الحوار الفلسطيني.. طبخة حصى

أهداف حماس من الحوار
أهداف فتح من الحوار
من المستفيد من إهدار الوقت؟
تأتي الجولة الخامسة للحوار الفلسطيني الداخلي بعد قرب إكمال أربعة أشهر على انتهاء الحرب على غزة، في ظل أجواء عالمية سياسية تختلف تمامًا عما كانت عليه أثناء وقبل حرب الفرقان، فالإدارة الأميركية التي أمضت ما يزيد عن مائة يوم في الحكم ما زالت تستكشف الطريق في المسألة الفلسطينية في ظل أزمات خانقة تلازمها، ليس أولها الوضع في العراق وفي أفغانستان وليس آخرها الأزمة المالية وإنفلونزا الخنازير التي تشترك فيها مع معظم أقطار العالم، ولا سيما الغربي.
في غزة ما زال يتواصل الحصار الظالم، وفي نفس الوقت يتواصل ويتعزز الصمود الأسطوري، مما يقوي موقف المقاومة ويؤكد شرعيتها، وأخيراً كان إعادة الإعمار ببيوت الطين في غزة.
أما حكومة العدو الصهيوني المتطرفة، فترسل رسائل "غير مشجعة" بالمفهوم الغربي بالنسبة لعملية التسوية، ولا تكني بل تصرح بالعداوة والاستيطان والتهويد، وإدارة الظهر لعملية التسوية بكاملها، مما يجعل رئاسة السلطة وفتح في حرج شديد ومن ورائها النظام العربي المعتدل، ورغم ذلك تشن فتح حربًا شعواء على المقاومة، وكأن محاربة المقاومة برنامج لا علاقة له بالوضع السياسي مدعوم من قبل الولايات المتحدة، وتردد مؤخرًا أن واشنطن ستصرف المزيد من الأموال لتدريب المزيد من القوات الأمنية في الضفة الغربية.
" تدل المؤشرات الكثيرة عبر تقارير ودراسات من هيئات دولية ذات قيمة عالية، على فشل سياسة العزل والحصار في كسر هامة حماس، التي لم تكسرها أيضا حرب إجرامية طيلة 23 يوما " |
على المستوى العربي "المعتدل" وخاصة الذي كان أول من تواصل مع حكومة العدو الصهيوني، لا تزال محاولات تصدير أزماته الداخلية وأزمة تراجع تأثيره باتجاه المقاومة من حزب الله اللبناني إلى حماس إلى سوريا وأخيرًا إلى إيران التي يعرف الجميع أنها تدعم المقاومة.
فوق هذا وذاك، تدل المؤشرات الكثيرة عبر تقارير ودراسات من هيئات دولية ذات قيمة عالية، على فشل سياسة العزل والحصار في كسر هامة حماس، التي لم تكسرها أيضًا حرب إجرامية طيلة 23 يومًا.
انتهت جولة رابعة لحوار المصالحة الفلسطينية في القاهرة الثلاثاء 28/04/ 2009 بدون نتائج، وبدأت جولة جديدة خامسة في 16/5/2009 على أمل أن تكون هناك نتائج، ذلك الحوار يحمل في داخله عوامل نجاح بنفس نسبة عوامل الفشل.
ولا يتعلق الأمر هنا بالأفراد، ولا بالفصائل، ولا بالنوايا الحسنة أو السيئة لهذا الطرف أو ذاك. فقضية المصالحة ذات أبعاد محلية وعربية ودولية، وبحسب القدرة على فهم تلك الأبعاد ستتحدد النتائج.
المصالحة ضرورية ويجب أن تنجح، لأنها مصلحة فلسطينية أولا وآخرًا، مصلحة من أجل مواجهة الاحتلال، ومن أجل منعه من مواصلة ابتلاع الأرض الفلسطينية، وتهويد القدس، وتدمير الأقصى، وحتى تنجح المصالحة ببعدها المحلي هذا، لا بد لحركة حماس من إدراك قيمة فتح التاريخية، والتعامل معها كتيار داخل الشعب الفلسطيني، وفي نفس الوقت العمل على استغلال قبولها في الأوساط العربية والدولية، وتوظيفه لصالح الشعب الفلسطيني.
وبالمقابل فإن على حركة فتح إدراك قيمة حركة حماس، كتيار شعبي فاعل، والاعتراف بهذا التيار، والتعامل معه كأمر واقع لا يمكن تجاوزه أو القفز عنه. ليس لأن حركة حماس قوية، بل لأن العمل المقاوم الفلسطيني يحتاج إلى تكريس القاعدة القائلة بضرورة استيعاب أية قوة شعبية تظهر أثناء مسيرة المقاومة، وباعتبار أن عملية الاستيعاب هذه ضرورة من ضرورات الوحدة الوطنية.
وحتى ينجح الحوار لا بد من تحقق الرغبة الحقيقية الصادقة لدى جميع الأطراف المشاركة في الحوار والراعية في الوصول إلى نجاح الحوار، وعدم الارتهان للإملاءات الخارجية المؤثرة على الأطراف المشاركة في الحوار، والاعتراف بالآخر كشريك.
ولكي ينجح الحوار يجب أن يكون له إطار محدد، كي لا تضيع الجهود ولا تتناثر، وتحكم هذا الإطار خطوط عامة هي:
• الاعتراف بشرعية المقاومة وحق الشعب الفلسطيني في ممارسة مقاومته بالطريقة التي يختارها.
• التأكيد على باطل الاحتلال وعدم الاعتراف به.
• العدوان على غزة عدوان إجرامي وحشي، ويجب على إسرائيل تحمل المسؤوليات كاملة عن جرائمها في غزة، في النواحي القضائية والجنائية، والإعمار والتعويض.
• كل من شارك في دعم العدوان على غزة يكون قد ارتكب الخيانة العظمى في أبشع صورها.
• التوقف عن الحرب التي تشنها السلطة على حركة حماس وعلى المقاومة في الضفة الغربية.
• لا مناص من احترام رغبة الشعب والالتزام بالنتائج التي أفرزتها الانتخابات التشريعية عام 2006.
" من أهداف حركة حماس غير المعلنة من الحوار أن يتم فتح الطريق أمامها بواسطة فتح والوصول إلى الأطراف الإقليمية والدولية، عبر مشاركة فتح في حكومة بصرف النظر عن شكل هذه الحكومة وسقفها السياسي على أن يكون ذلك في المدى القريب " |
حدد رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية ستة أهداف أساسية للحوار الذي تسعى إليه حركة حماس:
• أن يشكل الحوار جسراً نحو التمسك بالثوابت والحقوق الفلسطينية.
• ويحفظ لشعبنا كرامته وصموده وتضحياته.
• ويحقق له مرجعية سياسية عليا عبر إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس ديمقراطية جديدة.
• ويحقق له حكومة فلسطينية وطنية غير مرتهنة للضغوط والشروط الخارجية.
• ويعيد لهم بناء الأجهزة الأمنية على أسس وطنية بعيدًا عن المحاصة أو التعاون الأمني مع الاحتلال.
• ويحفظ للشعب الفلسطيني حقه في المقاومة.
ويدخل ضمن هذه الأهداف تخفيف المعاناة عن شعبنا الفلسطيني والعمل على البدء بأعمال الإعمار في قطاع غزة الذي دمرته حرب وحشية صهيونية استمرت 23 يومًا متواصلاً.
إن من أهداف حركة حماس غير المعلنة من عملية الحوار أن يتم فتح الطريق أمام حركة حماس بواسطة حركة فتح والوصول إلى الأطراف الإقليمية والدولية، عبر مشاركة حركة فتح في حكومة -بصرف النظر عن شكل هذه الحكومة وسقفها السياسي– هذا في المدى المنظور القريب.
وربما كان من أول الإشارات على ذلك ما أوردته صحيفة لوس أنجلوس تايمز من أن إدارة أوباما لن تعارض وجود وزراء تدعمهم حماس في حكومة وحدة فلسطينية وكذلك في تقرير لمنظمة IKV Pax Christi الهولندية عن إخفاق سياسة العزل مع حماس، وغيرها من التقارير الدولية الكثيرة.
وفي المدى البعيد، هناك هدف هو إعادة بناء وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، واستثمار إمكانات كانت مغيبة عن خدمة مشروع التحرير الفلسطيني.
أهداف فتح من الحوار
تروج فتح اشتراك أهدافها المعلنة مع أهداف حركة حماس بالنسبة للحوار، ولكن تتواتر التصريحات المعبرة عن الهدف المعلن الوحيد هو حكومة تقبل الإملاءات الصهيونية والأميركية، فقد أرادوها بوقًا ينعق، فأبت إلا أن تكون بوقًا ويدًا وفأسًا.
وفي الواقع لم تستطع فتح إخفاء أهدافها من عملية الحوار، فأهدافها المعلنة هي نفس أهدافها غير المعلنة، وقد عبر عن ذلك رؤوسها مرارًا وتكرارًا:
• إقصاء حركة حماس نهائيًا من المشهد السياسي، هذا في المقام الأول.
• جر حركة حماس إلى المفاهيم الخاصة بحركة فتح في التعاطي مع القضية الفلسطينية، وترويج أن حماس دخلت من بوابة أوسلو، وتحت سقف أوسلو، هذا في حال فشل الهدف الأول.
• إقناع الشعب الفلسطيني بأن حماس لم تجلب له إلا ضنك العيش بعد رغده، والحروب بعد السلم، وأن خيار حماس يجب عدم العودة إليه في أي حال من الأحوال، وما تأخير عملية الإعمار إلى بداية الدعاية الانتخابية لحركة فتح إلا شاهد على ذلك.
وليس أمام الطرفين إلا خياران: الأول هو النجاح والعودة بحكومة –بصرف النظر عن شكلها وسقفها السياسي– والخيار الثاني هو بقاء الحال على ما هو عليه.
من المستفيد من إهدار الوقت؟
إن أي راصد للأحداث يدرك أن فتح أجادت ما تقوم به وما قامت به من إضاعة الوقت، حتى الآن على الأقل، وتعاملت مع قطاع غزة بعد يونيو/حزيران 2007، بمنطق الجنة في الضفة، والنار في غزة، وهو المبدأ الذي روج له توني بلير بعد أحداث الحسم العسكري، إلا أن اعتبارات العدو الصهيوني الأمنية حالت دون رفع أي حاجز في الضفة الغربية، بل على العكس.
عملت فتح من منطلقاتها على إطالة أمد معاناة الشعب الفلسطيني خاصة في قطاع غزة، لترسيخ قناعة أن اختيار حماس قد جلب لهم المتاعب وهو بالتالي خيار يجب ألا يتكرر.
كل هذا بهدف منع حماس من أي فرصة حقيقية لممارسة ما انتخبها الشعب الفلسطيني من أجله في ممارسة الحكم والإدارة، وإن كان هذا هدفا يشترك فيه أغلب الأنظمة العربية، وقوى الاستكبار العالمية.
" الحوار الفلسطيني الداخلي أُريد منه تقديم كل أطواق النجاة لتعزيز شرعية عباس، واستضافة مصر لحوار لأكثر من جولة دليل على حرصها البالغ لشراء الوقت والوصول إلى الاستحقاق الانتخابي في ظل أوضاع غير مريحة لحماس في غزة " |
الحوار الفلسطيني الداخلي أُريد منه تقديم كل أطواق النجاة لتعزيز شرعية عباس، واستضافة مصر لأكثر من جولة في حوار كان من الممكن أن ينتهي من جولة واحدة، دليل على حرصها البالغ على الوصول لهذه النتيجة، ومحاولة لشراء الوقت والوصول إلى الاستحقاق الانتخابي في ظل أوضاع غير مريحة بالنسبة لحركة حماس في غزة حيث المعاناة والحصار والدمار، وفي الضفة حيث حرب الاجتثاث، وفي نفس الوقت منح فرصة هدوء لإدارة أوباما، ليواجه مشاكل أعقد بكثير من الملف الفلسطيني.
وهناك من يؤكد أن القاهرة ليست حريصة على وصول الحوارات إلى نتائج بقدر حرصها على إدامة اللقاءات والحوار لأجله فقط، حيث أن مصر تدرك أن الاتفاق الفلسطيني على قاعدة مصلحة فلسطينية ليس مرغوبًا من العدو الصهيوني ولا الإدارة الأميركية ولا النظام المعتدل.
رغم أن حكومة العدو الصهيوني قد جهرت بإلغاء أنابوليس، ما زال عباس يطالب "إسرائيل" بتنفيذ تفاهماته، كونها مكملة لاتفاقية خارطة التصفية النهائية، وقد رفضها ليبرمان نفسه، ويراوغ الطرف الأميركي ونتنياهو بإمكانية تحقيقها، فعلى ماذا يراهن عباس، وماذا بقي من سراب "السلام"؟
الحوار استهدف تفريغ نتائج العدوان على غزة ومنح صك البراءة لمن شاركوا بالعدوان على غزة، ومن الظاهر أن الوقت واستطالته يلعب في صالح فريق فتح الرسمي، والحوار يهدف إلى استنزاف الوقت مقتربين من استحقاق الانتخابات التشريعية الفلسطينية مطلع 2010، وليس أدل على ذلك من إعادة تشكيل حكومة جديدة في رام الله، والدعوة لعقد مؤتمر فتح تحت حراب الاحتلال.
إن الذي يجب في هذا المقام أن تكون هناك قواعد جديدة للحوار، حيث أن القواعد الجديدة لم توضع بعد في ظل انشغال الإدارة الأميركية في الملفات الخاصة بها، وفي ظل عدم وجود برنامج سياسي لدى العدو الصهيوني سوى التهام المزيد من الأراضي وتهويد القدس، وفي ظل ابتزاز الأنظمة العربية في مصالح ذاتية. واللهُ أعْلَى وَأَعْلَم.
ــــــــ
كاتب فلسطيني