استعصاءات التحول إلى ملكية برلمانية في المغرب
رغم أن حركة 20 فبراير التي قادت الحركة الاحتجاجية في المغرب لا تتجاوز قدرتها على حشد أكثر من 150 ألف شخص في عموم المغرب، حسب مصدر دبلوماسي غربي بتاريخ 20 مارس/آذار 2011، فإنها تعتبر أقلية غير ممثلة بما فيه الكفاية إذا أخذنا بعين الاعتبار سكان المملكة المغربية الذين يتجاوزون 32 مليون نسمة، فإن الملك محمد السادس لم ينظر إلى مسألة الأكثرية والأقلية السياسيتين من وجهة نظر عملية حسابية بأرقام الأشخاص، ولم يتجاهلها كما فعلت الأنظمة المستبدة العربية، حيث أدى هذا التجاهل إلى دخول بلدان عربية عدة إلى حروب أهلية صريحة ومبطنة، بل نظر إليها على أنها مسألة ديمقراطية، تتعلق بالمساواة والحرية وروح المواطنة.
" بموجب الدستور الجديد تتمتع المملكة المغربية، إلى جانب الملك، برئيس الحكومة يمارس صلاحيات كاملة، ويعتبر هذا التحول بمنزلة المظهر الجديد في المشهد السياسي، الذي لا يرقي بكل تأكيد إلى مرتبة الثورة " |
غير أن الملك محمد السادس سرعان ما نظر إلى آلاف المتظاهرين من حركة 20 فبراير على أنهم لم يتظاهروا ضد شخصه، وأن شرعيتهم لا تأتي من عددهم كأقلية، وإنما من جرأتهم على القول والتحدث عن أزمات المغرب بصوت عال وما يعتقد كثير من المغاربة في قوله بصوت منخفض: ضد الغطرسة والاحتقار والفساد والمحسوبية وفساد الحكم.
بعد اثني عشر عاما من صعوده إلى عرش المملكة المغربية، أعلن الملك محمد السادس للشعب المغربي تغييرا جذرياً للمشهد السياسي في المغرب، من خلال الخطاب الذي ألقاه يوم 17 يونيو/حزيران 2011، المتعلق بمشروع الدستور الجديد الذي أُخضع لاستفتاء شعبي في الأول من يوليو/تموز الماضي، حيث جاءت نتيجة التصويت بـ98% بـ"نعم" لصالح الدستور الجديد، وسط نسبة مشاركة قاربت الـ75%.
إضافة إلى ذلك، يهدف الدستور الجديد إلى توسيع نطاق الحريات الفردية والجماعية، وينص على المساواة بين الرجل والمرأة، وخطط لتأكيد الإسلام كدين الدولة، لكنه ينوي أيضا ضمان حرية العبادة. كما أن القانون الجديد الأساسي حدّد أيضا "الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية".
ويتضمن الدستور الجديد محاور عديدة، وهو قائم على هندسة جديدة، لكل أبوابه، من الديباجة، كجزء لا يتجزأ من الدستور، إلى آخر فصوله التي ارتفع عددها من 108 إلى 180 فصلا. وأما من حيث المضمون، فهو يؤسس لنموذج دستوري مغربي متميز، قائم على دعامتين متكاملتين،
تتمثل الدعامة الأولى "في التشبث بالثوابت الراسخة للأمة المغربية، التي نحن على استمرارها مؤتمنون، وذلك ضمن دولة إسلامية يتولى فيها الملك، أمير المؤمنين، حماية الملة والدين، وضمان حرية ممارسة الشعائر الدينية".
أما الدعامة الثانية فتتجلى في تكريس مقومات وآليات الطابع البرلماني للنظام السياسي المغربي، في أسسه القائمة على مبادئ سيادة الأمة، وسمو الدستور، كمصدر لجميع السلطات، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وذلك في إطار نسق دستوري فعال ومعقلن، جوهره فصل السلطات، واستقلالها وتوازنها، وغايته المثلى حرية وكرامة المواطن.
ويلمس المحللون في تقسيم هذه المادة 19 بداية حقيقية للفصل بين المقدس والزمني، إنها شكل من العلمانية القريبة من النموذج الأوروبي، حسب قول لحسن داودي رئيس الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية المغربي (حزب إسلامي معتدل له 46 نائباً في البرلمان).
" تكريسا للمسؤولية الكاملة لرئيس الحكومة على أعضائها، فإن الدستور يخوله صلاحية اقتراحهم، وإنهاء مهامهم، وقيادة وتنسيق العمل الحكومي، والإشراف على الإدارة العمومية " |
غير أن التحول الديمقراطي المهم في الدستور الجديد هو ما جاء في المحور الرابع: الانبثاق الديمقراطي للسلطة التنفيذية، بقيادة رئيس الحكومة، وفي هذا الصدد، تم الارتقاء بالمكانة الدستورية "للوزير الأول" إلى "رئيس للحكومة"، وللجهاز التنفيذي، الذي يتم تعيينه من الحزب الذي تصدر انتخابات مجلس النواب، تجسيدا لانبثاق الحكومة عن الاقتراع العام المباشر.
وكان العاهل المغربي شدّد على أن البرلمان يمارس اختصاصات تشريعية ورقابة واسعة و"تكريس مسؤولية الحكومة حصريا أمامه" وترفيع نفوذه الدستوري ليشمل 60 مجالا، بعد أن كان الدستور المعدل لعام 1996 يحددها في 30 مجالا.. وخفّض الدستور الجديد أعضاء مجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان) إلى ما بين 90 و120 عضواً بعدما كان موازيا لمجلس النواب بأكثر من 200 عضو.
في مقابل مواقف هذه الأحزاب المؤيدة للدستور الجديد، لم تخف "حركة 20 فبراير" المواكبة لربيع الثورات الديمقراطية في العالم العربي، التي تقود منذ فترة تحركات احتجاجية في المغرب، خيبة أملها، لأنها ترى أن الدستور الجديد لا يستجيب إلى المطالب الحقيقية للشعب المغربي، لا سيما تلك المتعلقة بالفصل بين السلطات. وتطالب الحركة الشبابية المغربية بإصلاحات سياسية عميقة وبملكية برلمانية.
" رغم أن الملك محمد السادس قام بإحداث تغييرات عميقة في المؤسسات، فإنه مع كل ذلك لا يزال يمتلك الصلاحيات التي تمكنه من القيام بمهمته المزدوجة والخطيرة " |
رغم أن الملك محمد السادس قام بإحداث تغييرات عميقة في المؤسسات، فإنه مع كل ذلك لا يزال يمتلك الصلاحيات التي تمكنه من القيام بمهمته المزدوجة والخطيرة: الأولى، وهي المهمة التقليدية الموغلة في التاريخ المغربي "الملك أمير المؤمنين"، الساهر على احترام الإسلام، والمحافظ على هوية "الأمة القديمة"، والثانية تسريع انغراس "الأمة" في عالم الحداثة.
ويرى هشام بن عبد الله، المعروف بـ"مولاي هشام"، وهو ابن عم الملك المغربي محمد الخامس، أن الحل في المغرب يكمن في بناء ملكية دستورية على غرار ما هو سائد في بريطانيا.. فـ"القداسة" للملك من وجهة نظره لا تتواءم مع الديمقراطية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.