إسرائيل بدون الولايات المتحدة الأميركية!

إسرائيل بدون الولايات المتحدة الأميركية!



أميركا ضرورة إسرائيلية
إسرائيل حاجة أميركية
علاقة إستراتيجية ووشائج وطيدة
إسرائيل وإدارة أوباما
ملاحظات ختامية

 

أثارت الأزمة بين إسرائيل والإدارة الأميركية، الناجمة عن إعلان مخططات الاستيطان في القدس الشرقية، إبّان زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن لإسرائيل، العديد من التساؤلات، لدى المحللين الإسرائيليين.

هكذا عجّت الصحافة الإسرائيلية بتحليلات متباينة لطبيعة هذه الأزمة وأثرها على العلاقات بين الطرفين، وطرحت تساؤلات من نوع إلى أين ستؤدي هذه الأزمة؟ وما أثرها على العلاقة المتميزة التي تربط الطرفين؟ وما أثرها على مكانة الولايات المتحدة وسياساتها في الشرق الأوسط؟

وكالعادة فقد اختلف الإسرائيليون على كيفية معالجة الأزمة الناشئة، فثمة من رأى أن حكومة نتنياهو ارتكبت خطأ يهدد العلاقة الإستراتيجية التي تربط إسرائيل بالولايات المتحدة، ويضعف السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، مطالبا الحكومة بالتراجع عن موقفها، ووقف الاستيطان، وحثّ عملية التسوية، من أجل تعزيز العلاقة مع أميركا، وتسهيل سياساتها في المنطقة، ومن أجل إسرائيل ذاتها.

وبالمقابل، اعتبرت وجهات نظر أخرى أن ثمة مبالغة في الحديث عن أزمة، وأن إسرائيل ليست معنية بالاستجابة للإملاءات الأميركية التي تضر بمصالحها، وأن من حقها الاستيطان في أي مكان، في "أرض إسرائيل" خاصة. بل وثمة من رأى أن إسرائيل ليست مدينة للولايات المتحدة، وأن الدعم الأميركي لإسرائيل ليس منّة، وإنما ضرورة للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط.

أميركا ضرورة إسرائيلية

"
فيشمان:
السند الإستراتيجي الأميركي هو الذخر الأمني الأكبر والأهم لدى إسرائيل اليوم.. ودون شبكة العلاقات الأمنية الخاصة هذه ستكون إسرائيل أكثر ضعفا وهامشية في الشرق الأوسط
"

ومحاولة للإجابة عن التساؤلات المذكورة، وتوضيح اعتمادية إسرائيل على الولايات المتحدة، خصّصت "يديعوت أحرونوت" عددا خاصا (يوم 16/3) عنوانه: "هل يمكن لإسرائيل أن تتدبر بدون أميركا؟"

المحلل الاقتصادي للصحيفة سيفر بلوتسكر، أكد على قوة إسرائيل الاقتصادية، لكنه طالب بعدم المبالغة في الأوهام. وفي رأيه فإن التورط مع أميركا سيتطلب "شد الحزام". ويرى بلوتسكر أن المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل (قدرها ثلاثة مليارات دولار سنويا)، هي مساعدات اقتصادية، بدونها الاقتصاد الإسرائيلي "كان سينمو بوتيرة أبطأ.. ومستوى المعيشة كان سيكفّ عن الارتفاع".

كذلك تحدث بلوتسكر عن منح الولايات المتحدة ضمانات قروض لإسرائيل مرتين (بقيمة عشرة مليارات دولار كل مرة). وأضاف: "الولايات المتحدة هي المشتري الأكبر للصادرات الإسرائيلية: في السنة الماضية صدرت إسرائيل إلى السوق الأميركية منتجات بـ17 مليار دولار واستوردت بضائع بـ6 مليارات دولار فقط". واستنتج بلوتيسكر: "هذا تعلّق عميق.. إذا كبح الاقتصاد الأميركي شهيته للمنتجات الإسرائيلية – بسبب الركود أو بسبب تلميح يصدر عن البيت الأبيض– فإن الاقتصاد الإسرائيلي سيتدهور.. فضلا عن كل الحسابات هذه التأييد الأميركي المتواصل لإسرائيل ليس له سعر مالي وقيمته لا تقدر بالذهب". (يديعوت أحرونوت 16/3).

أما المحلل السياسي شمعون شيفر فعدد أوجه الدعم السياسي الأميركي لإسرائيل، الذي لا يقدر بالذهب (بحسب بلوتسكر)، يقول شيفر: "أميركا هي الدولة الأولى التي اعترفت (بإسرائيل).. منذ ذلك الحين وحتى اليوم، فإن الذخر السياسي الأكبر الذي يسمح للإسرائيليين بالإبقاء على دولتهم في المنطقة المشوبة بالنزاع والعنف هنا، يرتبط بالتماثل التام مع أميركا.. إسرائيل ربحت من هذا التقارب وليس فقط المساعدات الاقتصادية والأمنية". (يديعوت أحرونوت 16/3).

وفي المجال الأمني عدّد أليكس فيشمان امتيازات إسرائيل نتيجة علاقاتها مع الولايات المتحدة، إضافة (وهذا هو الأهم) لتمتعها أيضا بضمانتها لأمن واستقرار إسرائيل. يقول فيشمان: "الإدارة الأميركية تمنح إسرائيل نحو ثلاثة مليارات دولار في السنة.. سلاح الجو، متعلق بشكل تام بالمساعدات الأميركية.. بدون الأميركيين لن تكون هناك طائرات قتالية، بل ولن تكون قطع غيار للطائرات.. إسرائيل، تكنولوجيًّا، يمكنها أن تنتج منظومات سلاح أساسية بقواها الذاتية. ولكن اقتصاديا نحن نبحث عن الحلمة الأميركية.. إسرائيل لا تعرف كيف تقاتل في حروب طويلة دون قطار جوي أميركي.. في العصر النووي الإقليمي فإن هذا التعلق لا يقل، بل يزداد".

ويتساءل فيشمان: "لنقل إن حكومة إسرائيل يمكنها أن تطلق طائرات سلاح الجو لقصف المنشآت النووية في إيران دون أن تبلّغ أو تنسّق ذلك مع الإدارة الأميركية.. إذن ماذا؟ ماذا سيحصل بعد دقيقة من عودة الطائرات إلى البلاد؟.. هل إسرائيل قادرة على أن تترجم مثل هذا الإنجاز العسكري إلى إنجاز سياسي، إلى اتفاق سياسي، دون الظهر الأميركي؟ الجواب هو لا.. السند الإستراتيجي الأميركي هو الذخر الأمني الأكبر والأهم لدى إسرائيل اليوم.. دون شبكة العلاقات الأمنية الخاصة هذه ستكون إسرائيل أكثر ضعفا وهامشية في الشرق الأوسط". (يديعوت أحرونوت 16/3).

إسرائيل حاجة أميركية
وكما قدمنا ثمة وجهات نظر أخرى تنتقد تبعية إسرائيل للولايات المتحدة، وتطالب حكومة نتنياهو برفض الخضوع لها، لأنها مضرة بإسرائيل وبادعاءاتها باعتبارها دولة يهودية. هكذا، ذهب نداف هعتسني بعيدا في التحذير من أن "التنازل عن الاستيطان، إرضاء للولايات المتحدة، سيؤدي إلى تشجيع الفلسطينيين على المطالبة لاحقا بقرار التقسيم (نوفمبر/تشرين الثاني 1947)، وبالتالي بحظر "بناء شقق في يافا أيضا". (معاريف 18/3).

أما حانوخ داووس فقلل من أهمية المساعدات الأميركية، حيث "لا يمكن شراء روح الإنسان بأي مبلغ مالي. وبالتأكيد ليس روح دولة. إسرائيل تحتاج إلى أميركا.. إسرائيل تحتاج إلى الولايات المتحدة.. لكن.. الولايات المتحدة هي أيضا تحتاج إلى إسرائيل". (يديعوت أحرونوت 16/3). ويحذّر يعقوب عميدرور(عميد احتياط) قائلا: "ربما نكون أمام أزمة صعبة ومؤلمة، لكن.. الخضوع الآن لمطالب واشنطن أخطر." (إسرائيل اليوم 16/3)

وكما شهدنا، في مؤتمر "إيباك" في واشنطن، فإن نتنياهو ذهب نحو تصعيد الموقف إزاء الإدارة الأميركية، بإصراره على عدم الاستجابة للمطالب الأميركية، بشأن وقف الاستيطان في القدس، باعتباره أن "القدس ليست مستوطنة وإنما هي عاصمة إسرائيل الأبدية" (على حد تعبيره).

علاقة إستراتيجية ووشائج وطيدة

"
علاقة أميركا بإسرائيل هي نسيج وحدها، بين علاقات الدول والأمم، وهي تتأسس على روابط اعتمادية، تشمل مختلف مجالات الحياة، ورغم مصالح أميركا في العالم العربي فإنها تصرّ على محاباة إسرائيل، ودعمها وتغطية سياساتها بشكل مطلق!
"

من ما تقدم يمكن الاستنتاج بأن علاقة الولايات المتحدة بإسرائيل هي نسيج وحدها، بين علاقات الدول والأمم، وهي تتأسس على روابط اعتمادية، تشمل مختلف مجالات الحياة، والمجتمع في كلا البلدين. المفارقة في هذه العلاقة أن إسرائيل تبدو عبئا حقيقيا على الولايات المتحدة، من النواحي: السياسية والاقتصادية، ومن حيث مكانتها وصدقيتها في العالم، في حين أنها تعتبر مكسبا خالصا لإسرائيل، التي تتمتع بضمانة الولايات المتحدة لأمنها ولتفوقها الإستراتيجي في المنطقة، في المجالات: العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية.

المفارقة تتجلى أيضا في واقع أن إسرائيل دولة صغيرة جدا وهي بعيدة عن الولايات المتحدة، ولا يزيد عدد سكانها عن بضعة ملايين، ويبلغ ناتجها السنوي حوالي 150 مليار دولار، في حين أن الولايات المتحدة دولة كبيرة وقوية بالمقاييس الجغرافية والسكانية والاقتصادية والتكنولوجية.

وثمة مفارقة أخرى تتمثل بواقع أن مصالح الولايات المتحدة في العالم العربي أهم من مصالحها في إسرائيل، ففيه كتلة بشرية تناهز 300 مليون شخص، والثروة النفطية، الحيوية للاقتصاد العالمي، وهو يحتل موقعا إستراتيجيا للعلاقات الدولية.

لكن ما يلفت الانتباه أنه برغم كل الميزات، التي هي لصالح العالم العربي وليست لصالح إسرائيل، فإن الولايات المتحدة تصرّ على محاباة إسرائيل، ودعمها وتغطية سياساتها بشكل مطلق! ويمكن تفسير هذه العلاقة الخاصة بالعوامل التالية:

1 ـ وجود شعور بنوع من التماثل بين قيام إسرائيل وقيام الولايات المتحدة، التي نشأت أيضا بوسائل الهجرة والاستيطان والقوة، ضد أهل الأرض الأصليين.

2 ـ وجود بعد ثقافي ديني، فثمة تيار أصولي في المسيحية المنتشرة في المجتمع الأميركي، يعتبر قيام إسرائيل علامة من علامات القيامة، ولذلك فإن هذا التيار يدعم وجود إسرائيل من هذا المنطلق، وإن لغايات مختلفة.

3 ـ اعتبار أن إسرائيل تنتمي لمنظومة الحضارة الغربية، حيث ظلت إسرائيل تدعي أنها واحة للديمقراطية والحداثة في المنطقة. وكما لحظنا فقد تداعت هذه الأسطورة بعد انفضاح الطابع العنصري والاستعماري لإسرائيل، ولكن النتائج كانت أكثر وضوحا في أوروبا منها في الولايات المتحدة.

4 ـ طبيعة النظام السياسي الأميركي، الذي يعتمد على دوائر عدة، خصوصا أن الضغط عليه، لتوجيه دفة السياسة الخارجية الأميركية، لا يقتصر على العلاقة بالرئيس أو بأركان إدارته، وإنما يشمل التأثير في دوائر الناخبين وفي مجلسي النواب والشيوخ، ووسائل الإعلام والشركات الكبرى والجامعات واللوبيات.

5 ـ تشتت وضعف الإرادة وتخلف الإدارة السياسية في العالم العربي، برغم كثرة العرب وكثرة دولهم ونفطهم.

إسرائيل وإدارة أوباما
بالنظر لما تقدم تتمتع إسرائيل بامتيازات تتيح لها العمل من داخل المجتمع الأميركي، والسياسة الأميركية، وهو ما يفسر تحمّلها الخلاف مع هذه الإدارة الأميركية أو تلك، وتحمّلها معارضة توجهات إدارة أوباما في هذه المرحلة.

فوق ذلك فإن إسرائيل ترى في إضعاف أوباما وإدارته مساهمة منها في إنعاش القوى الحليفة لها في السياسة الأميركية. وعلى الصعيد الخارجي فإن إسرائيل تشعر بأهميتها للولايات المتحدة، في مجمل سياساتها الشرق أوسطية.

طبعا، لا يمكن المراهنة على أن حادثة معينة أو غيرها، مع نائب الرئيس الأميركي أو مع الرئيس ذاته، يمكن أن تطيح بالمكانة المتميزة التي تتمتع بها إسرائيل في الولايات المتحدة، بحكم الروابط الوشيجة التي تجمع هذين الطرفين، وبحكم العلاقات التاريخية والمتميزة التي تربطهما، وبواقع أن السياسة عندهم تعمل بطريقة المؤسسات، والمصالح والرؤى الإستراتيجية، لا الآنية أو الشخصية.

"
المؤشرات تؤكد أن إدارة أوباما تتعامل من موقع القوة والحزم مع حكومة نتنياهو، لاسيما بعد نجاحها في تمرير مشروع الضمان الصحي، وخصوصا أنها لا تشعر بأنها مضغوطة من قبل اللوبي اليهودي في أميركا
"

مع ذلك فإن المؤشرات تؤكد أن إدارة أوباما تتعامل من موقع القوة والحزم مع حكومة نتنياهو، لاسيما بعد نجاحها في تمرير مشروع الضمان الصحي، وخصوصا أنها لا تشعر بأنها مضغوطة من قبل اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، الذين ينتمي أغلبهم إلى التيار الليبرالي المؤيد لأوباما.

فوق ما تقدم ثمة إجماع غير مسبوق في الإدارة الأميركية، على المستوى السياسي، والعسكري أيضا، بشأن أن سياسات حكومة نتنياهو، المتمثلة بإعاقة عملية التسوية، والاستيطان وتهويد القدس الشرقية، تضرّ بمكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وبجهودها للجم الطموحات النووية لإيران، مما يضع الأمن القومي الأميركي في دائرة الخطر.

هكذا فإن الرئيس أوباما ونائب الرئيس بايدن، ومستشار الأمن القومي جونز، ووزير الدفاع غيتس، ورئيس أركان القوات المشتركة الأميرال مولن، وقائد القيادة الأميركية الوسطى الجنرال بتراوس، باتوا يقرون بأن عملية التسوية مع الفلسطينيين شرط لابد منه لتحسين مكانة أميركا في الشرق الأوسط، وتحجيم إيران، وجلب الأمن والاستقرار للمنطقة، ولإسرائيل ذاتها.

على ذلك، لم يعد غريبا سماع عبارات من نوع أن الوقت أخذ في النفاد وأن "أوباما ملّ لعبة الوقت". (معاريف 25/3). أو حتى قول أورلي أزولاي إن "أوباما.. لا يطلب من إسرائيل أي شيء لم تطلبه إدارات أميركية قبله.. شيء واحد تغير.. لم يعد يوجد غمز بين رئيس أميركي ورئيس حكومة إسرائيلي على البناء في المناطق". ("يديعوت أحرونوت"، 19/3).

ملاحظات ختامية
أخيرا، يجب الانتباه إلى أن العلاقات الأميركية الإسرائيلية تستمد قوتها من تشتت العرب وضعف أحوالهم، وقلة درايتهم بكيفية التصرف مع السياسات الأميركية. كما يجب الانتباه أيضا إلى أن ثمة شيئا يجري في الولايات المتحدة، على صعيد العلاقة مع إسرائيل، يمكن توصيفه بأنه بداية مسار تضعضع العلاقة المشتركة، ومراجعة مسلماتها، مما يفرض الحاجة إلى موقف عربي أكثر حضورا وقوة وفاعلية.

هكذا، فإذا كانت إسرائيل بدون الولايات المتحدة ليست مسألة راهنة، فإنها بالمقابل ليست مسألة مستحيلة في ضوء التطورات الدولية والإقليمية، وفي ضوء تحول إسرائيل إلى دولة احتلالية وأصولية وعنصرية، أكثر من أي وقت مضى.

الخلاصة، ثمة ما يفيد أن "الأميركيين مصممون: في هذه الولاية للرئيس أوباما (على أنه) سيكون اختراق سياسي". (مايا بنغل "معاريف" 25/3)، فهل يحدث ذلك حقا؟ وهل يستطيع العرب، وضمنهم الفلسطينيون، استثمار هذه اللحظة الهامة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.