فرض يهودية الدولة عبر تهويد المكان

اسم الكاتب: نبيل السهلي



– بعد عدوان حزيران

– الانقضاض على المعالم الأثرية
– القدس في دائرة الخطر
– استخلاصات أساسية

اهتمت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ العام 1948 بالآثار الفلسطينية الدالة على عروبة فلسطين وهويتها الحقيقية، وقد شكلت لجان من علماء الآثار الإسرائيليين بغية البحث الأركيولوجي في جميع أماكن فلسطين التي أنشئت عليها إسرائيل في مايو/أيار 1948، وكان الهدف من وراء ذلك تزوير التاريخ عبر تزوير الآثار الفلسطينية وإعطاء صبغة يهودية لها.

ولم تسلم الأوابد التاريخية في المدن الفلسطينية الرئيسة مثل عكا ويافا والقدس وطبريا من الإجراءات الإسرائيلية لجهة تهويدها عبر تزوير الكتابات على جدران تلك الأوابد.

وعلى سبيل المثال لا الحصر زورت الكتابات التاريخية داخل قلعة قرية صفورية التي تعد من أكبر قرى الجليل الفلسطيني.

ولم تسلم الأزياء الفلسطينية سواء تلك المتعلقة بلباس المرأة أو الرجل على حد سواء من عمليات السرقة والتزوير، حيث شاركت إسرائيل في معارض دولية في دول أوروبية مختلفة وعرضت فيها أزياء فلسطينية على أنها أزياء إسرائيلية، وذلك رغم أنها جزء من هوية الشعب الفلسطيني وتراثه، مع العلم بأن لمنطقة الجليل خصيصة ولكل منطقة ميزة تمتاز بها عن المناطق الأخرى سواء بالحبكة أو الرسوم التي تطبعها بطابعها الخاص.


"
عملية التصدي لتوسع وانتشار ظاهرة سرقة الآثار والاعتداء على المواقع الأثرية الفلسطينية من أكبر التحديات التي تواجه الفلسطينيين للحفاظ على إرثهم الحضاري المهدد بالتهويد وفق سياسات إسرائيلية مبرمجة
"

بعد عدوان حزيران
لم تتوقف السلطات الإسرائيلية بعد احتلالها للضفة والقطاع في العام 1967 عن سياساتها الرامية إلى سرقة الآثار الفلسطينية ومحاولات تهويدها من خلال تهويد الزمان والمكان في نهاية المطاف.

وفي هذا السياق تشير الدراسات المتخصصة في الآثار الفلسطينية إلى أن الآثار في الضفة الغربية قد تعرضت منذ العام 1967 لمزيد من عمليات السرقة والبيع بدعم من مؤسسات إسرائيلية مختلفة.

وقد تفاقمت تلك الظاهرة بعد انطلاقة انتفاضة الأقصى في نهاية سبتمبر/أيلول 2000، وقد أشارت دائرة الآثار والتراث الثقافي الفلسطينية التابعة للسلطة الفلسطينية في أكثر من مناسبة إلى تعرض ما يزيد عن 500 موقع أثري وأكثر من 1500 معلم أثري فرعي للسرقة والتدمير من قبل لصوص الآثار والاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب تعرض عدد من مراكز القرى التاريخية لأعمال التدمير الكلي أو الجزئي.

كما أكدت تلك الدائرة أن الآثار والتراث الثقافي الفلسطيني يواجهان مخاطر كبيرة نتيجة استفحال ظاهرة السرقة والاتجار بالآثار الفلسطينية، وهو ما يهدد باستنزاف الموارد الثقافية والاقتصادية لفلسطين.

وتشير الدراسات الفلسطينية إلى أن من أسباب هذه الوضعية انهيار نظام الحماية في المناطق الفلسطينية بفعل السيطرة الإسرائيلية عليها، وبالتالي وقوعها تحت إدارة الاحتلال وسياساته المبرمجة.

ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الجيش الإسرائيلي قد قام مباشرة بأعمال تدمير لمواقع التراث الثقافي في الضفة الغربية، كما جرى في القدس ونابلس والخليل وبيت لحم وغيرها من المواقع الأثرية في المدن والقرى الفلسطينية المختلفة.

وتبعا لذلك تعد عملية التصدي لتوسع وانتشار ظاهرة سرقة الآثار والاعتداء على المواقع الأثرية الفلسطينية من أكبر التحديات التي تواجه الفلسطينيين للحفاظ على إرثهم الحضاري المهدد بالتهويد وفق سياسات إسرائيلية مبرمجة.

وهذا يتطلب نشر وعي ثقافي مجتمعي فلسطيني من خلال إعلانات وندوات علمية وتوعية في كل المراحل الدراسية لمواجهة التحدي الإسرائيلي الجديد القديم.

كما يتطلب الأمر توفير الإمكانيات المادية والمعنوية لدائرة الآثار في السلطة الفلسطينية، فضلا عن إقرار قانون الآثار والتراث الثقافي الجديد ليصبح أداة رادعة للمتعاونين مع تجار الآثار في إسرائيل، إضافة إلى وضع برنامج وطني عاجل لمواجهة هذه الظاهرة، خصوصا من خلال برامج التوعية والتثقيف والتربية والتنسيق على المستوى المحلي والإقليمي والدولي لمكافحة هذه الظاهرة.

ومن المفيد نشر دراسات عربية وفلسطينية بلغات أجنبية مختلفة لشرح المخاطر الإسرائيلية التي تهدد الآثار الفلسطينية الدالة على الهوية العربية للمدن والقرى الفلسطينية، وبعد ذلك مطالبة المنظمات الدولية ذات الصلة بحماية الآثار والأوابد التاريخية في فلسطين.


"
هناك تداعيات وآثارا مدمرة للجدار الإسرائيلي على مستقبل الآثار والأوابد الفلسطينية بشكل مباشر
"

الانقضاض على المعالم الأثرية
ويشار إلى أن الباحثين الفلسطينيين في مجال التاريخ يؤكدون أن الآثار الفلسطينية تشكل ثروة كبيرة وتمثل في الوقت نفسه جزءا هاما من الاقتصاد الوطني الفلسطيني، خاصة أن أساسها التنوع الحضاري الذي يعود إلى أكثر من 200 ألف سنة.

وفي هذا الإطار تشير الدراسات أيضا إلى وجود أكثر من 3300 موقع أثري في الضفة الغربية، وثمة عدد من الباحثين يؤكدون أنه في كل نصف كيلومتر من مساحة فلسطين التاريخية يوجد موقع أثري ذو دلالة على الهوية الحقيقية لفلسطين.

ومن الأهمية التأكيد أن هناك تداعيات وآثارا مدمرة للجدار الإسرائيلي على مستقبل الآثار والأوابد الفلسطينية بشكل مباشر، إذ تشير الدراسات إلى أن الاستمرار في بناء الجدار العازل في عمق أراضي الضفة الغربية سيؤدي في نهاية المطاف إلى ضم ما يزيد عن حوالي 270 موقعا أثريا رئيسا، وحوالي 2000 معلم أثري وتاريخي، إلى جانب عشرات المواقع الأثرية التي دمرت خلال عملية الاستمرار في بناء جدار الفصل العنصري منذ صيف العام 2002 وحتى العام 2010.

وبالنسبة للتوزع الجغرافي للمواقع الأثرية في فلسطين التاريخية، فإنه إضافة إلى آلاف المواقع الأثرية والمعالم التاريخية والأوابد الموجودة في المناطق التي أنشئت عليها إسرائيل في العام 1948، يوجد في الضفة والقطاع 1944 موقعا أثريا رئيسا، ناهيك عن وجود 10000 معلم أثري، وهناك ما يزيد عن 350 نواة مدينة وقرية تاريخية تضم نحو 60 ألف مبنى تاريخي.


القدس في دائرة الخطر
واللافت أن السلطات الإسرائيلية بحجة البحث عن الهيكل المزعوم في مدينة القدس تقوم بمحاولات لسرقة العديد من المواقع الأثرية في جهات القدس الأربع.

وفي هذا الصدد، يشار إلى أنه على مدى أكثر من أربعة عقود قامت السلطات الإسرائيلية بحفر أنفاق مختلفة الأطوال من غرب المسجد الأقصى المبارك أي من حائط البراق، ومن داخل المدينة المقدسة من جهة الشمال الغربي، إضافة إلى الأنفاق التي كشف النقاب عنها من جهة الشرق من حي عين سلوان، حيث يبلغ طول آخر نفق ممتد من عين سلوان نحو 600 متر في أسفل المسجد الأقصى باتجاه منطقة الكأس، وهو بعمق 10 أمتار وعرض ما لا يقل عن 5 أمتار.

وقد شرعت السلطات الإسرائيلية منذ فترة طويلة في بناء نواة مدينة سياحية أسفل مسجد الصخرة المشرفة والكأس لأداء طقوس يهودية، وقد تمّ قبل عدة أشهر وضع مجسم يمثل هيكل سليمان الثالث المزعوم، كما ستضم المدينة السياحية متحفا إسرائيليا سيعرض فيه اليهود تاريخهم المزعوم، إضافة إلى إقامة معهد ديني يهودي لتعليم الشباب والفتيات الدين والتاريخ اليهودي المزيف.

"
القانون الدولي ومعاهدة جنيف الرابعة ينصان على عدم جواز نقل الآثار من الأراضي المحتلة إلا في حالات الإنقاذ، لكن إسرائيل تضرب بعرض الحائط كل القوانين والمعاهدات الدولية
"

وثمة محاولات إسرائيلية لفرض مصطلح حائط المبكى عوضا عن حائط البراق، وقد جرى كل ذلك بذرائع التخطيط الهيكلي للمستقبل.

ويؤكد الباحثون الفلسطينيون أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي لا يوجد فيها تقنين لتجارة الآثار، فقانونها يسمح بتجارة الآثار ونقلها، وهي خارج أي إطار أو اتفاقيات دولية تنص على حماية تراث الشعوب المحتلة.

وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أن القانون الدولي ومعاهدة جنيف الرابعة ينصان على عدم جواز نقل الآثار من الأراضي المحتلة إلا في حالات الإنقاذ، لكن إسرائيل تضرب بعرض الحائط كل القوانين والمعاهدات الدولية، وهي بذلك نموذج خاص من الاحتلال عبر التاريخ يقوم على تغيير وتزييف التاريخ من أجل صيرورته.


استخلاصات أساسية
من خلال ما تقدم يمكن تسجيل الاستخلاصات التالية:

أولا: بعد أن صادرت إسرائيل القسم الأكبر من الأرض الفلسطينية في العقود الستة الماضية، تسعى الآن لتزوير التاريخ الفلسطيني وفرض يهودية الدولة عبر إطلاق أسماء عبرية على الأوابد التاريخية العربية والإسلامية في فلسطين.


ثانيا: لم تتوقف السلطات الإسرائيلية بعد احتلالها للضفة والقطاع في العام 1967 عن سياساتها الرامية إلى سرقة الآثار الفلسطينية ومحاولات تهويدها.


ثالثا: يوجد أكثر من 3300 موقع أثري في الضفة الغربية، وثمة عدد من الباحثين يؤكدون أنه في كل نصف كيلومتر من مساحة فلسطين التاريخية يوجد موقع أثري ذو دلالة على الهوية الحقيقية لقسطين.


رابعا: إن الاستمرار في بناء الجدار العازل في عمق أراضي الضفة الغربية سيؤدي في نهاية المطاف إلى ضم ما يزيد عن حوالي 270 موقعا أثريا رئيسا، وحوالي 2000 معلم أثري وتاريخي، إلى جانب عشرات المواقع الأثرية التي دمرت في مسار جدار الفصل العنصري في المراحل السابقة.

خامسا: اللافت أن السلطات الإسرائيلية وبحجة البحث عن الهيكل المزعوم في مدينة القدس تقوم بمحاولات لسرقة العديد من المواقع الأثرية في جهات القدس الأربع، وهناك مخططات لتدمير الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة.


سادسا: تعد إسرائيل نموذجا خاصا من الاحتلال عبر التاريخ يقوم على تغيير وتزييف التاريخ من أجل صيرورته وفرض مقولة يهودية الدولة بقوة الاحتلال.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.