حقيقة السياسات العربية
هل هناك من سياسات عربية؟.. سؤال يدور في خَلد كل إنسان عربي كلما انزاحت عنه الهموم وصفت له الساعات باحثا ومنقبا في ماضيه وحاضره، ومتطلعا إلى مستقبله, حاملا حزما من الآمال يتمنى أن يعيشها في مرابع وطنه الكبير مع إخوته وأبناء أمته المتمنين جميعهم الخلود والبقاء لبلدهم في عزّة ومنعة، لكن بحثه لا يطول لتصدمه حقيقة ثابتة أن الندرة من السياسات القُطرية تتحرك في إطار المصالح والدفاع عن تطلعات مواطنيها، بينما السياسة القومية للمجموع العربي وعبر مؤسسات الجامعة العربية تدعو للرثاء والألم.
فلقد ألِفت السكينةَ والخنوع فتآلف معها انعدام الوزن السياسي في حالة لا قِبل للعالم بها، فباتت هذه الدول بمجموعها تقترب أكثر وأكثر من دائرة التبعية لأعداء الأمة العربية حتى التحمت بها ودارت في دوامتها لتزيد من الفتن والتمزيق لكيان الأمة الواحدة، ورغم قناعتي الكاملة بهذه الحقيقة الماثلة للجميع فإنني وجدت في كتابين ما يُعززها وليؤكدا لي بديهية التحالف الأميركي الصهيوني ضدنا.
" السياسات العربية ألِفت السكينة والخنوع فتآلف معها انعدام الوزن السياسي في حالة لا قِبل للعالم بها، فباتت الدول العربية بمجموعها تقترب أكثر وأكثر من دائرة التبعية لأعداء الأمة العربية حتى التحمت بها ودارت في دوامتها " |
الكتاب الأول بعنوان "قوة إسرائيل في الولايات المتحدة الأميركية" للباحث جيمس بتراس الذي يصفه أحد القياديين اليهود في أميركا جيف بلانكفوت بقوله: "جيمس بتراس هو أحد الأفراد القلائل داخل وخارج الهيئة الأكاديمية يملك نظرة نقدية للوبي المؤيد لإسرائيل". الكتاب الثاني هو "مذكرات سايروس فانس" وزير الخارجية الأميركية زمن الرئيس جيمي كارتر، وقد توفي فانس في مطلع العقد الحالي.
في الكتاب الأول شرح وافٍ للتأثير الإسرائيلي على السياسات الأميركية الشرق أوسطية من خلال وسائل الضغط التي تمتلكها القوى الصهيونية، والتشابك بين السياستين الأميركية والإسرائيلية ينبعث من المصالح المشتركة ركيزتها وعمادها ومنطلقها، وقد جاء الكتاب مؤكدا ذلك بأن "الهدف الأهم هو تحويل الشرق الأوسط إلى مجال لربح مشترك بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
إن 25% و30% من الأثرياء وأصحاب الملايين هم من اليهود، لذا طالب اللوبي الصهيوني بدعم حروب إسرائيل العدوانية ضد الدول العربية في أعوام 67 و73 و82، وحرب أميركا على العراق في عاميّ 1991 و2003، وغزو لبنان وغزة عام 2006، والتهديدات العسكرية المستمرة ضد إيران وسوريا منذ 2001″.
ويتوسع مفهوم المصالح ليضم العديد، وعن ذلك جاء في الكتاب "ببساطة عمياء فإنهم يرون في إسرائيل "أداة" الولايات المتحدة لإضعاف العرب خدمةً للمصالح النفطية الأميركية، ومن الواضح أنهم لم يستشيروا أبدا مسؤولي الشركات الأميركية، أو مستشاري مضاربي الاستثمارات الذين يوافقون جميعا على أن الدعم الأميركي لإسرائيل يزعزع المنطقة، ويهدد توريد النفط، ويرفع الأسعار على المستهلك الأميركي، ويخلق أعداء، ويؤثر على الحكام العرب الذين يستثمرون أموالهم في الولايات المتحدة ويشترون العملة الأميركية ليحفظوها من الانهيار ويزيدوا من حصص الأوبك لتخفيض الأسعار الأميركية.. بهذا الدعم الأعمى لوحشية إسرائيل الاستعمارية أبعدت الولايات المتحدة مئات الملايين من المسلمين وملايين العرب من جميع الأديان، والغالبية العظمى من الدول الأفريقية والأوروبية والآسيوية.. لقد كان الاتحاد الأميركي الإسرائيلي واحدا من أكبر المنشطات للحركات المناهضة للإمبريالية.
ولإسرائيل مزايا خاصة لدى أميركا فهي كما قالت صحيفة هآرتس "إسرائيل واحدة من الملاذات الآمنة في العالم لغسل الأموال العالمية غير القانونية في الوقت الذي تنشط فيه في مجال التجسس المضلل".
في عهد الرئيس كلينتون تشكلت إستراتيجية شرق أوسطية متقاربة جدا مع سياسة إسرائيل الخارجية ارتبطت بثلاث مجموعات من السياسات حددها المؤلف في:
1- تدمير القوة العسكرية الاقتصادية لواحد من العدوين الرئيسيين لإسرائيل في الشرق الأوسط وهو العراق عن طريق المقاطعة الاقتصادية، والتفتيش عن الأسلحة، ونزع السلاح العراقي من جانب واحد -وهذا ما تم بعد الاحتلال-، بينما تكدس إسرائيل الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى.
2- تمويل وتسليح التوسع الإسرائيلي، واستعمار فلسطين العربية.
3- الحفاظ على مقاطعة اقتصادية ضد ليبيا وإيران الداعمتين للفلسطينيين في الوقت الذي تقدم فيه المساعدات للدول العربية الصديقة لإسرائيل: مصر والأردن اللتين يتطلب اعترافهما بإسرائيل، وإقامة العلاقات معها، قمعا متواصلا للأفكار والمقاومة داخل هاتين الدولتين، إضافة للنفقات الأخرى التي تقدمها الولايات المتحدة من أجل تحقيق ذلك.
ويوضح الكاتب أيضا أن وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت هي التي صاغت وثبتت سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ويوم تم العدوان على العراق بررت بصفاقة موت خمسمائة ألف عراقي أثناء مدة عملها كوزيرة.. مصرّحة بأن "الأمر يستحق ذلك".
أما عن القوة والأساليب الضاغطة لتحقيق الغايات والأهداف الصهيونية، فالتنظيمات السياسية اليهودية كبيرة العدد ومتعددة النشاطات، وتأتي في ذروتها منظمة "إيباك"، والجميع يتسابقون لتقديم الدعم المالي للحزبين الرئيسيين الأميركيين، فالدعم الصهيوني للحزب الديمقراطي يشكل 60% من تمويله، في حين تصل نسبة هذا الدعم للحزب الجمهوري إلى 35% من موازنته، والثمن استجابة غير مشروطة لدعم إسرائيل وسياساتها. لكن بنية التركيبة العقلية اليهودية الباحثة عن المنفعة بكل الوسائل والسبل يعريها الكتاب.
وعن ذلك ينقل ما كتبه ريتشارد كوهين في صحيفة واشنطن بوست في قوله: "كل دولار تنفقه الشبكات اليهودية في التأثير على نتائج التصويت الانتخابي تتلقى مقابله خمسين دولارا من المساعدات من أجل تمويل بناء وتسليح المستعمرات الاستيطانية في الأراضي المحتلة بما فيها مسابح كاملة، وعمال حدائق رومانيون، وخادمات فلبينيات".
" مصادر التمويل من الولايات المتحدة تتركز في أربع جهات رئيسية للدعم وهي: المتبرعون اليهود الأغنياء والمنظمات القوية المنضبطة, والحكومة الأميركية, ووسائل الإعلام, ورؤساء اتحاد التجارة ومسؤولو صناديق التقاعد " |
وتتكامل الصورة لدينا عندما يُعرفنا الكاتب بأن مصادر التمويل من الولايات المتحدة تتركز في أربع جهات رئيسية للدعم المالي والأيديولوجي والسياسي للاقتصاد الإسرائيلي، وهي:
1- المتبرعون اليهود الأغنياء، والمنظمات القوية المنضبطة.
2- حكومة الولايات المتحدة الأميركية, الكونغرس والرئاسة.
3- وسائل الإعلام لا سيما نيويورك تايمز، وهوليود، وشبكات التلفاز الرئيسية.
4- رؤساء اتحاد التجارة، ومسؤولو صناديق التقاعد.
واليهود المؤيدون لإسرائيل ممثلون بشكل غير متجانس في قطاع المال والسياسة والحرف والجامعات والعقارات والتأمين ووسائل الإعلام في اقتصاد الولايات المتحدة، وعلى الرغم من أنهم أقلية لكن تأثيرهم ينبع من أنهم يعملون بشكل جماعيّ، فهم منظمون وناشطون، ويركزون على موضوع واحد وهو سياسة أميركا في الشرق الأوسط.
وللمزيد من كشفٍ للمعلومات، وتبيانٍ للحقائق فالمؤلف يعد السيناتورة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الحالية من المؤيدين لإسرائيل بدون شروط في الكونغرس.
وتتابع صفحات الكتاب الحديث عن بعض من المآسي في السجون الإسرائيلية، والتي ضمت على الأقل تسعة آلاف سجين سياسي بمن فيهم 335 طفلا، وبضع مئات من النساء، وغالبيتهم العظمى من المدنيين, وكذلك عن الدجل والتدجيل بقيام الدولتين، يقابل ذلك طغيان قناعة مفهوم التطهير العرقي، وذلك ما أكدته صحيفة يديعوت أحرونوت عن نتائج استفتاء أجري بأن 68% من يهود إسرائيل رفضوا العيش مع العرب.
أما عن الكتاب الثاني "مذكرات سايروس فانس" وهو أحد مبدعي اتفاقية كامب ديفد المشؤومة، فإن نصوصه تتمحور حول ما جرى من تحضيرات لما قبل وأثناء اللقاءات المصرية الإسرائيلية، وما تم خلالها وصولا للتوقيع على الاتفاق، والانطباع العام الذي يتوصل إليه القارئ هو التمسك الإسرائيلي بثوابت أساسية بمفهومه للقضية الفلسطينية يقابل ذلك تراجعات وتنازلات من الجانب المصري.
ولأهمية الموضوع ولأنه كان المنطلق لكل ما جرى ويجري حاليا من انعدام للوزن السياسي العربي، وللدقة العلمية والأخلاقية هنا، استعنت ببعض المراجع المتممة للبحث والمثبتة للوقائع الخاطئة، بل للخطايا التي ارتكبت بحق الأمة العربية، وأكثر بحق الشعب العربي الفلسطيني حيث ما زالت ماثلة حتى اليوم.
في العام 1973 كانت حرب تشرين التحريرية، خاضها الجيشان المصري والسوري بهدف الرد على نتائج عدوان 1967 وتحرير أراضي البلدين… أيامها فهمت القيادة السورية بأنها حرب تحرير شأنها شأن باقي الشعب العربي من المحيط إلى الخليج، لكن السادات، وبعد أن التقى مستشاره للأمن القومي حافظ إسماعيل مع كيسنجر سرا عام 1972، أدرك أن الإدارة الأميركية غير جادة بالإسراع في الحل، فقرر أنه لا بد من حرب لتحريك الموقف رافعا شعار التحرير، وهذه الحقيقة يؤكدها السيد محمد حسنين هيكل عندما يقول: "كان لدى مصر خطتان، سميت الأولى بغرانيت 1، والثانية غرانيت 2″، إحداهما تتركز في عبور قناة السويس لمسافة محددة، ومن ثم التمركز فيها فقط، ويدعم المقولة رئيس الأركان المصري السيد سعد الدين الشاذلي في مذكراته، موضحا أنهم وعندما كانوا يتحدثون مع السوريين يركزون على العبور، ومن ثم لا بد من وقفة تعبوية يصمتون عن تحديد مدتها، وكان ذلك…
وطبقت خطة التحريك لا التحرير مما شكل ضغوطا إسرائيلية ضخمة على الجبهة السورية، والعارفون بخبايا الأمور يتحدثون عن مناشدات الرئيس السوري للسادات بكل القيم الوطنية والدينية تحريك القوات المصرية لتخفيف الضغط على الجبهة السورية، لكن الاستجابة تمت بعد أيام ولم تحرز نجاحا.
وتأتي رواية أخرى مُثبتة ومؤكدة أيضا ما وصلنا إليه بأن مصر وبدون عِلم الشاذلي أرسلت برقية سرية إلى كيسنجر بعد العبور بيوم واحد أبدت استعدادها لوقف إطلاق النار والتوصل إلى سلام مع إسرائيل شريطة انسحابها من سيناء، وبذا أسقطت أرض الشريك السوري من المعادلة والأرض الفلسطينية واللبنانية، وبدأت الحلول المنفردة، ومن عاصر أحداث تلك الأيام يتذكر ولتغطية هذه النقطة بالذات أنه تم اتهام سوريا إعلاميا بطلب وقف إطلاق النار.
لقد أقامت أميركا جسرا جويا غير عادي لإمداد إسرائيل بالسلاح، وأرسل كيسنجر يومها برقية إلى جولدا مائير عبّر فيها عن تفهم الإدارة الأميركية لوقت إضافي يُمنح لهم لتعديل مواقعهم، وحوصر الجيش الثالث المصري، وبعده صدر قرار مجلس الأمن بوقف القتال مما قدم هدية للمفاوض الإسرائيلي.
" هدد الفريقان المصري والإسرائيلي في مفاوضات كامب ديفد بالانسحاب منها، لكن وأمام التشبث الإسرائيلي بمواقفه أبلغ السادات الرئيس كارتر أنه سيعرض في البداية مشروعا متشددا لإسكات عدد من أعضاء الوفد المصري، وأن لديه مشروعا معتدلا يعكس حقيقة موقفه " |
تتوقف الحرب، وتبدأ مهزلة مفاوضات الخيمة "101" بين مصر وإسرائيل، وأمام هذه الخدمات يتقدم السادات في بداية العام 1974 عبر مستشاره إسماعيل فهمي بطلب لتتحمل الولايات المتحدة مسؤولية أمنه الشخصي، ويردّ كيسنجر عليه برسالة ضمانة فيها أسماء فريق الخبراء الأميركيين المُعينين لحمايته، وتنتقل في تلك المدة رئاسة الوزارة الإسرائيلية إلى رابين ليؤكد أثناء لقائه بالرئيس كارتر أنه يمكن إعادة سيناء إلى مصر مقابل السلام الكامل، وأنه لا مكان لدولة فلسطينية بين الأردن وإسرائيل، ثم يخلف رابين مناحيم بيغن طارحا السؤال التالي على المتحدثين معه: أي أرض محتلة؟!… مجيبا: "إذا كنت تعني يهودا والسامرة وقطاع غزة فهذه أرض محررة… إنها جزء مكمل من أرض إسرائيل"، ويكمل حديثه: "في هذه المناطق المحررة من الأرض اليهودية هناك حق كامل لليهودي ليستوطن فيها".
وفي معرض حديثه وردّه على وزير الخارجية المصري يقول: "لقد قَدِم لزيارتنا… جاء كضيف على بلدنا، ويطلب منّا التخلي عن جزء من عاصمتنا.. تخيلوا أن أذهب إلى مصر وأطلب أن يتخلوا عن جزء من القاهرة"، وشارون الذي تسلم ذات المنصب قال: "ليس هناك شك أن إسرائيل ستبقى في الضفة الغربية للأبد".
والكتاب يحوي نقاطا هامة حيث يقول فانس: "والمفاوضات التي استمرت مدة من الزمن في كامب ديفد هدد فيها الفريقان المصري والإسرائيلي بالانسحاب منها، لكن وأمام التشبث الإسرائيلي بمواقفه يُبلغ السادات الرئيس كارتر أنه سيعرض في البداية مشروعا متشددا لإسكات عدد من أعضاء الوفد المصري، وأن لديه مشروعا معتدلا يعكس حقيقة موقفه".
كان ذلك عام 1978 وقبيل المؤتمر وفي 31 أغسطس/آب أعلن بيغن أن موقف إسرائيل… سيبقى، ولن يكون هناك انسحاب إلى حدود عام 1967، وأن إسرائيل ستواصل السيطرة العسكرية على الضفة وغزة في ظل أي اتفاق وقتي، وأن الضم الواقعي للقدس ليس محلا للتفاوض. ودايان الذي كان وزيرا للخارجية في ذلك الوقت وأثناء وجوده في واشنطن لم يُبد أي رأي بشأن الطلب الأميركي لتجميد المستوطنات، أو إعطاء التزامات مُسبقة بالانسحاب من الأراضي.
وفي مواجهة المشاريع التي قدمتها إسرائيل يقول فانس: "توصل الفريق الأميركي برئاسته إلى مسودة غير رسمية قُدمت للطرفين، فاعتكف بيغن وزملاؤه لدراسة المسودة تلك الليلة، واجتمعنا إليهم الرئيس وبريجنسكي وأنا لنتلقى الرد منهم..
كان الإسرائيليون قد حذفوا كل ما ورد في المقدمة مأخوذا من القرار 242 خصوصا ما يتعلق بعدم السماح بالاستيلاء على الأراضي عن طريق الحرب، كما حذفوا الإشارات إلى الشعب الفلسطيني واستبدلوها بعبارة "العرب الفلسطينيون" وأدخلوا عبارة "المجلس الإداري" بدلا من سلطة الحكم الذاتي، واستأصلوا الإشارة إلى معاهدة سلام لتسوية الوضع في الضفة الغربية وغزة، وأحلوا محلها جملة مؤداها أن المفاوضات ستعالج جميع المسائل المتبقية بعد الفترة الانتقالية، وعن القدس حذفوا الجملة التي تقول إن اتفاقا حول العلاقات في القدس يجب التوصل إليه في المفاوضات التي تعالج الوضع النهائي للضفة الغربية وغزة.
ورفض الإسرائيليون رفضاً قاطعاً أن يناقشوا فكرتنا المقترحة التي تدعو إلى تجميد المستوطنات طالما المفاوضات جارية، ورغم التشدد النسبي المصري على هذه النقاط فإن السادات وأثناء المفاوضات أصر على وجود رمز للسيادة العربية في القدس الشرقية، واقترح علينا عَلما إسلامياً أو عربياً فوق الأماكن المقدسة في القدس الشرقية، ورفض بيغن أي رمز مهما كان عاما أو تعبيرا في القدس الشرقية، ولم يوافق على أن سكانها العرب يستطيعون المشاركة في ترتيبات الحكم الذاتي للضفة الغربية، وانفجر غاضباً عندما اقترحنا أن يُرفع علم أخضر على قبة الصخرة فوق المعبد واعتبر ذلك تدنيسا للمقدسات، وأنه إذا ألححنا في هذه المسألة فسوف يغادر كامب ديفد".
أخيراً عُقدت المعاهدة، وكتب عنها بطرس غالي وكان وزيرا للخارجية، وقد سبقه ثلاثة وزراء استقالوا في تلك الفترة، قائلا: "مما لا شك فيه أنه أمكن تحقيق المعاهدة بتهميش الفلسطينيين، فمصر ستحصل على السلام، لكن الفلسطينيين لن يحصلوا على حقوقهم".
وإكراما للأعداء تعهدت الولايات المتحدة بزيادة دعمها لإسرائيل عسكريا واقتصاديا، وضمان استمرار تزويدها بالبترول المصري، وحمايتها من أي خرق للمعاهدة، أو تهديد من جانب مصر، ومؤخراً أضيف إلى البترول الغاز المصري الذي تتزود به إسرائيل بسعر تفضيلي.
إثر هذا العرض المُوثق لوقائع جَرت، وأحداث تمت، ولما نراه ويتم حاليا، يعود السؤال إلى ذهن كل عربي: ما الجديد؟!
في هذه الأيام يتعزز شعار يهودية الدولة الذي يعني رفض حق اللاجئين في العودة، ويُمهد السُبل لترحيل عرب 48 من الأراضي المحتلة إلى الوطن البديل مستقبلا، والمستوطنات مستمر بناؤها فلا وقف، ولا حتى التجميد لها، والقدس برأي الإسرائيليين عاصمة أبدية لهم، ولا عودة لحدود 1967، والحكم الذاتي تتعزز إمكاناته بالتنسيق الأمني بين قوات الأمن الفلسطينية التي سُمح بتشكيلها مع الأمن الإسرائيلي لاعتقال وحتى قتل المقاومين، والحديث عن انسحاب من الأراضي السورية واللبنانية غاب في خضم السياسات الممارسة، والموقف الرسمي العربي ما زال متمسكا بمبادرة السلام وصامتا عن حصار مصر لغزة عبر معبر رفح، وموافقا على المفاوضات غير المباشرة.
" تعالت أصوات رسمية وشعبية وعالمية مطالبة برفع الحصار إلا أن الجامعة العربية تنتظر رأي الأمم المتحدة، وإسرائيل تمارس سخريتها على العالم بتشكيل لجنة محلية للتحقيق بالجرائم التي ارتكبت بحق قافلة الحرية " |
لقد تعالت أصوات رسمية وشعبية وعالمية مطالبة برفع الحصار إلا أن الجامعة العربية تنتظر رأي الأمم المتحدة بطلبها من مجلس الأمن رفع الحصار، وإسرائيل تمارس سخريتها على العالم بتشكيل لجنة محلية للتحقيق بالجرائم التي ارتكبت بحق قافلة الحرية، وتدّعي رفعها للحصار جزئيا، وتبارك أميركا مواقفها.
أمن سياسات عربية ممانعة ولو في الحد الأدنى؟!
لا جديد.. لكن يبدو لنا أن جميع المكاسب التي تقدم للحليفين يُنغصها شيء واحد ألا وهو أن اعتمادات حماية المسؤولين العرب زادت من النفقات الأميركية لازدياد عددهم، وهذا همّ يُضاف ولا بد من إيجاد حل له!!
قد يكون للكثيرين رأي مخالف في هذه النقطة بالذات، فالحماية أميركية ونفقاتها عربية، والكرم العربي مشهود له في هذا المجال.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.