح، وهو احتمال قائم، وهنا سيكون للأحزاب الإسرائيلية الصغيرة كلمتها في سياقات تشكيل الائتلاف المحتمل.
 

تتركز الأهداف الرئيسية للأحزاب العربية حول قضايا مطلبية للأقلية العربية في إسرائيل بشكل رئيسي، ناهيك عن شعارات عامة تدعو إلى إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة

الأحزاب العربية والانتخابات القادمة
من الأهمية الإشارة إلى النشاط السياسي للأقلية العربية في إسرائيل، فعلى الرغم من دخول العرب لعبة الحياة السياسية في إسرائيل فإنهم غير ممثلين حتى اللحظة بنفس ثقلهم البشري، ففي حين يشكلون نحو 20% من سكان إسرائيل لا يستحوذون إلا على عشرة مقاعد في الكنيست الإسرائيلي الخامس عشر المنحل.

 
وتتركز الأهداف الرئيسية للأحزاب العربية حول قضايا مطلبية للأقلية العربية في إسرائيل بشكل رئيسي، ناهيك عن شعارات عامة تدعو إلى إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

ويلحظ المتابع لتطور الأحزاب العربية في إسرائيل حدوث انقسامات بين فترة وأخرى نظراً لتمايز المواقف من قضايا مختلفة. وقد يتراجع عدد المقاعد التي ستستحوذ عليها الأحزاب العربية في الكنيست السادس عشر في حال عدم دخول الانتخابات العامة بكتلة واحدة خاصة في ظل استطلاعات الرأي الإسرائيلية التي تشير إلى انزياح المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين والمطالبة الدائمة من شرائح يهودية كبيرة لجهة عزل الأقلية العربية وأسرلتها وجعلها هامشية في كافة مناحي الحياة في إسرائيل.

وإلى حين إجراء الانتخابات الإسرائيلية العامة في إسرائيل في بداية العام القادم 2013، ستشهد الساحة السياسية في إسرائيل مزيداً من الاندماجات والتشظيات في التكتلات والأحزاب الإسرائيلية بغية تحسين الفرص الانتخابية والحصول على رصيد كبير من مؤسسات الحكم المختلفة في إسرائيل، وقد تساعد نسبة الحسم المتدنية في إسرائيل والتي لا تتجاوز 2% من مجموع أصوات الناخبين الأحزاب الهامشية على الاستئثار ببعض مقاعد الكنيست وبناء تحالفات والتأثير في اتخاذ القرارات السياسية أو المالية المتمثلة في الموازنة الإسرائيلية السنوية التي تعتبر من أهم اللعب الداخلية الإسرائيلية لنيل مزيد من أصوات الناخبين الإسرائيليين.

ومع قرب استحقاق الانتخابات العامة في إسرائيل، سيتركز الخطاب السياسي للأحزاب الإسرائيلية حول مستقبل الأراضي الفلسطينية وقضايا القدس واللاجئين والاستيطان والحدود، ولا توجد هوة كبيرة في خطابات الأحزاب المذكورة خاصة عند الحديث عن قضايا مفاوضات الوضع النهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يرافق ذلك خطاب عن الأهداف الحزبية التي تقرب الأحزاب من الجمهور الإسرائيلي، وتتركز تلك الأهداف حول ضرورات تحقيق الأمن والرفاه الاقتصادي والاجتماعي والضمان بكافة جوانبه، حيث تعتبر بمجملها نقاط إجماع للناخب الإسرائيلي وعامل فصل في صندوق الاقتراع.

الانتخابات والتحديات التي تواجه الفلسطينيين
يبقى السؤال المطروح: ما هي التداعيات السياسية المحتملة على الفلسطينيين بعد إجراء الانتخابات الإسرائيلية القادمة، واحتمال فوز نتنياهو وتحالفه الجديد مع ليبرمان؟ لعل أبرز التداعيات سيكون على خيار التسوية الذي سيصبح مستحيلا تبعاً لرفض إسرائيل أي شكل من أشكال قيام الدولة الفلسطينية، واستمرار سياسات الاستيطان والتهويد وعمليات القمع والتخريب في الضفة الغربية بما في ذلك مدينة القدس، ناهيك عن زيادة احتمالات استمرار الحصار والحرب على قطاع غزة.

يرى الفلسطينيون في التحالف المبكر الذي تم بين حزبي الليكود و"إسرائيل بيتنا" أنه تأكيد على حقيقة أن سياسة ليبرمان هي السياسة المنتهجة من قبل حكومة نتنياهو

حيث يرى الفلسطينيون في التحالف المبكر الذي تم بين حزبي الليكود و"إسرائيل بيتنا" أنه تأكيد على حقيقة أن سياسة أفيغدور ليبرمان هي السياسة المنتهجة من قبل حكومة نتنياهو.

وبطبيعة الحال يعكس هذا التحالف بين أقطاب التطرف الإسرائيلي حقيقة النوايا الإسرائيلية، ويكشف في الوقت ذاته الوجه الحقيقي لحكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة ومخططاتها القادمة، وينذر بهجمة ستكون أكثر شراسة على الأرض الفلسطينية المحتلة مما كانت عليه في السابق، كما يعبر عن الموقف الرسمي والحقيقي للاحتلال ونواياه التوسعية الاستيطانية، ولسياسة الحكومة اليمينية المتطرفة الرامية إلى نهب المزيد من الأرض الفلسطينية لصالح بناء المستوطنات وترسيخ فكرة يهودية الدولة على الأرض.

الأمر الذي يتطلب ضرورة استمرار المساعي الفلسطينية الداخلية الرامية إلى إتمام المصالحة الوطنية وإنهاء حالة الانقسام، كونها تشكل المدخل الرئيسي لإعادة بناء وتوحيد البيت الفلسطيني الداخلي وبالتالي القدرة على مواجهة التحديات التي ستفرضها نتائج الانتخابات القادمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.