حزب الله وسيناريوهات المواجهة في لبنان

حزب الله وسيناريوهات المواجهة في لبنان



توقيت إعلان الحزب مقاطعته للمحكمة
السيناريوهات المتوقعة
الحسابات الغربية فيما هو أبعد من المحكمة

هو خطاب مفصلي أو على الأقل دشن لمرحلة جديدة في لعبة "عض الأصابع" بين حزب الله وخصومه السياسيين، هذا أقل ما يمكن أن يقال عن خطاب السيد حسن نصر الله الأخير الذي دعا فيه المسؤولين في لبنان إلى عدم التعاون مع لجنة التحقيق الدولية.

توقيت إعلان الحزب مقاطعته للمحكمة
في الوقت الذي يقول فيه خصوم حزب الله أن الأخير بات مقتنعا أن حبل المشنقة بدأ يضيق حول رقبته فبادر إلى قطعه من خلال إعلانه إسقاط تعاونه مع المحكمة بل وطلبه من الحكومة عدم التعاون معها، يبدو أن الأسباب التي دفعت حزب الله لاختيار هذا التوقيت تحديداً يعود لأسباب غير مرتبطة بتقدم مسار التحقيق بقدر ما تعود لاعتبارات إستراتيجية ولحسابات سياسية تم إعادة دراستها من جديد بعد حادثة العيادة الطبية.

"
قناعة حزب الله بأن المحكمة الدولية ذاهبة إلى إدانته بشكل كامل وربما تصل من ورائه إلى سوريا, هو ما دفعه لإعلان إسقاط تعاونه مع المحكمة بل وطلبه من الحكومة عدم التعاون معها 
"

– تقاطع المعلومات في أن عمل المحققين في عيادة الدكتورة إيمان شرارة كان مهتماً ببعض الملفات الطبيّة التي تعود لزوجات وبنات مسؤولين في حزب الله، متوارين عن الأنظار منذ فترة، ويريد المحققون من خلال السجلات الطبية معرفة ما إذا كانت زوجات المسؤولين في الحزب حملن في الآونة الأخيرة، وتحديداً منذ اختفاء أزواجهنّ، لمعرفة ما إذا كان هؤلاء الأزواج متواجدين فعلاً في الضاحية أو في مراكز تابعة للحزب.

– في البعد السياسي الداخلي، تبين لحزب الله فيما لا يدع مجالا للشك أن الرهان على تراجع رئيس الحكومة سعد الحريري في تأييده للمحكمة بدا خاسراً، حيث لم يغير الحريري من دعمه التام والكامل لكل ما تقوم به المحكمة على الرغم من التفاهم السعودي السوري الذي استجد في الشهور الماضية والذي أنتج هدنة سياسية لا تزال متماسكة حتى اللحظة في لبنان.

– قناعة الحزب أن المحكمة ذاهبة إلى إدانته بشكل كامل وربما تصل من ورائه إلى سوريا إذ بدأنا نسمع في الآونة الأخيرة خطابا أميركا أقل ودا لسوريا وهو ما ورد على لسان المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة سوزان رايس التي اتهمت سوريا باستمرارها في تمرير السلاح إلى حزب الله .

السيناريوهات المتوقعة
أما وقد أعلن حزب الله صراحة مقاطعته المحكمة وحض الجميع على نبذها، فما هي السيناريوهات التي سيسلكها حزب الله في استكمال ما بدأ به إلى حين صدور القرار الظني الذي على الأرجح صدوره خلال فترة أقل من شهرين؟

هذه السيناريوهات المتوقعة لا تكاد تخرج عن الاحتمالات التالية:

أولاً: تكرار 7 أيار جديد، وقد ألمح لذلك بعض قيادات في المعارضة كانوا أكدوا أننا قادمون ليس على 7 أيار جديد إن تطلب الأمر بل على سبعين أيار جديد، أي لن يكون هناك تسوية بتة ولن تقوم بعدها لقوى 14 آذار قائمة فقد تذهب المعارضة إلى السيطرة على كافة مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية، إلا أني استبعد أن يكرر الحزب ذلك السيناريو لأسباب منها:

1- إن حزب الله لا يريد أن يخسر رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والإقدام على هذا العمل يعني دفع الرئيس سليمان ليكون خصما لحزب الله لأنه على رأس الدولة.

2- إن الحزب حريص على التقارب السعودي السوري كما هو شأن سوريا نفسها، وبالتالي تكرار السيناريو سيعيد الخلاف السعودي السوري إلى مربعه الأول.

3- وجود متغيرات موضوعية لا تسمح بتكرار أحداث 7 أيار، منها أن سوريا لا تحبذ هذا الفعل بعد أن أخرجت نفسها من دائرة السجال السياسي اللبناني وبعد أن تعزز حضورها في لبنان، بل وأصبح نفوذها أمرا مطلوبا عربيا وأوروبيا للتأثير على حلفائها في لبنان، فضلاً أنها لا تريد أن تخسر العلاقة التي بدأها معها سعد الحريري.

4- تكرار أحداث 7 أيار يفترض أن يكون هناك طرف آخر مسلح ومستعد للمواجهة، وفي اعتقادي أن خصوم حزب الله تعلموا من الأحداث السابقة أن سلوك سبيل المواجهة العسكرية ليس في صالحهم بتاتا.

"
حزب الله قادر هذه المرة أن يحقق أهدافه دون أن يذهب إلى الحسم العسكري من خلال وسائل عديدة، بعد أن ضعفت بنية قوى 14 آذار، فهامش التحرك لدى حزب الله كبير في حين أن الأمر لا ينسحب على خصومه السياسيين
"

5- حزب الله قادر هذه المرة أن يحقق أهدافه دون أن يذهب إلى الحسم العسكري من خلال وسائل عديدة ، بعد أن ضعفت بنية قوى 14 آذار وخرج منها أحد أبرز قادتها وهو وليد جنبلاط، فهامش التحرك لدى حزب الله كبير في حين أن الأمر لا ينسحب على خصومه السياسيين الذين ليس أمامهم سوى التأكيد على شرعية الدولة ومؤسساتها وكذلك على الشرعية الدولية المتمثلة في المحكمة الدولية.

ثانيا: انسحاب الوزراء الشيعة جميعا من الحكومة بهدف إسقاط الحكومة والقول إنها غير شرعية وما يصدر عنها من قرارات فهو غير قانوني ولا قيمة له ولا يلزم أحدا وهو ما أقدم عليه حزب الله وحركة أمل مع الحكومة السابقة التي كان يترأسها الدكتور فؤاد السينورة.

هذا السيناريو مستبعد أو على الأقل مؤجل وليس على قائمة الأولويات الأكثر إلحاحا لدى حزب الله ومن معه من قوى المعارضة والأسباب كثيرة:

1- إن الوزراء الشيعة المتمثلين في الحكومة لا يتبعون كلهم حزب الله وحركة أمل، إذ إن لرئيس الجمهورية وزيراً شيعياً وهو الدكتور عدنان السيد حسين. وقد أعلن الأخير قبل أيام أن خيار انسحابه من الحكومة غير وارد بتاتاً.

2- حزب الله لا يريد أن يضغط على رئيس الجمهورية في موضوع الوزير المذكور حيث إن حزب الله يعلم أن رئيس الجمهورية يحاول عدم انحيازه لطرف على حساب آخر، فهو يريد أن يكون وفاقيا وأن يظهر بأنه الحاضن للجميع بحكم موقعه السيادي وعلى قاعدة "لا غالب ولا مغلوب".

3- يرفض الحزب أن تتخذ الحكومة قرارات وهو خارج ما يدور في أروقتها لا سيما أن انسحاب وزرائه من حكومة السينورة سابقاً لم يحُل دون اتخاذ الحكومة آنذاك قرارات كان حزب الله يعارضها بقوة.

ثالثا: السيناريو الأخير وهو الأرجح أن يعتمده حزب الله لحين صدور القرار الظني ويتمثل في عدم إتيان الحزب بأي خطوة أخرى زيادة عن عدم تعاونه مع المحكمة الدولية ورفضه لما سيصدر عنها في الوقت الذي يعمل فيه على تفعيل موضوع ما بات يعرف بقضية "شهود الزور" وضرورة إحالة قضيتهم إلى المجلس العدلي الذي هو أعلي هيئة قضائية في لبنان، يتزامن ذلك مع تفريغ المحكمة من مضمونها بعد عرقلتها من خلال الحملات الإعلامية المكثفة وكشف سقطاتها، وربطه أي تحرك في ملف اغتيال الحريري بضرورة محاكمة "شهود الزور" أولاً وقبل أي شيء ومن ثم الضغط على حكومة سعد الحريري وعرقلة حركتها ولو أدى الأمر إلى النزول إلى الشارع فيما يشبه العصيان المدني في حده الأدنى تحت لافتة "بدنا نعيش.. كفى فقراً.. كفى غلاء" .أي تفعيل ملف الوضع المعيشي المتردي.

ولعل السيناريو الأخير سوف يدفع الرئيس سعد الحريري فيما لو نجح إلى تقديم استقالته في حال إصراره على دعم المحكمة والذهاب إلى الرياض لمتابعة القضية بعيدا عن أي تهديد أمني، لا سيما مع ما تورده تقارير استخباراتية غربية عن تعرض الحريري لخطر محدق يتنامى يوما بعد يوم، أو القبول بقواعد اللعبة في لبنان وإعلان أن المحكمة مسيسة والهدف منها هو رأس حزب الله الذي استعصى على الأخذ في حرب تموز 2006، وبالتالي طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة يتعهد فيها بعدم التآمر على سلاح المقاومة أو أخذ لبنان إلى محاور بعيدة عن نبض المقاومة.

الحسابات الغربية فيما هو أبعد من المحكمة
تدفع الولايات المتحدة في عمل المحكمة بكل ما أوتيت من طاقة، حيث تعتبر المحكمة الورقة الوحيدة والأقوى لتعيد ترتيب الأمور من جديد. فالذي ستكرسه المحكمة على الأرض، سواء كانت محقة في اتهاماتها لحزب الله أو مفبركة لها، هو أن حزب الله ذو اللون الشيعي اغتال الزعيم السني الأقوى في لبنان، وهو –أي حزب الله- اغتال الحريري لأن الأخير كان يعمل على بناء الدولة الحرة المستقلة من خلال دعمه للقرار الدولي 1959 القاضي بنزع سلاح المليشيات في لبنان والتي منها طبعا حزب الله الذي أراد من اغتيال الحريري إنجاح مشروعه القاضي "بتشيع لبنان شعبا ودولة وحكومة وبرلماناً لصالح مشروع فارسي" بحسب الخطاب الذي ينضج في الشارع السني اللبناني اليوم.

هذا التصور الذي تتوفر بيئة خصبة لقبوله في الشارع السني كاف تماما لتعزيز الصراع السني الشيعي المتنامي في المنطقة والذي يتجلى في أسوأ صوره في العراق حيث يفترض أن تربة لبنان هي الأخصب لاستنساخ النموذج العراقي وعرقنته حيث يعتبر المسمار الأول في نعش النظام السوري ومن ثم المحور الإيراني أو ما يحلو للغربيين تسميته بـ"الهلال الشيعي".

"
لعبة التوازن في السير على الحبال التي يمارسها أطراف المعادلة السياسية في لبنان لا يمكن أن تستمر، طالما أن هناك محكمة تسرع الخطى في طريقها لتجريم حزب الله أو أن هناك حزباً يزداد قوة وتسلحاً
"

ومن هنا جاء قول الأمين العام لحزب الله السيد نصر الله أن بحوزته معلومات أن واشنطن تضغط بقوة على المدعي العام للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان "دانيال بلمار" للإفراج عن القرار الظني الذي يتهم فيه حزب الله، إذ إن الفرصة مؤاتية اليوم أكثر من أي وقت آخر لإنجاح سيناريو التفجير في لبنان بعد أن بدأ في العراق.

إن خلقَ واقع جديد في لبنان عنوانه الفوضى قد يكون خلاقاً للمصالح الأميركية والإسرائيلية على حساب شعوب المنطقة، وهو ما قد يغير معادلات بدأت تكرس انطلاقاً من طهران مروراً ببغداد ودمشق وصولا إلى إسطنبول ويخلق معادلات جديدة قد تبدأ في لبنان ولا تنتهي عند حدود دول الطوق المحيطة بإسرائيل. أو لم يقل مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى المنطقة تيري رود لارسن: "إن زعزعة استقرار لبنان ستكون لها آثار مدمرة على الشرق الأوسط".

من هنا الحسم قادم لا محالة وهو حسم سياسي فإن لم ينجح فسيكون بعده حسم عسكري لأن لبنان لا يمكن له أن يستمر على هذه الحالة من الشلل في المؤسسات الحكومية والتشريعية، كما أن لعبة التوازن في السير على الحبال التي يمارسها أطراف المعادلة السياسية في لبنان لا يمكن أن تستمر، طالما أن هناك محكمة تسرع الخطى في طريقها لتجريم حزب الله أو أن هناك حزباً يزداد قوة وتسلحاً مستفيداً من حالة الاستقرار النسبي في البلد.

فاللاعبون كثر وأغلبهم خارج هذا البلد الصغير، وليس حقيقة من اغتال الرئيس الشهيد رفيق الحريري سوى آلة زرع ألغام في المنطقة، أو هكذا يراد لها أن تكون، أملاً في إعادة رسمها من جديد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.