حقيقة اللقاءات المزعومة بين حماس وإسرائيليين

حقيقة اللقاءات المزعومة بين حماس وإسرائيليين



ملخص مزاعم التقرير
تلقف إعلامي عربي يفتقد للمصداقية
الحقائق من الأوهام
كذبة حضور حماس

في العشرين من الشهر الماضي نشرت صحيفة "جويش كرونيكال" اليهودية البريطانية، تقريرا لمراسلتها كيرين ديفد تحت عنوان: "إسرائيليون وحماس يعقدون محادثات سرية في سويسرا". وزعم التقرير أن شخصيات "كبيرة" من حركتي حماس وفتح وإسرائيل شاركت في "مؤتمر سلام سري" من أجل مناقشة فكرة حل الدولتين، وذلك بدعوة من "مؤسسة القرن القادم" البريطانية.

ملخص مزاعم التقرير

"
 يزعم التقرير أن سبب عقد الاجتماع بين ممثلي حماس والإسرائيليين في سويسرا جاء على خلفية أن كثيرا من الحضور ما كان بإمكانهم الحصول على تأشيرة دخول إلى أي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي
"

وأورد التقرير تصريحات للسكرتير العام للمؤسسة، وليام موريس، زعم فيها "لقد كانت هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها حماس تتحادث مباشرة مع إسرائيليين". مضيفا "كما أنها المرة الأولى التي يناقشون فيها حل الدولتين". وحسب ذات التقرير، فإن موريس امتدح "الحماسة للحوار، حتى في أوساط الأكثر راديكالية.. من المثير جدا أن تسمع أن حماس أكثر مرونة فيما يتعلق بقبول حل الدولتين".

واستنادا إلى التقرير، فإن المشاركين في المؤتمر "أجمعوا" على "المبادرة العربية للسلام"، والتي تنص على "مبادلة الاعتراف بإسرائيل بانسحابها من الأراضي المحتلة"، وذلك حسب تعبير التقرير نفسه.

ويشير التقرير إلى أن ملخصا عن محاضر الاجتماع أرسل إلى كل وزراء الخارجية في المنطقة. وأشار التقرير إلى أن الحضور من غزة اضطروا إلى مغادرة القطاع قبل شهر من عقد المؤتمر والانتظار في مصر وذلك بسبب الحصار، زاعما أن سبب عقده في سويسرا جاء على خلفية أن كثيرا من الحضور ما كان بإمكانهم الحصول على تأشيرة دخول إلى أي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي.

وطبعا فإن الإشارة واضحة هنا، بحيث أن المقصود هو إعطاء انطباع بأن "رموزا بارزة" من حماس كانت ضمن الحاضرين للمؤتمر، وبما أن حماس موضوعة على قوائم الإرهاب الأميركية والأوروبية، فإنه لا يمكن لرموزها وقادتها وأعضائها الحصول على تأشيرات دخول لهذه الدول.

تلقف إعلامي عربي يفتقد للمصداقية
ولم يكد هذا التقرير يبرز إلى العلن حتى تسابق العديد من الصحف ومواقع الإنترنت العربية إلى تلقفه ومتابعته، مركزة على "الخبر القنبلة" المتمثل باجتماع ممثلين عن حركة حماس مع إسرائيليين في سويسرا ضمن ورشات عمل. ومن أسف فإن عددا من هذه الصحف والمواقع تعامل مع هذا التقرير من دون تمحيص ولا غربلة، واكتفى بترديد مزاعمه دون تحقق من صحة الخبر وما تضمنه.

ففي تقرير لها في (23/8) نسبت صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية إلى وليام موريس قوله لها بأن "شخصيات من حماس من غزة ولبنان وسوريا شاركت في هذه الورشات". وفي تقرير ثان يوم (24/8) نسبت الصحيفة إلى "مصدر مطلع" قوله "إن نقاشات حادة دارت بين الوفد الذي يمثل السلطة الفلسطينية والشخصيات المحسوبة على حماس، حيث كان وفد السلطة يؤكد على أنه يمثل جميع الفلسطينيين بيد أن وفد حماس رفض ذلك". وكشفت الصحيفة أن هذه الورشات انعقدت في قلعة كو "CAUX" في سويسرا في مطلع أغسطس/آب الماضي.

ولم تقف الأمور عند هذا الحد، حيث دخلت مواقع معادية لحركة حماس ومحسوبة على حركة فتح على الخط، وأسهبت هي الأخرى في إيراد معلومات زعمتها حول هذه الورشات وحول المؤتمر وهوية المشاركين فيه. ومن ذلك زعم عدد من هذه الصحف وهذه المواقع أن ممثلي حماس ضموا شخصية من أميركا وأخرى من لبنان أو سوريا وثالثة من السويد.

الحقائق من الأوهام
بدون مقدمات، وبصفتي مشاركا في المؤتمر "المُهَوَّلْ" أستطيع أن أقدم معلومات أزعم أنها أكثر دقة وأكثر مصداقية من كل ما قيل ونشر حوله وحول ورشات عمله. وقبل أن أفصل في الأمر أقرر هنا بأنه لا أحد من حماس أو من المحسوبين عليها شارك في هذا المؤتمر، وهذا ما سأوضحه بالحقائق كما عايشتها بنفسي.

كما أريد أن أشدد على أمر آخر، ألا وهو أني لا أستطيع أن أكشف عن اسم أي مشارك في تلك الاجتماعات، سواء أكان أوروبيا أم عربيا أم فلسطينيا أم إسرائيليا، ذلك أن جميع الحضور التزم بعدم كشف أي اسم، مع إمكانية كشف مضمون المؤتمر، والذي كان معلنا بالأساس وقبل أسابيع من عقده على موقع المؤسسة الداعية، وهو ما ينفي زعم "سريته".

"
لا أستطيع أن أكشف عن اسم أي مشارك في المؤتمر "المُهَوَّلْ" سواء أكان أوروبيا أم عربيا أم فلسطينيا أم إسرائيليا، ذلك أن جميع الحضور التزم بعدم كشف أي اسم، مع إمكانية كشف مضمون المؤتمر
"

في شهر يوليو/تموز الماضي تلقيت رسالة عبر البريد الإلكتروني من "مؤسسة القرن القادم" والتي لم أسمع بها من قبل، تدعوني إلى المشاركة في "مؤتمر حول السلام في الشرق الأوسط". وعندما استفسرت أكثر عن المؤتمر وسبب دعوتي إليه، جاءني الجواب بأن المؤتمر يضم مشاركين من عدد من الدول العربية، بينها الأردن وفلسطين والسعودية ومصر ولبنان وسوريا والعراق والإمارات والكويت.. إلخ، فضلا عن أوروبيين و"أكاديميين يهودا". وأما عن سبب دعوتي لذلك المؤتمر، فقد جاء الجواب بأن مرد ذلك عائد إلى الورقة التي ألفتها بالاشتراك مع أكاديمي يهودي أميركي اسمه بول شام تحت عنوان "حماس: تصلب أيديولوجي ومرونة سياسية". وهو التقرير الذي نشر عبر معهد السلام الأميركي، الممول من الكونغرس، ويعد أحد أرقى معاهد الأبحاث الأميركية.

وحسب الرسالة التوضيحية فإن الدعوة قد وجهت إلى شام أيضا وذلك كي نقدم ملخصا عن ورقتنا، والتي اعتمدت رسميا كأحد أوراق المؤتمر الأكاديمية. وحسبما فهمنا من الجهة المنظمة، فإن ورقتنا تقدم رؤية موضوعية ومتزنة عن حركة حماس تتجاوز المقاربات "المشيطنة" لها في الغرب، خصوصا في الولايات المتحدة.

الانطباع الذي وضعنا فيه بأن هذا المؤتمر مؤتمر أكاديمي لا سياسي، وبأن الحضور هم من دول عدة، يغلب عليهم الطابع الأكاديمي، ولم يكن ثمة أي حديث عن تواجد إسرائيلي، اللهم باستثناء الحديث عن "أكاديميين" يهود مهتمين بجوانب الصراع.

عقد المؤتمر في الفترة الممتدة ما بين 31/7-4/8 من هذا العام في مدينة "CAUX" السويسرية، وذلك في مبنى يتبع لمؤسسة سويسرية اسمها "مبادرة كو للتغيير". هذه حقيقة. ونعم، شارك بعض "المسؤولين" الإسرائيليين السابقين، وهذه كانت مفاجئة، على الأقل لي شخصيا. ولكن أيا من تلك الشخصيات الإسرائيلية لم تكن في موقع مسؤولية حالية. أما وجود أي شخصية من حماس أو محسوبة عليها فهذه فرية كبرى، وأطلق هذا التعبير دون أي تردد وهو أمر سأوضحه لاحقا بمزيد من التفصيل.

لقد فاق عدد حضور المؤتمر مائة شخص، عدد قليل منهم إسرائيليون، وآخر من الفلسطينيين، وعدد أكبر من العراقيين والأوروبيين، فضلا عن بعض الخليجيين والسوريين واللبنانيين والمصريين.. إلخ. أما محاور المؤتمر فلم تركز فقط على القضية الفلسطينية، بل إنها ركزت كذلك، وربما بحجم أكبر على العراق وإيران.

ولقد قسم الحضور إلى ورشات عمل، وكنت شخصيا ضمن ورشة العمل المتعلقة بما يسمى بملف "السلام في الشرق الأوسط". وللعلم فإن أغلب الحضور من العرب من المعادين "للذات" الوطنية أو القومية أو الإسلامية، وأغلبهم يكن عدائية أو نظرة سلبية للحركات الإسلامية، ومن ضمنها حماس وحزب الله، فضلا عن ما يوصف بـ"محور الممانعة" والذي يضم بالإضافة إلى كل من حزب الله وحماس وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، كلا من إيران وسوريا، وتُلْحَقُ به قطر في بعض الأحيان من قبل بعض الأنظمة العربية والمعلقين الدائرين في فلكها من الحانقين عليها وعلى سياساتها.

"
اتفق في المؤتمر على أن لا يقر أي بند في التوصيات إلا بالإجماع، وهو ما لم يتحقق أبدا، وذلك بسبب إصرار كثير من الإسرائيليين على حل يتضمن دولة فلسطينية مؤقتة ويرحل القضايا الكبرى
"

ورشات المؤتمر ومحاوره لم تكن مركزة ومنظمة بشكل صحيح، بل إنني أزعم بأن أحد أكبر مشاكل محاور المؤتمر أنها امتازت بالفوضى. وإذا كان الحال هو هذا، فلا أدري متى اتفق الحضور على اعتماد المبادرة العربية كأرضية للسلام في المنطقة؟ ومن هم الذين اعتمدوها؟ أهم كل الحضور، بما في ذلك الجنسيات العربية والأوروبية المختلفة، أم الفلسطينيون والإسرائيليون؟ وكيف اعتمدت إذا كان وليام موريس نفسه يقول في تصريحاته الصحفية بأن الفلسطينيين أرادوها إطار الحل الأوحد، في حين رأى الإسرائيليون أنها تصلح كأرضية للتفاوض، فكيف تحقق إجماع على هذا الأمر وشمل ممثلي حماس المزعومين!؟.

ما جرى هو التالي، في المؤتمر قسم فريق العمل على ملف السلام في الشرق الأوسط، وهم من جنسيات عربية وأوروبية وأميركية مختلفة، مضافا إليهم إسرائيليون، على ورشات عمل صغيرة. وكل مجموعة جاءت باقتراح تراه مفيدا لدعم مسار العملية السلمية الفلسطينية-العربية-الإسرائيلية. واحدة من تلك المجموعات جاءت باقتراح يدعوا إلى تدشين حملة تسويق للمبادرة العربية في أوساط الإسرائيليين.

وبعد جمع كل تلك المقترحات، شكلت لجنة من ثلاثة أشخاص، كنت أنا واحدا منهم، لصياغة وثيقة تفاهم يمكن الخروج بها عن المؤتمر فيما يتعلق بملف السلام في المنطقة. واتفق على أن لا يقر أي بند إلا بالإجماع، وهو الإجماع الذي لم يتحقق أبدا، وذلك بسبب إصرار كثير من الإسرائيليين على حل يتضمن دولة فلسطينية مؤقتة ويرحل القضايا الكبرى، كاللاجئين والقدس والسيادة إلى مرحلة لاحقة بعد سنوات، وربما عقود.

كما أن فلسطينيين آخرين رفضوا أي حديث عن مساومات تاريخية أو مصالحة تاريخية، لا تتضمن عودة لكامل الحقوق الفلسطينية. فأين تمّ الاتفاق وعلى ماذا تفق؟ لا أدري. لقد اتهمت شخصيا من قبل أحد الإسرائيليين المشاركين في المؤتمر بأني ساهمت في إفساد فرصة لا تعوض "للسلام" وغادر غاضبا. فعن أي اتفاق يتحدث أولئك؟.

كذبة حضور حماس
أما زعم مشاركة ممثلين عن حماس في هذا المؤتمر كما يزعم وليام موريس في تصريحات عدة له، فهو غير صحيح البتة. ولقد أشرت سابقا بأن أحدا من حماس لم يحضر، سواء أكبر موقعه أم صغر. ولكي يكون الكلام أكثر دقة ووضوحا ألخصه بالتالي:

1-كل الشخصيات الفلسطينية التي حضرت من الضفة الغربية وقطاع غزة، لم تتضمن حتى شخصية واحدة تحمل نكهة إسلامية. كل من جاء من الضفة والقطاع، هم من المحسوبين على حركة فتح، وليس السلطة كما زُعِمَ. وأما من حضر من القطاع تحديدا فهم إما مقربين من فتح وإما عاملين في منظمات تتبع الأمم المتحدة. ولكن بكل تأكيد لم يكن أي منهم من حماس، بل ولم يكن أي منهم متدينا.

2-الثلاثة الذين زعم أنهم من حماس، وقيل إنهم جاؤوا من خارج فلسطين المحتلة، وتحديدا من أميركا والسويد، ولبنان أو سوريا، فإن أيا منهم ليس من حماس. الشخص التي يشار إليه أنه من حماس أميركا، أعرفه شخصيا. وهو وإن كان متدينا ومتعاطفا مع حماس، إلا أنه جاء إلى أميركا عندما كان في الثانية من عمره، ولا يعرف بلدا غير أميركا، بل إنه ناقد كبير لما يراه "مرونة" حماس الزائدة. وهو أبعد ما يكون عن تمثيل مواقف حماس، حيث إنه لا يملك رؤية فكرية وسياسية متماسكة، اللهم إلا تدينه الشخصي وتعاطفه مع قضية فلسطين، فهو من أصول فلسطينية.

الشخص الثاني الذي قيل إنه من السويد، هو ناشط في أحد المراكز الإسلامية هناك، بل إن آراء الرجل التي عبر عنها أقرب إلى آراء رجال الدين من الذين يؤمنون بالحوار بين الأديان وضرورة التعايش السلمي بين جميع أبناء الديانات السماوية وضرورة تجاوز الخلافات السياسية، وهو لم يخض في السياسة قط. فأين هو من خطاب حماس؟ لا أدري.

"
أجزم بأن أيا من حماس لم يحضر مؤتمر سويسرا، كما لم يحدث أي صدام بين "وفد حماس" و"وفد السلطة" المزعومين حول موضوع تمثيل الفلسطينيين, هذا كلام كذب عار عن الصحة 
"

أما الشخص الثالث الذي يشار إليه إلى أنه من سوريا أو لبنان، فهو بيت القصيد في كل هذه القصة. فهو "مسؤول سابق" في حماس. ولكن علاقته انقطعت بحماس منذ سنوات طويلة. فحسب روايته فإنه قد استقال من حماس منذ سنوات، وأما رواية حماس السابقة لهذا المؤتمر، فإنه مفصول من الحركة منذ سنوات طويلة. هذا الرجل نفسه أكد غير مرة على أنه "عضو سابق" في حماس، وبأنه لا يمثلها، وهو يعمل الآن كاتبا صحفيا.

بل وأبعد من ذلك، وأقول هذا من باب الأمانة، فإن هذا الشخص رفض أن يناطق أي إسرائيلي مباشرة، فضلا عن أن يصافحهم أو حتى أن يرد على تحياتهم المتعمدة له. لقد رأيت بأم عيني الإسرائيليين يضعون أنفسهم في طريقه، غير أنه كان يتحاشاهم دائما. ولقد رفض هذا الشخص أن يقبل بأي وثيقة تصدر عن المؤتمر، رغم أنه ليس من حماس. ولكني أظن أنه شعر بأن الجهة الداعية خدعته بنوعية الحضور وجنسياتهم، كما شعر آخرون بذلك.

لذلك كله أجزم بأن أيا من حماس لم يحضر ذلك المؤتمر، كما لم يحدث أي صدام بين "وفد حماس" و"وفد السلطة" المزعومين حول موضوع تمثيل الفلسطينيين. هذا كلام كذب عار عن الصحة، لقد كنت هناك وحضرت كل النقاشات والورش ولم يحدث ذلك أبدا أبدا.

وكلمة أخيرة.. هذا المقال ليس دفاعا عن حماس، ولكنه شهادة حق عايشتها بنفسي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.