الأطلسي لم يتعلم من التجربة
منع الأزمات
أسلحة التدمير الشامل
إستراتيجية الردع
الحلف وضبط التسلح
العلاقة مع الدول
انعقدت قمة حلف شمال الأطلسي في البرتغال يومي 19 و20 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي 2010، وكان السكرتير العام للحلف ورئيس وزراء البرتغال قد قاما بالتقديم للاجتماع بقولهم بما يعني أن الحلف بعد الاجتماع ليس هو الذي كان قبله.
و"الفكرة الإستراتيجية للدفاع والأمن لأعضاء منظمة معاهدة شمال الأطلسي" الصادرة عن الاجتماع والتي تبدأ بعبارة "الاشتباك النشيط والدفاع الحديث"، لا تصور أن هناك أملا في تطور الحلف إلى الأفضل.
لا نكاد نجد في الفكرة الإستراتيجية المذكورة ما يمكن أن يعد جديدا في حلف شمال الأطلسي سواء كان ذلك في الواجبات أو المهام والمبادئ الرئيسية أو في تصورها البيئة الأمنية، أو ما جاء في الفكرة عن الدفاع والردع، أو عن تحقيق الأمن من خلال إدارة الأزمات، أو تدعيم الأمن الدولي من خلال التعاون في مجالات ضبط التسلح ونزع السلاح وعدم الانتشار، وسياسة الباب المفتوح والشراكة.
وأخيرا فإن الحديث عن الإصلاح والانتقال وحلف القرن الحادي والعشرين هو الآخر حديث معاد. الخطر في أن الحلف لم يفد من تجارب العقد الماضي خاصة ما حدث في فترة رئاسة بوش الابن للولايات المتحدة، كما فشل في إدراك أهم التغيرات في البيئة الأمنية نتيجة لتضاؤل دور القطب الوحيد، وصعود أقطاب عالميين جدد أهمها الصين، وإقليميين مثل تركيا وإيران، والأزمة الاقتصادية التي أثرت بشدة على أعضاء في الحلف. كل هذا كان يتطلب تغيرا جذريا في إستراتيجية الحلف.
كان من الممكن تفهم استمرار الإستراتيجية السابقة لو أنها كانت ناجحة، بمعنى لو أن الإستراتيجية السابقة حققت فعلا الأمن والسلام لأعضاء الحلف بتصور أنه يمكن للحلف أن يحقق لنفسه الأمن وبغض النظر عن الأمن الدولي.
" الأطلسي لم يفد من تجارب العقد الماضي خاصة ما حدث في فترة رئاسة بوش الابن للولايات المتحدة، كما فشل في إدراك أهم التغيرات في البيئة الأمنية نتيجة لتضاؤل دور القطب الوحيد، وصعود أقطاب عالميين جدد " |
صحيح أن الآراء تختلف عن علاقة أمن المنظمة بالأمن الدولي، لكن يفترض أن الفترة السابقة قد أوضحت أن الحلف لم يحقق لنفسه أمنا بدليل أنه بحث عن إقامة نظام دفاع صاروخي، وأن دولا من الحلف قد قررت أن تسحب قواتها من عملية الحلف في أفغانستان ودون انتظار لقرار من الحلف، وما يهمنا هنا هو الاستنتاج من القرار الذي يقول إن أعضاء الحلف لم يشعروا بالأمان وبحثوا عنه بوسائل أخرى، رغم أن الحلف يمتلك اكبر قوة عسكرية ضاربة في العالم، ويشتمل على أكبر إنفاق عسكري في العالم، ورغم أن لدى الحلف أكبر قدر من القدرة العسكرية.
هكذا فإن الفكرة الإستراتيجية نفسها دليل على فشل الإستراتيجية السابقة، وإن كانت لا تعني بالضرورة نجاح الإستراتيجية القادمة. هكذا فلا يسع المرء إلا أن يعجب وهو يقرأ في مقدمة الفكرة الإستراتيجية المذكورة أنها ستقود المرحلة القادمة في تطور الحلف بحيث يستمر مؤثرا وكفؤا في عالم تغير ضد تهديدات جديدة وبقدرات وشركاء جدد.
منع الأزمات
يتعهد الحلف في المقدمة بمنع الأزمات وبإدارة النزاعات وأن يثبت الأوضاع بعد النزاعات، بما في ذلك العمل باتصال وثيق مع شركائه الدوليين خاصة مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
والمؤكد أن الحلف حاول أن يمنع أزمات البلقان خاصة في البوسنة والهرسك، وفي كوسوفو، ثم في جورجيا وأوسيتيا وأبخازيا، كما حاول منع الأزمة في أفغانستان والعراق، وحاول أن يحقق الاستقرار هناك بعد احتلالها، وفشل في كل ذلك، ويعتبر الحلف أنه زاد أزمة فلسطين اشتعالا من خلال مواقفه المؤيدة لإسرائيل من خلال الولايات المتحدة، لكن من الواضح أنه لم ينجح لا في منع الأزمات ولا في تحقيق الاستقرار بعدها، وحديث قمة لشبونة يشير إلى أن الحلف أخطأ في تقدير النتائج، وأنه ينوي الاستمرار في اتباع المبدأ الذي ثبت فشله.
كذلك قدمت الفكرة الإستراتيجية لشركاء الحلف حول العالم مزيدا من الارتباط مع الحلف ودورا ملموسا في تشكيل العمليات التي يقودها ويساهمون فيها، وهو ما يعني تكرار نماذج الحروب التي خاضها الحلف بدماء وتكاليف الغير، واعدا بدور أكبر في تخطيطها.
كان الأجدى أن يغير الحلف إستراتيجيته حيال الأزمات بأن يتعاون مع الأمم المتحدة وبقية الدول لتفادي الأزمات على أساس القانون الدولي واحترام ميثاق وقرارات الأمم المتحدة.
" وعدت الخطة الجديدة بالتزام الحلف بهدف توفير الظروف في إخلاء العالم من الأسلحة النووية، ولكنها تؤكد في الوقت نفسه أن الحلف سيظل نوويا ما دامت هناك أسلحة نووية في العالم " |
وعدت الخطة بالتزام الحلف بهدف توفير الظروف في إخلاء العالم من الأسلحة النووية، ولكنها تؤكد في نفس الوقت أن الحلف سيظل نوويا ما دامت هناك أسلحة نووية في العالم.
وكأنما يتجاهل الحلف أو يتناسى أن جميع دوله صدقت على معاهدة منع الانتشار النووي، ولكنه في النهاية يعلن احتفاظه بالأسلحة النووية بذريعة وجودها لدى أطراف آخرين. وكان من الممكن للحلف أن يقدم المثل ويختار الاعتماد على تقدمه في الأسلحة التقليدية لإحداث نفس أثر أسلحة التدمير الشامل ولكن بدونها.
إستراتيجية الردع
في تناول الفكرة الإستراتيجية للحلف للإستراتيجية الدفاعية لا يعتبر الحلف أي بلد عدوا، ولكنه يعتزم تأمين أعضائه في حال تهديده، وهو في ذلك يعتمد على أدوات قديمة في حقيقتها وإن كانت قابلة للتطوير، فيبدأ بمزيج من القدرات التقليدية والنووية. "ويعتمد على الأسلحة النووية الإستراتيجية للولايات المتحدة والقوة النووية الإستراتيجية المستقلة للمملكة المتحدة وفرنسا التي لها دور رادع خاص بها، وتساهم في الردع العام وأمن الحلفاء".
إن تقدير المرحلة السابقة يستنتج أن إستراتيجية الردع قد فشلت، وأن الأسلحة النووية الخاصة بالمملكة المتحدة وفرنسا لم تحقق الردع، في حين أن الأسلحة النووية للولايات المتحدة قد حققت توازنا مع مصادر التهديد التي كانت محتملة، بل إن الأسلحة النووية والتقليدية للولايات المتحدة لم تحقق الردع مع أي من قوى المقاومة في أفغانستان وباكستان والعراق، وبالتالي كان على حلف شمال الأطلسي أن يبحث عن أسلوب إستراتيجي آخر غير الردع، بل إن الردع والتوازن لن يحققا الأمن لأعضاء الحلف، خاصة أن أمن دول الحلف قد تعرض وفقا لتصريحات مسؤولين به للتهديد النووي من كوريا الشمالية ومن إيران، وتهديدات أخرى سواء من خلال ما تسميه بالإرهاب ممثلا في الطرود المفخخة وفي تهديد وسائل النقل، ومن خلال الهجمات على شبكات الحاسبات أو المسماة بحرب السيبر، ومع التخلي عن اعتبار بلد ما مصدرا للتهديد فإن الردع يفقد اتجاهه، فرسالة الردع لن تجد من يصدقها أو يستقبلها، وبالتالي يفقد مبرره.
ولقد كان من الأنسب لحلف الأطلسي أن يختار إستراتيجية ""العدل" بما فيه العدل الاجتماعي باحترام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني التي يمكن أن تخدم الأمن بأقصى درجة ممكنة، فالشعور بالظلم هو أكبر وأقوى مصادر تهديد الأمن ليس لحلف شمال الأطلسي فقط، وإنما للعالم كله.
" كان من الأنسب لحلف الأطلسي أن يختار إستراتيجية العدل بما فيه العدل الاجتماعي باحترام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني التي يمكن أن تخدم الأمن بأقصى درجة ممكنة " |
اشتملت الفكرة الإستراتيجية على قواعد عامة تحت عنوان الدفاع والردع حول الوقاية والدفاع ضد التهديد الكيميائي والبيولوجي والإشعاعي والأسلحة النووية وأسلحة التدمير الشامل والقدرة على منع وكشف والدفاع والتغلب على تهديد السيبر (الحاسبات) ووضع كل أجهزة الحلف تحت حماية حاسبات مركزية ونظم وقاية وإنذار ورد مع الدول الأعضاء وتحسين القدرة على كشف الإرهاب الدولي والدفاع ضده، بما في ذلك ما يحدث من خلال التحليل المحسن للتهديد والتشاور مع الشركاء وتطوير القدرات العسكرية المناسبة، بما في ذلك المساعدة في تدريب القوات على أن تحارب الإرهاب بنفسها، وما يشابه ذلك في مجال حماية وأمن الطاقة وحماية منشآت الطاقة الحساسة ومناطق وخطوط النقل بين الحلفاء على أساس من التقديرات الإستراتيجية وخطط الطوارئ وكذا تقدير الأثر الأمني للتكنولوجيا المستحدثة وأن تأخذه الخطط العسكرية في اعتباراتها، وكذا المحافظة على مستويات الإنفاق الدفاعي واستمرار مراجعة الموقف العام للحلف في الردع والدفاع ضد كل التهديات للحلف، بما في ذلك تطورات البيئة الأمنية العالمية.
كل هذه المطالب تحت عنوان الدفاع والردع هي في حقيقتها استمرار لما فعله وطبقه الحلف في السنوات الماضية إذا وضعنا التطور الطبيعي في الاعتبار، وبالتالي لا يشكل جديدا حقيقيا، بل إنه يشير إلى أن الحلف لم يكن جادا في تقديره للتغيرات الدولية ولأخطائه السابقة.
الحلف وضبط التسلح
عالجت الفكرة الإستراتيجية موضوع تحسين الأمن العالمي من خلال التعاون في مجالات ضبط التسلح بنوع من الخفة وتكرار السياسات السابقة، فهي تتحدث عن الاستمرار في القيام بدعم وفرض ضبط التسلح سواء أسلحة التدمير الشامل أو الأسلحة التقليدية وكذا جهود منع الانتشار بخلق الظروف المناسبة لإخلاء العالم من الأسلحة النووية وفقا لمعاهدة منع الانتشار بما يحقق الاستقرار العالمي ومبدأ الأمن المستمر للجميع، وتتجاهل الورقة أنه في ظل هذه المعاهدة زاد عدد الدول النووية من ثلاث إلى عشر دول تقريبا، وتضاعف عدد الرؤوس النووية عدة مرات، وأن معاهدة خفض الأسلحة الإستراتيجية لم تمس الأسلحة النووية لبقية الدول النووية. وأن مبدأ عدم الانتشار تحول إلى مبدأ لاحتكار السلاح.
أما ما ورد عن السعي إلى موافقة الروس على زيادة الشفافية فيما يتعلق بأسلحتهم النووية وأن يعيدوا توزيع أسلحتهم بعيدا عن أراضي أعضاء الحلف مشيرا إلى زيادة في الأسلحة النووية الروسية قصيرة المدى، فإن الفكرة تتجاهل أن المناورات التي اتبعها في مجالات نزع السلاح والتركيز على خفض أسلحة الغير، والتهرب من خفض أسلحته تعد من أهم أسباب سباق التسلح في الماضي، وستكون كذلك حتما في المستقبل.
أما العمل على محاربة الانتشار فقد كان المفترض أن يطور الحلف إستراتيجية للانتقال إلى إزالة جميع أسلحة التدمير الشامل والاعتماد على الأسلحة التقليدية في تحقيق الدفاع عن أعضائه.
" تصر الفكرة الإستراتيجية الجديدة على التمسك بتحقيق الشراكة من خلال الحوار مع أي دول (أمم) وهذا يعني أن الحلف يحاور هذه الدول كحلف يحاور كل دولة على حدة " |
كذلك أصرت الفكرة الإستراتيجية على التمسك بتحقيق الشراكة من خلال الحوار مع أي دول (أمم) فإن هذا يعني أن الحلف يحاور هذه الدول كحلف يحاور كل دولة على حدة.
تشير الفقرة الخاصة بالشراكة مع الأمم المتحدة إلى حوار الحلف مع الأمم المتحدة وكأن دول الحلف انفصلت عن الأمم المتحدة وأعطت لنفسها وضعا متميزا، وكان الجدير بالحلف أن يضع قدراته في خدمة الأمم المتحدة بدلا من التصرف على أساس الندية مع الأمم المتحدة.
أخيرا تضفي الفكرة أهمية خاصة على التعاون بين الحلف وروسيا والشراكة الأوروبية الأطلسية، وهو ما يؤكد خلقا لأجهزة وتنظيمات موازية للأمم المتحدة بدلا من تدعيمها، وفي هذا المجال نجد الفكرة الإستراتيجية تتحدث من خلال ستة أسطر عن تعميق التعاون مع دول حوار المتوسط وأن يكون منفتحا لأن يضم دولا أخرى في المنطقة وأن يطور شراكة أمنية مع شركاء الخليج مع الاستعداد للترحيب بشركاء جدد إلى مبادرة إسطنبول للتعاون رغم أن التجربة تنبئ بأن البرامج الأطلسية لم ولن تحقق شيئا مفيدا لدول المنطقة.
بقي أن تراجع الدول العربية موقفها حيال الحلف وأن تبحث عن مصلحتها كما يفعل!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.