البرلمانات العربية الحاضرة والتمثيل الغائب

البرلمانات العربية الحاضرة والتمثيل الغائب


تشكيل البرلمانات
الوظائف المفترضة
تاريخ طويل
الطريق إلى المستقبل

يبلغ عدد الدول العربية حتى تاريخه 22 دولة، وهناك في المقابل 23 برلمانا عربيا. وترجع الزيادة في عدد البرلمانات العربية عن عدد الدول إلى أن قمة الجزائر في مارس/آذار 2005 قررت إنشاء برلمان عربي على غرار البرلمان الأوروبي.

وبينما تأخذ كل من السعودية، وسوريا، والكويت، وقطر، والإمارات، وجيبوتي، وجزر القمر، وليبيا، ولبنان، والصومال بنظام المجلس التشريعي الواحد، تأخذ الدول العربية الأخرى بنظام المجلسين. ولأنه ليس هناك مبرر واضح حتى الآن لأن يكون لأي دولة عربية مجلس أو مجلسان، فإن الأرجح هو أن احتياجات الحاكم العربي هي الفيصل في اختيار الأحادية أو الثنائية البرلمانية.

وإذا ما تم حساب عدد المجالس البرلمانية العربية بجمع عدد المجالس السفلى التي يفترض أن تمثل الشعوب وعدد المجالس العليا التي يفترض أن تمثل النخب بأنواعها، فإن عدد المجالس البرلمانية العربية بما في ذلك البرلمان العربي سيصل إلى 36 مجلسا برلمانيا.

فإذا تمت قسمة عدد سكان الوطن العربي المقدرين بـ350 مليون نسمة على عدد المجالس النيابية فإن النتيجة هي أن هناك تقريبا مجلسا نيابيا لكل 10 ملايين عربي.

"
رغم شيوع الانتخابات بشكليها المباشر وغير المباشر في عملية اختيار أعضاء المجالس البرلمانية العربية، فإن الوظيفة الأساسية لتلك الانتخابات هي في الكثير من الأحيان تزكية من يعينه الحاكم
"

تشكيل البرلمانات
يعين رأس الدولة -ملكا كان أو رئيسا- في الدول ذات المجلسين جميع أعضاء المجلس الأعلى كما هو عليه الحال في الأردن واليمن وعمان والبحرين، أو نسبة منهم كما في مصر وتونس والجزائر، أو يتم اختيار أعضاء المجلس جميعهم عن طريق انتخابات غير مباشرة كما هو عليه الحال في السودان الذي يتم فيه اختيار أعضاء مجلس الولايات الـ50 من قبل السلطة التشريعية في كل ولاية، أو في المغرب الذي يتم فيه اختيار أعضاء مجلس المستشارين الـ270 عن طريق هيئات انتخابية خاصة، أو في موريتانيا التي يتم فيها انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ الـ56 عن طريق هيئات خاصة.

ولم تتحدد حتى الآن طريقة تشكيل المجلس الأعلى في العراق، حيث يتوقع أن يصدر مجلس النواب العراقي في وقت غير بعيد قانونا يحدد طريقة تكوين المجلس واختصاصاته وشروط العضوية فيه وغير ذلك من الجوانب.

أما المجلس الوطني الفلسطيني الذي يفترض أن يمثل الهيئة التشريعية العليا للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج والذي عقد آخر دورة له غير مختلف حولها في غزة عام 1996، فلم يعد من الواضح كيف يتم اختيار أعضائه.

وبالنسبة للمجلس الأدنى في الدول ذات المجلسين، فيتم اختيار جميع أعضائه عن طريق الانتخابات المباشرة كما في الأردن، واليمن، والمغرب، وتونس، وموريتانيا، والجزائر، والسودان، والعراق، والبحرين، وفلسطين باستثناء عضو واحد، وإلى حد كبير مصر التي يعين فيها الرئيس 10 أعضاء فقط من أعضاء مجلس الشعب الـ454، أو عن طريق الاقتراع المحدود كما في عمان.

أما في الدول ذات المجلس الواحد فيعين رأس الدولة في السعودية جميع أعضاء مجلس الشورى الـ90، ويعين أمير قطر ثلث أعضاء مجلس الشورى الذي يضم 45 عضوا، ويعتبر الوزراء الـ15 الذين يعينهم أمير الكويت أعضاء في مجلس الأمة بحكم الوظيفة، ويتم الجمع بين الانتخاب المباشر ذي الجولتين والتعيين من قبل مجالس الوحدات في جزر القمر التي يتكون مجلس نوابها من 33 عضوا، و بالانتخاب المباشر في لبنان وسوريا وجيبوتي، وبطرق مختلفة -ليس من بينها الانتخاب المباشر الذي يشارك فيه جميع المواطنين البالغين- في الإمارات، وليبيا، والصومال.

ورغم شيوع الانتخابات بشكليها المباشر وغير المباشر في عملية اختيار أعضاء المجالس البرلمانية العربية فإن الوظيفة الأساسية لتلك الانتخابات التي غالبا ما تفتقر إلى العدالة وتكافؤ الفرص وغير ذلك من الشروط التي تجعلها انتخابات ديمقراطية، هي في الكثير من الأحيان تزكية من يعينه الحاكم.

الوظائف المفترضة
تمارس البرلمانات في الدول ذات الأنظمة الديمقراطية وظيفتين أساسيتين هما التشريع -أي سن القوانين- والرقابة على السلطات التنفيذية. وبالنظر إلى البرلمانات العربية، فإن الملاحظ أنها تتباين من حيث الدور الذي يفترض أن تقوم به. فهناك بعض المجالس يقتصر عملها على الوظيفة الاستشارية ولا تمارس أي اختصاصات تشريعية، وهناك مجالس تخولها الدساتير سن القوانين فقط دون أن تمنحها أي اختصاصات رقابية واضحة. أما البعض الثالث من تلك المجالس فيتمتع على الصعيد الدستوري والقانوني بسلطات التشريع والرقابة في ذات الوقت.

ورغم اختلاف البرلمانات العربية عن بعضها البعض من نواح كثيرة، فإنها تتفق في خاصية واحدة، وهي أنها بشكل عام لا تعبر عن الإرادة الشعبية، ولا تمثل المواطن العربي الذي ينظر إليها بشكل عام على أنها "لا تهش ولا تنش".

بالنسبة للبرلمانات التي تقدم المشورة فإنها في الغالب لا تستشار، وإذا استشيرت فإنها لا تستطيع مصارحة الحاكم بما عليه أن يفعله، وإذا حدث وأن قدمت له المشورة الصحيحة، فإن الحاكم قد يعادي أعضاءها دون أن يأخذ بمشورتها.

"
القاعدة العامة هي أن أعضاء البرلمانات العربية يبصمون على القوانين ولا يسنونها، لأنها تأتي إليهم جاهزة من الحاكم العربي الذي لا يترك شاردة أو واردة تتصل بالبقاء في السلطة إلا وحسب حسابها
"

أما البرلمانات التي تشرع، فإن القاعدة العامة هي أن أعضاءها يبصمون على القوانين ولا يسنونها لأنها تأتي إليهم جاهزة من الحاكم العربي الذي لا يترك شاردة أو واردة تتصل بالبقاء في السلطة إلا وحسب حسابها. وإذا حدث أن تجرأ عضو أو مجموعة من الأعضاء على التقدم بمشروع قانون اعتبر الحاكم ذلك المشروع مؤامرة لقلب نظام الحكم، وسارع من خلال مستشاريه ووزرائه إلى تقديم قانون مساو له في السرعة ومضاد له في الاتجاه.

وفي الدول التي يفترض أن تمارس فيها البرلمانات وظائف التشريع والرقابة على الحكومة تغيب تماما وظيفة الرقابة، فالحاكم العربي -كخاصية تبدو كما لو أنها وراثية- يسعى دوما للحصول على كل السلطة مع رفض تام لتحمل أي مسؤولية مقابل تلك السلطة.

وتفترض كل الدساتير العربية تقريبا أن الحاكم العربي يمكن فقط أن يخون بلاده، وفي تلك الحالة ينبغي على البرلمان محاكمته وعزله، وهو ما لم يحدث قط، ولا يمكن أن يحدث حتى في "أحلام اليقظة".

أما احتمال أن يتجاوز الحاكم العربي صلاحياته أو يبدد ثروات شعبه أو يقصر في أداء واجباته أو ينتهك حقوق مواطنيه، أو يقوم بغير ذلك من التصرفات التي تقتضي مساءلته ومحاسبته، فأمر غير وارد. ويشمل الحاكم العربي بالحماية من المساءلة ليس فقط شخصه وأفراد أسرته ولكن أيضا كل من يعمل معه.

وإذا كان البرلمان الكويتي يمثل -بما يتميز به من نزعة قوية نحو مراقبة ومحاسبة الحكومة- استثناء في الحياة البرلمانية العربية التي تتميز بالضحالة، فإنه ذلك النوع من الاستثناء الذي يؤكد القاعدة. فقد تم حل المجلس ست مرات وتم تعليق العمل البرلماني مرتين الأولى لنحو خمس سنوات بين عامي 1976 و1981، والثانية لنحو ست سنوات بين عامي 1986 و1992.

ورغم أن المواطن العربي يعيش في الكثير من الدول العربية مهدور الدم والحقوق تارة باسم اتقاء الفتنة، وتارة أخرى باسم الحفاظ على الأمن الوطني أو القومي، وتارة ثالثة باسم تحرير فلسطين، وتارة رابعة باسم مكافحة الإرهاب، فإن البرلمانات العربية تتبع في الغالب الحكمة المأثورة "لا أسمع، لا أرى، لا أتكلم". ومن سخرية القدر أن معظم الدول العربية، ورغم التضحية بالمواطن العربي وحقوقه، لم تتمكن حتى اليوم من درء الفتنة، أو الحفاظ على الأمن الوطني أو تحرير فلسطين، أو حتى القضاء على خطر القاعدة.

تاريخ طويل
قد يعتقد البعض أن أس المشكلة يكمن في حداثة التجربة البرلمانية العربية وفي حاجتها إلى الوقت حتى يقوي عودها ويستقيم، لكن ذلك الاعتقاد لا يتفق مع حقائق التاريخ. فقد تأسس مجلس الشعب المصري عام 1866، ومجلس الشعب السوري عام 1919، ومجلس النواب اللبناني عام 1928.

وتأسس مجلس الأمة الأردني بمجلسيه النواب (منتخب من قبل الشعب) والأعيان (يعينه الملك) عام 1946، وتأسس مجلس المستشارين المغربي عام 1956 وتبعه مجلس النواب عام 1963.

"
لم تتجذر التقاليد البرلمانية العربية بالقدر المطلوب، ولم يتعلم الأبناء من تجارب الآباء، ولم تبن الأجيال اللاحقة على ما حققته الأجيال السابقة، وظلت البرلمانات العربية على حالها من الضعف
"

وظهر المجلس الشعبي الوطني في الجزائر عام 1962، ومجلس الأمة الكويتي عام 1963، ومجلس النواب التونسي عام 1965، ومجلس النواب اليمني عام 1969، ومجلس الشورى القطري عام 1972، والمجلس الوطني الاتحادي في الإمارات عام 1972.

وتعرضت الحياة البرلمانية في كل بلد عربي إلى الشنق والتعليق، وأحيانا الصلب، أكثر من مرة أو لمرة واحدة بدأت ثم طالت كثيرا. ورغم كل ذلك لم تتجذر التقاليد البرلمانية بالقدر المطلوب، ولم يتعلم الأبناء من تجارب الآباء، ولم تبن الأجيال اللاحقة على ما حققته الأجيال السابقة، وظلت البرلمانات العربية على حالها من الضعف عندما يتعلق الأمر بالمواطن وحقوقه وحرياته.

ومع أن نصف القرن الماضي شهد الكثير من الأزمات على مستوى كل دولة عربية، وعلى مستوى الوطن العربي ككل، فإن الحياة البرلمانية العربية بقيت -في الغالب الأعم- على حالها من الجمود، وظل ما تم تحقيقه محدودا جدا، وإن كان العقدان الأخيران قد حفلا بالكثير من الإرهاصات.

الطريق إلى المستقبل
يتصف العالم العربي بالتعدد في مكوناته الاجتماعية على خطوط قبلية وعشائرية ودينية ومذهبية وعرقية وحزبية وطبقية، وتشهد معظم الفئات المكونة للمجتمعات العربية بفضل ثورة المعلومات والاتصالات والمواصلات، تناميا مطردا في وعيها بحقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية المستلبة.

ويشكل غياب أو ضعف قنوات المشاركة السياسية والاقتصادية المتزامن مع التنامي في الطلب على المشاركة عوامل مغذية لعدم الاستقرار في الكثير من الدول العربية، وإن اختلفت الدرجة من دولة إلى دولة ومن منطقة إلى أخرى.

ومن غير المرجح أن تبقى الدول التي تشهد استقرارا نسبيا اليوم على حالها لوقت طويل، أو أن تشهد ظاهرة عدم الاستقرار الحادة السائدة في أكثر من قطر عربي نهاية قريبة. ويبدو أن ظاهرة عدم الاستقرار في العالم العربي ستتفاقم أكثر فأكثر خلال المدى المتوسط، وستزداد الأوضاع سوءا قبل أن تبدأ في التحسن.

وسيرتبط تحقيق الاستقرار المستدام في الكثير من الدول العربية بقدرة تلك الدول على الانتقال من الحكم الفردي إلى الحكومات البرلمانية التي تتركز فيها السلطة في المجالس التشريعية والحكومات المنبثقة عنها، وتتراجع فيها سلطات رؤوس الدول (جمع رأس) لصالح الشعوب وممثليها.

لقد استغرق مثل ذلك الأمر قرابة ثمانية قرون في المملكة المتحدة حيث بدأت العملية بـ"الماغنا كارتا" (العهد العظيم) الذي ظهر عام 1215م والذي أقر بموجبه جون ملك إنجلترا ببعض الحقوق لرعيته، بما في ذلك حقهم في التظلم أمام القضاء إذا تم تقييد حرياتهم خارج القانون. ثم تطور الأمر تدريجيا عقدا بعد آخر وقرنا بعد قرن حتى انتقلت السلطة من رأس الدولة إلى البرلمان وتحول الأول إلى مجرد رمز يمارس سلطات اسمية، في حين انتقلت السلطات الفعلية إلى حكومة برلمانية.

"
يشكل غياب أو ضعف قنوات المشاركة السياسية والاقتصادية المتزامن مع التنامي في الطلب على المشاركة، عوامل مغذية لعدم الاستقرار في الكثير من الدول العربية، وإن اختلفت الدرجة من دولة إلى دولة ومن منطقة إلى أخرى
"

وإذا كان الانتقال السريع إلى الحكومات البرلمانية في اليابان وألمانيا قد تم بعملية قيصرية فرضها التدخل الخارجي، فإن التحول من دكتاتوريات فرانسيسكو فرانكو (1936-1975) في إسبانيا، وأنطونيو سالازار (1932-1974) في البرتغال، لم يستغرق سوى نحو العقدين ودون الحاجة إلى تدخل خارجي.

ورغم الصورة العامة القاتمة للحياة البرلمانية العربية اليوم، فإن الانتقال على الصعيد العربي لن يأخذ وقتا طويلا. وصحيح أن التقدم الذي تم تحقيقه ما زال محدودا، غير أن الصحيح أيضا أن الحاضر يختلف عن الماضي.

فالحل المتكرر وفترات التعليق لمجلس الأمة الكويتي ساهمت في تجذير الحياة النيابية في الكويت إلى الحد الذي يصعب معه اليوم تخيل الكويت بدون مجلس الأمة. ورغم الظروف الصعبة والصراعات المتعددة التي تشهدها اليمن فإن 20 عاما من الحياة النيابية المستمرة شكلت تراكما ملحوظا يجعل من الصعب -إن لم يكن من المستحيل- إلغاء مجلس النواب.

وصحيح أن تكلفة الخطوة الأولى على طريق الانتقال في دول مثل لبنان والعراق والسودان والصومال تبدو مرعبة، إلا أن ما يبعث على التفاؤل هو أنه من غير المتوقع أن تعود أي من تلك الدول إلى الخلف.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان