موقع سيناء في الإستراتيجية الإسرائيلية
إسرائيل في سيناء عام 1948
لجأت إسرائيل إلى إجراء عملية توغل عميق في سيناء نهاية عام 1948، وهاجمت العريش من الجنوب، كما أرسلت مفرزة إلى منطقة بير الحسنة في وسط سيناء وانسحبت بعد ذلك.
على ضوء حرب عام 1948 عقدت اتفاقات الهدنة بين مصر وإسرائيل، ويلاحظ أن الاتفاقية بين البلدين أبعدت الدبابات المصرية والمدفعية ذات عيار أكبر من 81 مم إلى العريش غرب الحدود مع فلسطين المحتلة داخل سيناء نحو 40 كلم، كما اشتملت على منطقة منزوعة السلاح في منطقة العوجة شرق خط الحدود.
وهذه المنطقة وضعت تحت إشراف الأمم المتحدة، لكن إسرائيل طردت المندوبين الأمميين منها وأنشأت فيها مستوطنات.
ويفهم من ذلك أولا، حرص إسرائيل على إبعاد الوسائل التي يمكن أن تهدد مناطق الاستيطان الإسرائيلية، واختارت خط العريش لهذا الغرض.
بين عامي 1948 و1956 انحصر الاشتباك بين القوات المصرية والإسرائيلية في قطاع غزة خارج سيناء، ولكنها أغارت عام 1955 على منطقة الصابحة، وهي موقع قرب الحدود المصرية الفلسطينية على المحور الأوسط في سيناء، كما قامت بعدة اختراقات جوية في سيناء.
بعد عام 1956اعتبرت إسرائيل سيناء منطقة عازلة تبعد القوات المصرية عن قلب فلسطين المحتلة، واعتمدت على تعاونها مع القوات البريطانية الفرنسية سياسيا وجويا، وعلى القوات المدرعة للسيطرة على سيناء في غياب احتمال تهديد هجومي من القوات المصرية |
إسرائيل في سيناء عام 1956
شاركت إسرائيل في العدوان الثلاثي على مصر مع بريطانيا وفرنسا، إذ مهدت للعدوان بإسقاط قوة مظليين على ممر متلا في منطقة صدر الحيطان داخل سيناء، تمهيدا لتحرك باقي القوات من الكنتلا.
ثم إنها استغلت انسحاب القوات المصرية من سيناء لمواجهة الإنزال البريطاني الفرنسي لتحتل شبه الجزيرة وتحاول ضمها كمنطقة حدود آمنة، واستمرت في احتلالها حتى بعد انسحاب قوات بريطانيا وفرنسا من منطقة القناة، إلى أن أجبرت على الانسحاب من سيناء ثم من قطاع غزة في مارس/آذار 1957.
لم تنتشر القوات الإسرائيلية في سيناء، ولم تظهر على شاطئ القناة رغم الاحتلال، واعتبرت سيناء منطقة عازلة تبعد القوات المصرية عن قلب فلسطين المحتلة، واعتمدت على تعاونها مع القوات البريطانية والفرنسية سياسيا وجويا، وعلى القوات المدرعة للسيطرة على سيناء في غياب احتمال تهديد هجومي من القوات المصرية، بينما تتعرض إسرائيل لتهديد سوفياتي.
استغلت إسرائيل أزمة السويس لتحصل على ميزة إستراتيجية بوجود قوات دولية في شرم الشيخ، ومن ثم مرور الملاحة الإسرائيلية عبر مضايق العقبة منذ عام 1956 إلى 1967.
احتلال سيناء عام 1967
احتلت إسرائيل سيناء بعمل عدواني مدبر في يونيو/حزيران 1967، وسيطرت عليها ما عدا شريطا ضيقا صغيرا في منطقة بورفؤاد، وقد نظمت دفاعا محصنا عن سيناء يعتمد على تأييد الولايات المتحدة، وحاجة القوات المصرية إلى زمن للاستعداد للهجوم، وعلى نقاط حصينة في خط دفاعي على القناة، واحتياطيات على مسافات مختلفة في الخلف، ودوريات مدرعة بين النقاط الحصينة، واعتبرتها الحدود الآمنة التي يمكن الاستناد إليها، وأن تكون سيناء منطقة عازلة بين القوات المصرية وقلب إسرائيل، وأقامت بها بعض المشروعات الاقتصادية المحدودة.
وتبدو سيناء في الإستراتيجية التي تبنتها إسرائيل منطقة عازلة بين مصر وفلسطين المحتلة، بحيث تدور المعارك في سيناء، ويكون خط الدفاع النهائي عن إسرائيل يمتد من رأس محمد جنوبا على رأس مثلث شبه جزيرة سيناء الجنوبي إلى العريش على البحر المتوسط شمالا، بعيدا عن المراكز الرئيسية الإسرائيلية.
اهتمت الإستراتيجية الإسرائيلية بشكل خاص بعد 1967 بالوضع في شرم الشيخ ومضايق خليج العقبة وبالوجود البحري الإسرائيلي في خليج العقبة وخاصة في إيلات. ويكتمل هذا النظام بمنع إقامة دفاع جوي قوي لحماية المنطقة غرب قناة السويس |
لم تعتمد إسرائيل على انتشار قوات كبيرة في سيناء، واعتمدت على خط محصن على قناة السويس به نقاط قوية على القناة مباشرة، معتمدة عليها كمانع مائي فريد مقوى بالأسلاك والألغام، وزادت عليه بالاستعداد لإطلاق كميات من الوقود الملتهب لعرقلة اقتحام المانع المائي.
وكانت النقاط القوية محصنة تحصينا عاليا معتمدا على خليط من الخرسانة المسلحة، وأقفاص حجرية، وقضبان سكة حديد، ومرابض نيران للدبابات والمدافع. وبين النقاط القوية ثغرات تتراوح بين خمسة وعشرة كيلومترات تغطيها دوريات من الدبابات والمركبات المدرعة، وبها مرابض نيران للدبابات جاهزة لأن تحتلها الدبابات التي تتقدم لسد الثغرات وفقا لتقدم القوات المهاجمة.
وخلف هذا الخط سلسلة من الاحتياطيات متدرجة في قوتها وفي بعدها عن خط القناة في عمق سيناء.
وذلك بالتنسيق مع استطلاع جوي منتظم، ونظام لاستخدام القوات الجوية الإسرائيلية لتقديم المعاونة القريبة لخط الدفاع المحصن مع حماية الجانب البحري بواسطة لنشات الصواريخ والغواصات.
وقد اهتمت الإستراتيجية الإسرائيلية بشكل خاص بالوضع في شرم الشيخ ومضايق خليج العقبة وبالوجود البحري الإسرائيلي في خليج العقبة وخاصة في إيلات. ويكتمل هذا النظام بمنع إقامة دفاع جوي قوي لحماية المنطقة غرب قناة السويس.
اهتمت إسرائيل بضمان أمن سيناء أثناء احتلالها لها عبر توفير احتياجات السكان وتحميل شيوخ القبائل البدوية مسؤولية تأمين مناطق وجود كل قبيلة، كما أقامت بعض مشروعات التنمية القليلة معتمدة على إمكانيات سيناء في مجال السياحة ومصايد الأسماك.
سيناء بعد حرب عام 1973
اهتزت الإستراتيجية الإسرائيلية في سيناء أثناء حرب عام 1973، حيث تمكنت القوات المصرية من اقتحام قناة السويس وتثبيت وجودها في سيناء، كما كبدت العدو خسائر ملموسة. لكن إسرائيل بمعاونة من الولايات المتحدة وبالاستفادة من بعض الأخطاء، استطاعت التماسك وتحقيق اختراق في الدفاعات المصرية بما فيها الدفاع الجوي، وقطعت خطوط إمداد قوات الجيش الثالث، كما استفادت من الاختلافات بين مصر وسوريا وخلافات عربية أخرى، وبنت خطوطا دفاعية في العمق متتالية بين قناة السويس والحائط الغربي لسيناء، وفقا لمراحل التفاوض والفصل بين القوات إلى حين توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل.
في حال نشوب صراع مسلح بين القوات الإسرائيلية والقوات المصرية سيكون ذلك أساسا على أراضي شبه جزيرة سيناء، وقد تمتد إلى غرب القناة، وليس من صالح إسرائيل أن تكون العلاقة بين أهالي سيناء والسلطات المصرية جيدة |
عناصر إستراتيجية إسرائيل في سيناء
من دراسة ما أصرت عليه إسرائيل خلال مفاوضات السلام، يمكن الخروج بالاستنتاجات الآتية:
– تَعتبِر إسرائيل استمرارَ السلام بين مصر وإسرائيل -بما عرف بمعاهدة سيناء بشكلها الحالي ودون تغيير- ضمانا لعدم تجدد صراع مسلح على نطاق واسع بينها وبين الدول العربية، وتأمينا لكيان إسرائيل.
– ضمان الولايات المتحدة لتفوق إسرائيل العسكري على مصر يضمن عدم تعرض تل أبيب لمخاطر عسكرية عربية عموما وفي سيناء خصوصا.
– استمرت القيادة الإسرائيلية في اعتبار قناة السويس حدا آمنا لإسرائيل، وشبه جزيرة سيناء رهينة في يد إسرائيل يمكنها إعادة احتلالها بسهولة، ومنطقة عازلة بين القوات المصرية والأهداف الإسرائيلية، مع تعديل محدود بالسماح بوجود قوات محدودة غربي الحائط الغربي لسيناء، وقوات خفيفة شرقه، دون أي دفاع جوي مؤثر أو قوات جوية مقاتلة، ومع بقاء خط الدفاع الإستراتيجي خطا نهائيا للدفاع خارج إسرائيل، وبحيث تستطيع القوات الإسرائيلية العودة إلى أوضاع ما قبل أكتوبر/تشرين الأول 1973 قبل انتقال القوات المصرية الرئيسية من غرب قناة السويس إلى شرقها.
– في حال نشوب صراع مسلح بين القوات الإسرائيلية والقوات المصرية سيكون ذلك أساسا على أراضي شبه جزيرة سيناء، وقد تمتد إلى غرب القناة تأكيدا للغرض النهائي لحدود إسرائيل إلى نهر النيل.
– ليس من صالح إسرائيل أن تكون العلاقة بين أهالي سيناء والسلطات المصرية جيدة، وعلى إسرائيل أن تسعى لتوفير عناصر التوتر بينهما.
– يجب ألا تعوق مصر -بأي حال من الأحوال- حرية الملاحة الإسرائيلية في خليج العقبة عبر وجودها في سيناء، وأن يضمن ذلك وجود عسكري دولي على المضايق.
– يجب ألا تكون شبه جزيرة سيناء مصدرا لأعمال مضادة لإسرائيل، ويمكن مساعدة السلطات المصرية وخاصة الشرطة على ضمان ذلك، دون تغيير جوهري في القيود المفروضة على القوات المسلحة.
– وجود عسكري دولي بين مصر وإسرائيل في سيناء يضمن التزام مصر بالمعاهدة، بشرط أن تكون عناصره مقبولة بالنسبة لإسرائيل.
قيام ثورة في مصر أدت إلى تولي قوة معادية بطبعها للوجود الإسرائيلي، جعل إسرائيل تتخوف مما يمكن أن يؤدي إليه التغيير، وتتشدد في تطبيق معاهدة السلام بجميع ملاحقها |
سيناء في الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية بعد معاهدة السلام
حافظت إسرائيل ومصر على معاهدة السلام بينهما، وحرصت إسرائيل على الحفاظ على الخطوط العامة السابقة في سيناء، وجدّت بعد توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل أوضاع جديدة استدعت تغييرات عما كان متصورا، وتتلخص في الآتي:
– الخلاف بين مصر وإسرائيل على خط الحدود بينهما في منطقة طابا لجأت القاهرة فيه إلى التحكيم الدولي وفقا لمعاهدة السلام، وأدى إلى استمرار الخلاف بينهما إلى أن صدر قرار التحكيم، وحرم إسرائيل من منطقة كانت قد اعتبرتها ضمن أراضيها ولها أهمية إستراتيجية لامتداد منفذها البحري على خليج العقبة. وقد تعدّل خط الحدود وفقا للقرار، وقبلت إسرائيل به على مضض حفاظا على المعاهدة.
– لم تتمكن الولايات المتحدة من ضمان تشكيل قوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة لاعتراض الاتحاد السوفياتي حينئذ، وذلك بعدما هاجمت جماعات متطرفة إسرائيل من مصر ومن خلال قوة قطاع غزة، فقد وافقت إسرائيل على أن تُدخِل مصر قوة محدودة من قوات الحدود لمراقبة الحدود مع قطاع غزة، ومنع التسلل من خلالها دون تغيير في معاهدة السلام. كما اتفقت إسرائيل ومصر والولايات المتحدة على إقامة جدار بين قطاع غزة ومصر لمنع التسلل عبر الأنفاق وعبر الحدود.
– وجود جماعات متطرفة في سيناء مضادة للحكومة المصرية وضد إسرائيل في نفس الوقت، جعل إسرائيل توافق على دخول بعض القوات المصرية على غير ما تنص عليه معاهدة السلام وبدون تعديلها، ولكنها عادت لتطالب بسحب القوات التي لم توافق عليها.
– قيام ثورة في مصر أدت إلى تولي قوة معادية بطبعها للوجود الإسرائيلي، جعل إسرائيل تتخوف مما يمكن أن يؤدي إليه التغيير، وتتشدد في تطبيق معاهدة السلام بجميع ملاحقها.
خلاصة
سيبقى موقع سيناء في الإستراتيجية الإسرائيلية بحكم بما توصلت إليه عبر مراحل الصراع المختلفة، منطقة عازلة مكشوفة تبعد القوات المصرية الرئيسية عن الأهداف الحيوية الإسرائيلية، وضمانا لعدم مفاجأة إسرائيل، وميدانا محتملا لأعمال قتال قواتها الجوية والبحرية والمدرعة، ولا تسمح باختراق خط العريش رأس محمد بقوات رئيسية، ولا بإغلاق قناة السويس ومضايق العقبة في وجه الملاحة الإسرائيلية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.