حول تعديل معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية

حول تعديل معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية



فكرة تعديل المعاهدة
دوافع الأطراف لطلب التعديل
قواعد تعديل المعاهدة
احتمالات مطالب الطرفين
نحو إستراتيجية عربية مصرية

أثير الحديث حول معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل على أثر أحداث إيلات وتوابعها من تتبع قوات إسرائيلية لمن اعتبرتهم مسؤولين عن الحادث داخل الحدود المصرية، ومقتل جنود وضباط من الشرطة المصرية، مما أثار الرأي العام المصري بشكل عام وبعض الجماعات المصرية المؤيدة للمقاومة العربية بشكل خاص.

وارتفعت مطالب كثيرة من السلطة الحاكمة في مصر، سواء الوزارة التي يرأسها الدكتور عصام شرف، أو المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يتولى سلطات الرئيس برئاسة السلطة التنفيذية، وينوب عن السلطة التشريعية لحين انتخاب مجلس شعب جديد.

فكرة تعديل المعاهدة
وكان الحديث عن إلغاء معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل من البعض، وعن تعديل المعاهدة المذكورة من البعض الآخر، وكان ملفتا للنظر أن إسرائيل قد أعلنت على لسان رئيس وزرائها استعدادها لمناقشة تعديل المعاهدة، وكانت إسرائيل تعارض في السابق إجراء أي تعديل على المعاهدة، وحينما احتاجت إلى زيادة عدد القوات في المنطقة الملاصقة لقطاع غزة، فإنها أصرت على أن تعطى موافقة منفصلة على الزيادة وألا يكون ذلك بتعديل للمعاهدة ولا لملاحقها وخاصة ملحقها الأول المعروف بـ"بروتوكول خاص بانسحاب إسرائيل والترتيبات الأمنية".
 
هكذا أصبح مثارا موضوع مصير المعاهدة وخاصة تعديلها فلم يتجاوز الحديث عن إلغاء المعاهدة هتافات المحتجين ومقالات الكتاب، لكنها لم تثر بشكل جدي بين السلطات المصرية والسلطات في إسرائيل.

"
من المفيد محاولة استكشاف دوافع كل طرف لتعديل المعاهدة، ومعرفة القواعد والأسس التي تبنى عليها محاولات التعديل, وبالتالي احتمالات مطالب الأطراف وكيفية محاولة الوصول إليها
"

إن تصريح مسؤولي إسرائيل بالاستعداد لبحث تعديل المعاهدة لا بد أن يدفع الباحث إلى بحث آفاق هذه التعديلات، وربما يقدم مقترحات للمسؤولين قد تكون مرشدا لهم عند فتح باب المفاوضات حول التعديل، وربما حتى قبل بدء المفاوضات، فمن الطبيعي أن يحاول كل طرف في مفاوضات أن يحقق للجانب الذي يمثله أفضل النتائج التي غالبا تكون على حساب المزايا التي يحققها الطرف الآخر أو التي يسعى إلى تحقيقها.

 
لذلك فإن من المفيد محاولة استكشاف دوافع كل طرف إلى تعديل المعاهدة، ومعرفة القواعد والأسس التي تبنى عليها محاولات تعديل المعاهدة، وبالتالي احتمالات مطالب الأطراف وكيفية محاولة الوصول إليها، وأخيرا احتمالات التوصل إلى تعديلات.

دوافع الأطراف لطلب التعديل
هناك دوافع لكلا الطرفين لتعديل المعاهدة، وإن كانت دوافع الطرف المصري أقوى من دوافع الطرف الإسرائيلي، فالمعاهدة قد صممت أصلا لتحقيق مصلحته.

 
الدوافع الإسرائيلية أولا هي امتصاص الغضب الشعبي المصري الذي يطالب أصلا بإلغاء المعاهدة، ولما كان إلغاء المعاهدة يشكل خسارة كبيرة لإسرائيل نتيجة لأنها أخرجت مصر وتخرجها من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي عسكريا على الأقل، فإن قبول إسرائيل لمبدأ تعديل المعاهدة يخفف من الضغط الشعبي لحين إدراك المخاطر الناجمة عن الإلغاء والتي يمكن تضخيمها وزيادة الشعور بها، كما أن المفاوضات يمكن أن تستمر لفترة طويلة يمكن استغلالها لتخفيف الضغط على السلطة الحاكمة في مصر.
 
وأخيرا فإن إسرائيل لن تقبل بما لا يحقق مصلحتها، وحينئذ فإن توقف المفاوضات يمكن أن يكون مقبولا.
 
الدافع الثاني هو مساعدة السلطات المصرية على السيطرة على سيناء بحيث تستطيع أن تمنع التهريب من خلال الأنفاق من سيناء إلى غزة، كما أنها تستطيع أن تسيطر على الحدود بحيث تمنع التسلل عبر الحدود المصرية بواسطة عناصر مصرية أو فلسطينية إلى الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل.
 
وأخيرا فإن الموافقة على زيادة القوات المصرية في شبه جزيرة سيناء يمكن أن تحول الصراع من أنه قائم بين عناصر مصرية وأخرى إسرائيلية إلى صراع بين عناصر مصرية والسلطات المصرية، أو بين عناصر فلسطينية وعناصر قوات مصرية، أي أن إسرائيل -من خلال الموافقة على زيادة محسوبة للقوات المصرية في شبه جزيرة سيناء- تستطيع تعريب الصراع.
أما دافع مصر إلى تعديل المعاهدة فهو طبيعي، فلا شك أن أي قارئ لنص المعاهدة وملحقاتها ومرفقاتها المنشورة لا بد أن يشعر بأن هناك تفاوتا كبيرا بين ما هو لإسرائيل وما هو لمصر، وأن المعاهدة تشكل قيدا أبديا على مصر حيث ليست لها مدة محددة، كما أنها تكتسب أولوية على غيرها من المعاهدات والاتفاقات السابقة واللاحقة بأن تكون التزاماتها هي المنفذة في حال تعارض هذه الالتزامات مع التزامات مصرية أخرى، وتضع قيودا على حركة مصر المستقبلية بحيث لا تتعارض أي حركة مع المعاهدة.
 
هكذا فإن تعديل المعاهدة يمكن إما أن يصحح هذا التفاوت في مصالح مصر مع مصالح إسرائيل، أو أنه على الأقل يخفف من التفاوت القائم بما يحسن من الوضع الإستراتيجي المصري في مقابل إسرائيل.
 
قواعد تعديل المعاهدة

"
المطلوب قبل البدء في بحث التعديلات العمل على تعديل الميزان الإستراتيجي بحيث تقع إسرائيل تحت ضغوط تجعلها تنصاع ولو على مضض لمطالب التعديل
"

ترجع قواعد التعديل إلى نصوص المعاهدة، ونجد في المادة الثامنة من المعاهدة أن أي نزاعات ناجمة عن تطبيق أو تفسير المعاهدة يجري حلها بالتفاوض، وأن ما لا يجري تسويته بالتفاوض يتم حله عن طريق التوفيق أو بالتحكيم، بينما تنص المادة التاسعة من المعاهدة على تشكيل لجنة لتسوية المشكلات للمطالب المالية.

 
هنا لا بد من الإشارة إلى أن النص يتحدث عن نزاع ناجم عن التطبيق والتفسير، وليس عن نصوص المعاهدة، بمعنى أن إسرائيل يمكن أن تتذرع بأن التعديلات يجب ألا تمس نصوص العاهدة لكن تعالج تطبيقها وتفسيرها فقط، وهو ما يجعل التعديلات المحتملة محدودة للغاية.
 
وإذا كانت تستجيب فستكون استجابتها متأخرة وبعد مفاوضات طويلة وفي حدود ضيقة للغاية. أما التوفيق والتحكيم فيتطلب موافقة الأطراف وتعتبر محادثات طابا وبعدها التحكيم مثالا ينتظر أن يستمر فترة طويلة وقد استمرت نحو ست سنوات، لذا فإن من المطلوب قبل البدء في بحث التعديلات العمل على تعديل الميزان الإستراتيجي بحيث تقع إسرائيل تحت ضغوط تجعلها تنصاع -ولو على مضض- لمطالب التعديل.
 
احتمالات مطالب الطرفين
يتوقع أن يطالب الجانب الإسرائيلي بزيادة عدد قوات الشرطة في المنطقة "ج" وزيادة إمكانياتها وخاصة استخدام الهليكوبتر، وربما يطالب بتوفير وسائل للتعاون بين الأمن في سيناء وعناصر الأمن في إسرائيل وربما بالتعاون مع الولايات المتحدة وقد تقترح إسرائيل إنشاء لجنة ثلاثية مصرية إسرائيلية أميركية للتعاون في مجال أمن سيناء، وفي مقابل ذلك تتعهد السلطات المصرية بمنع التهريب إلى ومن قطاع غزة.
تتراوح احتمالات مطالب الطرف المصري بين تغيير في عناصر الملحق الأول الخاص بانسحاب القوات الإسرائيلية والترتيبات الأمنية، وتغيير فلسفة المعاهدة التي تجعل إسرائيل قادرة في أي وقت على العودة إلى أوضاع ما قبل توقيع المعاهدة، أي احتلال الجزء الأكبر من سيناء قبل وصول القوات الرئيسة المصرية إلى مواقعها الدفاعية، وأن تظل مصر في حاجة حيوية إلى إسرائيل والولايات المتحدة بحيث لا تستطيع اتخاذ إجراء يؤدي إلى اتخاذ الولايات المتحدة وإسرائيل تدابير عقابية ضدها مخافة الآثار المحتملة لهذه الإجراءات.
تشتمل المطالب تعديل المادة الثانية من المعاهدة، الفقرة " أ "، عن احترام سيادة ووحدة الأراضي والاستقلال السياسي للطرف الآخر، وكان يمكن النص على أن ينطبق ذلك بعد انتهاء تحديد حدود إسرائيل مع باقي دول الجوار حيث ليست هناك حدود معترف بها لإسرائيل حتى الآن.
تشتمل المطالب من فلسفة المعاهدة إلى وضع حد زمني للمعاهدة أتصور أن يكون خمسة وعشرين عاما، أو أن ينتهي أجلها بالتوقيع على تعديل المعاهدة أو بعده بعام. والمهم ألا تظل المعاهدة أبدية، وأن يكون من حق الطرفين إما تمديدها أو إنهاء العمل بها، وذلك لمساواة المعاهدة بجميع المعاهدات الدولية الأخرى، وحتى لا يكون الخيار أمام الأطراف بين الاستمرار في المعاهدة وبين الدخول في حرب.
كذلك فإن المطالب لا بد أن تكون بتعديل المادة الرابعة بفقراتها الأربعة والمختصة بالترتيبات الأمنية، التي تتحدث عن أنها مناطق محدودة القوات في مصر وإسرائيل وفقا للملحق الأول والملحق الثاني الخريطة، فالواقع يقول إن المعاهدة حددت ثلاث مناطق أمنية داخل مصر ومنطقة واحدة وهمية أو خداعية داخل فلسطين المحتلة ليس لها تاثير إستراتيجي ولا تكتيكي، وبالتالي فإن المادة الرابعة تحتاج إلى تغيير بحيث تكون متوازنة ومتماثلة، سواء من حيث محدودية القوات والعمق الجغرافي والطبوغرافي.
 

"
تتراوح احتمالات مطالب الطرف المصري بين تغيير في عناصر الملحق الأول الخاص بانسحاب القوات الإسرائيلية والترتيبات الأمنية، وتغيير فلسفة المعاهدة التي تجعل إسرائيل قادرة في أي وقت على العودة إلى أوضاع ما قبل توقيع المعاهدة
"

كذلك يشتمل المطلب من فلسفة المعاهدة إلغاء المادة السادسة وخاصة الفقرة الخامسة، وتنص المادة على عدم المساس بالالتزامات الناجمة عن ميثاق الأمم المتحدة والالتزام بنوايا حسنة بما جاء بالمعاهدة بغض النظر عن أي طرف آخر (بما يجعلنا نقف مكتوفي الأيدي في أي نزاع بين إسرائيل ودول مهمة بالنسبة لمصر مثل الدول العربية ودول حوض النيل).

 
والتعهد بعدم الدخول في أية التزامات تتعارض مع المعاهدة (وهو ما يعطي للمعاهدة حق الاعتراض على الالتزام حيال دول أخرى)، وتبقى الفقرة الخامسة وهي أخطر ما في هذه المادة، وتنص على أنه في حال تناقض التزامات أي طرف وفقا للمعاهدة مع أي التزامات أخرى تكون الالتزامات الناتجة عن المعاهدة ملزمة وتطبق، (أي أن المعاهدة لها أسبقية فعلية على المعاهدات والمواثيق).
 
أخيرا فإن المادة التاسعة من المعاهدة تنص على أن جميع البروتوكولات والملاحق والخرائط المرفقة تعتبر جزءا لا يتجزأ من المعاهدة، بينما استثنت هذه المادة الخطابات المرفقة بالمعاهدة لكي تكون هي الأخرى جزءا لا يتجزأ منها، والمقصود هنا الخطاب المتعلق بالسلام مع باقي الدول العربية وخاصة الفلسطينيين.
 
إذا كان ما سبق مطالب عامة دون الدخول في تفصيلات وخاصة ما جاء في الملحق الأول والترتيبات الأمنية، فإن هذا لا بد أن يشير إلى الحاجة لفتح جميع الملفات من الآن دون توقع استجابة إسرائيلية وأن الاستجابة ممكنة فقط عند الشعور بالقوة القادرة على فرض المطالب، وهو أمر يتطلب زمنا ليس بالقصير، ولذلك فإن هذا لا يمنع من مناقشة المطالب الجزئية الخاصة بمناقشة الملحق الأول بما فيه مشتملات القوات في مناطق القوات المحدودة دون التنازل عن مطالب تعديل فلسفة المعاهدة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان