العرب وحملة إنقاذ الصومال

حمدي عبد الرحمن - عنوان المقال: العرب وحملة إنقاذ الصومال



– صناعة المساعدات الإنسانية

– مخاطر تقسيم الصومال
– نحو حملة إنقاذ عربية

 

عادت الصومال ومنطقة القرن الأفريقي لتتبوأ مكانتها في صدارة اهتمام الإعلام الدولي، إذ طبقا لتقارير الأمم المتحدة وكثير من المنظمات الدولية غير الحكومية فإن معظم مناطق جنوب الصومال تعاني أزمة غذاء حادة لم تشهد مثلها منذ عشرين عاما.

 

وثمة مخاوف من أن نحو 11 مليونا من البشر في هذه المنطقة مهددون بالموت جوعا، مما دفع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى مطالبة المانحين بضرورة تقديم نحو 1.5 مليار دولار لمساعدة الصومال وحده.

 

وإذا كان الأفارقة قد أدركوا هذه المرة أن الصومال دولة أفريقية، وهو عضو في الاتحاد الأفريقي الذي يرفض التدخل الدولي في شؤون أعضائه، فأخذتهم العزة وهبوا لنجدة إخوانهم الصوماليين من خلال التبرع ببضعة آلاف من الدولارات، فإن العرب لم يكونوا بأحسن حالا حيث أدركوا أن الصومال جزء من خريطة الوطن العربي الكبير، بيد أنهم انشغلوا مع ذلك بمواجهة توابع تسونامي الثورات العربية.

 

وعليه فقد بقي الحال على ما هو عليه وفقا لسوابق التدخل الدولي الذي وصف بالإنساني في الصومال.

 

فالصورة الإعلامية الرائجة هي لامرأة غربية بيضاء ترتدي قميصاً يحمل اسم منظمة الإغاثة التي تعمل لديها وتتحدث عن معاناة الأمهات والأطفال الذين أصابهم الوهن والهزال نتيجة السير أميالا طويلة بحثاً عن الطعام. وهكذا تبدو ملامح الصورة مكتملة لتجميل الوجه الإنساني الغربي الذي يهب لنجدة الجياع والمحتاجين في مختلف أنحاء العالم.

 

بيد أن ثمة قراءة أخرى لما يحدث على أرض الواقع تظهر الوجه الآخر لحملة إنقاذ الصومال وتبين أغراض التدخل الغربي "اللاإنساني" في القرن الأفريقي عموما.

 

فلم يبق في جعبة الدول الغربية سوى إدارة المساعدات الإنسانية وأعمال الإغاثة بهدف السيطرة على مناطق التمرد القبلي والإسلامي. وليس هناك من بد هذه المرة من أن يكون التدخل غربيا نظرا لعزوف كل من العرب والأفارقة عن القيام بهذه المهمة.

 

فكيف يمكن فهم أبعاد ودلالات سياسة المساعدات والإغاثة الدولية للصومال؟

 

"
الصورة مكتملة لتجميل الوجه الإنساني الغربي الذي يهب لنجدة الجياع والمحتاجين في مختلف أنحاء العالم. بيد أن ثمة قراءة أخرى لما يحدث على أرض الواقع ،تظهر الوجه الآخر لحملة إنقاذ الصومال وتبين أغراض التدخل الغربي اللاإنساني في القرن الأفريقي عموما
"

صناعة المساعدات الإنسانية
ثمة اتجاه نقدي قوي لسياسات المانحين ومنظمات الإغاثة الدولية في أفريقيا، فالصحفية الهولندية ليندا بولمان أصدرت كتابا يحمل اسم "قافلة الأزمة"
تؤكد من خلاله أن المساعدات الإنسانية تحولت إلى صناعة رائجة.

 

فالعديد من منظمات الإغاثة مثل "كير" و"أطباء بلا حدود" و"أكسفام" و"صندوق إنقاذ الأطفال" أضحت تتنافس فيما بينها للسيطرة على مناطق الكوارث بغية الحصول على نصيب الأسد من أموال الإغاثة.

 

وعليه فإن الكارثة الصومالية تجتذب أكثر من ألف منظمة إغاثة وطنية ودولية، ناهيك عن العديد من الجمعيات الخيرية الصغيرة التي تتولى جمع الأموال عبر دور العبادة والنوادي وغيرها من مصادر التمويل الخيرية.

 

ويلاحظ أن قسطاً كبيراً من أموال المساعدات تنفق لتغطية التكاليف الإدارية واللوجستية لوكالات الإغاثة، بما في ذلك مرتبات العاملين بها الذين يتنقلون في سيارات فارهة ويعيشون في نزل توفر لهم مظاهر الرفاهية والأبهة التي اعتادوا عليها.

 

وعلى صعيد آخر هناك من يرى أن المجاعة في الصومال والقرن الأفريقي ليست فقط بسبب الجفاف، وإنما هناك أسباب أخرى ترتبط بالسياسات الخاطئة تجاه الصومال، وهو ما يبرر قول البعض بأن المجاعة الصومالية ربما تكون صناعة غربية مكتملة الأركان.

 

فالمجاعة والمساعدات الغذائية تشكلان النمط المسيطر اليوم على المشهد الصومالي، في حين يتدافع المانحون ومنظمات الإغاثة الدولية للتعامل مع الأزمة التي صنعوها بأيديهم.

 

وطبقا لوصف الطبيب الفرنسي جان روفين صاحب كتاب "المأزق الإنساني" فإن "الصعوبات الواقعية في الصومال لم تنشأ من نقص في الغذاء أو المعونات المالية، وإنما من عدم الكفاءة في توزيع تلك المساعدات، بالإضافة إلى عدم الاستقرار المزمن في البلاد.

 

فانتشار الجماعات المسلحة في كل مكان وفرضها إتاوات على السكان، بل والاستيلاء عنوة على المساعدات الموجهة لهم، أدى إلى عدم فعالية عمليات الغوث الإنساني".

 

وينطبق المثل الدارج "مصائب قوم عند قوم فوائد" تماما على الحالة الصومالية التي تمثل فرصة للربح والحصول على الأموال من جانب آلاف عمال الإغاثة الغربيين.

 

ويطرح مايكل مارن في كتابه "الطريق إلى الجحيم" الصادر عام 1997 تحليلاً مفيداً لإشكالية العلاقة بين السياسة واقتصاد المساعدات الغذائية من واقع خبرة الصومال عام 1979 مع إثيوبيا وحتى سنوات المجاعة التي ضربت المنطقة في أعوام 1991-1993.

 

لقد أدت سياسات المساعدات الغذائية إلى القضاء على الإنتاج المحلي من الغذاء، كما أسهمت في تمويل الحروب الأهلية وخلق حالة من الأزمة الغذائية الدائمة.

 

ونظراً لغياب الحكومة والسلطة المركزية الفعالة منذ عام 1991، أضحت وكالات الإغاثة الدولية تتصرف كأنها الحاكم الفعلي في البلاد، دون وجود أي رقيب أو حسيب عليها.

 

وربما دفع ذلك إلى القول بأن الصومال تديره وكالات الغوث الدولية، أما الحكومة الانتقالية فهي ظاهرة افتراضية وكفى.

 

"
الغرب -وخاصة الولايات المتحدة- تحت وطأة الأزمة المالية ضاق ذرعا بالقضية الصومالية، وهو يحاول اليوم جاهدا البحث عن مخرج حاسم دون تكلفة باهظة. إنه يريد حكومة فعالة تتعاون معه في إطار برنامج محاربة ما يسمى الإرهاب
"

مخاطر تقسيم الصومال
ارتبطت حملة إنقاذ الصومال من المجاعة بحدوث تحول في المقاربة الدولية تجاه الأزمة الصومالية، إذ إن تحالف القوى المانحة والأمم المتحدة بات أكثر تصميما على ضرورة إنهاء المرحلة الانتقالية في أغسطس/آب 2012 من خلال تأسيس حكومة وحدة وطنية دائمة.

 

واللافت للانتباه هنا أن الحكومة الانتقالية بزعامة شريف شيخ أحمد لم تعد هي الشريك المفضل لدى هذا التحالف الدولي. ويمكن الإشارة إلى أمرين هامين لهما دلالة واضحة على ما نقول:

 

أولا- القبول بالتعامل مع حركة شباب المجاهدين الذين يسيطرون على معظم أرجاء جنوب الصومال، وذلك بحجة التنسيق لتوزيع أعمال الإغاثة الإنسانية.

 

ويلاحظ أن حركة الشباب -بغض النظر عن برنامجها السياسي- تفهم جيداً أبعاد التدخل الدولي الإنساني الصومالي وتحذر من تسييس قضية المجاعة بغرض تحقيق مصالح القوى الدولية الفاعلة في الصومال.

 

ثانيا- الإعلان عن الاجتماع التشاوري لإنهاء المرحلة الانتقالية في الصومال، إذ يهدف التحالف الدولي إلى إجراء حوار صومالي يضم إلى جانب الحكومة الانتقالية الاتحادية الحكومات الإقليمية المستقلة مثل بونت لاند، وكذلك الإدارات ذات الحكم الذاتي مثل جالمودوج.

 

ويبدو أن الغرب -وخاصة الولايات المتحدة- تحت وطأة الأزمة المالية ضاق ذرعا بالقضية الصومالية، وهو يحاول اليوم جاهدا البحث عن مخرج حاسم دون تكلفة باهظة. إنه يريد حكومة فعالة تتعاون معه في إطار برنامج محاربة ما يسمى الإرهاب.

 

وعليه فإن الاستخدام السياسي لمسألة المجاعة يساعد على إعادة الصياغة الجيوستراتيجية في الصومال ومنطقة القرن الأفريقي بشكل عام.

 

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ماذا لو فشلت عملية المصالحة الصومالية في إنهاء المرحلة الانتقالية بحلول أغسطس/آب 2012؟ فهل يقبل التحالف الدولي التعامل مع الكيانات الصومالية المستقلة بشكل قانوني أو واقعي؟

 

أغلب الظن أن الدول المانحة لن تعود إلى السياسات القديمة بالتعامل فقط مع الحكومة الانتقالية، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى الدخول في مرحلة تقسيم الصومال.

 

"
ينبغي أن يشارك العرب في صياغة خريطة طريق عربية تضمن وحدة أراضي الصومال وسلامتها، لأن ثمة اتجاها دوليا تتبلور معالمه اليوم، يمكنه أن يقبل بالتعامل مع كيانات سياسية صومالية مستقلة على أسس قانونية أو واقعية
"

نحو حملة إنقاذ عربية
أحسب أن رد الفعل العربي نحو الأزمة الصومالية عموماً لم يتعد مرتبة الأقوال والأمنيات، ولذلك ترك الصومال حقلاً لتجارب ومبادرات دولية وأفريقية، وكان العنوان الأبرز دائما هو الغياب العربي عن تفاعلات العملية السياسية في الصومال.

 

وإذا أدركنا أن جنوب الصومال وشمال كينيا -وهي صومالية الانتماء والهوية- وشرق إثيوبيا -وهي صومالية أصيلة- تعد من أكثر مناطق المعمورة فقرا وحاجة إلى المعونات الغذائية، لأدركنا أن الأمن العربي في امتداده الأفريقي يعاني تهديدات خطيرة تكاد تنال من وجود جسده الاجتماعي.

 

ويمكن تفعيل الدور العربي في الصومال من خلال مسارين أساسيين:

 

أولهما إضفاء الطابع المؤسسي على عمليات الإغاثة العربية للصومال، فالأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي وجه نداء استغاثة إلى الدول الأعضاء من أجل تقديم الدعم الإنساني والإغاثي للشعب الصومالي. وأظن أنه من الأفضل إنشاء لجنة عربية عليا تتولى تنسيق أعمال الإغاثة العربية للصومال، وذلك وفقاً لخطة ورؤية واحدة تأخذ في الحسبان المصالح القومية العربية العليا باعتبار أن الصومال جزء لا يتجزأ من منظومة الأمن القومي العربي.

 

أما المسار الثاني فهو سياسي، بحيث يشارك العرب في صياغة خريطة طريق عربية تضمن وحدة أراضي الصومال وسلامتها، لأن ثمة اتجاها دوليا تتبلور معالمه اليوم، يمكنه أن يقبل بالتعامل مع كيانات سياسية صومالية مستقلة على أسس قانونية أو واقعية. وعليه فإن على العرب ألا يسمحوا بتكرار السيناريو السوداني على أراضي الصومال الكبير.

 

إن علينا اليوم -أكثر من أي وقت مضى- إعادة النظر والتأمل في ما يحدث من تغيرات وتحولات في مناطق الأطراف للنظام الإقليمي العربي، ولاسيما في امتداده الأفريقي.

 

فهل يمكن أن تشكل مجاعة الصومال فرصة سانحة لحملة عربية واعية لإنقاذ أهلنا الصوماليين من أنواء الطبيعة وأطماع القوى المانحة الساعية لكسب السيطرة والنفوذ؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.