حزب الله في زمن الثورات العربية
داعمو المقاومة وخيبات الأمل
حزب الله يقرأ كتاب الثورات العربية
حزب الله وسوريا
حزب الله والوضع اللبناني
الخاتمة
إذا كانت الشعوب العربية دخلت عصراً جديداً، بدأ فيه التأريخ لحقبة وليدة مع تفجر الثورات التي كان الفضل في كتابة أول سطر فيها للشّاب التونسي محمد البوعزيزي، فإن كلّ الكيانات السياسية من نُظم وأحزاب وهيئات قد بدأت هي الأخرى تتحسس رؤوسها ورقابها، بدءاً بالنُظم المستبدة وصولاً إلى تيارات ثورية استمدت شرعيتها من حرصها على ثوابت الأمة ووقوفها بوجه الطغيان المحلي والدولي شأن تنظيم القاعدة حيث سحبت الجماهير الهادرة في تدفقها نحو الميادين البساط من تحت أقدامه لتقول: من هنا يبدأ التغيير، من صدورنا العارية وقبضات أيدينا التي تلامس وجه السماء تطلعاً للحرية والكرامة.
داعمو المقاومة وخيبات الأمل
مع جلجلة التحولات والتبدلات التي طالت غالبية المفاهيم والمعادلات السياسية في عالمنا العربي يتلمّس البعضُ موقع قدم حزب الله على خريطة هذا التحول ومدى صلابة الأرض التي يقف عليها.
" |
حيث لعهد قريب جداً كان البعض يراهن على أن حزب الله بسواعد مقاوميه وانتصاراته، التي آتت أُكُلها بانسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان في العام 2000 دون قيد أو شرط وإرجاع جيش الاحتلال في حرب يوليو/ تموز 2006 على أعقابه خاسئاً دون تحقيق أبرز أهدافه في استرجاع الجندييْن المخطوفيْن، هو من سيحرق الهشيم الذي يقف حاجزاً بين الشعوب العربية وتطلعاتها نحو الكرامة بعد أن حقق انتصارات في زمن الهزائم التي مُنيت بها الأمة العربية منذ ما يربو على أربعين عاماً إلى اليوم، وليس جسد البوعزيزي!
وقال محبو المقاومة والمنافحون عنها: إن الثورات العربية ستخلق في كل بلد تنجح فيه "حزب الله" آخر، مستدلين بدور الحراك السياسي والديمقراطية اللبنانية (على علاتها ) في ولادة حزب الله، إذا ما انتقلت عدوى الديمقراطية إلى بلدان أخرى، لكن غالبية المراهنات على الحزب عادت لجُحور أصحابها بخُفيّ حُنين، لا سيما بعد الخطابيْن الأخيريْن للأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله الذي أوضح فيهما موقف حزبه من الثورات العربية.
حزب الله يقرأ كتاب الثورات العربية
ففي عيد التحرير والمقاومة الواقع في 25 مايو/ أيار، هشّم السيد نصر الله جزءاً من مصداقية الحزب وصورته، حين جهر بما كان يهمس به الآخرون عنه فيما يتعلق بموقفه من الأحداث التي تمر بها سوريا!
ولعله أجهز على جزء آخر من صورته بخطابه في1/6/2011، حين أشار إلى ما تشهده الدول العربية من احتجاجات شعبية قائلاً: "هذا هو الشرق الأوسط الجديد الذي هزمناه عام 2006 لكنه يعود".
فما هو الفرق يا سماحة السيد بين قولك هذا وقول كلّ من "مبارك" و"بن علي" و"القذافي" و"صالح" والحبل على الجَرّار؟ ألم يقل الرئيس صالح: إن ما يشهده اليمن تحركه غرفة سوداء في تل أبيب وواشنطن؟ ألم يقل العقيد القذافي: إنها حرب صليبية جديدة على الإسلام والمسلمين؟
وإذا كان نصر الله في خطابه الأخير يرى أن ما يجري الآن في المنطقة خطير جدا ويهدف إلى تقسيم الدول العربية، فإننا نسأله: هل أصبحت مطالبات الشعوب بالحرية والكرامة والديمقراطية تهدف إلى تقسيم الدول؟ أو ليس في هذا التصنيف الاستخفاف بعقول الشعوب وكرامتها، وكأنها آلات تُحرك عن بعد في واشنطن وباريس ولندن وتل أبيب؟! وهل هذا الحكم ينسحب على مملكة البحرين كما هو ينسحب على الوضع السوري؟
حزب الله وسوريا
وحتى لا نضيع البوصلة في قراءة مواقف الحزب، يوضح لنا نصر الله موقف حزبه من مطالب الشعوب للحرية والديمقراطية بناءً على أمرين، أولهما موقف أنظمتها من مسألة الصراع العربي الإسرائيلي، والثاني عدم وجود أي أفق وأمل في الإصلاح على المستوى الداخلي.
واستناداً للمعيارين السابقين يأتي موقف الحزب لأحداث سوريا، حيث يقول نصر الله: "نحن أمام بلد ممانع، قيادته وجيشه وشعبه"، والنظام في سوريا "ليس مقفلاً كالنظام البحريني والنظام المصري السابق. وكل المعطيات تؤكّد أنّ أغلبية الشعب السوري ما زالت تؤمن بالنظام وتؤيد خطواته الإصلاحية".
" |
وبما أن نصر الله أفرد وقتاً طويلاً للحديث عن سوريا في خطابيه، مؤكداً أن لديه معلومات، مما سمعه بأذنيه من القيادة السورية الواثق بحكمتها، في وجود رغبة صادقة وجادة بالإصلاح، فهو لم يُفسر لنا لماذا من يريد الإصلاح يضيق صدره بخروج العشرات أو المئات، على حدّ وصف الرواية السورية الرسمية، في شارع هنا وحيّ هناك فيتعرضون للقتل أو الاعتقال؟
ثم إن "السيد" الحريص على النظام والشعب في سوريا لم يتطرق بكلمة واحدة إلى العنف المفرط في التعاطي مع الأحداث، كما لم ينتقد أداء الجيش وفروع الأمن التي تربو على أربعة عشر جهازاً في التعامل مع الأزمة، في الوقت الذي يدعو فيه معارضي النظام لنبذ العنف، علماً بأن الرئيس السوري نفسه قال: إن أخطاءً ارتكبها الأمن خلال الأزمة ولا بد من تداركها!
وبالعودة إلى معياريْ حزب الله في الحكم على الثورات العربية، ومع المعيار الأول المتمثل بموقف النظام من الصراع العربي الإسرائيلي، فإن الناقدين لخطاب نصر الله تساءلوا عن السبب في تأكيده على مقاومة وممانعة النظام في سوريا دون أن يتطرق بالنفي أو التأويل لتصريحات رامي مخلوف ابن خال الرئيس إلى صحيفة أميركية بأن "أمن إسرائيل مرهون بأمن وبقاء النظام السوري"، وتجاهل تصريحات الإسرائيليين الذين أعلنوا قلقهم من سقوط النظام السوري بحجة أنه "عدو عاقل" في حين أسهب بالردّ على لاءات نتنياهو السبعة لقبوله قيام دولة فلسطينية!
أما المعيار الثاني القائل بأن النظام في سوريا ليس نظاماً مقفلاً كما هو حال النُظم التي تشهد ثورات شعبية حالياً، فإن التساؤلات التي يطرحها منتقدو الحزب هي عن الجهة التي خولته لأن يكون وصياً على الشعب السوري فيحدد له ما إذا كان نظامه نظاماً مقفلاً عاجزاً عن الإصلاح أم لا؟ ومن المنوط به أن يقول إن الغالبية في سوريا تقف مع النظام.. نصر الله أم الشعب السوري نفسه؟ وهل بالضرورة أن أيّ تحول نحو الديمقراطية في سوريا سيأتي بحكومة أقل ممانعة من الحكومة الحالية؟
لا شك أن السيد نصر الله فقد جُزءاً من شعبيته في سوريا على خلفية خطابه، وقد رأينا كيف أن صوره تم حرقها في البوكمال على الحدود السورية العراقية. وربما كان يسعه ما وسع حلفاء آخرين لسوريا في العالم العربي آثروا السكوت على الخوض في دماء الشعب السوري، فلم يستثيروا الشعب ولم يُغضبوا النظام.
حزب الله والوضع اللبناني
أما إذا عدنا إلى أداء حزب الله في الوضع الداخلي، وابتداء من ارتدادات الوضع السوري على الداخل اللبناني، فإنه لم يعد خافياً أن الحزب يعمل على تجييش الشارع اللبناني على قوى 14 آذار عبر ترويجه وتبنِّيه للاتهامات السورية ضد "تيار المستقبل" بالوقوف وراء حركة الاحتجاجات في المناطق السورية المتاخمة للحدود اللبنانية، علماً بأن الأمر بقي حتى اللحظة في إطار الاتهام السياسي ولم يرفع بعد للقضاء اللبناني للبتّ فيه.
" |
بل أكثر من ذلك، تورد قناة "المنار" التابعة للحزب على موقعها الإلكتروني أن مصادرها تؤكد أن الخلاف الذي حصل في مبنى وزارة الاتصالات اللبنانية في 26/5/2011 بين القوى الأمنية ووزير الاتصالات شربل نحاس، جاء على خلفية معطيات تؤكد أن "شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي" (تُتهم بأنها موالية لسعد الحريري) قامت بتركيب ثلاثة هوائيات على سلسلة لبنان الغربية وربطها بشبكة الاتصالات الرسمية لتتمكن من تغطية ما يصل إلى 70 كلم داخل الأراضي السورية لخلق وتحريك الاضطرابات التي تشهدها المدن السورية!
ولعل الإستياء الحاصل من ممارسات الحزب لم يعد يقتصر على خصومه السياسيين، بل وصل إلى أناسٍ داعمين له ولمقاومته، بعد سقوط عشرة شهداء و110 جرحى في مارون الراس في 15 مايو/ آيار، ذكرى النكبة الفلسطينية، حيث يُتهم الحزبُ بالتقصير في حماية الناس، علماً بأنه كان المُنظم والمُنسق وصاحب الحلّ والربط في المسيرات التي زحفت نحو الحدود الفلسطينية.
وإذا كان الحزب لم يستطع منذ إسقاطه حكومة سعد الحريري المنتخبة شعبياً، قبل أربعة أشهر وحتى اليوم، الضغط على خلفائه لتشكيل حكومة جديدة، فإن اتهامات أخرى من داخل "الأكثرية الجديدة" تصفه بأنه يريد "الفراغ السياسي".
بات واضحاً أن حزب الله لا يستطيع أن يحدّ من طلبات حليفه ميشال عون المتزايدة بشأن الحصص الحكومية، خوفاً من أن تصبح المعارضة -في حال خرج منها الحليف المسيحي- ذات لون طائفي يقتصر على حزب الله وحركة أمل، ولا هو يقدر على مواجهة حركة أمل التي تتمتع بامتيازات سياسية داخل المؤسسات الرسمية وفي الطائفة الشيعية تفوق حجمها الشعبي والسياسي بكثير، لا لشيء سوى خوف الحزب من انفراط عقد الطائفة في الوقت الذي يضيق الخناق على مخالفيه من قيادات سياسية وروحية شيعية معارضة.
الخاتمة
بعد كل ما سبق، فليسمح لي خالد صاغية مدير تحرير صحيفة "الأخبار" (معروفة بقربها من المقاومة) أن أستعير عباراته في وصفه للحزب، بأنه ليس "حزباً إصلاحيّاً. ولا يملك برنامجاً إصلاحيّاً في لبنان، ولا نيّة لديه لدعم برنامج إصلاح جذريّ.. وأنّه مستعدّ للتضحية بالكثير من أصول العمل الديمقراطي إذا ما تعارضت مع ما يراه مصلحة للمقاومة".
" |
فرد الاعتبار للنظام السوري الذي وقف إلى جانب الحزب لا يُبرّر له أن يناصره ظالماً ومظلوماً، بحجة الوفاء وعدم التنكر. والأفضل لحزب الله أن يأخذ بالحكمة القائلة "الصديق من صَدَقك لا من صدّقك" إذا كان بالفعل حزباً مبدئياً مرجعيته الإسلام وقيمه وليس حزباً سياسياُ برغماتياً تحركه وتتحكم به المصالح السياسية؟!
إذ أن الخشية اليوم تكمن في خسران حزب الله ما تبقّى مما كسبه من محبة في قلوب العرب مع كل قطرة دم ذكية نزلت من جبين طاهرة لمناضليه في "مارون الراس" و"بنت جبيل" و"عيتا الشعب" من تراب جنوبنا الحبيب.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.